الأخوان على طريق الديكتاتورية
الأخوان على طريق الديكتاتورية
لم تف حركة حماس بوعودها الانتخابية التي أطلقتها عام 2006 , وأكثر من ذلك كان أداؤها في الحكم سيئا للغاية , لدرجة أن المواطنين في قطاع غزة , على نحو خاص , أن لم ينقلبوا على حكمها , في انتفاضة شعبية , على طريقة الحراك الشعبي العربي , فأنهم لن يصوتوا لها بكثرة كما فعلوا في الانتخابات السابقة , بعد أن خبروها في الحكم , وشهدوا على انقلابها عن الاتفاقيات وعلى الشرعيات الدستورية والبرلمانية .
أخوان مصر يبدو أنهم , على شاكلة حماس , وان كانوا هم الأصل وهي الفرع , فهذا يعني أنهم " مدرسة " في خداع المواطنين , وفي المراوغة السياسية , وفي قدرتهم على أخفاء نزعاتهم الاستبدادية في الحكم , بل وتعطشهم له مهما كانت الوسيلة والطريقة .
ولعل وعودهم , تصريحاتهم وإعلاناتهم قبل أجراء انتخابات مجلس الشعب المصري , ومن ثم ما كانوا أعلنوا عنه قبل الاقتراب من موعد انتخابات الرئاسة المصرية , دليل على أنهم يسعون للاستئثار بالحكم , وأنهم يفضلون حكما شموليا _ حكم الحزب الواحد _ لذا فهم يطلقون بعض التصريحات بهدف دفع الناس للنوم في العسل , على حد قول الأخوة المصريين , وهم فعلا كانوا وقبل أجراء انتخابات مجلس الشعب , قالوا بأنهم لن يسعوا إلى الفوز بأكثر من 35% من مقاعد البرلمان , حتى لا يشكلوا مع السلفيين أكثرية تفوق الثلثين , والتي من شأنها أن تعدل وان تغيير القوانين العامة في أي وقت , لكنهم لم يلتزموا بهذا الأمر , وحصلوا على أكثر من 45% من مقاعد البرلمان , وهم مع السلفيين تجاوزوا الثلثين .
بعد أن حصل الأخوان والسلفيون على أكثر من 70% من مقاعد البرلمان , بات الشعب المصري يتطلع إلى انتخابات الرئاسة , آملا في انتخاب رئيس غير أخواني , حتى تحدث حالة توازن في السلطة , خاصة وان النظام المصري ما زال نظاما رئاسيا , وان كانت " سطوة " الرئيس القادم ستقل جدا مع تحديد ولايته بدورتين انتخابيتين , ومع إلغاء الأحكام العرفية ومع وجود برلمان لا يخضع لقيادته , مرة أخرى أعلن الأخوان أنهم لن يرشحوا أخوانيا , ووراء الكواليس كانت تجري التكهنات حول صفقة أو توافق أو حتى دعم لوجستي يقوم به الإخوان لمرشح مستقل .
بإعلانهم ترشيح نائب المرشد العام , خيرت الشاطر , يكون الأخوان قد تجرؤوا مرة أخرى على الرأي العام المصري , وربما كان وراء قرارهم هذا , ما حصل قبل بضعة أسابيع حول حكومة كمال الجنزوري , فقد تطلع الأخوان منذ البداية للمجلس العسكري , على أنه محطة انتقالية أو قنطرة أو حتى مطية , لحكمهم القادم , بما يذكر ما سبق وحاولوه مع جمال عبد الناصر عام 52 , وهم بحجبهم الثقة عن حكومة الجنزوري ورفضهم في الوقت نفسه تشكيل حكومة , سعوا إلى التحكم بالسلطة دون أن يتحملوا تبعاتها , أمام المواطنين , تماما كما يحاولون في غزة , حيث يتولون السلطة والحكم , ثم ينحون باللائمة على أبو مازن في كل ما تتعرض له غزة من مشاكل , كهرباء وصحة وبطالة وحصار وما إلى ذلك .
بإعلان السيد عمر سليمان , نائب رئيس الجمهورية السابق , ترشحه للرئاسة , وهو الرجل الذي يملك قبولا لدى كل أجهزة ومؤسسات الدولة , من أجهزة الأمن إلى الجيش إلى جهاز أدارة الحكم المحلي , تكون معركة الرئاسة قد انفتحت على مصراعيها , ولم تعد محسومة كما ظهر في السابق من تقديرات التوافق على عمرو موسى مثلا .
ويكون الأخوان قد " كشروا عن أنيابهم " وكشفوا كثيرا عن نواياهم الاستئثار بالسلطة والحكم , ودفعوا الآخرين قسرا وبشكل إجباري للدخول إلى معركة حسم أو كسر عظم وبشكل مبكر , وهكذا فأن معركة الرئاسة المصرية على هذا النحو وبهذا الشكل , ربما تدفع الأمور إلى : أولا تكريس نظام الرئاسة في مصر , بعد أن كانت احتمالات الذهاب إلى النظام المختلط تبدو أكثر ترجيحا , وثانيا إلى تداول أمر المرشح الرئاسي على الصعيد الدولي , بعد أن اظهر الأخوان أنهم قد اكتفوا بما حققوه من أكثرية برلمانية , فان يضعوا أعينهم صوب الرئاسة , يعتبر بمثابة إشعال الضوء الأحمر أمام كل القوى المحلية والخارجية لإعادة التفكير بالأمر .
لاشك أن دوافع الإخوان تبدو معقدة ولكن أن يأتي القرار في اللحظات الأخيرة يعني أن الصراعات الداخلية لعبت دورا , حيث يبدو أن المرشح الشاطر هو الشخصية الأقوى , ولديه طموح كان يجب أن يعبر عنه إما صوب موقع المرشد العام أو رئاسة الجمهورية , كذلك من الواضح أن عجز الإخوان بأكثريتهم البرلمانية عن تغيير حكومة الجنزوري دفعهم صوب مركز القرار والسلطة الحقيقي والذي هو الرئاسة .
وهكذا فان إدارة شؤون البلاد الداخلية لم تعد تعني لهم شيئا , ما دامت أجهزة الدولة والسلطة المركزية بيد الرئيس ( هنا وبشكل مؤقت المجلس العسكري ) الذي بيده الجيش والأمن وبيده قرار حل أو تشكيل الحكومة , كذلك تعطيل العمل بالدستور وإعلان الأحكام العرفية وحتى حل البرلمان , وبمجرد التلويح بهذا الأمر , اشتعلت أوصال الأخوان الذين تأكد لهم أن كل ما حققوه في انتخابات مجلس الشعب إنما هو في مهب الريح , أو يظل تحت قبضة الرئاسة .
بتقديرنا , رغم أن أجهزة الدولة المصرية تلقي بأقوى أوراقها _ ترشيح عمر سليمان _ إلا أن كسب معركة الرئاسة لصالح الأخوان ما زال أمرا ممكنا , وفي تجربة الانتخابات الفلسطينية عام 2006 ما يفيد بهذا الشأن , ذلك انه معروف حتى اللحظة أن الإخوان بأصواتهم التي تقارب ثلث الناخبين يجمعون على مرشح واحد فيما المنافسون سيشتتون أصواتهم على عشرات المرشحين , لذا فان لم ينجح مرشحهم من الجولة الأولى , فانه سينتظر مرشحا ما في الجولة الثانية , حينها ستكون المعركة حامية الوطيس , وربما يراهن خصوم الإخوان على منطق التوازن ورغبة الشعب المصري في خلق هذة الحالة , من خلال ضرورة أن يكون الرئيس غير أخواني وحتى غير " أسلامي " مقابل حكومة أسلامية قادمة , وخشية أن يطبق الإسلاميون عليه خناق الحكم بإقامة سلطة مستبدة , ذات طابع شمولي , ولا شك أن أقدام الأخوان على الإعلان عن مرشح أخواني يعني التراجع عن التفاهمات التي توصلوا لها مع الأمريكان والغرب عموما , وهذا يعني فتحهم أبواب المعركة مبكرا مع الجميع في الداخل والخارج , لذا ربما تكون هذة الخطوة مجرد تكتيك , يمكن العودة عنها إذا ما أعيد التفاهم مع الآخرين في الداخل والخارج , ولكن بعد الاستجابة لمطالب أخوانيه محددة , ربما تكون في تحديد شخصية مقربة منها للرئاسة وربما إقالة حكومة الجنزوري وتشكيل حكومة جديدة .
رجب أبو سرية
Rajab22@hotmail.com
جريدة الأيام
3/4/2012
|