بداية الحديث
ان تعاملنا مع مسألة وجود محمد كحقيقة , فلا خلاف انه قد تكلم طوال الستين عاما التى قضاها على ارضنا , ولا جدال ايضا في انه قد قام ببعض الافعال , انما الخلاف هو
(هل الاقوال المنسوبة اليه اليوم هي نفس اقواله و الافعال هي نفس افعاله ام لا ) و الاحتمال الثالث هو اننا لا يمكننا الجزم بصحة نسبة هذه الاقوال .
صحة نسبة الاقوال اذن هي مجال ( علم الحديث ) , الذي ينصب اغلبه في البحث عن تسلسل الرواة الذين نقلوا النص المنسوب الي محمد , و قد تم تسمية الرواة المتسلسلين ب ( السند ) و النص الوارد في الحديث نفسه ب( المتن ) .
فمتى بدأ الاهتمام بالسند ؟
يعرض ( رضا الصمدي ) نظريات بدء البحث في صحة السند في مقالين هما
الجرح والتعديل عند المحدثين
الإسناد عند المحدثين
و رأيت انه من المهم ان اعرض خلاصه ما توصل اليه , وما توصل اليه يرتكز اساسا على احد المشتغلين بالحديث كنت قد اشرت اليه وهو ( محمد بن سيرين ) و مقولته التى كنت قد اشرت اليها وهي (( كان الناس لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قلنا سموا لنا رجالكم )) .
فقد كانت هذه المقولة بداية ما للبحث عن بداية هذه العملية من الاهتمام بالاسناد و البحث عن صحته , و السخرية اننا نعتمد في البحث على قضية ( صحة نسبة الاقوال ) على قول
قد لا تصح نسبته في الاساس !
و الاراء نفسها تتمحور حول تحديد ماهية ( الفتنة ) التى ادت الي بداية البحث عن الاسناد , و قد لخصها صمدي في الاراء التالية
1- مقتل عثمان 35 هـ
2- الصراع بين علي و معاوية 35 - 40 هـ
3- فتنة المختار الثقفي 66 هـ
4- فتنة عبد الله بن الزبير 76 هـ
5- فتنة الوليد بن يزيد 126 هـ
اما الرأي الاول وهو رأي ( اكرم العمري ) (1) , و الثاني (للاعظمي ) (2) , فانهما متقاربان زمنيا , و يتفقا معا على الاعتماد على تفسير الفتنة التى عناها ( ابن سيرين ) بمقولة لابن سيرين نفسه وهي (( ثارت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف لم يخف منهم أربعون رجلا )) (3)
و يزايد الاعظمي اكثر فاكثر على زمن نشأة الاسانيد - و ذلك في اطار رده على شاخت - فيقول ان الاسانيد نشأت قبل ذلك انما كان للراوي ان يذكرها او لا الاعظمي .(4)
ويضيف الاعظمي دليلا جديدا فيستقرأ الأحاديث الموضوعة في كتاب " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " للشوكاني و يجد ان اغلبها يدور حول علي و معاوية فيظن ان هذا يزيد موقفه قوة .
يرفض ( صمدي ) الاقتراحين معا , فهما مبنيان على تفسير ( الفتنة ) بايجاد لفظة ( فتنة ) في قول اخر , و تلبيس هذا على ذاك , فيقول
(( طريقة غير سديدة في فهم العبارات المتشابهة وحمل بعضها على بعض خاصة إذا عرفنا أن الفتن التي حدثت في حياة ابن سيرين تبلغ أكثر من عشر فتن في أرجاء العالم الإسلامي ، وكلها كان يطلق عليها فتن ، وكانت أصداؤها تتردد في كل أرجاء العالم الإسلامي محدثة أثرها بوجه أو بآخر , فمن التعسف إذن أن نفسر كلمة بمعنى لمجرد أن صاحبها استعملها بمعنى في موطن آخر ))
و قد رد ( صمدي ) على حجة ( الاعظمي ) الاخيرة فيقول
(( الأعظمي يفترض أن من الضروري أن تكون تلك الأحاديث وضعت في زمان الفتنة نفسها ، وهذا ليس بلازم ، بل مخالف للشواهد )) و يستمر في الرد على الاعظمي .
و بالاضافة الي رد ( صمدي ) فان ( الاعظمي ) يفترض ان احاديث الشوكاني هذه هي التى انتشرت وحدها في الزمان الاول - ان افترضنا انها تنتمي اليه - لكنها قد تكون مجرد عينة مختارة للرد عليها , انما الموضوعات الاخرى قد تم تجاهل نقلها لسبب او لاخر , وهو احتمال لا يمكن تجاهله .
يتبع
-----------------------------
1- بحوث في تاريخ السنة المشرفة ص 44
2- دراسات في الحديث النبوي (2/395)
3- رواه عبد الرزاق في المصنف (11/357)
4- الاعظمي , المصدر السابق (2/397)