الحلقة الثالثة :
حلم اوتو و كارل :
ما فائدة الاحلام اذا صارت الرقابة موجودة ؟ ما فرقها عن الواقع ؟ اذا كانت الرقابة موجودة فلماذا لا تراقب عدم منطقية الحلم مثلما تراقب عدم المنطقية في حالة اليقظة والوعي ؟ وما دامت الرقابة قائمة بهذا الشكل الدقيق حتى في الحلم ، فلماذا تظهر الرغبة الغير مرغوبة ؟ اين الرقابة عنها ؟ و ما دامت تحب المحاضر ، فلماذا لم تحلم به مباشرة ؟ ما شأن الموت و حبها له ؟؟ والحب متعة ، فلماذا تنغص على نفسها بآلام الموت ؟ الا يرى اننا نضحك على تناقضات كثيرة في الاحلام ؟ فاين الرقابة عنها ؟
لماذا لا نقول ان رؤية ذلك المحاضر ذكرتها بحضوره السابق عندما مات اوتو فخافت على الطفل الثاني ؟ الم تقل لفرويد انها تحب الطفلين ؟ بينما حبها للمحاضر هو من توقعات فرويد ، والتوقع ليس مثل الاعتراف ؟
ثم هو يصر على ان حلمها رغبة ، بينما هي تتحداه في اين هي الرغبة في حلمها .. والرغبة لها انعكاس بالبهجة ، ولم تقل له ان حلمها كان بهيجا ، اذاً الرغبة لم تحقق شيئا ، اي انها لم تكن موجودة في الحلم اصلا ..
أي تحقق للرغبة يضفي بهجة ، فلماذا مثل هذا الحلم ليس بهيجا ؟ بعد ان قامت من نومها ، لا شك انها تألمت مما رأته في الحلم ، بل وفرحت انها كانت تحلم و لم يكن حقيقيا ، بينما الرغبة تكون على العكس من هذا تماما ، فيتمنى المستيقظ انه لم يستيقظ ..
سؤال اخر : لماذا تظهر الرغبة بشكل مباشر و صافي وطويل احيانا في الاحلام ؟ و تذكرها بعد اليقظة واضح ، فاين الرقابة عنها ؟ هناك اناس لم يروا حلما سعيدا في حياتهم ، وهم مليؤون بالرغبات . و زد على هذا ، انهم من النوع المتحرر في الواقع ، اي لا يمارسون كبت و لا قمع على انفسهم في الواقع .. بعبارة اخرى : هم اناس مستغرقين في المتعة واللذة (الرغبة) في اليقظة ، و متالمون وصارخون في الاحلام ! فهل يعقل انهم يمارسون رقابة و هم نومى ، ولا يمارسونها وهم مستيقظون ؟ و ان المجتمع والدين والاخلاق تؤثر بهم اذا ناموا فقط ؟ و كأنها بطانية نسجها المجتمع ؟ فإذا نام تسلّط ذلك المجتمع عليه وحرمه من رغباته التي لم يحرمه منها في اليقظة ؟؟ واضح ان في الامر خطأ اساسي في فهم الانسان ..
أحداث اليوم السابق :
هذا ليس صحيح ، الحلم له صلة بالذاكرة ، الذاكرة غير زمنية ، عندما تتذكر منظرين من مناظر الذاكرة ، احدهما قديم والاخر حديث ، لا تجد اي فرق سببه الزمن بين المنظرين .. فبقاء الحدث على حسب صفاء ادخاله للذاكرة وعلى الحاجة لتثبيته فيها ، ولا شأن للزمن بعد ذلك ..
اذا الحلم ليس شرطا انه مرتبط باحداث اليوم الماضي مثلما افترض فرويد ، واي شخص يتذكر احلامه يعلم هذا ، في النادر ان تكون مرتبطة باحداث اليوم الماضي .. وهذه المحاولة تعسفية متكلفة حين يسال صاحب كل حلم : ماذا فعلت في اليوم السابق .. ليقوم باعتساف الربط ، مع ان الحالم لم ير شيئا من احداث اليوم السابق .. وهي عملية تسطيحية للأحلام وتفريغ لها من رسالتها الشعورية العميقة .
يعتقد فرويد انه لا يؤثر علينا سوى الاحداث والاشخاص الاخرين ، على مبدأ الورقة البيضاء التي يتبناها الفكر المادي الالحادي ، وهذا غير صحيح . فأحيانا لحظة تأمل أو تفكير تنبع من داخلنا ، تغيـّر مجرى حياتنا بالكامل بدون احداث ولا اشخاص .. وتجعلنا نؤثر على الآخرين .. بدلا من ان يؤثروا علينا كما يفترض الماديون ..
اذا عجز فرويد ان يجد علاقة بين الحلم واحداث اليوم السابق ، لجأ الى الميتافيزيقا ، وفسر عجزه بقناع يضعه العقل الواعي ، حتّى يخطّأ فرويد في تفسيره .. !
لماذا العقل الواعي مرة يضع قناعا ومرة لا يضعه ؟ لماذا لا نقول ان فرويد عجز ان يجد علاقة بين الحلم واحداث اليوم السابق في حلم ما .. ؟ أم أن هذا لا ينبغي ، ونضع العقل الواعي و رقابته شماعة لأخطاء فرويد في التفسير ؟ هو لم يحدد علميا متى يتدخل العقل الواعي و متى لا يتدخل ، ولماذا .. اذاً كل ما في الامر انه قدم شماعة و مخرج للاسئلة المحرجة ..
ثم كيف يتدخل العقل الواعي والشخص نائم ؟ اذا هو واعي ومستيقظ و ليس نائماً ! النائم نائم والواعي واعي ..
في الحقيقة ، يبدأ "إخراج" الأحلام معتمدا على الاشياء التي جرى التركيز عليها شعوريا في الاونة الاخيرة و ليس في اليوم السابق فقط ، أو معلومات و ذكريات متكررة ومتركزة عبر السنين (اعتيادية في العقل الوسيط) ، سواء رآها الشخص و ركز عليها ، او سمع احدا يتكلم عنها ، او شاهد فيلما ، او فكر هو و ركز في ذهنه على اشياء ، فالشعور ينظر في هذه المجموعة الجاهزة من قديم و حديث و يستعملها في الحلم كمداخل جاهزة لتفريغ المشاعر من خلالها ، و الحديثة اكثر لقربها من التركيز ، و ليس يحلم لاجلها (الا اذا وضح الشعور ذلك ، مثل من يرى طعاما في الحلم ، ويشعر بالجوع في الحلم ايضا ، اما من يرى طعاما ولا يشعر بالجوع فالطعام هنا وسيلة لفكرة اخرى و ليس غاية) ؛ والسبب ان النائم او القريب من النوم في حالة كلل ذهني ولا يستطيع ان يركز ، فيأخذ الشعور من المـُركـّزات الجاهزة والقريبة التناول كمداخل ليصنع منها احلاما ، لدرجة انك تستطيع ان تركز على اشياء وتدخلها في احلامك احيانا . لكنها ليست هي المقصودة في الحلم كما يتبادر الى اذهان اكثر المفسرين ومنهم فرويد . وهذا يسقط فكرة الرمزية في الاحلام ، فما هذه الصور الا وسائل ، و الدليل انها مأخوذة من اهتمامات اليوم السابق .
الحلم يبدأ منطقيا ثم يأخذ منحى بعد الاستغراق في النوم ويبتعد عن المنطقية تبعا لتنامي الكلل الذهني الواقعي ، اي يتحرر من العقل الواقعي ، فينطلق كما يشاء ، لهذا السبب يحلم الاطفال من واقع ما يثيرهم في اليوم السابق . ولهذا السبب لا نجد احداث اليوم السابق كما هي ، فهي مجرد وسائل جاهزة لا تحتاج الى تفكير . ولهذا يغيرها الحلم ولا يبقيها على حالها ، ولهذا الاحياء تحتاج الى النوم ، لان الواقع يحتاج الى تركيز والتركيز مرهق ، وهذه هي فائدة النوم الحقيقية . وليس لراحة الجسم فقط كما يقول الاطباء . بدليل : اجعل شخصا ينام 7 ساعات ، وشخص اخر يستلقي مثل النائم 7 ساعات ، ستجد الاول زادت راحته والاخر زاد تعبه ، مع ان عضلات كليهما مرتاحة . لان المستلقي يزداد تفكيره و بالتالي يزداد ارهاقه . والتفكير الضاغط والتركيز هو اقوى اسباب الارق ، ان لم يكن هو الارق نفسه . هذا في حالة التركيز الغير اختياري ، وغالبا ما يكون في اوضاع تغلب عليها الضغوط النفسية والمشاكل العاطفية . اما التركيز المختار كمذاكرة التلاميذ في الليل او قيادة السيارة ، فهي تؤدي الى الشعور بالرغبة بالنوم ، وربما لو انشغل الشخص بشيء آخر يذهب ذلك الشعور القوي لحاجة النوم . لكن اذا كان مع السائق الارق من يحادثه يزداد تركيزه .
اذا الاحلام راحة لانها تحرر من سيطرة عالم المادة ، اذا التركيز ليس الا الارتباط بعالم المادة وقوانينها وما يتعلق بذلك من اخطار . مشاكل الواقع تنتقل الى الاحلام لكي تـُعالج ويوضح الخاطئ منها والصواب .
اذا : على عكس فرويد تماما : الحلم يبدأ من احدث الذكريات وليس من اقدمها . لينطلق من احدث الذكريات المهمة عند الشعور الى ما يشاء ، لان الشعور مهتم بالحاضر والمستقبل ، وليس بالماضي ومشاكله ، فضلا عن الماضي السحيق المنسي في الطفولة المبكرة كما تصور فرويد . و يجب ان نلاحظ ان الحلم يعتمد على ما جرى الاهتمام به و التركيز عليه ، وليس شرطا ان يكون حاضرا ، و يعتمد عليها كوسائل وليس غايات بحد ذاتها ، فمثلا رايت قطارا مسرعا قد يدخل في حلمك ولكن ليس لكي تتعرف على عالم القطارات ، بل ليوظفه لغاية شعورية ، كأن تكون راكبا في قطار امامه البحر و يسير بسرعة جنونية لينبهك ان مسيرة حياتك ليست سليمة ، اي ليعبر الشعور عن قلقه ، وقد تكون ركزت على منظر طفل رايته في ذلك اليوم ، فيجعل منه الحلم واقفا في طريق ذلك القطار . او يجعلك انت ذلك الطفل .
كما نلاحظ ان الذكريات لا قيمة حقيقية لها وليست هي المقصودة في الاحلام ، و لم يصنع الحلم لاجلها ، لانها موجودة في الذاكرة ، ولكنها وسائل لتمرير ما يريده الشعور ، لهذا يعبث بها ويقلبها كما يشاء . ولو كانت مهمة بذاتها لقدمها كما هي ، واذا لم يعتمد الشعور على ذكرياته من صور واشكال واصوات و و الخ ، فعلى ماذا يعتمد ؟
والكبت القديم لا قيمة له ، لان الشعور معني بالكبت الحاضر ، فليس الشعور مجنونا لكي يهتم بمشاكل ولى زمانها ، بينما لديه مشاكل حاضرة ومستقبلية . فشخص كان جائعا قبل يومين ، والان هو يعاني من التخمة .. هل يهمه شعوره بالجوع قبل يومين ؟ ام انه مشغول بشعوره الان و ما يعاني منه ؟
بل اذهب الى اكثر من هذا ، ان الشعور لا يـُحسّ إلا في وقته ، ولا يتكرر الشعور مرة اخرى ولا يمكن استرجاعه كما هو ، اما ما نعرفه عن الامنا و افراحنا القديمة ، فليس الشعور يتكرر فيها ، وإنما سيناريو و تفكير صنعهما العقل عن تلك الذكريات . لاننا لا نقدم احاسيسنا و واقعنا كما كانت بالضبط . وهذا واضح عند كثير من الناس مثلا عندما يصف طفولته بانها سعيدة ، سوف يقدم لك وضعا مثاليا يستبعد فيه كل الاشياء المؤذية ، وهذا قطعا لم يكن هو الواقع ولم يكن هو شعوره في ذلك الوقت . سيقول لك : كنا ونحن صغار لا نهتم بشيء ، لكنه عندما كان صغيرا لم يكن يعلم بهذه الميزة ، اذا هو يصف افكاره عن تلك الفترة و ليس شعوره . لان الشعور لا يتكرر ، فضلا عن ان ينحبس ويظل كذلك لسنين طويلة . مع ان مشكلته حـُلت . ولو جارينا فرويد لصار شعور الانسان يتمسك بما لا قيمة له ..
نحن لا نذوق الشعور مرتين و بنفس الدرجة ، حتى شعور الالم لا يتكرر هو نفسه بنفس الدرجة . كذلك شعور البهجة لا يتكرر نفس الشعور عند تكرر نفس المؤثر ، فلكل مؤثر شعور مستقل ، اذا كل شعور ياتي مرة ولا يعود مرة اخرى . وهذا يسقط فكرة الكبت لشعوري ، ويسقط فكرة مادية الانسان ، وإلا لكان يتكرر نفس الشعور بطريقة الية حسب تكرر المؤثرات .
كل مرة يسمع فيها الانسان اغنية مفضلة ، يسمعها بشعور مختلف ، واذا توقف تجدُّد الشعور نحوها ، توقف اقباله على تلك الاغنية ، وتحول الى الملل . اذا فرويد يتكلم لنا عن رغبة مكبوتة ، اي شعور يستمر مكبوتا يكرر نفسه طول السنين ، مخالفا بهذا ابسط فهم للشعور الانساني الذي لا يتكرر ولا بين اللحظة واللحظة الاخرى . فكيف يبقى حبيسا لعشرات السنين وهو هو ؟ وهكذا نعرف ان الماديين هم الابعد دائما عن فهم النفس البشرية ،
لاحظ اننا كثيرا ما نتمنى استحضار شعور سابق بهيج تجاه شيء ، ولكننا لا نفلح . رغم اننا نـُعـِد نفس المؤثرات الخراجية ، مما يعني ان الشعور لا يتكرر ولا يختزن ولا يثبـَّت لا في عقل ظاهر ولا باطن ، مع عدم اقرارنا بوجود العقل الباطن الغير مدرك اصلا ، بل يعبر عن لحظته ويذهب لياتي شعور اخر بعده ، مشكلا نهر الشعور المتدفق والذي يمشي الى الامام إلى ان تتوقف الحياة ، وليس الى الخلف .
اذا : كل الصور والاشكال لا قيمة لها بذاتها في الحلم ، ولا تـُفهم الا من خلال معرفة الشعور المصاحب لها . لان الصور قد تستعمل في اكثر من حلم . اذا كل رموز فرويد وغيره من المفسرين لا قيمة لها . فالشعور ليس محتاجا للترميز ، لانه يتواصل مع صاحبه . والعقل اصلا موجود في الاحلام وليس كما يتصور فرويد ان العقل الواعي غائب في الحلم . ولو لم يكن موجودا ، فكيف سيتم اخراج الحلم ونحن نرى في الاحلام اننا نفكر بنفس العقل الذي نفكر به ونحن في حالة الوعي ؟ بل احيانا نفكر بطريقة اذكى و افضل ، فأحيانا تنتج افكار عبقرية وحلول لمشاكل لم يستطع العقل في حالة اليقظة ان يحلها ..
كثير من المبتكرين اشاروا الى انهم حلوا كثيرا من المشاكل في احلامهم ، اذا العقل الواعي موجود في الحلم وليس غائبا ولا في موقع الرقيب كما يتصور فرويد ، لانه موجود و يفكر في الحلم ، بل و يشارك الشعور في بناءه ، فكيف يكون العقل رقيبا على نفسه ؟ لا يمكن ان يتم حلم بدون عقل واعي (قانون) ..
المفقود في الحلم هو المنطق الواقعي ، اما الاحساس و العقل فموجودان في الحلم ، وهذا الفقد له فائدة ، حتى لا تختلط الاحلام مع ذكريات العقل الواقعي .
فمثلا شخص بل اكثر الاشخاص يحلمون في اماكنهم القديمة ، لسبب انها حاضرة في اذهانهم واحلامهم اكثر لان شعورهم اعتاد عليها اكثر ، فادخالها في الحلم اسهل من ادخال المسكن الجديد ، و وجود الاشياء القديمة في الاحلام بكثرة هو ما وهـّم فرويد ان الاحلام تعتمد على الذاكرة القديمة . لكن الحقيقة و بكل بساطة هي لأن الوصول اليها اسهل بسبب الاعتياد . لان الحلم حالة عدم تركيز ، ولاحظ ان الانسان وهو مستيقظ في حالة الشرود ، يرجع للاشياء التي اعتاد عليها قديما ، فمثلا شخص غيّر مكان اقامته في المدينة ، لا بد انه سهى عدة مرات و اتجه الى البيت السابق ، لانه في حالة عدم تركيز ، هذا تماما ما يجري في الاحلام ..
اذا كان في اليوم السابق اشياء لفتت الانتباه ، سوف تدخل في اخراج الحلم ، و اذا لم توجد ، فسوف يعتمد الحلم على القديم من الاشياء التي جرى عليها التركيز وتكون حاضرة في الذهن . و هذا معاكس تماما لما ذهب اليه فرويد ، فهو يجعل الاحلام تعتمد على ذكريات منسية ، وهذا ما لا يستطيعه العقل الحالم ، فالتذكر عملية شاقة وتحتاج الى تركيز كبير ، و عرفنا ان الحلم لا يستعمل الا اشياء واضحة مركـّزة في الذاكرة ، فكيف به ان يعتمد على ذكريات منسية ايضا ؟
لاحظ ان الانسان يحتاج الى حالة من النشاط والتيقظ الكبيرين لكي يتذكر تفصيلات حدث قديم ، كذلك التلميذ في الامتحان ، يحتاج الى تركيز كبير حتى يتذكر ما درسه قبل مدة . اذا ً هناك تناسب طردي بين الذكريات القديمة والتركيز العقلي ، فكلما زاد التركيز كلما زادت القدرة على تذكر التفاصيل القديمة ، وهذا يتناسب مع حالة اليقظة والنشاط وليس مع حالة النوم التي يكسل فيها كل شيء ما عدا الشعور .
الشخص المستيقظ لتوه من النوم ، تكون ذاكرته ضعيفة قبل ان يشرب قهوته ، لان الذاكرة تحتاج الى مجهود و طاقة ونشاط ، ولهذا كبار السن تضعف ذاكرتهم اليومية لان اجسامهم ضعيفة ، لكن الشعور شيء آخر لا يعتمد على الطاقة ولا التركيز ، لهذا يتذكر كبار السن امورا و احداثا قديمة بكل صفاء و وضوح ، ولكنهم لا يستطيعون حفظ رقم التلفون او عنوان مسكنهم الجديد الا بصعوبة .
وهكذا نعرف لماذا اشياء تظهر في احلامنا واشياء لا تظهر ، واحيانا تظهر اشياء غير مهمة لنا ، والسبب هو اننا قد ركزنا عليها في اليوم السابق ، سواء رايناها او قرأناها او سمعنا بها او نحن تذكرناها و ركزنا عليها . بعبارة اخرى : الاحلام تعتمد على الذاكرة المنشَّطـَة ، و ما يرد في الاحلام ليس هو المقصود ولا رمزاً الى مقصود . لأن لكل حلم سياق شعوري ، وهو المقصود تماما ، مثلما نشاهد الفيلم ، نرى فيه احداثا وصورا وقصة وممثلين ، لننتهي في الاخير الى هدف الفيلم ، كأن يكون رفض الاستعمار و التسلط ، او انتصار الخير على الشر والمحبة على العداوة او غير ذلك من الاهداف ، وكلها اهداف راقية ، وهذه هي ثمرة الفيلم ، اذا الحلم له ثمرة ايضا ، وأحرى بكل شخص اذا ان ينظر الى احلامه من خلال هدفها وثمرتها ، ويهتم بهذا الجانب وإلا لاصبح مثل مـُشاهد الفيلم الذي لا يذكر منه الا الوان السيارات او الملابس التي كان يرتديها الممثلون .
ونحن نؤمن بالرؤيا ، ولكن فهمها وتمييزها عن الاحلام العادية يحتاج لان تكون بطريقة مختلفة عن طريقة الاحلام العادية . فالتكرر مثلا علامة بارزة على الرؤية ، لان الاحلام لا تتكرر بسبب ان الشعور لا يتكرر ، فلو تكرر حلم بنفسه شكلا ومضمونا لاصبح حلما غير عاديا . وربما ايضا من علاماتها : سمو هدفها ووضوح الرؤية وعدم اختلاطها وتصديق الواقع لها ، والله اعلم .
حتى الاحلام المفزعة والمخيفة ليست الا منبهات لتعديل المسار الى الطريق السليم . وهكذا يجب ان يكون تفسير الاحلام حتى لا يفرّغ من رسالتها مجاملة ً لاصحاب الاهواء . فضلا عن ان تحرف عن رسالتها الى عالم الرذيلة كما فعل فرويد مع الاسف ، حيث جعلها تحمل رسائلا خبيثة كالانتقام والحقد والشهوة الجنسية المستعرة والانانية وحب التملك ، مع ان صاحبها لا يشعر بذلك ..
هذا عكس كامل لرسائل الاحلام ، لدرجة انه يفسر من يقوم فزعا من نومه لانه رأى والده ميتا او مقتولا ، بأن هذا الشخص الحالم في داخله كان يتمنى هذه الميتة لوالده . ليس بعد هذا "القلب" من تزوير . آن الاوان لكي تـُدرس الاحلام على طبيعتها و من خلال اهدافها التي تشير اليها مشاعرها المصاحبة .. حتى نستفيد من هذه الدروس اليومية ، والتي تقدّم لنا رغما عن اختيارنا . انها نعمة مهدرة واحيانا كثيرة مزورة ..
لكل الاحلام اهداف ، ولا يوجد شيء عبثي في الطبيعة . و كل اهدافها تنصب في جانب الخير والحقيقة . لكن ليس كل انسان يقبل الحقيقة ، خصوصا اذا كانت ضد هواه واختياره . لان دافعها هو الشعور ، والشعور لا يعرف الا البحث عن الطريق الامثل في كل شيء .
انتهت الحلقة الثالثة ..
وتليها الحلقة الرابعة بإذن الله ..