يشترك "الرب الشيعي" مع "الرب السنِّي" في عوامل أساسية مشتركة، لكنه يختلف معه في أساسيات سلوكية وتفاصيل إيمانية، وله ملامح خاصة في التعامل مع الحياة؛ وكذلك من حيث انتماؤه للأصل الديني والرب السلفي، نسبة إلى "السلف الصالح" لصحابة الرسول الأوائل، بحسب التعبير الاصطلاحي للمذهب. ويُعتبَر الرب الشيعي والصوفي المنافس العدوَّ الألدَّ للرب السنِّي، في شكل عام، وللرب السلفي، في شكل خاص. ومع أننا أكملنا بحثًا منفردًا عن الصفات السلوكية للأرباب في المنظومة الدينية للإسلام في الزمن المعاصر، فسنستعرض جزءًا من هذه الصفات العامة للأرباب الثلاثة استعراضًا موجزًا. فمن أهم هذه الصفات وأكثرها تأثيرًا على الواقع السلوكي والتاريخي:
1. تُعتبَر السلطة من أهم الصفات المركزية في السلوك الربوبي في المذهب السنِّي: فالسيطرة على هذه السلطة وممارسة التسلط والحاكمية من المتع الهائلة للرب السنِّي.
تُعتبَر هذه الصفة الشكل الطبيعي للمذهب السنِّي، من حيث هو يمثل الأكثرية في الإسلام ويعتبرها من حقوقه، كونه هو الحق: "لا تجتمع أمَّتي على باطل"، بحسب الحديث النبوي. لهذا فأهل السنَّة والجماعة هم "الفرقة الناجية"، وهي من صفات المذهب السنِّي بحسب الحديث النبوي: "لتأتينَّ على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل..."، إلى أن يقول الحديث: "وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملَّة، وتفرَّقت أمتي على ثلاث وسبعين ملَّة – كلهم في النار، إلا ملة واحدة. قالوا: ومَن هي، يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي." (رواه البخاري) ويعتبر أهل المذهب السنِّي أنهم يمثلون الرسول والصحابة وأن هذا الحديث يخصهم وحدهم. وهذا الحديث يُعتبَر من الأحاديث التي خلَّفت وراءها إشكاليات ومهالك لا تنتهي مادام هذا الحديث معتبَرًا عند كثير من المذاهب، مع بعض الزيادات بحسب رواة الأحاديث الثقاة لدى المذاهب. وتثير هذه الأحاديث جملةً من المشكلات التي لا حلَّ لها، وخاصة الأحاديث التنبؤية بمستقبل الحياة على الأرض، في شكل عام، والحياة في العالم الإسلامي، في شكل خاص. وقد تركت هذه الأحاديث هزائم للوعي الإنساني ومهازل فكرية وعقلية، وراح ضحيتَها كثيرٌ من الناس، أكانوا ضحايا التصفيات الجسدية بين المذاهب الإسلامية أو ضحايا انشغال العقول الإسلامية بمعرفة لا طائل من وراءها غير التوحش والتسافل والاستهلاك.
ومن صفات المذهب السنِّي "الطائفة المنصورة" بحسب الحديث: "لا تزال طائفة من أمَّتي تقاتل على الحق ظاهرًا إلى يوم القيامة." إنهم يعتبرون، كما ذكرنا، أنهم المثال الحقيقي للسلف الصالح. وهذه الأحاديث، مع بعض الزيادات واختلاف المصادر، تُعتبَر من الأحاديث المهمة في المذاهب الإسلامية جميعًا، وتملأ ما هو موجود من تفاصيل أو خصوصيات في هذه الأحاديث عن الشكل الربوبي لها، بحيث يعتقد معتنقو المذهب الشيعي، كغيرهم من الفِرَق الإسلامية، أنهم "الفرقة الناجية"، فيما باقي المذاهب الأخرى في النار. بل لقد حدث صراع هائل على هذه الأحاديث لإثبات كلِّ مذهب أن "حديث الفرقة الناجية" يخصه بالذات؛ بل أخذت على أن أمَّة محمد لا يمكن لها أن تكون المذاهب والطوائف الإسلامية كلَّها لأنها باطلة في الأساس، بل إن المذهب نفسه، أكان سنيًّا أو شيعيًّا إلخ، هو الذي يمثل للمسمَّى العام لأمَّة محمد، وهو الذي ينقسم ويتشظَّى إلى فِرَق، واحدة منها "الفرقة الناجية"، ويتشعب ويتفرع حتى يصل إلى الأفراد. وإن مجمل الأحاديث في هذا السياق يتسم بنزعات القتال والاستمرار في العنف بشكل مباح وفقًا لأنساق لغوية مفتوحة؛ ومن الممكن استخدامها وفقًا لأيِّ شكل من أشكال المواجهة مع الآخر. وليس هناك أي بديل آخر للمواجهة، وخاصة في الزمن المعاصر للإسلام واستثمار الأحاديث أو الآيات التي تدعو إلى الاستمرار في القتال في سبيل الله، حيث لا يُعرَف بالدقة أي سبيل يتخذه المسلمون، نظرًا لتعدُّد السبل واختلافها على المسمَّيات المقدسة نفسها التي حُذِفَت تمامًا الضرورةُ التاريخية لإيجادها أو الضرورةُ الواقعية لاستخدامها في زمن النص وإطلاقها إلى مدى غير محدد، أي إخراجها من سياق الواقع والتاريخ وجعلها من المبادئ المحورية في الإسلام لإثبات صحة المذاهب وولائها للأصل الديني والنص المقدس في زمن الرسول.
2. يميل الرب السنِّي ميلاً واضحًا إلى الانتماء الأتم إلى الروح العربية، بأبعادها السلوكية كافة، المتمثلة في الجزيرة العربية بشكل أساسي، كونها مهبط الوحي الإسلامي والمكان الأول للظهور الديني للإسلام؛ ناهيك أن فيها الكعبة، بيت الله وقبلة المسلمين وأكثر الأماكن قدسية عند أتباع الرب السنِّي، وكذلك باقي البلاد العربية التي تتفاوت انتماءاتها للروح العربية نفسها، بحسب العادات والتقاليد المشتركة واللغة الواحدة.
ويعتبر الرب السنِّي هذا الانتماء إلى الروح العربية من المقدسات التي تمثل الشكل الأول للظهور الديني في بلاد الجزيرة العربية. لذا نرى الربَّ السنِّي يركز على تمثُّل هذه الروح، ويتعاضد تعاضدًا كاملاً مع هذه الثقافة القومية ويحاول دعمَها بجميع الوسائل المتاحة، من الآيات التي تمثل الروح العربية في الصفات والتعامل مع مفردات الحياة والمزاج العربي في الملبس والمأكل والأفراح والأحزان والتعامل مع الغرباء. أي أن الرب السنِّي، بكلِّ وضوح، يمثل المزاج العربي التام في التعامل مع الحياة، مع بعض التطورات التي حصلت فيها.
وبما أن المذهب السنِّي يمثل الأغلبية في الإسلام، فإن البلاد غير العربية التي تنتمي إلى المذهب السنِّي تحاول، قدر المستطاع، التقرب من الشكل العربي في الحياة أو التعامل مع الحياة في العادات والتقاليد الإسلامية السنِّية في السلوك، كونها هي الأصل النبوي للإيمان الديني بحسب اعتقادهم. ويعتبر الرب السلفي هذا الانتماء إلى الروح العربية من أكثر الشعارات قدسية لديه؛ بل يتحتم على المسلم اتِّباع الشكل الأول للحياة العربية في زمن الرسول، كونها تمثل عنده أقدس الفترات وأكثرها حضورًا وتوهجًا لوجود النبي فيها، أولاً، ولأنها من أكثر الفترات ازدهارًا للحضور الإسلامي وأكثر الفترات "عدالة" في نظره، ثانيًا. فالانتماء إليها يمثل الانتماء إلى الشكل النبوي وفعاليته الحياتية آنذاك. وهذا المذهب يقلِّد أشكال الحياة كافة في زمن الرسول تقريبًا تقليدًا سطحيًّا، وخاصة المزاج العربي في اقتناء الأشياء والملابس وطريقة التعامل مع مفردات الحياة والتعامل مع المرأة والأطفال والآخرين من ديانات أخرى. ولا يختلف تعامُله إطلاقًا عن شكل التعامل في زمن الجاهلية قبل النبوة، مع إضافة الشدة والتزمُّت والعصبية إضافة مفرطة: فالرب السلفي يعشق السلطة، بأشكالها كافة، ويضيف إليها التطبيق الفعلي للقتل والإزاحة من خلال هذه السلطة على المخالفين له في الرأي أو الاعتقاد. الرب السلفي يكفِّر جميع المذاهب الأخرى تقريبًا، بل يفتي بقتل أصحاب بعض المذاهب وإزاحتها من الوجود. وأشد أعدائه الشيعة والصوفية، بشكل خاص، وباقي الديانات الأخرى، بشكل عام.
أما الرب الشيعي فإنه أقل حدَّة في تمثُّل الشكل الانتمائي للروح العربية المتمثلة في السلوك والتعامل مع مفردات الحياة، وإنْ كان معتنقوه من العرب حتى: فإن معظم هؤلاء المعتنقين لهم تراث وعمق حضاري فكري ومعرفي قبل الإسلام؛ فلم يكترثوا كثيرًا للشكل القومي للدين، على الرغم من تسرُّب الكثير من ثقافاتهم ومعارفهم القديمة إلى معتقداتهم وانصهارها في الشكل الديني خاصتهم. والرب الشيعي له أمزجة متنوعة ومختلفة وقابلة للتعايش مع جميع الأمزجة، وله القدرة على تسخيرها وفقًا لما يعتقد ويرى.
3. يشجع الرب السنِّي من خلال بعض النصوص المقدسة (الكتاب والسنَّة) معتنقيه على مهادنة الحكام إذا كانوا يعتنقون – ولو اسمًا – المذهبَ السنِّي، مع بعض التحفظات الدينية عليهم. ويجب أن تتوفر فيهم شروط، ولو ظاهريًّا، كون هؤلاء الحكام يضطهدون باقي المذاهب والملل والنحل، ولا يعترفون بها صراحة، وخاصة المذاهب المنحرفة عند الرب السنِّي، كالشيعة والصوفية.
ويخرج عن هذا الالتزام الرب السلفي الذي له امتداد وجذور واشتراك مع الرب السنِّي، لأنه يمثل الشكل القهاري له؛ إذ يعتبر الرب السلفي الحكام الذين لا يمتثلون لأحكامه وقوانينه أعداء لله والدين، ويجب محاربتهم بأيِّ شكل من الأشكال. ويُعتبَر الرب السلفي من أشد الأرباب في الإسلام وأقساهم؛ إذ يمثل ربَّ الحرب أو، بالمعنى الديني، "رب الجهاد في سبيل الحق"، الذي يتمثل فيه. ويحشد هذا الرب جميع الآيات والنصوص من الكتاب والسنَّة لتعميق ثقافة الحرب والصراع المسلَّح بينه وبين جميع مَن يخالفه الرأي أو النظر بالنسبة للدين الإسلامي الذي يعتبر الحق المطلق لديه في تطبيق كلِّ ما يحتوي الكتاب والسنَّة ومباشرة فعاليتها الظهورية على الإنسان والواقع بشكل سطحي أو بما هو موجود في التعبير اللغوي للنصوص، من دون تأويل أو تفسير يرتبط بأيِّ شكل خارج الشكل التاريخي لفترة النبي وصحابته والتابعين له بإحسان.
أما الرب الشيعي فهو يمثل الشكل المعارض للحكام والولاة الذين يحاولون تهميش وجوده، كونه (الرب الشيعي) يمثل الأصل النبوي لبيت النبوة الذين حُرِمُوا من ممارسة دورهم السياسي، وكذلك من تسلُّم السلطة التي كانوا أولى بها من غيرهم. ولقد مورستْ ضد هذا الاعتقاد أنواعٌ من الحرب والتدمير مازالت مستمرة إلى يومنا هذا.
4. يُعتبَر الرب السني من أكثر الأرباب اضطهادًا للمرأة، يتعامل معها كما كانت في الجاهلية، مع بعض الزيادات في الاضطهاد ومصادرة حريتها وتهميش دورها الحياتي والفعلي، وكذلك إبداعها، كونها تمثل النقص الوجودي والتسافلي في نصوص التكوين وخلق البشرية ومصدرًا من مصادر الإغواء والخطيئة، بحسب الثقافة المتدينة في فهم أوليات الخلق الأول وخروج الأب الأول للبشرية من الجنة الإلهية إلى الأرض.
تُعتبَر المرأة، بحسب التصور الديني الساذج والسطحي، السبب الرئيس للخطايا البشرية. فكأن التفكير الذكوري الديني يطلب لدى المرأة ثأرًا أبديًّا لخروج الرجل من الجنة! وهذه الثقافة الذكورية تنعكس انعكاسًا مباشرًا أو غير مباشر على السلوك الديني أو البدائي أو الأسطوري، لاعتبارات مختلفة أو لأسباب أخرى. وكذلك هناك كم هائل من الأحاديث أو إشارات في الكتب المقدسة إلى تسافُل المرأة أو التعامل معها بقسوة أو تحديد فعاليتها ونشاطها وحصره داخل حدود ضيقة جدًّا، على الرغم من أن الرب السنِّي يعشق المرأة من جهة الالتذاذ المادي وكذلك المتعة الجسدية، كونها مصدرًا من مصادر الإمتاع الذكوري وكون الرب السنِّي يتصف بالصفات الذكورية التامة. وهذا التصور موجود في معظم الديانات الأخرى والمذاهب.
أما الرب السلفي فيمارس أقسى أنواع التطرف في حقِّ المرأة، بعزلها تمامًا عن المحيط الذي تعيش فيه، وتجهيلها بكلِّ شيء، وإلزامها بأقسى العقوبات على أخطاء طفيفة، على الرغم من أن السلوك الفعلي للربِّ السلفي فيه الكثير من الشهوة والشبق تجاه النساء، حتى يبدو أن الرب السلفي يعاني من عُقَد تاريخية وأمراض اجتماعية ونفسية لا حصر لها!
أما الرب الشيعي فيشترك في تحديد دور المرأة تحديدًا أقل قسوة من باقي الأرباب، لكنه لا يخرج من دائرة التصور الديني لها، كونها "عورة"! وهو يختلف مع الرب السلفي والسنِّي في القسوة المفرطة الممارسة ضد المرأة وفقًا للنصوص التي يؤمن بها، فيعطي المرأة بعض الأدوار الحياتية، حتى في ممارسة السلطة، لكن وفقًا لضوابط معدَّة سلفًا لها.
5. يمثل الرب السنِّي الشكل الأحادي أو الدكتاتوري لممارسة السلطة، أو يشجع السلطات التي تتبنى هذا الشكل الاستبدادي، مستوحيًا هذا الفهم من النصوص المقدسة أو الشكل المدرَك للحقيقة الإلهية في الوجود أو الفهم الأحادي للرب أو الدين، كون هذا الاعتقاد هو الشكل الأوحد لقيادة الحياة والأصلح في تقديم الشكل الأمثل لها، وكونه يمثل المصدر الأساس للوحي أو المعنى الغيبي للوجود أو ما يطلبه الله من البشر، بحسب الفهم الديني لهذه التسمية.
ويتبنَّى هذا الفهمَ الرب السلفي، ويطالب باتخاذه بشكل واقعي وتطبيقي والسعي إلى تحقيقه على أرض الواقع، بالوسائل والسبل كافة، باعتبار أن هذا الرب هو الشكل العملي للرب السنِّي، مع زيادة في التطرف، أو "يده الضاربة في أرض الله". فعلى الرغم من أن الرب السلفي يختلف عن الرب السنِّي من بعض وجهات النظر التطبيقية، إلا أن هناك جذورًا مشتركة تجعله لا يمارس الإلغاء الكلِّي أو الفعلي على الرب السنِّي. بل إن الرب السلفي يشجع الرب السنِّي على اتخاذ سياسة العنف والتدمير، بحسب ما هو موجود في النصوص الأولى للدين، أو بحسب الفهم السلفي لهذه النصوص الكثيرة، التي يمثل شكلها الظاهري العنف والتدمير والتهميش لكثير من جوانب الحياة والواقع. لهذا تُعتبَر الحرب، أو التفنن في صنع الأعداء، من أفضل هوايات الرب السلفي وأكبر متعه، بما يضمن لهذه الربوبية حياةً وظهورًا أكبر وأوسع. لا يستطيع هذا الرب العيش من دون أعداء!
ويشترك الرب الشيعي مع هذه الرؤية الأحادية للسلطة، وكذلك مع الشكل الأوحد في تسلُّط النظام الديني على الحياة والتدخل في تفاصيل الإنسان الدنيوية. وعلى الرغم من اختلاف الشكل الظاهري للسلطة الدينية، إلا أن مضمون الحاكمية يبقى واحدًا عند الأرباب في المذاهب الثلاثة كافة.
6. ليس للعقل قيمة فعلية وتميُّز ذاتي للقدرة والقابلية المبدعة عند الرب السنِّي، بل هو يستخدم العقل كقدرة تابعة لضمان التصور المنطقي لسلوك الرب أو خادم يبرِّر الاختلافات والمشكلات الجمَّة في النصوص الدينية.
ويمارس الرب السنِّي نوعًا من التعسف والتسفيه للقدرة العقلية والإبداعية للإنسان كلما حاولتْ هذه أن تستقل عن المنظومة الدينية، أو لدى أية محاولة تشكيكية من الممكن أن تخلق نوعًا من الفهم المخالف للتصور الربوبي في المنظومة الدينية أو التماسك الشكلي للرب السنِّي. ويضيف الرب السلفي الإلغاء التام لأية مقدرة تأويلية أو فلسفية، ويشن حربًا تكفيرية على أية عقلية فلسفية من الممكن أن تجد لها منافذ معرفية تبيح التساؤل خارج سياق المنظومة الدينية، وكذلك لأية محاولة ثقافية أو إبداعية أخرى للإنسان في مجالات الفكر عمومًا.
ويختلف الرب الشيعي مع الأرباب الآخرين في اتخاذ تشجيع الفلسفة أو اتخاذها ضمن الأدوات المعرفية لإثبات صحة عقائده وأفكاره التي يُعتبَر الكثيرُ منها لا يمثل الشكل الظاهري للدين الإسلامي ويتخذ من التأويل أداةً لإثبات أحقِّية الأشخاص الذين يعتبرهم مقدَّسين ضمن مداره العقائدي، كالأئمة والأولياء. وهذا الاستخدام لمجالات فكرية مختلفة طوَّر أدواتٍ كثيرة في التعامل مع المشكلات الدينية وفقًا لتصوراته الخاصة للدين.
ويشترك الرب الشيعي مع السنِّي والوهابي في استثناء الشعر، بوضعه في دائرة المهمل والمفيد من التراث الثقافي والفكري، وخاصة الشعر المنظوم وفقًا للسياقات العلمية القديمة للشعر، الذي يمثل جزءًا مهمًّا من العقلية العربية الفكرية، ويتصف كذلك بالسياقات العلامتية نفسها للنصوص المقدسة، ويُعتبَر الشكل الأوحد للتعبير عن الحكمة العربية في سياقاتها اللغوية الأولى المرافِقة لِلُغة النصوص أو الداعمة لها. ويتغنى الرب السنِّي، وكذلك السلفي (ويشترك معهما الرب الشيعي في هذه الصفة)، بالشعر والشعراء الأوائل للعرب، كونهم الحصيلة الفكرية للتراث العربي، وبالأخص الشعراء في زمن البعثة النبوية الأولى وما بعدهم، ولأن التركيبة الشعرية للمعنى تخدم المعتنقين في إثبات قيمة اللغة العربية وإمكاناتها التخيلية والتعبيرية، التي من خلالها تظهر الصورةُ الإعجازية للنصوص المقدسة في الكتاب والسنَّة. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبَر الشعر العربي المكوِّن الأساسيَّ للشعارات المعتبَرة في التراث الديني التي يستشهد بها المعتنقون لإثبات مقدرتهم الفكرية والتخيلية؛ وكذلك يُعتبَر الشعرُ من التراث الذي يساعد على إثارة الفهم الأحادي للوعي والسلطة والحاكمية للدين. أما باقي العلوم فليست لها أية قيمة إلا في تقديم العون الفكري والتأييد العلمي لخدمة النص الديني. وإن الفقه وعلوم القرآن والحديث واللغة من العلوم الشريفة للإنسان المسلم الذي يسعى جاهدًا بتحصيلها إلى كسب رضا الأرباب في المجالات كافة.
ويمكن أن نواصل إلى ما لا نهاية تعدادَ الصفات السلوكية والتفصيلية في تاريخ الأرباب في المذاهب جميعًا، نظرًا لكثرة الوقائع التي حدثت في تراث الإسلام. وقد أفردنا بحثًا مفصلاً حول هذه السلوكيات على امتداد التاريخ الإسلامي، وخاصة المعاصر، في تقلُّبات الأرباب والأمزجة المختلفة والتذوقات لأشكال مختلفة من الحياة والواقع والعنف الذي مورس ممارسةً مباشرة أو غير مباشرة ضد الإنسان في أمكنة وأزمنة مختلفة.
والأرباب كلهم، في الديانات عمومًا، وفي الإسلام خصوصًا، في حرب مستمرة ضد المعنى الإنساني؛ إذ هي تحوِّل الإنسانَ إلى عدوٍّ لدود للرب في الديانات بعدما كان الجوهر الحقيقي للوجود والشكل الأمثل لصورة الله في العالم. وإن هذا التحول الكبير، وخاصة في زمننا المعاصر، يُعَدُّ أخطر التحولات في الفكر الديني للقضاء على كلِّ إبداع إنساني أو أية حقيقة وجودية قد تختلف مع التفكير الديني في إدراكها للحياة والعالم والوجود والإنسان.
متى تكف الأرباب وتقتنع – وخاصة في الإسلام – بعدم التدخل القسري في حياة الناس وتحديد حرياتهم ورسم وجودهم وفقًا لقراءات تعسفية للمعنى الإلهي في الوجود؟ متى تستريح الأرباب من حشد أبطالها وشهدائها وتجييش معتنقيها وحثِّهم على العنف والدمار وصنع القتلى الذين ماتوا من أجل "مجهول" لا يعلمه حتى أرباب المذاهب – قتلى من أجل شعارات لغوية مقدسة، قتلى ينتمون إلى أشكال من التاريخ قد مضت، لم يعد لها حضور فعلي إلا في ذاكرة الإرث الممزوج بأشكال مختلفة من الوهم التاريخي والإنساني؟
لم تفعل أرباب المذاهب طوال عقود كثيرة إلا ترجمة شرورها وقليل من الخير! ألم يحنِ الوقتُ لنرى ما يمتلكون من خير كثير؟ إننا نتمنى على الأرباب أن ينسوا مفهوم المزاحمة الوجودية. فالوجود يتسع لهم جميعًا إذا حاصروا مفهوم العداوة وأوقفوا تجنيد قدرتهم العظيمة لصناعة الأعداء إلى ما لانهاية.
http://www.maaber.50megs.com/issue_may06/s...spotlights3.htm