تحية طيبة للجميع (f)
اقتباس:وحتى لا نخرج عن الموضوع Mirage Guardian مع تحفظي على بعض أرائك و لكن كلامك عن اليهود في العصر الحالي رائع و محايد ، لكن لي سؤال عزيزي ما رأيكم في التلمود ؟ و من أين انبثق ؟ و ما مدى قدسيته بالنسبة لليهود ؟
بداية، يمكنك إثارة تحفظاتك بحرية تامة لطالما داخل سياق النقاش، فنحن هنا لنتناقش.. لا لأنفرد برأيى. (f)
تريد الرأى فى التلمود؟
أعتقد أنه من الأنسب - كبداية - تبيان ما هو التلمود.
أقصر الطرق لفهم ما هية التلمود، هو معرفة أنه كتاب وضعه الرابيون (موظفو الدراسة اليهودية، أو أشبه بـ"أمين مكتبة" التراث الدينى اليهودى)
هذا الكتاب، يشابه كتب كبار رجال الفكر، الذين صاروا البديل عن إكليروس اليهود (الكهنة واللاويين) وهو قائم على ما يشابه "الإجتهاد" فى العلوم الإسلامية، ويستخدم وسائل القياس، والإستنباط، والإستقراء، إلخ إلخ
نشأ هذا الكتاب، ليشرح لليهودى طقوس يومه..
ما الذى يفعله حينما يستيقظ..
بأى طريقة يرتدى حذاءه..
كيف يتحرك ويمشى داخل منزله..
بل حتى من أى اتجاه يشعل شموع الشمعدان المقدس، ومتى يشعله، ومن فى المنزل المفترض أن يشعله ..
ما هى صلاته، وكيف يؤديها..
كيف يتطهّر بعد زوال "ماء التطهير" فى العصر الحالى..
كيف يقدم قرابينه بعد إنطفاء "المحرقة الدائمة" فى العصر الحالى..
كيف يضع "الأنبوب المقدس" أعلى يمين باب بيته..
كيف يرتدى التمائم والعصابات ومن أين يبدأ ومن أين ينتهى..
من أى خامة يصنع الشال المقدس وكيف يرتديه، وما تعنيه "الشراشف" المتدلية منه، وما يعنيه قص هذه "الشراشف"..
الطقوس الخاصة بيوم السبت، وكيف يأكل طعامه بارداً دون طهو، بل كيف يطهيه فى اليوم الذى يسبقه..
بإختصار، كل شيئ يتعرض له اليهودى فى حياته اليومية..
حول قدسية هذا الكتاب بالنسبة لليهودى.. هذا حوار طويل..
بداية، فاليهودى لا يعتبر "الرابى" (واضع التلمود) أكثر من "موظف دينى"..
أى أن الشخص، لا توجد له أى قدسية دينية على الإطلاق..
لكنهم يثقون بالرابيين بحكم أنهم متفرغين لهذه الوظيفة، وبالتالى فهم أقدر الناس فهما واحتكاكاً باليهودية كطقوس وتعاليم.
لست أعلم هل يجوز القياس مع دور "الشيخ" / "الإمام" فى الإسلام أم لا، فمن المفترض أن الإسلام لا يؤمن بالكهنوت، ومع ذلك فهو متفرّغ لدراسة الدين وأصوله وفروعه، هكذا الرابى أيضاً..
لذا، لا يجد اليهودى كتاب "التلمود" مقدساً فى حد ذاته، بل يتكلم عن أمور مقدسة مستقاه من التوراة، والتقاليد اليهودية، والعادات المتوارثة ذات الصبغة الدينية، وكثير من المحاكاة (الإجتهاد) فى أمور كانت قديماً، ويتعذر الإتيان بها بصورة مطابقة (مثل القرابين) فيتم الإجتهاد فى تصرّف يناسب الوضع الحالى..
مثال:
اليهودى، يقدم من الخبر بعض منه ليلقيه فى "المحرقة الدائمة" كتقدمة لله، ويفعل هذا كل "خبيز" قبل أن يأكل هو من هذا الخبز..
لا يوجد "محرقة دائمة" الآن..
هل يعنى هذا توقّف اليهودى عن أداء هذه الفريضة؟
لا..
بل عندما يخبز خبزة (حتى فى فرن مايكروويف منزلى) فهو يقوم بحرق أول "رغيف" من الخبز كتقدمة لله (كبديل عما كان يلقيه فى المحرقة الدائمة)
إذن بالنهاية، نجد كتاب "التلمود" ليس مقدساً لذاته..
لكنه هو الكتاب الأكثر إحتكاكاً باليهودى فى واقع التطبيق العملى..
لن أبالغ فى القول إن قلت ببساطة.. اليهودى يتبع التلمود ويقرأ فيه، أكثر مما يتبع التوراة وكتب الأنبياء ذاتها.
تحياتى