{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
ابن العلقمي المفترى عليه
رحمة العاملي غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,790
الانضمام: Sep 2002
مشاركة: #1
ابن العلقمي المفترى عليه
ابن العلقمي المفترى عليه

--------------------------------------------------------------------------------

وبدون مقدمات استجابة لطلب بعض الاخوة الكرام في طرح موضوع لطالما شكل عند بعض الزملاء تهمة بلا دليل
سلسلة التهم والافتراءات الموجهة للوزير ابن العلقمي



«وجه بعض المؤرخين المسلمين الى الوزير مؤيد الدين بن العلقمي تهمة في غاية الخطورة‏خلاصتها انه خان سيده الخليفة، المستعصم باللّه، ودينه الاسلام، وجلب على قومه القتل‏والذل والخراب بمكاتبة هولاكو طاغية التتار واطماعه بفتح العراق، بل دعوته لذلك وتهيئة‏الامور له باساليب متعددة، منها: اشارته على الخليفة بتسريح اكثر جنوده، وتشجيعه على‏عدم انفاق المال في سبيل الاستعداد العسكري، وتهوين امر المغول امامه، ودعوته للخروج‏لمواجهة هولاكو حينما احاط هذا ببغداد للتغرير به بحجة حضور عقد نكاح ابنة هولاكو لابن‏الخليفة. وسبب ذلك ان الوزير كان شيعيا رافضيا وانه كان يريد الانتقام من اهل السنة‏خصوصا طائفة من مستشاري الخليفة كابنه ابي بكر وقائد عسكره مجاهد الدين الدويدارالصغير، لانهم اوقعوا بمحلة الكرخ الشيعية، سنة 654ه، وقتلوا العديد من اهلها وسبوا نساءهاونهبوا دورها، وكان في المحلة اقارب للوزير.
(الدكتور جعفر خصباك صاحب كتاب تاريخ العراق في عهد الملوك الالخانيين)

ولعل من المفيد ان نستعرض اهم ما ورد من اقوال المؤرخين في هذه التهمة الخطيرة
قال ابوشامة شهاب الدين عبد الرحمن بن اسماعيل (المتوفى سنة 665ه 1262م) عن حوادث سنة‏656ه/1258م ان التتار استولوا على بغداد بمكيدة دبرت مع وزير الخليفة .
واعاد قطب الدين اليونيني البعلبكي (المتوفى سنة 726ه/1325م) العبارة نفسها، ثم اضاف‏اليها قوله: ان هولاكو تهيا في سنة اربع وخمسين وستمائة لقصد العراق، وسبب ذلك ان‏«مؤيد الدين بن العلقمي، وزير الخليفة، كان رافضيا واهل الكرخ روافض وفيه جماعة من‏الاشراف، والفتن لا تزال بينهم وبين اهل باب البصرة، فاتفق انه وقع بين الفريقين محاربة،فشكا اهل باب البصرة وهم سنية الى ركن الدين الدوايدار والامير ابي بكر ابن الخليفة،فتقدما الى الجند بنهب الكرخ، فهجموا ونهبوا وقتلوا وارتكبوا العظائم، فشكا اهل الكرخ‏ذلك الى الوزير، فامرهم بالكف والتغاضي، واضمر هذا الامر في نفسه وحصل بسبب ذلك‏عنده الضغن على الخليفة‏».

وبعد ان اشار اليونيني الى الخليفة المستنصر باللّه وحال الجندفي عهده، عاد الى ابنه المستعصم وقال: «وكاتب الوزير ابن العلقمي التتر، واطمعهم في‏البلاد، وارسل اليهم غلامه واخاه، وسهل عليهم ملك العراق، وطلب منهم ان يكون نائبهم‏في البلاد فوعدوه بذلك واخذوا في التجهيز لقصد العراق، وكاتبوا بدر الدين لؤلؤ صاحب‏الموصل في ان يسير اليهم ما يطلبونه من آلات الحرب فسير اليهم ذلك. ولما تحقق‏قصدهم علم انهم ان ملكوا العراق لا يبقون عليه فكاتب الخليفة سرا في التحذير منهم وانه‏يعد لحربهم، فكان الوزير لا يوصل رسله الى الخليفة، ومن وصل الى الخليفة منهم بغير علم‏الوزير اطلع الخليفة وزيره على امره‏».

ثم يمضي اليونيني فيصف تقدم جيش هولاكو الى بغداد وهزيمته لعسكرها واحاطته بها، ثم‏يعود فيقول: «فحينئذ اشار ابن العلقمي، الوزير، على الخليفة بمصانعة ملك التتر ومصالحته،وساله ان يخرج اليه في تقرير زواج ابنته من ابنك الامير ابي بكر ويبقيك في منصب‏الخلافة كما ابقى سلطان الروم في سلطنة الروم لا يؤثر الا ان تكون الطاعة له كما كان‏اجدادك مع السلاطين السلجوقية، وينصرف بعساكره عنك فتجيبه الى هذا، فانه فيه حقن‏دماء المسلمين، ويمكن بعد ذلك ان يفعل ما تريد، فحسن له الخروج اليه فخرج في جمع‏من اكابر اصحابه فانزل في خيمة ثم دخل الوزير فاستدعى الفقهاء والاماثل ليحضروا عقدالنكاح فيما اظهره، فخرجوا فقتلوا وكذلك صار يخرج طائفة بعد طائفة‏»
وقال شمس الدين الذهبي (المتوفى سنة 748هر 1347م)، في كلامه عن وقائع سنة‏648 .ه/1250م ما ياتي: «واما بغداد فضعف دست الخلافة وقطعوا اخبار الجند الذين‏استنجدهم المستنصر وانقطع ركب العراق.
كل ذلك من عمل الوزير ابن العلقمي الرافضي‏جهد في ان يزيل دولة بني العباس ويقيم علويا، واخذ يكاتب التتار ويراسلونه والخليفة‏غافل لا يطلع على الامور ولا له حرص على المصلحة‏»((146)) .

وقال عبداللّه بن فضل اللّه الشيرازي الذي الف كتابه حوالى سنة 729هر 1328م ما معناه ان‏الخليفة المستعصم باللّه كان منصرفا الى الراحة واللهو، وكان وزيره ابن العلقمي مستبدابالامور حتى انه لم يكن يحترم المقربين الى الخليفة ولا يظهر تادبا في مخاطبته اياهم، وقدتغيرت نيته ازاء الخليفة بسبب واقعة الكرخ، لان ابن الخليفة ارسل جنودا اغاروا عليهاواسروا البنين والبنات، وبينهم العلويات، فبعث ابن العلقمي لذلك رسالة الى تاج الدين‏محمد بن نصر الحسيني، احد سادات العصر، وعندما فرغ البادشاه هولاكو سنة 654ه 1256م‏من فتح قلاع الملاحدة وارسل بالرسل يبشرون بالنصر في المشارق والمغارب، ارسل ابن‏العلقمي في الخفاء رسولا الى هولاكو اظهر الاخلاص والطاعة وزين مملكة بغداد في‏خاطره، وذم الخليفة، وقال لهولاكو انه اذا توجه بسرعة فسوف تسلم له مملكة بغداد، ولكن‏هذا لم يعتمد على قوله لان حصانة بغداد وكثرة جنودها كانت امرا مشهورا في الاقاليم‏السبعة، وكان ملك العالم اوغوتاي في اول جلوسه على العرش قد ارسل القائد جرماغون‏بجيش فتاك فهزم من قبل الخليفة المستنصر باللّه، ولذلك فان البادشاه طلب من رسول ابن‏العلقمي ما يؤكد صحة اقواله ليطمن بذلك خاطره الشريف. وعندما زحفت جيوش هولاكوعلى بغداد واطمان ابن العلقمي لنجاح مكيدته، قال للخليفة: ان الجم الغفير من سلاطين‏وملوك الاطراف اظهروا، والحمد للّه، اخلاصهم وطاعتهم وسمعة الخليفة كبيرة وحكمه نافذوماله كثير، فمن الخير توفير اموال الخزينة وعدم صرفها على الجند، فكان الخليفة منصرفالسماع الاغاني والاجتماع بالجواري والمغنيات، وابن العلقمي يفرق الكلمة ويشرد جميع‏الافراد وينفر الجنود في الوقت الذي انتشرت فيه اخبار جيش المغول، وكان الشرابي‏والدوايدار يحذران الخليفة منه وابن العلقمي يسخف اقوالهما» .

وقال ابن شاكر الكتبي (المتوفى سنة 764ه 1362م) في كلامه عن الوزير ابن العلقمي:«ولم يزل ناصحا لاصحابه واستاذه حتى وقع بينه وبين الدوايدار لانه كان متغاليا في السنة‏وعنده ابن الخليفة، فحصل عنده من الضغن ما اوجب سعيه في دمار الاسلام وخراب بغدادعلى ما هو مشهور لانه ضعف جانبه وقويت شوكة التتار بحاشية الخليفة... واخذ يكاتب‏التتار الى ان جرا هولاكو وجره على اخذ بغداد» .

وقال عنه ايضا: «وحكي‏انه لما كان يكاتب التتار تخيل انه اخذ رجلا وحلق راسه حلقا بليغا، وكتب ما اراد عليه‏بالابر ونفض عليه الكحل وتركه عنده الى ان طلع عليه شعره، وغطى ما كتبه فجهزه وقال:اذا وصلت اؤمرهم بحلق راسك ودعهم يقرؤون ما فيه. وكان في آخر الكلام «اقطعوا الورقة‏»فضربت عنقه. وهذا في غاية المكر والخزي‏» .

وقال تاج الدين السبكي (المتوفى سنة 771ه 1369م) انه لما توفي المستنصر باللّه كان اكبرالامراء واعظمهم الدوايدار والشرابي، وهما اللذان اقرا المستعصم لضعفه ولينه واقاماه‏واستوزرا ابن العلقمي، «وكان فاضلا اديبا، وكان شيعيا رافضيا في قلبه غل على الاسلام‏واهله، وحبب الى الخليفة جمع المال والتقليل من العساكر، فصار الجنود يطلبون من‏يستخدمهم في حمل القاذورات‏». ثم كرر الكاتب المذكور رواية مكاتبة بن العلقمي للتتار،وعزا ذلك الى رغبته في الانتقام من الامير ابي بكر ابن الخليفة والدوايدار قائد الخليفة،لانهما اوقعا بالكرخ، ووصف طريقة مكاتبة التتار بما ياتي: «انه حلق راس شخص وكتب‏عليه بالسواد (بالوشم )وعمل على ذلك، واصار المكتوب كل حرف كالحفرة في الراس ثم تركه عنده‏حتى طلع شعره وارسله اليهم‏». واضاف السبكي الى ذلك قوله ان الوزير كتب الى نائب‏الخليفة في اربيل تاج الدين محمد بن الصلايا، وهو شيعي ايضا، رسالة يقول فيها: «نهب‏الكرخ المكرم والعترة النبوية، وحسن التمثيل بقول الشاعر:

فامور تضحك السفهاء منها ويبكي من عواقبها اللبيب فلهم اسوة بالحسين حين نهب حريمه واريق دمه.

فامرتهم امري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا الرشد الا ضحى الغد وقد عزموا، لا اتم اللّه عزمهم، ولا انفذ امرهم، على نهب الحلة والنيل، بل سولت لهم انفسهم‏امرا، فصبر جميل والخادم قد اسلف الانذار وعجل لهم الاعتذار.

فكان جوابي بعد خطابي لا بد من الشنيعة بعد قتل جميع الشيعة ومن احراق كتاب الوسيلة‏والذريعة، فكن لما نقول سميعا والا جرعناك الحمام ولاتيناهم بجنود لا قبل لهم بها،ولاخرجنهم منها اذلة وهم صاغرون.

فووديعة مني لال محمد اودعتها اذ كنت من امنائها ففاذا رايت الكوكبين تقاربا في الجدي عند صباحها ومسائها فهناك يؤخذ ثار آل محمد لطلابها بالترك من اعدائها فكن لهذا الامر بالمرصاد وترقب اول النحل وآخر الصاد» .

وقال عبد الرحمن بن محمد بن خلدون (المتوفى سنة 808ه 1406م): ان هولاكو لما رجع‏الى بلاد الاسماعيلية، وقصد قلعة آلموت بلغته «في طريقه وصية من ابن العلقمي، وزيرالمستعصم ببغداد، في كتاب ابن الصلايا صاحب اربيل يستحثه للمسير الى بغداد ويسهل‏عليه امرها لما كان ابن العلقمي رافضيا هو واهل محلته بالكرخ، وتعصب عليه اهل السنة، وتمسكوا بان الخليفة والدوايدار يظاهرانهم، واوقعوا باهل الكرخ وغضب ابن العلقمي ودس‏الى ابن الصلايا باربيل، وكان صديقا له، بان يستحث التتر لملك بغداد واسقط عامة‏الجند» .

وعندما نصل الى اواخر القرن العاشر الهجري نجد ان قصة سقوط بغداد وخيانة الوزير ابن‏العلقمي تتسع الى حد غير معقول وتختلط باقاصيص غريبة على يد الشيخ حسن‏الدياربكري (المتوفى سنة 990ه 1582م)، حيث كتب يقول: ان الوزير «ابن العلقمي‏الرافضي كان قد كتب الى هولاكو، ملك التتار في الدست، انك تحضر الى بغداد وانا اسلمهالك.

وكان قد داخل قلب اللعين الكفر، فكتب هولاكو ان عساكر بغداد كثيرة فان كنت صادقافي ما قلته وداخلا في طاعتنا فرق عساكر بغداد ونحن نحضر. فلما وصل كتابه الى الوزيردخل الى المستعصم وقال: ان جندك كثيرة وعليك كلفة كبيرة والعدو قد رجع من بلادالعجم والصواب ان تعط‏ي دستورا لخمسة عشر الف من عسكرك وتوفر معلومهم، فاجاب‏المستعصم لذلك فخرج الوزير لوقته ومحا اسم من ذكر من الديوان، ثم نفاهم من بغدادومنعهم من الاقامة بها، ثم بعد شهر فعل مثل فعلته الاولى، ومحا اسم عشرين الفا من‏الديوان، ثم كتب الى هولاكو بما فعل. وكان قصد الوزير بمجي‏ء هولاكو اشياء منها انه كان‏رافضيا خبيثا واراد ان ينقل الخلافة من بني العباس الى العلويين، فلم يتم له ذلك من عظم‏شوكة بني العباس وعساكرهم، ففكر ان هولاكو قد يقتل المستعصم واتباعه ثم يعود لحال‏سبيله وقد زالت شوكة بني العباس، وقد بقي هو على ما كان عليه من العظمة والعساكروتدبير المملكة، فيقوم عند ذلك بدعوة العلويين الرافضة من غير ممانع لضعف العساكرولقوته، ثم يضع السيف في اهل السنة. فهذا كان قصده لعنه اللّه. ولما بلغ هولاكو ما فعل‏الوزير ببغداد ركب وقصدها الى ان نزل عليها، وصار المستعصم يستدعي العساكر ويتجهزلحرب هولاكو، وقد اجتمع اهل بغداد وتحالفوا على قتال هولاكو وخرجوا الى ظاهر بغدادومضى عليهم بعساكره فقاتلوا قتالا شديدا وصبر كل من الطائفتين صبرا عظيما وكثرت‏الجراحات والقتلى في الفريقين الى ان نصر اللّه تعالى عساكر بغداد، وانكسر هولاكو اقبح‏كسرة وساق المسلمون خلفهم واسروا منهم جماعة، وعادوا بالاسرى ورؤوس القتلى الى‏ظاهر بغداد ونزلوا بخيمهم مطمئنين بهروب العدو، فارسل الوزير ابن العلقمي، في تلك‏الليلة، جماعة من اصحابه فقطعوا شط دجلة، فخرج ماؤها على عساكر بغداد وهم نائمون‏فغرقت مواشيهم وخيامهم واموالهم، وصار السعيد منهم من لقي فرسا يركبها، وكان الوزير قدارسل الى هولاكو يعرفه بما فعل ويامره بالرجوع الى بغداد فرجعت عساكره على بغدادوبذلوا فيها السيف‏» . واضاف هذا الكاتب رواية جديدة عن مصير ابن‏العلقمي بقوله: «فلم يلبث ان امسكه هولاكو بعد قتل المستعصم بايام ووبخه بالفاظ شنيعة‏معناها انه لم يكن له خير في مخدومه ولا دينه فكيف يكون له خير في هولاكو ثم انه قتله‏شر قتلة‏»((153)) .



ان التهمة تحدد البداية التاريخية لخيانة ابن العلقمي بمراسلته هولاكو بعد استباحة ‏محلة الكرخ الشيعية سنة 654ه 1256م، خصوصا بعد فراغ الفاتح المذكور من فتح قلاع‏الاسماعيلية او خلال محاصرته لها في السنة المشار اليها، ولكن الحقيقة هي غير ذلك، لان‏هولاكو كان يسير الى غزو العراق قبل هذا التاريخ ببضع سنين، وانه كان يعمل طبقا لاوامرعليا صدرت اليه من مانغو خان قبل وصوله بلاد الاسماعيلية اي قبل وقوع حادثة الكرخ.

ولعل الامر يتضح بمعرفة الحقائق الاتية: كما يوردها المؤرخ حسن الامين بتصرف واضافات اخرى

كان غزو العراق امرا تتضمنه طبيعة الغزو المغولي الذي كان يستهدف السيطرة على العالم،وقد استولى المغول فعلا على اكثر الصين واواسط آسيا وايران واوروبا الشرقية، وبقيت بلادالاسماعيلية والعراق وسورية ومصر جيبا جغرافيا وعسكريا كان لا بد من الاستيلاء عليه،وهذا ما قام به هولاكو. واذا كان العراق قد سقط بايدي المغول نتيجة لخيانة وزيره ابن‏العلقمي فكيف نفسر سقوط جميع هذه البلاد الممتدة من المحيط الهادي الى اواسط اوروبا،ومن هم الخونة الذين سلموها الى الاعداء؟ ثم كيف نفسر احتلال هولاكو لسورية واستعداده‏للزحف على مصر؟ ب من الاحداث التي تلقي ضوءا على رغبة المغول في ضم العراق الى منطقة نفوذهم، قبل‏سنين عديدة من استيلائهم الفعلي عليه، المقابلة التي جرت بين الامبراطور كيوك خان‏بمناسبة تنصيبه على العرش المغولي سنة 644هر 1236م ورسول الخليفة، حيث هدد الخان ‏ذلك الرسول موعدا ومنذرا.

ان زحف هولاكو على العراق واحتلاله اياه انما تم بناء على اوامر عليا اصدرها امبراطورالمغول مانغو خان سنة 651ه/1253م بفتح البلاد الغربية التي ضمنها العراق وسورية ومصر،يؤيد ذلك التقرير الذي رفعه «جانغ ته‏» الذي ارسله «مانغو خان‏» الى اخيه هولاكو ودونه احدالصينيين المسمى «ليو» المتصلين بالسفير المذكور، وما ورد في كتاب التاريخ الصيني ‏للاسرة المغولية التي حكمت الصين والذي امر بوضعه احد اباطرة الصين، وتم اعداده سنة‏772ه 1270م وقد ورد في كلا المصدرين ان مانغو خان امر اخاه هولاكو، سنة 651هآ1253م، بالزحف لاحتلال البلاد الغربية واخضاع خليفة بغداد وقد سبق هذاالتاريخ حادثة الكرخ بثلاث سنوات على اقل تقدير، وقد ايد ذلك ابن‏العبري والكتاب الموسوم بالحوادث الجامعة((157)) ورشيد الدين‏فضل اللّه .

ثانيا: اما القول ان الوزير كان يسيطر على الخليفة تماما، والى درجة انه كان يمنع الرسل‏الذين يحذرونه من خطر المغول فمردود، لان الادلة تشير الى ان الوزير كان ضعيفا غيرمسموع القول، وليس له نفوذ على الخليفة الذي كان واقعا تحت نفوذ اعداء الوزير،وخصوصا مجاهد الدين الدويدار الصغير ، الشركسي الذي كان قائدا للجيش والدليل على‏ذلك ما ياتي:

أ ان الخليفة لم يعهد بالوزارة الى ابن العلقمي سنة 642ه 1244م الا بعد ان عرضها على‏مربيه صدر الدين ابن المظفر علي بن محمد النسيار شيخ الشيوخ فامتنع‏عليه (وعرضها ايضا على علي ابن طاووس العلوي).

ب ان استباحة محلة الكرخ سنة 654ه 1256م انما تمت نتيجة لاوامر الخليفة القاضية ‏بكف الشقي الكرخي الذي قتل احد سكان محلة «قطفتا» السنية، كما ان ايقاف الاستباحة ‏بعد ان افلت زمام الامور من يد الحكومة بتسلط الغوغاء واهل الفوضى انما صدر من قبل‏الخليفة ايضا. وكان في محلة الكرخ اقارب للوزير فلو كان له اي نفوذ في الدولة وهو في‏منصب وزير اول ، وهو منصب يقابل رئيس الوزراء في عصرنا، لمنع استباحة المحلة المذكورة، اولاوقفها عند حدها حفظا لاقاربه على الاقل .

ج في الخلاف الذي وقع بين الوزير والدويدار الصغير قائد الجيش، لم ياخذ الخليفة براي‏الوزير بل انه صفح عن الدويدار مع عظم التهمة التي نسبت اليه.

د ان هولاكو كان يراسل الخليفة ويطلب منه نجدة وينذره بالقدوم اليه منذ ان كان يحاصر قلاع الاسماعيلية، وكان الخليفة يستشير الوزير والدويدار وغيرهما من افراد حاشيته ‏وخواصه، وكانت نصائح الوزير معقولة تدل على تفهم لطبيعة الخطر المغولي من جهة ‏ولاحوال العراق من جهة اخرى، ولم تكن تتضمن تغريرا بالخليفة ولا ‏تآمرا عليه، ولكن‏الخليفة كان يهمل نصائح الوزير، وياخذ براي خصومه خصوصا الدويدار الصغير قائد الجيش .

ه وفي ما يتعلق بمنع الوزير للرسل من الوصول الى الخليفة فان الادلة لا تؤيد ذلك، لان‏الخطر المغولي كان يهدد العراق منذ ايام الخليفة الناصر لدين اللّه، اي منذ ان كان المستعصم ‏باللّه صبيا صغيرا وقبل ان يبلغ ابن العلقمي ويتولى الوزارة
. وقد استمر هذا الخطر ايام الظاهر لدين اللّه والمستنصر باللّه وامره ذائع ‏معروف واخباره يعرفها الخاص والعام، والمعروف ان المستشارين ايام الخطر العسكري هم‏العسكريون لا المدنيون، ولم يكن الوزير ابن العلقمي عسكريا، فكيف يعتمد عليه الخليفة من دون قوادالجيش وامرائه، وقد قدمنا ان الوزير لم يكن صاحب نفوذ على الخليفة بل ان النفوذ الحقيقي ‏كان بايدي الفئة العسكرية وعلى راسها الدويدار الصغير عدو الوزيرابن العلقمي ومروج التهم الاساسي .
ثم كيف كان يستطيع‏الوزير ان يمنع الرسل من الوصول الى الخليفة؟
وهل كان يلقي بهم في السجن؟
وما هي‏الامثلة على ذلك؟
واذا كان يفعل هذا، فهل كان يستطيع منع افراد العائلة العباسية من تحذيرالخليفة او الوقوف بين رجال الدولة الاخرين كصاحب الديوان وعارض الجيش والنقباء والمحتسب وغيرهم واخبار الخليفة بحقيقة الامر؟
ولو صحت هذه التهمة على الوزير لكان‏ معناها انه كان يتراس مؤامرة كبرى يشترك فيها اكثر رجال الحكومة، لكن المصادرالتاريخية تبين ان المراسلات كانت قائمة بين هولاكو والخليفة فعلا قبل تولي ابن العلقمي وبعده، وان هذه المراسلات لم تكن سرية لان‏الخليفة كان يستشير فيها حكومته وان الخليفة ارسل ابن الجوزي الى هولاكو، وان هذاالرسول كان مخلصا للخليفة بدليل ان هولاكو قتله بعد فتح بغداد .

ثالثا: اما عن تآمر الوزير مع المغول لينصب علويا خليفة للمسلمين بدلا من المستعصم ‏باللّه، فهو امر مردود ايضا، لان علاقة العلويين بالعباسيين كانت طيبة في هذه المرحلة.
ومن اعاجيب الاكاذيب ما ذكروه عن اتفاق ابن العلقمي والدوادار على الاطاحة ‏بالمستعصم!..
مع ان هذين الاثنين لم يتفقا في حياتهما على شي‏ء، بل كانت العداوة بينهمامستمرة على اشدها.
اما عن المؤامرة فننقل ما ذكره المؤرخ رشيد الدين فضل اللّه الهمذاني ‏بنصه ليرى القارى ان الامر كان على عكس ما ذكره الكاتب.
قال الهمذاني: «ولما لمس(الدوادار) في نفسه القوة، وراى الخليفة المستعصم عاجزا لا راي له ولا تدبير وساذجا، اتفق‏مع طائفة من الاعيان على خلعه وتولية آخر من العباسيين في مكانه. وعندما علم مؤيدالدين بن العلقمي نبا تلك المؤامرة، اخبر الخليفة على انفراد قائلا: يجب تدارك‏امرهم‏».
فصاحب المؤامرة اذن هو الدوادار، والذي قاومها وافشى سرها للمستعصم هو ابن العلقمي،كما انه لم يكن عند المتمرين تفكير باسناد الخلافة للعلويين كما يزعمون، بل الى آخر من العباسيين، وعلى الارجح ابن المستعصم ابي بكر وهذا الاخير كان كالخاتم في اصبع قائد الجيش الدوادار ولان المتآمرين هم في الاصل اضداد العلويين ويكرهون الشيعة كرها شديدا .

اما عن اتهام ابن العلقمي بالتعامل مع المغول , ان الاصل في ارسال هذه التهمة هو عدو ابن العلقمي الدوادار، فقد قال المؤرخ رشيد الدين فضل اللّه الهمذاني ما نصه:
«ولما كان الدوادار خصما للوزير، فان اتباعه من سفلة المدينة واوباشها كانوا يذيعون بين‏الناس ان الوزير متفق مع هولاكو».
هذا هو الاصل في كل ما ذكر. اما ما ذكر بعد ذلك، فهو ما توسع به المتوسعون واضافه‏المفترون.
ولماذا لم يذهب الدوادار كرسول للمستعصم الى هولاكو او احد جماعته على الاقل من التركمان والشركس الذين كانوا يمثلون جيش بغدادا ولم يكن بينهم عربي واحد او شيعي واحد
وقدعرض المستنصر باللّه على رضي الدين ابي القاسم، علي بن موسى بن طاووس (المتوفى‏سنة 664ه/1265م) ان يذهب رسولا الى سلطان التتر فرفض ذلك، وعرض عليه ان يكون ‏وزيرا ولكنه رفض ايضاوهذا قبل ان يعرض الوزارة على ابن العلقمي . وقد قتل المغول الفاتحون العديد من العلويين،ومنهم السيد شرف الدين بن الصدر العلوي، وكان محترما في الدولة العباسية وروسل به‏الملوك. وقد قتلوا نقيب العلويين، علي ابن النقيب الحسن بن المختار وعمر بن عبداللّه بن‏المختار العلوي حاجب باب المراتب، كما قتلوا نقيب مشهد موسى الكاظم واحرقوا المشهد نفسه.

يضاف الى ذلك: كيف يرضى العلويون بتنصيب احدهم خليفة للمسلمين من قبل المغول‏الوثنيين؟ وهل كان الوزير يستطيع تدبير مثل هذا الامر الخطير من دون استشارة كبارالعلويين فمن هم هؤلاء؟
اما اتهام الوزير بانه كان يعمل على اطماع المغول بالعراق ليكون‏نائبا لهم فهو مردود لانه اي الوزير كان يشغل منصب الوزارة في دولة الخليفة، وليس هناك ‏ما يدل على انه كان سيمنح منصبا اعلى من ذلك.

رابعا: اختلفت الروايات التي تعين رسل الوزير الى هولاكو، فمنهم من قال: انه ارسل اخاه،ومنهم من قال: انه ارسل غلامه، ومنهم من قال: انه راسل هولاكو بوساطة ابن الصلايا العلوي، صدر اربيل، يضاف الى ذلك اننا نلاحظ ما ياتي:

ا ان كل ما قيل عن رسل الوزير انما كان مجرد ترديد لاشاعات لا تستند الى اي دليل،فليس هناك حتى من ادعى انه راى رسل ابن العلقمي الى هولاكو، وقبض عليهم، او تحدث‏ معهم او شهدهم يدخلون على هولاكو.
وانا اتحدى كل المفترين ان يأتوا بشاهد تاريخي واحد
ب ان هولاكو، في مراسلاته مع الخليفة، طلب مواجهة عدد من كبار رجال الدولة العباسية،ولكنه لم يقصر طلبه على الوزير وحده في اية مرة من المرات، وكان من المعقول ان يفعل‏ذلك لو كانت هناك اتصالات سرية بينهما.

ج ان ابن الصلايا العلوي الذي تزعم بعض المصادر انه كان صلة بين الوزير وهولاكو لايمكن ان يكون قد قام بالعمل الخياني هذا لانه احد الناس الذين امر هولاكو بقتلهم
خامسا: ان الوضع والتكلف يتضحان من نصوص الروايات التي تتهم الوزير، فهو يحلق ‏راس رسوله ويكتب عليه بالابر، او يجعل الكتابة على راسه كل حرف كالحفرة، وهو يخرج‏الى هولاكو ليتوثق لنفسه، ثم يعود الى الخليفة ليبلغه ان هولاكو يرغب في زواج ابنته من ابن‏الخليفة، وان الاصلح الخروج مع اعيان الدولة لحضور عقد النكاح في وقت كان فيه الجيش‏المغولي يحيط ببغداد ويضربها بالمنجنيق. والمعروف ان هولاكو لم يجلب معه احدى بناته‏ عند زحفه على العراق فمن اين اتت كذبة زواج ابن الخليفة من ابنة هولاكو .؟
وهو يبعث الى ابن الصلايا العلوي رسالة متكلفة في اسلوبها وافكارها مثل:

«فكان جوابي بعد خطابي، لا بد من الشنيعة بعد قتل الشيعة. ..

الخ‏» ومثل:«فكن لهذا الامر بالمرصاد وترقب اول النحل وآخر الصاد» وغير ذلك...

سادسا: ان الزعم بان الخلفاء السابقين للمستعصم باللّه، وخصوصا المستنصر باللّه، كانوايتخذون جيوشا كبيرة وان الوزير ابن العلقمي عمل على صرفها وتفريقها ليسهل امام‏هولاكو غزو العراق امر مردود للسببين الاتيين:
وسيأتيك بيان من الذي فرق العسكر وقطع معاشهم قبل هجوم المغول

ا ليس هناك دليل يؤيد اتخاذ اولئك الخلفاء جيوشا كبيرة، بل يبدو ان العكس هو الصحيح،فجيش الناصر لدين اللّه، وهو اكثر الخلفاء العباسيين اهتماما بالامور العسكرية ورغبة في‏التوسع، لم يستطع الوقوف امام الخوارزميين، ومنهم السلطان جلال الدين منكوبرتي الذي لم ‏يستطع بدوره الوقوف امام المغول، لانهم هزموه وشردوه، فكيف يستطيع الجيش العباسي ‏وحده الوقوف امامهم؟
يضاف الى ذلك ان غزوات المغول للعراق تكررت ايام المستنصر باللّه، وكان الخوف منهم ‏يسيطر على البلاد، ولو كان لدى الخليفة جيش كبير لهاجم المغول في قواعدهم، التي كانت في ‏ايران، مع انهم لم يكونوا في عهده على ما وصفهم استاذ داره غير «سرايا متفرقة وغارات ‏متفقة‏ ولكن قوات الخليفة التي وقفت لمحاربتهم كانت ضعيفة وقليلة‏العدد.

ب كيف يستطيع الوزير اقناع الخليفة بصرف اكثر جنوده والاكتفاء بالقليل منهم في وقت ‏كان الخطر المغولي يهدد الدولة العباسية والعراق، وكان للخليفة مستشارون عسكريون على ‏راسهم الدويدار الصغير عدو الوزير والشرابي قبله وقائد حرس الابراج ابن الدرنوس ؟؟

سابعا: هناك مصادر مهمة لم ترد فيها اية اشارة الى خيانة الوزير مثل كتاب «جهانكشاي‏»لعطا ملك الجويني، وهو احد المصادر الرئيسية في تاريخ المغول، وقد سرد الاحداث الى‏ نهاية احتلال جيش هولاكو لقلاع الاسماعيلية وتدميره لدولتهم، والمفروض ان مراسلات‏الوزير مع هولاكو انما جرت ايام تلك الاحداث، ولم يشر عطا ملك الجويني الى اية ‏مراسلات من هذا النوع مع انه كان شديد الصلة بهولاكو، وكان في رفقته عند زحفه على‏بغداد، في حين انه اي الجويني اورد التهمة المنسوبة الى الناصر لدين اللّه من انه راسل ‏ملوك الخطا. ولم ترد التهمة كذلك في الرسالة المنسوبة الى نصير الدين الطوسي (ت‏672ه 1273م) وقد رافق هولاكو الى بغداد وكان كثير الاطلاع على خفايا الامور.
ولايذكرها عبد الرحمن سنبط بن فنيتو الاربلي في كتابه «الذهب المسبوك‏» مع انه عراقي‏ معاصر للحوادث، ولا يذكرها كذلك ابو الفرج بن العبري في كتابه «تاريخ مختصر الدول‏» مع انه معاصر اتصل بالمغول وعرف اخبارهم بينما يرفض التهمة ابن الطقطقي (وضع كتابه ‏سنة 701ه 1230م)، وفوق هذا كله يفصل رشيد الدين فضل اللّه احداث الفتح، ويشير الى‏التهمة (تهمة خيانة ابن العلقمي ) بان مصدرها الدويدار الصغير قائد الجيش وعدو الوزير. ورشيد الدين مؤرخ عرف بصلته الشديدة ‏بسلاطين المغول واخبارهم وتاريخ شعوبهم، وقد اطلع على المصادر الاسلامية والمغولية،ولم تكن له اية مصلحة في الدفاع عن الوزير ابن العلقمي .

ولا حجة لمن يقول: ان هذه المصادر كتبت في ظل المغول وتحت ضغطهم، لان عبداللّه بن ‏فضل اللّه الشيرازي الذي عرف بوصاف الحضرة لمدحه سلطان المغول الايلخاني محمدخدابنده، شدد التهمة على الوزير وقدم كتابه الى السلطان المذكور. كما لم يردنا من الاخبار ما يفيد ان حكام المغول كانوا يامرون الكتاب والمؤلفين بالدفاع عن الوزير، بل هناك من‏المصادر الاسلامية من يزعم ان هولاكو قتل ابن العلقمي لانه خان مخدومه الخليفة ولم تردالتهمة في كتاب ابن الفوطي البغدادي: «تلخيص مجمع الاداب‏»، وهو معاصر كبيرالاطلاع واهم من كتب في تلك الفترة .

ثامنا: ان سلامة شخص الوزير وداره ومشاركته في اللجنة التي اعادت تنظيم بغداد والعراق ‏بعد الفتح المغولي لا تقوم حجة على خيانته، لان صاحب ديوان الخليفة المستعصم باللّه، اي وزير ماليته، وحاجب الباب في عهده، اي مدير شرطة العاصمة، قد عوملا المعاملة نفسها، كما سلم‏اقرب مستشاري الخليفة اليه صديقه عبد الغني بن الدرنوس، وسلم الابن الاصغر للخليفة مع ‏اخواته فاطمة وخديجة ومريم . وقد كان هولاكو بحاجة الى من يدبر امرالعراق بعد فتحه، وكان الوزير وصاحب الديوان وحاجب الباب خبيرين باموره، فاشركهم في ‏لجنة عهد اليها امر تنظيمه. ومن المحتمل ان هولاكو استجاب لشفاعة نصير الدين الطوسي له كانت اهم سبب في‏نجاته ابن العلقمي وغيره من علماء بغداد.

تاسعا: تجمع الروايات على ان هولاكو لم يفرق، في استباحته لبغداد، بين السنيين ‏والشيعيين، بينما استثنى النصارى.

والمعقول ان ابن العلقمي لو كان قد اتفق مع المغول على‏تسليم بغداد لهم انتقاما من السنيين لحفظ له المغول جميل عمله فلم يقتلوا الشيعة على‏الاقل.

عاشرا: اما سقوط بغداد نفسها فلم يكن للوزير اي دخل فيه لانه تم بعد هزيمة جيش‏ الخليفة بقيادة الدويدار واستيلاء المغول على اسوار المدينة، وسبب ذلك تفوق المغول‏ الواضح في العدد والعدد والقيادة والمعنوية.

والخلاصة ليست هناك دلائل تدين ابن العلقمي، وقد كان سقوط بغداد امرا متوقعا منذ تدمير المغول لدولة خوارزم وقتلهم آخر سلاطينها جلال الدين منكوبرتي سنة 628هآ1230م. ولو اراد المغول فتح العراق آنذاك لما وجدوا صعوبة في ذلك. وخيانة ابن العلقمي،لو صحت، ما كانت تعمل اكثر من تشجيع هولاكو على قصد العراق وما كان هذا، في حاجة‏الى تشجيع لانه كان يحمل اوامر عليا بفتح العراق اصدرها اليه الامبراطور مانغو خان ومعه جيش ‏متفوق على الخليفة العباسي تفوقا ساحقا في العدد والعدة لم يستطع الاسماعيلية ايقافه بالرغم من‏ كثرة عدد حصونهم وامتناعهم في جبال عالية وقمم شاهقة، بينما تقع بغداد في سهل فسيح ‏تسهل الاحاطة بها وقطع الميرة عنها علما بأن الاسماعليين كانوا اشد قوة من العباسيين من الناحية العسكرية

ويبدو ان الصاق تهمة سقوط بغداد بالوزير انما غايتها تسويغ الاهمال والتسيب اللذين‏ سيطرا على ادارة العراق منذ بداية الغزو المغولي لدولة خوارزم سنة 616ه 1219م. وقد كانت الخطة الصحيحة المناسبة آنذاك هي محاربة المغول منذ اول ظهورهم في بلاد ما وراءالنهر وخراسان، وليس التفرج على هجماتهم وفظائعهم وانتظارهم عند اسوار بغداد ثم اتهام‏الوزير بانه السبب في سقوط المدينة.

ويبدو ان ما حمل «الدياربكري‏» على اختلاق كذبته الفاضحة بالزعم ان هولاكو قتل ابن‏العلقمي جزاء له على خيانته للخليفة، هو ان من سبقوه اتخذوا من بقاء ابن العلقمي حيا بعد فتح بغداد، ثم مشاركته في اللجنة التي اعادت تنظيم بغداد والعراق، دليلا على اتهامه بمااتهموه به، ثم تبين لمن جاء بعدهم ان ليس في هذا ما يمكن ان يكون دليلا على اثبات‏التهمة، لانه ليس الوحيد الذي سلم من القتل ثم شارك في اللجنة الادارية، بل كان ذلك شان‏غيره من اركان الدولة العباسية، فارتاى «الديار بكري‏» ان يتجاوز ما ذكره من قبله وان‏يخترع خبر قتل هولاكو لابن العلقمي، هكذا بكل سهولة، بل بكل وقاحة.

جنگيزخان وهولاكو من طينة واحدة: طينة الطغيان والظلم وسفك الدماء وتخريب العمران. وكل ‏منهما هاجم الوطن الاسلامي وانتصر عليه. وقد كان مصير البلدان الاسلامية التي افتتحها هولاكو، في اول مرة، مصير المدن التي افتتحها جده جنگيز.

ففي عهد جنگيز انطلق جنده في بخارى يقتلون وينهبون ويهدمون ويهتكون الاعراض، ثم‏اشعلوا فيها النيران. وكذلك فعلوا في سمرقند وغير سمرقند في كل ما فتحوه من‏بلاد.
فهل ساعد الشيعة ايضا جنكيز خان ايها المنصفون ؟

ومضى جنگيز في ما مضى به من احالة الشر في نفسه لانه كان يمضي بلا كابح يلوي عنانه ‏ويروض جماحه ويثني من انطلاقه..

وكذلك فعل هولاكو في جميع المدن التي اجتازها وصولا الى مدينة «تون‏» التي خربها وقتل جميع اهلها عدا النساء الشابات، على ما يذكر الجويني، مضافا اليهن اصحاب المهن‏ على ما يذكر الهمذاني. وبعد «تون‏» كان الوصول الى قلاع الاسماعيليين، فكانت مذبحة‏«خورشاه‏».

حقيقة وضع الخواجة نصير الدين الطوسي
في قلاع الاسماعيليين اسر نصير الدين الطوسي وتحديدا في قلعة آلموت فاستبقاه هولاكو حيا مع طبيبين كانا بين‏الاسرى. واستبقاؤه لنصير الدين الطوسي لانه كان عازما على بناء مرصد كبير، وكان نصيرالدين من كبار علماء الفلك، فلا غنى لهولاكو عنه لا حبا بنصير الدين الطوسي.
فما هي حيلة نصير الدين الطوسي وهو اسير هولاكو
وكذلك كان شان الطبيبين فقد كان ‏بحاجة الى الاطباء. فاقر الثلاثة ان يسيروا في ركابه فكان لا بد لهم من الطاعة لان التمرد على هولاكو انذاك من الاسر عاقبته القتل لا محالة .

من دون الدخول في التفاصيل ننقل هنا عبارة المؤرخ محمد المدرسي التي قال فيها: «فضلاعن مقام الطوسي العلمي استطاع بتاثيره على مزاج هولاكو ان يستحوذ تدريجيا على عقله ‏وان يروض شارب الدماء...».

هذا القول من خير ما قيل عن علاقة نصير الدين الطوسي بهولاكو. وبعد تخريب «تون‏» وقتل‏اهلها، وبعد مذبحة «خورشاه‏»، وبعد استحواذ الطوسي على هولاكو توقف التخريب وتوقفت‏المذابح. وذلك لانه صار لهولاكو كابح عن الايغال في التخريب والقتل، يتمثل بشخص ‏نصير الدين الطوسي.
ولولا نصير الدين الطوسي لما بقي للسنة في العراق اي ذكر يذكر
ولولا نصير الدين الطوسي لما اعيد اعمار ما خرب في بغداد وباقي مدن العراق

وكان من فضل العالم الكبير على العالم الاسلامي، باضطراره لمصاحبة هولاكو، ان لم يكن‏ مصير قزوين وهمذان والدينور وكرمنشاه وحلوان واسد آباد والبصرة وتستر وكل مدن‏ خوزستان ثم بغداد، وبعد ذلك ديار بكر ومدن الجزيرة وحماه وحمص والمعرة ثم دمشق ‏مصير بخارا وسمرقند، وكل ما كان في طريق جنگيز الطويل من مدن: حرقا واستباحة.

ولا مصير المدن التي فتحها هولاكو حتى قلاع الاسماعيليين واسر نصير الدين فيها، مصيرها في الفجائع والنكبات والاحراق والقتل والنهب.

لقد اجبر هولاكو بجبروته نصير الدين الطوسي على السير في ركابه قصدا لاستغلال علمه،ولكن الطوسي عرف بعلمه وعقله وتدبيره كيف يستغل هولاكو، فانهزم الطغيان امام الايمان ‏والعلم والعقل الكبير المدبر.

يوجز الزركلي، في كتابه «الاعلام‏»، وصف الطوسي قائلا:

«فيلسوف كان راسا في العلوم‏العقلية، علامة بالارصاد والمجصطي والرياضيات. علت منزلته عند هولاكو فكان يطيعه في ‏ما يشير به عليه‏».

لم يكن الطوسي مستطيعا ان يحول بين هولاكو وبين الفتح، ولكنه استطاع باخلاصه وايمانه وقوة‏ شخصيته ان يحول بين هولاكو وبين السير على طريقة جنگيز في شرور هذا الفتح.

لم تتعرض اي مدينة اسلامية للاحراق والتخريب والهتك والقتل في الزحف المغولي‏الهولاكي منذ التقاء نصير الدين الطوسي بهولاكو، عدا مدينة الموصل التي لم يعرض لهاالمغول بشي‏ء اول الامر الى ان عادت فثارت عليهم فنالها ما نالها من الاذى، وعدا حلب في ‏بلاد الشام، ما يحتاج الى توسع ليس هذا مكانه.

يقول الدكتور جعفر خصباك: «هولاكو لم يجر على سنة جده جنگيز خان بتخريب اكثر اوكل المدن التي تقع في طريق زحفه وقتل سكانها. ويبدو ان الصورة التي رسمها المؤرخون‏لفاتح بغداد المغولي انما هي انعكاس للاعمال التي قام بها جده في ما وراءخراسان... ».ولا تمس ارقام عدد القتلى الهائل في بغداد الى الحقيقة بصلة

ان سيرة هولاكو كما ذكرنا من قبل كانت سيرة جده حتى وصوله الى قلاع‏الاسماعيليين واصطحابه نصير الدين الطوسي. والدكتور خصباك كان يتحدث عن العراق‏ فقط، وهو في كتابه لم يتجاوز العراق، لذلك لم يتحدث عن العسف في غير العراق، ومن هنا كان حديثه سليما.

ثم يقول: «... ومن هذا كله يبدو ان عبارات التخريب التي اوردها المؤرخون عما جرى‏للمدينة (بغداد) مبالغ فيها، لان المعالم الرئيسية للمدينة كقصور الخليفة والمدارس والاسواق ‏وغالب المحلات بقيت من دون ان يصيبها غير تخريب محدود امكن اصلاحه في وقت ‏قصير...».

ونقول: كان من الطبيعي ان يحدث بعض التخريب في اليوم الاول من فتح بغداد، فان تلك‏الجموع الهائجة من المغول التي اقتحمت بغداد كان من العسير في الساعات الاولى، الحؤول‏ بينها وبين انطلاقها الجامح فحدث ما حدث. ولكن امكن ايقافها بسرعة عن التمادي في‏الجموح، بفضل التدخل الحازم لنصير الدين الطوسي.

واكثر من ذلك، فقد حمل الطوسي هولاكو على اعادة تعمير ما تخرب «بنفقة الدولة‏» جاء في‏«الحوادث الجامعة‏» وفي «جامع التواريخ‏»، وهذان الكتابان معاصران مشاهدان: «ان هولاكو امر باصلاح ما خرب من المدينة (بغداد) وترميم اسواقها واعادة اعمال اهلها الى ما كانت‏عليه سابقا...» .

وصاحب «مراصد الاطلاع‏» الذي كتب كتابه بعد فتح بغداد يتحدث عن محلات بغدادالعامرة. هذا فضلا عن دار الخلافة ودار الدويدار الكبير وجامع الخليفة الذي احترق واعيد اصلاحه، والمدرسة النظامية وسوقها والمدرسة المستنصرية ومدرسة الاصحاب ومدارس ‏وربط اخرى.

جاء في البداية والنهاية ج 13 ص200
لم تستهل هذه السنة إلاّ وجنود التتار قد أحاطت ببغداد بصحبة الأميرين اللذين على مقدمة عساكر سلطان التتار، هولاكوخان، وقد جاءت إليهم أمداد صابح الموصل يساعدونهم على البغاددة وميرته وهداياه وتحفه، وكل ذلك خوفاً على نفسه من التتار، ومصانعة لهم قبّحهم اللّه تعالى، وقد سترت بغداد ونصبت فيها المجانيق والعرادات وغيرها من آلات الممانعة الّتي لا ترد من قدر اللّه سبحانه وتعالى شيئاً، كما ورد في الأثر «لن يغني حذر عن قدر» و كما قال تعالى: (إنَّ أجَلَ اللّهِ إذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ) وقال تعالى: (إنَّ اللّهَ لا يُغيِّرُ ما بِقَوم حتّى يُغيِّروا ما بأنفُسِهم وَإذا أرادَ اللّهُ بِقوم سُوءاً فَلا مَردَّ لَهُ وَمَا لَهم مِن دُونِهِ مِن وَال . وأحاطت التتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل جانب حتّى أُصيبت جارية تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وكانت مولدة تسمى عرفة، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعاً شديداً، وأحضر السهم الّذي اصابها بين يديه فإذا عليه مكتوب: «إذا أراد اللّه إنفاذ قضائه وقدره أذهب عن ذوي العقول عقولهم» فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز، وكثرت الستائر على دار الخلافة وكان قدوم هولاكو خان بجنوده كلها ـ وكانوا نحو مائتي ألف مقاتل ـ انتهى

يعني أيعقل عاصمة الخلافة محاصرة وخليفة المسلمين بين جارية ترقص له وأخرى تضحكه وتكركره
بنو العباس وما ادراك ما كانوا عليه
منكم علية أم منــهم وصاحبــكم === شـيخ المغنـيـين إبراهيــم أم لهم
تبدو التلاوة فـي أبـــياتهم سحراً === ومــن بـيــوتكم الأوتـار والنـغم
يا باعة الخمر كفوا عن فخاركم === عن معشر بيعهم يوم الهياج دم

أوضاع الشام قبل حملة هولاكو

كانت بلاد الشام في أثناء تلك المحنة يحكم الأيوبيون أجزاء كبيرة منها، فهم يسيطرون على ميافاريقين، وماردين، وحصن كيفا، والكرك، ودمشق، وحماة، وحمص، ولم تكن العلاقات بين حكام تلك البلاد ودية، على الرغم من انتسابهم إلى بيت واحد وأسرة واحدة كريمة، هي أسرة صلاح الدين الأيوبي.

وبدلاً من أن توحّد المحنة التي حلت بالمسلمين بينهم، وتنظم صفوفهم في وجه الخطر الداهم، ظلوا على عنادهم وخلافاتهم المستمرة دون تقدير للمسئولية، أو إحساس بالخطر القادم؛ فتساقطوا كأوراق الشجر على يد المغول، وسارع بعضهم بإعلان الخضوع قبل مجيء هولاكو.

موقف الناصر يوسف الأيوبي

كان الملك "الناصر يوسف الأيوبي" صاحب حلب ودمشق أقوى الأمراء الأيوبيين، وأكثر قدرة واستعدادًا لمواجهة هولاكو لو رغب، لكنه لم يفعل، وأطارت محنة بغداد قدرته على التصرف بحكمة، فأعلن مبكرًا خضوعه للمغول، وأرسل ابنه "العزيز" وكان صغير السن إلى هولاكو، يحمل إليه الهدايا والتحف ويهنئه بالنصر، ويعلن خضوعه لسلطانه، ويطلب منه أن يمده بنجدة تساعده على الاستيلاء على مصر، وتخليصها من حكم دولة المماليك الذين انتزعوا الملك من بيته.

لم يكتف الملك الناصر بالخضوع لحكم المغول الوثني، بل استنصره ضد إخوانه المسلمين، غير أن هولاكو رأى أن وفد الملك الناصر لا يناسب مقامه، ولا يرضي غروره، فكتب إليه رسالة غاضبة يأمره بالإسراع إليه بنفسه، وتقديم آيات الخضوع دون قيد أو شرط، فانزعج السلطان الأيوبي، وحل الفزع والهلع قلبه، وفقد رباطه جأشه، وأدرك أنه هالك لا محالة؛ فاستعد استعداد اليائس لمواجهة المغول، وبعث بأسرته إلى مصر، وجلس ينتظر ما تسفر عنه الأحداث.

(بالواقع اوردنا هذه النصوص للوقوف على حقيقة وضع البلاد الاسلامية التي قسمت حينئذ بين العباسيين والايوبيين وكان اولى بالايوبيين مساعدة الخليفة العباسي لو كانوا يعقلون لكنهم لم يفعلوا وجاءت بعد ذلك امة السلف الطالح لتتهم الشيعة بالخيانة )

على كل حال
قال ابن طبابا كان المستعصم رجلاً خيراً متديناً لين الجانب سهل العريكة عفيف اللسان والفرج حمل كتاب اللَّه تعالى وكتب خطاً مليحاً وكان سهل الأخلاق وكان خفيف الوطأة إلا أنه كان مستضعف الرأي ضعيف البطش قليل الخبرة بأمور المملكة مطموعاً فيه غير مهيب في النفوس ولا مطلع على حقائق الأمور وكان زمانه ينقضي أكثر بسماع الأغاني والتفرج على المساخرة وفي بعض الأوقات يجلس بخزانة الكتب جلوساً ليس فيه كبير فائدة وكان أصحابه مستولين عليه وكلهم جهال من أرذال العوام إلا وزيره مؤيد الدين دين محمد بن العلقمي فإنه كان من أعيان الناس وعقلاء الرجال وكان مكفوف اليد مردود القول يترقب العزل والقبض صباح مساء.
لماذا كان يترقب ابن العلقمي العزل صباح مساء ؟
وقد اجاد سماحة الشيخ حسن بن فرحان المالكي حماه الله وابقاه ناصرا للحق برد ما يطبل له امثال الشيخ العجمي وامثاله وفي رده على بعضهم قال :
((سقوط الدول على أيدي الروافض أم النواصب!
وذكر ص94 أنه ما سقطت دولة من دول الإسلام إلا وللشيعة اليد الطولى في ذلك.
يقال: قد سبقهم النواصب وأسقطوا دولة الخلافة الراشدة! ثم العباسيون أسقطوا الدولة الأموية وليسوا روافض بل كل هؤلاء نواصب أما الأمويون فواضح وأما العباسيون فأقوياؤهم فيهم نصب واضح كالمنصور ثم كان فيهم نواصب آخرون كالرشيد والأمين والمتوكل، ومن علامات نصبنا أننا نمدح هؤلاء الحكام كثيراً! ربما نصبنا كان بجهل وتقليد للنواصب في الدولة العباسية.
أما سقوط الدولة العباسية فقد أشبع البحث في سبب سقوطها الدكتور سعد بن حذيفة الغامدي[13] –جامعة الملك سعود- وأبطل ما يشيعه بعض الناس من أن ابن العلقمي الوزير الشيعي كان سبب سقوط بغداد.
وقد يقول بعض الناس: لماذا تبريء الشيعة في هذه الأمور ألا يكفيك أن البعض يتهمك بالتشيع؟!
أقول: المسألة مسألة مبدأ ولا يجوز أن نتوقف عن إنكار الخطأ خشية أن نتهم بتشيع أو غيره؛ فهؤلاء لن يعصمهم دين ولا ورع عن الاتهام إن أرادوه، الذي يجب أن نؤكد عليه أن المسألة أبعد من الناحية الشخصية؛ بل لو نقل بعض المسلمين معلومة خاطئة عن اليهود أو الملحدين لكان علينا ردها إن كنا نرى أنها خاطئة، لأن المسألة أخلاقية وكثير منا قد تعود على الكذب على الآخرين فلابد من أن نوصل لمثل هذا الشخص رسالة يستفيد منها، وهي أن كثيراً من المسائل التي يظنها محل إجماع ولا نقاش فيها تكون من المسائل الباطلة، والصدق يخدم بعضه كما أن الكذب يخدم بعضه؛ فمن كذب على الآخر قد يكذب عليك، وهذا ما رأيناه في صاحبنا هذا وفي غيره، ثم لا يجوز أن نسلم لهم بالكذب على الآخرين حتى ولو كانوا كفاراً فضلاً عن مسلمين يخالفوننا مخالفات كبيرة أو صغيرة.
هذا نقوله للحق وللتاريخ وليس دفاعاً عن متهم ولا اتهام بريء لكن لنتعلم العدل، أما إلقاء عيوبنا وضعفنا على شماعة المؤامرات فهذا من تخلفنا وضعفنا وعدم اعترافنا بالحقيقة.))

السبب الذي جعل الدولة العباسية ضعيفة في ذلك الوقت
يصف المؤرخ ابن الطقطقي افراد حاشية المستعصم بانهم من اراذل العوام. ويقول، في ما يقول، المستعصم: ((كان اصحابه مستولين عليه، وكلهم جهال من اراذل العوام الا وزيره مؤيد الدين محمد بن العلقمي،فانه كان من اعيان الناس وعقلاء الرجال، وكان مكفوف اليد، مردود القول، يترقب العزل والقبض صباح مساء))
يعني لم يكن للوزير ابن العلقمي اي تأثير او نفوذ على قرارات الخليفة بالجملة
وكيف يتفق لابن العلقمي ان يخفض من عطاءات الجند وعدوه اللدود هو الدوادار الشركسي قائد الجيش لا يعترض وناصره ابن الخليفة اضافة الى قائد قوات الابراج ((بمعنى الحرس الوطني )) كان ابن الدرنوس ومال الجند كان بيدالقائد الشرابي وما ادراك ما ابن الدرنوس والشرابي
فكيف يتفق لابن العلقمي ان يتصرف بحرية امام هذه العاهات البشرية التي كانت تحيط بالمستعصم
ويعطي المؤرخ ابن الطقطقي صورة عن واحد من الحاشية، وهو نجم بن الدرنوس، فيقول عنه ما نصه: ((كان ببغداد حمال يقال له عبد الغني بن الدرنوس، فتوصل في ايام المستنصر حتى صار براجا في بعض ابراج دار الخليفة،فما زال يحسن التوصل الى ولد المستنصر، وهو المستعصم، آخر الخلفاء، وكان في زمن ابيه محبوسا، فما زال هذا البراج يتعهده بالخدمة طول مدة الايام المستنصرية الى ان توفي المستنصر وجلس على سريرالخلافة ولده ابو احمد (عبداللّه المستعصم) فعرف لهذا البراج حق الخدمة، ورتبه مقدم البراجين. وفي آخر الامر، است
04-27-2005, 11:14 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
حسان المعري غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 3,291
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #2
ابن العلقمي المفترى عليه
تحياتي لك حاج رحمة
افتقدناك (f)


أشكر جهدك .. وسأقرأ الموضوع بتروٍ شديد ..
لكن نكاية فيك مش رح شارك :D

حظك أو حظي ..
فقد قررت (( فعلا )) التنحي تماما عن الحوارات في ساحة فكر حر ، خاصة حوارات من هذا النوع ..


تحياتي لك ..
وصدفة سعيدة تلك التي أعادتك
(f)

تعديل بعد ازنك :

أتمنى أن يكون مفترى عليه ..
وأتمنى لو أن تاريخنا كله مفترى ..

هكذا : نرتاح من النبش في قبره :)
04-27-2005, 11:26 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
رحمة العاملي غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,790
الانضمام: Sep 2002
مشاركة: #3
ابن العلقمي المفترى عليه
الاخ المتعب جدا المعري :23:
يبعتلك
رح نهنهك بالبحث
مسائبة اني مولع بالتحقيق التاريخي
خذ هذا البحث ايضا واقرأ وتمعن

كشف المؤرخ السيد حسن الأمين جوانب من الحقيقة في غزو المغول لبلاد المسلمين ،
في كتابه ( الإسماعيليون والمغول ونصير الدين الطوسي ) وهو كتاب جدير بالقراءة ،

قال في ص 117 :

من حرض المغول ؟
--------------------
رأينا فيما تقدم أن وفد الخليفة إلى حفلة تنصيب ( أوغوتاي ) لقي إلى جنب الترحيب تهديدا ووعيدا ، وعاد إلى بغداد برسالة معربة عن ذلك . وأما وفد النزاريين فقد لقي غضب ومهانة . ولكل من المعاملتين أسباب وجذور ودلالات . فوفد الخليفة يمثل سلطة لم يصطدم بها المغول اصطداما مباشرا بعد ، ولكنهم يتهيؤون لهذا الاصطدام ، فهم على ترحيبهم يريدون أن يفهموا الذين وراء الوفد أن عليهم التسليم أو انتظار عواقب عدم التسليم .
وأما النزاريون فقد استطاعوا أن ينجوا من غزو جنگيز وأن تظل قلاعهم سليمة ويظلوا هم سالمين ، وهذا ما أثار حنق المغول عليهم حنقا تجلى في مقابلتهم لوفدهم ، وفيما بدر منهم بعد ذلك عندما تهيؤوا للغزو العام . فقد أعلنوا بكل وضوح أن هدفهم استئصال النزاريين ولقوا بين المسلمين من يحرضهم على ذلك ويمهد لهم السبيل . بعص المسلمين الذين كان الخطر المغولي لا يزال جاثما على أبوابهم بكل جبروته وقوته بعد غزو جنگيز خان ، لم يروا في وثنية المغول إلحادا ، وإنا رأوا هذا الإلحاد في عقيدة النزاريين . وأصبح هم المسلمين لا العمل على وضع الخطط للمستقبل القريب البعيد ، والاعتبار من الماضي بالتفكير في تنظيم القوى الإسلامية وجمع صفوفها لتكون سدا منيعا في وجه غزو مغولي جديد متوقع في كل ساعة . لم يصبح همهم هذا ، بل كان همهم كيف نقضي على النزاريين وقلاعهم .
إن التخلص من تلك الدعوة وأصحابها شئ لا يلام عليه من يريدون التخلص منها ومنهم ، ولكن على أن يتم ذلك بالقوى الذاتية ، لا سيما المعنوية منها من إقناع ودليل وحجة ، لا باستدعاء الأجنبي الوثني الطامع بالبلاد الإسلامية ، والذي هو في الوقت نفسه أشد إلحادا من كل ملحد ، وأفضع فتكا من كل فاتك .
كان ( منكوقا آن ) حفيد جنگيز هو الذي انتهت إليه خلافة جنگيز ، وكان هو الحاكم الذي تسير بإشارته جيوش المغول في كل مكان . وكان له عدة إخوة يقودون جيوشه ويحكمون باسمه أحدهم هولاكو. وعلى منكوقا آن هذا كان يتردد قاضي قضاة المسلمين شمس الدين القزويني ، وكان هم هذا القاضي أن يثير حفيظة الإمبراطور المغولي على النزاريين ويحرضه على اقتحام بلادهم ، فلم يترك وسيلة من الوسائل إلا استغلها لإنجاح مقصده .
يقول رشيد الدين الهمذاني في كتابه جامع التواريخ في الصفحة 233 ، من المجلد الثاني - الجزء الأول :
" في ذلك الوقت جان قاضي القضاة المرحوم شمس الدين القزويني موجودا في بلاط الخان . وذات يوم ظهر للخان مرتديا الزرد وأخبره أنه يلبسه تحت ثيابه خشية الملاحدة ، كما سرد له طرفا من اعتداءاتهم وغاراتهم . وكان الخان يتوسم في أخيه هولاكو مخايل الملك ، ويرى في عزائمه مراسم الفتح والغزو . وكان قد تفكر فرأى أن بعض ممالك العالم قد دخل فعلا في حوزة جنگيز خان وبعضها لم يستخلص بعد " .

ويقول الجوزجاني : ( انظر طبقات ناصري ، الصفحة 413 - 414 ) إن شمس الدين هذا كان على اتصال بالمغول ، وكان إماما وعالما كبيرا ، ذهب مرة إلى منكو خان وطلب مه أن يضع حدا لشر الملاحدة ويخلص الناس من فسادهم .
ويقول الجوزجاني أيضا : إن كلمات هذا القاضي كان لها أثر عميق في نفس منكو خان إذ نسب إليه الضعف والعجز لأنه لم يستطع أن يستأصل شأفة هذه الطائفة التي تدين بدين يخالف ديانات المسيحيين والمسلمين والمغول ، وما ذلك إلا لأنهم استطاعوا أن يغروا منكو خان بالمال ، بينما هم يتحينون رصة ضعف دولته ، فيخرجون من الجبال والقلاع ليقضوا على البقية الباقية من المسلمين ويعفوا آثارهم .

هذا بعض ما حفظه المؤرخون من تحريض قاضي قضاة المسلمين ( الإمام العالم الكبير ) على حد تعبير الجوزجاني ، أما ما لم يحفظوه فلا شك أنه شئ كثير . وتدل تصرفاته على أنه كان داهية دهماء يعرف كيف يتصل إلى قلب محدثه وعقله وكيف يستحوذ على عواطفه وشعوره .
ثم انظر كيف استطاع أن يثير في نفس حفيد جنگيز خان ذكريات عدم توفق جده بالاستيلاء على قلاع النزاريين ، حتى أدى الأمر أن يروي لنا المؤرخ الموقف على هذا الشكل : " فرأى منكوخان أن بعض ممالك العالم قد دخل فعلا في حوزة جنگيز خان وبعضها لم يستخلص بعد " ومن البدهي أن قلاع النزاريين كانت مما لم يستخلص بعد .
وتعقيبا على قول القاضي يقول صاحب جامع التواريخ : " فاستقر رأي منكوخان على أن يعهد بكل طرف من المملكة إلى واحد من إخوته ليخضعها لإرادته " . وكانت بلاد النزاريين من نصيب هولاكو .

هذه هي قصة من قصص بداية الغزو المغولي للبلاد الإسلامية على يد هولاكو الذي انتهى إلى ما انتهى من الوصول إلى بغداد وما جرى فيها من الفظائع والأهوال .
لقد كان بعض المسلمين محرضين على هذا الغزو ، وكان بطل التحريض " قاضي القضاة الإمام العالم الكبير " . ويفجعك فيما يفجعك أن القاضي الإمام المحرض قد جعل من أبر جرائم النزاريين أنهم لا يدينون بالوثنية دين المغول ، كما تراه في أقواله المتقدمة . فلو دانوا بها لما كان عليهم من بأس عند قاضي المسلمين وإمامهم العالم الكبير .
واستطاع هذا القاضي الإمام أن ينجح في مسعاه فقضى المغول على دولة النزاريين ، ولكنه قضوا في الوقت نفسه على خلافة بغداد وأزالوا دولة العباسيين .
وليتنا نعرف رأي القاضي الإمام المحرض بالنهاية التي وصل إليها العالم الإسلامي نتيجة تحريضه . صحيح أن المغول كانوا يعدون العدة لغزو العالم الإسلامي سواء حرضهم القاضي أم لم يحرضهم ، ولكن الصحيح أيضا أن " قاضي القضاة " كان من المحرضين المتحمسين لهذا الغزو وأنه أعطاهم المبرر ورفع لهم الشعار وكان من أخلص الأعوان . . .

وهنا نود لو سألنا ابن تيمية ، الذي قال في بعض ما قال : " إن التتار لم يكونوا ليغيروا على بغداد ولم يكونوا ليقتلوا الخليفة العباسي وبقية القواد المسلمين إلا بمساعدة الملاحدة الإسماعيلية " .
إنا نود لو سألناه من هو الذي ساعد المغول على الإغارة على بغداد وقتل من قتلوا ؟ أهو قاضي قضاة المسلمين أم الإسماعيلية الذين استهدفهم تحريض القاضي ثم استهدفهم تنكيل المغول ؟ ! ( 1 ) .
فقد كانت عصبية ابن تيمية تغشي على بصيرته فيقع في فضائح تاريخية وغير تاريخية مما رأيناه هنا وما نراه غير هنا .
ومضى هولاكو بجيشه الجرار معلنا أنه إنما يمضي للتغلب على النزاريين ولما وصل إلى ( كش ) أقام مدة شهر ، ثم أرسل عدة رسل إلى الملوك والسلاطين ( المسلمين ) تشتمل على هذه العبارات : " بناء على أمر القاءان قد عزمنا على تحطيم قلاع الملاحدة وإزعاج تلك الطائفة ، فإذا أسرعتم وساهمتم في تلك الحملة بالجيوش والآلات فسوف تبقى لكم ولايتكم وجيوشكم ومساكنكم وستحمد لكم مواقفكم . أما إذا تهاونتم في امتثال الأوامر وأهملتم فإنا حين نفرغ بقوة الله من أمر الملاحدة فإننا لا نقبل عذركم ونتوجه إليكم فيجري على ولايتكم ومساكنكم ما يكون قد جرى " ( 1 ) .

ولبى الملوك والسلاطين والأمراء المسلمون نداء هولاكو لمعاونته في مهمته ( المقدسة ) !!

ويصف رشيد الدين فضل الله الهمذاني في ( جامع التواريخ ) التسارع إلى تلبية النداء ( الجهادي ) فيقول : " أقبل من بلاد الروم السلطانان عز الدين وركن الدين . ومن فارس سعد بن الأتابك مظفر الدين . ومن العراق وخراسان وآذربيجان وأران وشروان وجورجيا الملوك والصدور والأعيان " . على أن الأمر لم يقف عند هذا الحد فبعد احتلال هولاكو لبغداد وزحفه إلى بلاد الشام انضم إليه من انضم من ملوك المسلمين وساروا معه لقتال إخوانهم المسلمين ومعاونته في فتح بلادهم . نذكر منهم الملك السعيد ابن الملك العزيز ابن الملك العادل أخي صلاح الدين الأيوبي الذي سلم لهولاكو الصبيبة ( 2 ) وانضم إليه في زحفه .
ويقول عن ذلك أبو الفداء في تاريخه ( ص 204 ، ج 3 ) : " وسار الملك السعيد معهم ( المغول ) وأعلن الفسق والفجور وسفك دماء المسلمين " .

وفي معركة عين جالوت كان مع المغول يقاتل المسلمين ، ولما انهزم المغول أسره المسلمين ثم قتلوه .
وكان معهم أيضا في هذه المعركة الملك الأشرف موسى صاحب حمص الذي استطاع الفرار عند حصول الهزيمة فلم يؤسر .
وهو من أحفاد شيركوه عم صلاح الدين الأيوبي .
وممن حرضوا المغول على غزو الشام ومصر الملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل بن الكامل بن العادل شقيق صلاح الدين الأيوبي ،
وبعد النصر الإسلامي في معركة عين جالوت قبض عليه الظاهر بيبرس " وأحضر الفقهاء والقضاة وأوقفهم على مكاتبات من التتر إلى المغيث أجوبة عما كتب إليهم في إطماعهم في ملك مصر والشام " كما نص على ذلك أبو الفداء في تاريخه ( ص 217 ) ، ج 3 ) . ثم قتله الملك الظاهر .

وبصيرة ابن تيمية المغشاة بعصبيته لا ترى شيئا من هذا .
على أن الأيوبيين في الجزيرة والشام كانوا في أول من تعاون مع هولاكو فأرسلوا إليه يهادونه ويخطبون وده ، وقد أسرع الناصر الأيوبي نفسه إلى إعلان خضوعه للمغول وأرسل ابنه العزيز سنة ( 656 ه‍ - 1258 م ) " بتحف وتقادم إلى هولاكو وصانعه " .

أما الأشرف موسى الأيوبي صاحب دمشق فقد أسرع في تقديم ولائه لهولاكو ، في حين بادر المنصور بن المظفر الأيوبي صاحب حماه بالفرار إلى مصر تاركا حماه وأهلها يلقون مصيرهم ، ثم فر الناصر يوسف من دمشق وتركها فوضى . . ( 1 ) .

ونحن هنا نسأل ابن تيمية ومن لف لفه وما أكثرهم ماذا كنتم ستفعلون لو أن ملكا شيعيا هو الذي سلم ( الصبيبة ) لهولاكو وانضم إلى جيشه ؟ وماذا كنتم ستفعلون لو أن ملكا شيعيا أو أي شخص شيعي كان يقاتل مع المغول في معركة عين جالوت ؟
لقد انضم ملوككم إلى المغول وحاربوا المسلمين وكسبوا الخزي فتجاهلتم ذلك ورحتم تتهمون الأبرياء الشرفاء ! .
وممن يتجاهل ابن تيمية جرائمهم - وهو يتهم الأبرياء - يتجاهل جرائمهم لأن عصبيته توحي إليه بهذا التجاهل ، كبار علماء هولاكو الذين وضعوا أنفسهم في تصرفه فعاونوه على سفك دماء المسلمين ، منهم أبو بكر فخر الدين عبد الله بن عبد الجليل القاضي المحدث الذي ذكر صاحب كتاب ( الحوادث الجامعة ) أنه كان يتولى إخراج الفقهاء البغداديين ليقتلوا في مخيم هولاكو . وصاحب ( الحوادث الجامعة ) مؤرخ معاصر شهد الأحداث بنفسه . إن الذي كان يدهم بيوت فقهاء بغداد ويخرجهم منها ليسوقهم إلى هولاكو ليقتلهم هو ( القاضي المحدث ) الملقب ب‍ ( فخر الدين ) .
إن حامل هاتين الصفتين وهذا اللقب كان جلاد هولاكو الساعي بدماء الفقهاء العلماء إلى السفاك السفاح ، إنه يعرفهم واحدا واحدا لأنه منهم ويعرف مراتبهم ودرجاتهم ، ويعرف بيوتهم ومجالسهم ، فكان سهل عليه انتقاؤهم وسحبهم لتهرق دماؤهم .
وابن تيمية يغمض عينيه عنه وعن أمثاله ، ولا يرى فيما فعلوه ما يستحق المؤاخذة !

ابن تيمية وآخرون غيره لم يرعهم مشهد الملوك والسلاطين والصدور والأعيان المسلمين مقبلين إلى مقر هولاكو مقدمين له فروض الطاعة واضعين أنفسهم ومن إليهم في يديه يصرفهم كيف شاء ، ولم تثرهم مواكبهم المتدفقة براياتها وسيوفها وطبولها لتصب في الجيش الوثني السفاك استجابة لنداء طاغية المغول وتلبية لدعوته ، واستعدادا للسير تحت لوائه في غزوه المقبل ! . .

ابن تيمية لم يبصر شيئا من هذا وهو يتحدث عمن ( ساعد المغول للإغارة على بغداد ) ، بل أكمل كلامه المتقدم قائلا بعد أن ادعى على ( الملاحدة الإسماعيلية ) بأنهم هم الذين ساعدوا - أكمل كلامه قائلا عن الإسماعيليين : " وأهم رجالاتهم الذين حملوا وزر هذه الأحداث هو وزيرهم نصير الدين الطوسي في الموت ، إنه هو الذي أصدر الأمر بقتل الخليفة وفي بساط الحكومة العباسية " .

ولا نريد هنا أن نعيد الحديث عن مواقف نصير الدين الطوسي بعد ما تحدثنا عنها في غير مكان ولكننا سنقتصر على ما لم نذكره هناك مما يتعلق باتهامات ابن تيمية فنقول : يزعم ابن تيمية أن نصير الدين الطوسي كان أهم رجالات الإسماعيلية الملاحدة وأنه وزيرهم ، وأنه هو الذي أصدر الأمر بقتل الخليفة .
يزعم ذلك ابن تيمية متجرئا على نصوص التاريخ ، غير مبال بمنافاة قوله لأبسط حقائق تلك النصوص ، يفعل ذلك لأنه يريد بأية وسيلة أن ينال ممن يكرههم ، يكرههم لا لشئ يستدعي الكره ، بل لأنهم لا يرون رأيه في كل شئ وكل كن لا يرى رأيه فهو مكروه منه ، بل هو حلال الدم ، حلال الكرامة حلال الاستباحة : الاستباحة بالسيف أو الاستباحة بالقلم ! . .
وبهذا الاستحلال ، بفتاوى ابن تيمية سفكت دماء المسلمين في كسروان بلبنان ، وكادت تسفك دماء المسلمين في بعلبك والهرمل ، ودماء المسلمين في جبل عامل لولا أنهم لم يؤخذوا على حين غرة . . . < صفحة 125 > وبهذا الاستحلال استبيحت سمعة نصير الدين الطوسي ! . .
فما هي الحقيقة فيما رواه ابن تيمية عن نصير الدين الطوسي ؟ .
وسنرى بعد ذلك الحقيقة فيما رواه عن النزاريين .
1 - هل صحيح أن نصير الدين الطوسي كان أهم رجال الإسماعيلية الملاحدة وأنه وزيرهم ؟ .
2 - هل صحيح أنه هو الذي أصدر الأمر بقتل الخليفة ؟ إن الأمرين غير صحيحين وهما افتراء في افتراء ، وإليك الحقيقة :
كانت ولادة نصير الدين في طوس وفيها درس دراسته الأولى على أبيه وخاله وعلى كمال الدين محمد المعروف بالحاسب ، وبعد وفاة والده كان لا بد له من الاستزادة في الدرس ، وكانت نيسابور في ذلك الوقت مجمع العلماء وملتقى الطلاب فذهب إليها وحضر حلقة درس كل من سراج الدين القمري وقطب الدين السرخسي وفريد الدين الداماد وأبي السعادات الأصفهاني وآخرين غيرهم . كما لقي فيها فريد الدين العطار . وفي نيسابور قضى فترة ظهر فيها نبوغه وتفوقه وصار من المبرزين . وخلال وجوده في نيسابور زحف المغول زحفهم الأول بقيادة جنگيز حاملين الدمار والموت واجتاحوا فيما اجتاحوا بلاد خراسان وانهزم أمامهم السلطان محمد خوارزم شاه وانهارت بعده كل مقاومة وتساقطت المدن واحدة بعد الأخرى ، وساد القتل والخراب والحريق ، وفر الناس هائمين على وجوههم : بعض إلى الفلوات ، وبعض إلى المدن البعيدة وإلى بعض القلاع الحصينة . ومن لم يستطع شيئا من ذلك انطلق لا يدري أية ساعة يأتيه الموت . والقوة الوحيدة التي حيل بينها وبين المغول هي قلاع النزاريين - كما تقدم - وهي التي لجأ إليها نصير الدين فيمن لجأ . وهنا تختلف أقوال المؤرخين في كيفية هذا اللجوء .
ففيهم من يرى أن المحتشم ناصر الدين عبد الرحيم بن أبي منصور متولي قهستان ، قد ولي السلطة على قلاع النزاريين في خراسان من قبل علاء الدين محمد زعيم النزاريين آنذاك . وكان ناصر الدين هذا من أفاضل زمانه وأسخياء عهده ، وكان يعنى بالعلماء والفضلاء ، وكانت شهرة نصير الدين قد وصلت إليه وعرف مكانته في العلم والفلسفة والفكر ، وكان من قبل راغبا في لقياه فأرسل يدعوه إلى قهستان ، وصادفت الدعوة هوى في نفس المدعو الشريد ورأى أنه وجد المأمن الذي يحميه فقبل الدعوة وسافر إلى قهستان . وبلغ علاء الدين محمد زعيم النزاريين نزول الطوسي على واليه ناصر الدين . فطلبه منه فلم يكن مناص للطوسي من إجابة الدعوة ، فمضى ناصر الدين مصطحبا الطوسي إلى زعيمه علاء الدين في قلعة ( ميمون دز ) . ثم انتهت حياة علاء الدين قتلا بيد أحد حجابه فتولى أمر النزاريين بعد ابنه الأكبر ركن الدين خورشاه .
وظل الطوسي مع ركن الدين في قلعة الموت حتى استسلام ركن الدين للمغول في حملتهم الثانية بقيادة هولاكو . هذا بعض ما يقال عن اتصال نصير الدين الطوسي بالنزاريين ، ولكن هناك مؤرخين يخالفون هذا الرأي ويرون أن الطوسي ذهب إلى النزاريين مرغما وأقام عندهم مكرها . فقد جاء في ( درة الأخبار ) أن أوامر قد صدرت إلى فدائيي النزاريين باختطاف الطوسي وحمله إلى قلعة ( الموت ) وأن الفدائيين ترصدوه في أطراف بساتين نيسابور وطلبوا إليه مرافقتهم إلى الموت وأنه امتنع فهددوه بالقتل وأجبروه على مرافقتهم ، وأنه كان يعيش هناك سنواته شبه أسير أو سجين . وكذلك فإن ( سرجان ملكم ) في تاريخه قد أيد إرغامه على الذهاب إلى ( الموت ) وإن كان قد ذكر هذا الإرغام برواية تختلف عن رواية درة الأخبار غير أن ( وصاف الحضرة ) قد جاء بأمر وسط بين الأمرين . أي أن الطوسي قد ذهب مختارا إلى ناصر الدين ، وخلال مقامه عنده حدث ما عكر صفو ودادهما ، فنقم عليه ناصر الدين واعتبره سجينا لديه ، ثم أرغمه على مصاحبته إلى ( ميمون دز ) حيث عاش سجينا لا يبرح مكانه . على أنه مهما يكن من أمر ، فسواء صح الافتراض الأول ، وهو أنه ذهب إلى النزاريين مختارا وأنهم لم يؤذوه ولم يعتبروه أسيرا أو سجينا . أو صح أحد الأمرين الآخرين ، وهو أنهم هم الذين اختطفوه وحجزوه لديهم ، أو أنه ذهب مختارا ثم فسد ما بينه وبينهم فضيقوا عليه وحبسوه . سواء صح هذا أو ذلك أو ذلك فليس في واحد منها إلا ما يدحض مزاعم ابن تيمية من أنه " أهم رجالات الإسماعيلية الملاحدة وأنه وزيرهم " .
فإذا صح الافتراض الأول فهو لا يدل إلا على أن نصير الدين الطوسي كان مجرد لاجئ مع غيره من اللاجئين الفارين بدمائهم إلى مكان يحميهم من القتل العام ، فهو ليس من رجالات الإسماعيليين أصلا ، فضلا عن أن يكون من أهم أولئك الرجالات ، وموقع اللاجئ في ملجئه موقع الضعيف المقهور الذي يحس الذل والهوان في كل ركن يأوي إليه وكل خطوة يخطوها .
ولا يكتفي ابن تيمية بوصف الطوسي بما وصفه به ، بل يزيد على ذلك بأنه وزيرهم ! . . اللاجئ المقهور المستكين الذي لا يطمح بأكثر من الحمى الأمين يتحول عند ابن تيمية إلى وزير ! .
أما إذا لم يصح الافتراض الأول فالطوسي كان أسيرا سجينا في الموت قاعدة ( الإسماعيليين الملاحدة ) .
على أنه ما لنا ولكل هذه الافتراضات ما دمنا أمام نص صريح واضح لا لبس فيه ولا غموض ، نص خطته أنامل نصير الدين الطوسي نفسه ، فأرانا حقيقة حاله وما كان عليه .
يقول نصير الدين الطوسي في آخر كتابه ( الإشارات ) الذي ألفه خلال إقامته في قلاع النزاريين ما نصه :
" رقمت أكثرها في حال صعب لا يمكن أصعب منه حال ، ورسمت أغلبها في مدة كدورة بال لا يوجد أجدر منه بال ، بل في أزمنة يكون كل جزء منها ظرفا لغصة وعذاب أليم وحسرة وندم عظيم وأمكنة توقد لكل آن فيها زبانية نار جحيم ويصب من فوقها حميم . ما مضى وقت ليست عيني فيه مقطرا ولا بالي مكدرا ولم يجئ حين لم يزد ألمي ولم يضاعف همي وغمي نعم ما قال الشاعر بالفارسية ( وهنا يستشهد ببيت شعر فارسي ) ثم يتم القول : " وما لي في امتداد حياتي زمان ليس مملوءا بالحوادث المستلزمة للندامة والحسرة الأبدية ، وكان استمرار عيشي أمير جيوشه غموم وعساكره هموم . اللهم نجني من تزاحم أفواج البلاء ، وتراكم أمواج العناء بحق رسولك المجتبى ووصيه المرتضى صلى الله عليه وآله وسلم ، وفرج عني ما أنا فيه ، بلا إله إلا أنت أرحم الراحمين " . ( انتهى ) .

إنه في حال صعب لا يكون أصعب منه . وإنه في كدورة بال لا يوجد أكدر منه . وإنه في غصة وعذاب أليم ، توقد فيها زبانية نار جحيم ، ويصب من فوقها حميم . لقد بلغ إلى هذا الحد الذي يبكي فيه كل يوم ، يبكي وهو الرجل الصلد الصلب إن أيامه هموم وغموم . وأخيرا يسأل الله أن ينجيه مما هو فيه . . . هذه هي حياة الرجل بين النزاريين . هذا واقعه الذي يعيشه في الموت لاجئا أو أسيرا سجينا ، مقهورا محزونا هذا هو الرجل عند نفسه ، وعند الحقيقة المعاشة ! .

أما عند ابن تيمية الذي يرى ببصيرته المغشاة بعصبيته الذميمة فهو هناك أهم الرجال والوزير الخطير . وينقله ابن تيمية من موقع أهم الرجال ومنصب الوزارة في الموت إلى الآمر الناهي المسيطر في بغداد ! . . إنه هو الذي أصدر الأمر بقتل الخليفة ! . .
هولاكو قائد الجيوش الجرارة ، الحاكم المطلق ، قاهر الدول ومذل الملوك ، يتخلى فجأة عن سلطاته ليجعلها في يد رجل غريب أسره بالأمس فيمن أسر من الرجال ! . هذا هو منطق ابن تيمية ! .
إن الذي يأمر وينهى ، والذي يصدر أوامر القتل ، وقتل من ؟ . قتل الخليفة . . هو نصير الدين الطوسي لا هولاكو . ولم يشرح لنا ابن تيمية سبب زهد هولاكو بالسلطة بعد انتصاره الحاسم ، ولا علة اعتكافه وتنازله عن الحكم لرجل غريب مثل الطوسي ! . . إن ابن تيمية لا يبالي أن يدافع عن الوثني الطاغية السفاك السفاح ويبرئه من الأمر بقتل الخليفة ويلصق ذلك بالمسلمين ، إنه لا يبالي بذلك بعد أن غطت العصبية العمياء على بصيرته ! .
وننقل لابن تيمية نصوص المؤرخين الذين ذكروا مقتل الخليفة ، ننقلها وهو وراء القرون الخوالي ، ننقلها له لأنه لا يزال يعيش فيما سطرته أنامله من أضاليل .
إن صاحب كتاب ( الحوادث الجامعة ) الأقرب عهدا بعصر هولاكو ، بل المعاصر له ، يقول : إن هولاكو أمر بقتله فقتل يوم الأربعاء رابع عشر من صفر ولم يهرق دمه بل جعل في غرارة ورفس حتى مات(1)
ويقول أبو الفداء ( 2 ) إنهم أي المغول قتلوه ( ولم يقع الاطلاع على كيفية قتله ، فقيل خنق ، وقيل وضع في عدل ورفسوه حتى مات ، وقيل غرق في دجلة والله أعلم بحقيقة ذلك )
04-27-2005, 11:34 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
زمان غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 454
الانضمام: Sep 2004
مشاركة: #4
ابن العلقمي المفترى عليه
بسم الله الرحمن الرحيم

شيخي العزيز أبو محمد رحمة العاملي
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

موضوع قيم يحتاج المرء لقراءته بتمعن و تأمل خصوصا الأخوة الذين أخذوا الأمر من جانب أحادي و كتهمة جاهزة و كأنها امر مسلم به بدون أي خلفية علمية مسبقة .

لا حرمنا الله من معين قلمك السيال.

دعائي لك بالتوفيق و المثوبة من الله على هذا الجهد المشكور إن شاء الله.

اخيرا اقول لك عودا حميدا شيخنا العزيز .

(f)(f)(f)
04-27-2005, 11:54 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}
على نور الله غير متصل
Banned
*****

المشاركات: 8,439
الانضمام: Apr 2005
مشاركة: #5
ابن العلقمي المفترى عليه
بارك الله بكم مولاى الفاضل العاملى

مولاى :
ما يجعلنى اكلم نفسى استغرابا
انهم جميعا ذكروا مظلومية الشيعة و انهم تعرضوا لمذبحة بتامر من السلطة و الرعاع و اهل الفساد.
و بعد ذلك يفترضون خيانة العلقمى رضى الله عنه و الطوسى رضى الله عنه و ارضاهما و جازاهما عنا خير الجزاء
و لكن بفرض ان صح زعمهم
و هو فرض شتان بينه و بين الواقع كما بينتم مولاى
اقول ان صح زعمهم
فماذا ينتظرون من قوم قتلوا شبابهم و استحلوا دماءهم و اعراضهم و خربوا بيوتهم و نكلوا بهم ؟؟؟؟؟
هل ينتظرون منهم ان يقبلوا جبينهم ؟؟؟؟؟
الموقف يتكرر
فى افغانستان ذبحوا الشيعة
و عندما استعادت الشيعة مدنهم و قراهم
قالوا الشيعة حاربونا
فى العراق
صدام ذبح الشيعة
و عندما تخلوا عنه و لم يسفكوا دماء شبابهم دفاعا عن جزارهم
صارت الشيعة متهمة
الان ما تسمى مقاومة عراقية
الفرع الوهابى البعثى
يذبحون الشيعة
غدا عندما يوجه لهم الشيعة الضربة القاضية بعد نفاذ صبرهم
سيقولون
الامريكيون لم يستطيعوا التغلب علينا لولا تدخل الشيعة
يريدون من الشيعة ان يذبحوا دون ان يفعلوا شيئا
بل عليهم ان يقبلوا يد جزاريهم المجرمين
اجسام البغال
و احلام العصافير

اللهم صل على محمد و ال محمد
لا فتى الا على و لا سيف الا ذو الفقار
04-28-2005, 12:13 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  حزب "البعث" غير المأسوف عليه .... العلماني 1 683 02-26-2012, 04:07 AM
آخر رد: vodka
  إسلامنا المُفترى عليه عاشق الكلمه 68 12,785 08-24-2010, 10:41 PM
آخر رد: seasa1981
  محمد عليه الصلاة والسلام : وجهة نظر عسكرية أمريكية عزالدين بن حسين القوطالي 20 5,265 02-15-2010, 09:08 PM
آخر رد: أبو نواس
  النادي و الطارئون عليه أسامة مطر 16 4,218 02-07-2010, 02:25 PM
آخر رد: أسامة مطر
  الشعب السعودي .. من يهن يسهل الهوان عليه ! أَلَق 4 2,385 01-22-2010, 01:19 PM
آخر رد: المروءة والشهامة

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS