تعالوا نراقص الحزن...
تعالوا نراقص الحزن...
يأخذك الحدث,بدون أن تدري تجد نفسك ممسوكا بقيود ثقيله الى نشرات الأخبار, و التحليلات السياسية ,أتسائل ماذا تعرض قنوات الفيديو كليب ,و الحظ و الإتصالات الهاتفيه ,أنا بصراحة كنت "زبونا" مداوما لتلك الأقنية و خاصة قنوات الأغاني , تعجبني الأجساد الطرية البضة التي تتلوى تحت وقع اللمسات و الألحان, و لكن منذ أن بدأ الهجوم الإسرائيلي لم يطاوعني أبهامي في الضغط على الرقم المفضي الى أي من تلك القنوات ,لا أنكر أن نفسي "الأمارة بالسوء" دائما, حدثتني ووسوس شيطاني ألي , أن أذهب و تفرج قليلا , آسيت نفسي بصائم رمضان , الذي يستعرض كل الطيبات اثناء النهار و لا يمر بباله "الفقراء و المحتاجون" مثقال ذرة ,ثم يضبط نفسه الى أن يضرب المدفع ,و لكن متى سيضرب مدفع هذه الحرب .
قناة إقرأ لم تتخل عن وقارها, مازالت "تقرأ" على المشاهدين "مزاميرها",الشاب الوسيم ذو اللحية البيضاء المشذبه و "الجلابيه" الناصعة , يعلم بعض اليافعين أحكام التجويد وفق منهج حديث ,و إحدى الأقنية المصرية مهتمة بصحة المواطن المصري تستضيف طبيب حاصل على "زمالة" من بريطانيا و تطرح عليه "أوجاع" المصريين , أما أل بي سي , فتبدو متمسكة بمسلسل عربي عتيق علكته كل المحطات . أمر بهذه المحطات بشكل أجباري لأنها تقع في طريقي و أنا أتجه الى الجزيرة أو العربية أو الحرة أو النيو "تي في".رغم الحرب مازال الناس بحاجة الى تلاوة القرآن بصورة صحيحة , و هم بحاجة الى إستشارات طبيه و لا بأس ببعض التسلية بمسلسلات ممله .
بماذا أستعين في فترات الراحة بين الغارة و أختها؟؟!الموسيقا خيارا لا بأس به و لكن ليست أي موسيقا لا أريد أن اخون الناس الذين يسحقون تحت الإسمنت , أبعدت تسجيلات صباح ووائل كفوري و طوني حنا و نانسي عجرم ,و ابعدت كذلك شرائط الزجل الكثيرة هذا الوقت غير مناسب للإستماع الى منافرات طليع حمدان و موسى زغيب ,و أخترت صباح فخري , صباح فخري يعجبني يغني للحب و على وجهه تجهم المفتي,غناؤه يحرك قشعريرة مرة و أحاسيس متنوعه يمكن أن تستمع أليه في كل الأوقات و في جميع المناسبات لكنته لا تتغير , و هو يلقي أغانية بجدية محاضري الفيزياء.
أستعادت ذاكرتي التي تتوق الى وجع , مطرب عراقي هو عنوان للكآبه , و خزان كبير لا ينتهي من القنوط تستمع أليه فيتملكك إحساس غامر بالإحباط و اليأس و فوق ذلك أسمه "يأس خضر",صوت هذا الرجل يحمل حزن العالم و تفجعه , و كأنه حضر شخصيا مشهد "قطع رأس الحسين", لفرط ما يحملة من مرارة و شجن , ما أن تستمع الى مطلع أغنيته حتى تشعر بتعاسة البشرية , و تعاسة وجودك , يفجر فيك كل إحساس مكتوم بالألم ,و أنا أختبرت ذلك بنفسي , فبعد أن أستمعت اليه مجددا عاودتني آلام جرح قديم من مخلفات عملية جراحيه ,تمسكت بهذا الرجل و جعلت صوته خلفية لكل مشهد أمامي نشرات الأخبار , مشاهد القصف ,التحليلات السياسية السقيمه , و تصريحات المسؤلين الدوليين و العرب , كل ذلك أختلط مع صوت يأس خضر , فتحول المشهد كله الى سرادق عزاء يؤدي اللطميات فيه ممثلون فاشلون , و لكن يأس خضر يجبر المشاهد على تصديق ما يرى .
أنتهى ياس من وصلته المفعمة بالحزن و التي يقول فيها "وداعا يا حزن ..... أي والله", لا بد أن "ياس" يسخر مني , لأنه يدفعني قسرا الى الحزن بقوله "وداعا يا حزن" ,بقي المشهد الذي يعرضه التلفزيون عاريا بدون خلفية , لف الصمت المكان وصور التلفزيون تتطوف على تل كبير من الركام , كان بعضهم يقلب الحجارة و الكتل الكبيرة بحثا عن البشر , بزغت من تحت الحطام قدم صغيره بيضاء ,نظيفة كأنها استحمت للتو , تراصت أصابعها الخمس ببراءة و كأنها تقبض على آخر حلم ,خطوطها بسيطة و قليلة تنسج نفسها على أديم وردي ,كانت قدما ككل اقدام الأطفال , تجتاحك الرغبة أن تلتقطها و تمرخ بها وجهك , تقبلها و تلثم أظافرها الدقيقه ,القدم الصغيرة الباسقه على التل الخرب كانت ساكنه و هادئة تنتظر صاحبتها أن تخرج .
هذه سوسنه أنثرها فوق ضاحية بيروت الجنوبيه..
|