[quote]
salim كتب/كتبت
خطر لي سؤالٌ حول شرعية هذه المؤسسات (مؤسسات الحكم) ..
في معظم الدول العربية (إن لم يكن جميعها) ..مؤسسات الحكم جاءت نتيجة ثورات على أنظمة سابقة أو كحركات تحرر من الإستعمار تحولت إلى أنظمة .. و بكون هذه الأنظمة قد إستبدّت في حكمها للشعوب و شكلّت معظم مؤسسات الحكم (كمجالس النواب و الشورى و الحكومات) و تحكّمت فيها بشكل يُبقي على سيطرتها على الدولة و الشعب .. .
أسأل ..هل شرعيتها مستمدّة من إستمرارها و لو عن طريق الإستبداد .. أم أنّها فاقدة الشرعية أصلاً .. .
و إسقاطاً على واقع العراق اليوم .. هل يعتبر صدام حسين رئيساُ شرعياُ للدولة ( قبل سقوطه / بعد سقوطه) ....
الزميل المحترم / salim
شرفت الشريط و أشكرك على خلقك الكريم ,,
دعنا نحدد الآن - و قبل أن نحاول الإجابة سويا عن تساؤلاتنا المتعلقة بقدان نظم حكمنا الشرعية - دعنا نحدد أولا ماذا نقصد بشرعية الحكم و من أين تستمد تلك الشرعية و كيف تزول. و هذا عملا بنصيحة زميلنا المحترم / نبيل حاجي نائف.
فالشرعية بالنسبة لنظم الحكم هي مسوغ أو مبرر وجود هذه النظم و زوال تلك الشرعية يعني بدء التمرد و محاولة زوال هذا النظام.
و من هنا وجب علينا أن نوضح في هذا المقام أحد تلك المغالطات اللفظية - و التي تدخلنا في دائرة من اللغط لا طائل من وراءه.
فعند الحكم على شرعية نظم الحكم عندنا - دائما ما نستخدم وسائل قياس لا تخصنا من قريب و لا من بعيد - بل و لم نخبرها من المبتدأ.
و دعنا نبدأ من شرعية نظم الحكم في البلاد الغربية الليبرالية:-
- شرعية الحكم بالنظم الليبرالية تبدأ وجودها من إنتخاب هذا النظام من الغالبية - أي تبدأ مستمدة من القاعدة الإجتماعية و معبرة عن رغباتها.
- و لكي تستمر تلك الشرعية يجب على نظم الحكم تلك أن تحقق مصالح الجهة التي أمدتها بتلك الشرعية من الأساس و هي الغالبية. و بفشلها في ذلك تكون قد بدأت في فقد تلك الشرعية و من السهولة بمكان تبين فشلها من نجاحها بواسطة المواطن العادي و من وسائل الإعلام العادية - كما أنه من السهولة بمكان أن يسحب الشعب شرعية تلك النظم و يسقطها عنها - ليعود و يسبغها على حكومة أخرى و هكذا.
- و بوجه عام فنظم الحكم في الغرب و في محاولتها تمثل مصالح الأغلبية - ليست لها مطلق الحرية بل هي محكومة بدساتير و قوانين لن يمكن لها الإنحراف عنها و تمثل تلك الدساتير و القوانين الإطار العام الأخلاقي الذي يجمع مصالح هذه المجتمعات و بذلك فخرق تلك الأطر حتى و لو كان بغرض مصالح عامة مؤقتة يرتأيها نظام الحكم - هو مسوغ لفقد شرعية هذا النظام.
- أما كيف وصل مفهوم شرعية الحكم بتلك المجتمعات لهذا أو كيف توصلت تلك المجتمعات لهذا الميكانيزم في إمداد و سحب الشرعية من نظم الحكم فهو حديث لموضوع آخر - لكن وجب علنا تفهم كون هذه النظم من الحكم ليست وحيا أتى من السماء لكنها نتيجة لتفاعلات إجتماعية معقدة بدأت مع عصور التنوير العلمي و ترسخت بترسخه في العقل الجمعي لها و إعلان العلمانية تنحي الدين نهائيا عن الحكم. و لن يجوز لتلك النظم التطبيق كمنتج جاهز بمجتمع لم يخبر هذا التفاعل التحتي أولا.
و دعنا نعود الآن لمجتمعاتنا و نتساءل:-
- متى كانت إرادة الشعب (الإنتخابات مثلا) هي الممر الشرعي لعبور نظم الحكم عندنا؟
و الإجابة أبدا.
- و متى كان إستمرار شرعية الحكم لنظام عربي ما مرهونا بتحقيق مصالح الأغلبية من الشعب؟
و الإجابة أبدا.
- و متى كان الدستور أو القانون مقيدا و معيقا لنظم الحكم عندنا حتى في الدول التي تدعي إمتلاك مثل هذه الدساتير و القوانين؟
و الإجابة أبدا.
- و أخيرا هل توجد دساتير و قوانين حقا تعمل لصالح المجتمعات و هذا بالدول العربية التي تدعي ذلك؟
و الإجابة توجد هياكل صورية إستوردناها (مؤخرا فقط) نصوصا فقط و ليس روحا و تلك الهياكل لم و لن تعمل لصالح الغالبية بل عملت و ستعمل لصالح القوة و التي تملكها نظم الحكم أصلا.
الدفع إذا بقدان شرعية النظم العربية لأنها غير منتخبة أو لغياب الديموقراطية أو لتزوير الإنتخابات أو لعدم نجاحها في تحقيق مصالح شعوبها هو دفع مغالط لدرجة كوميدية.
هو مجرد إستخدام لأدوات قياس لا تخصنا من الأصل و لم تكن أبدا مما خبرنا من قبل.
فلا يوجد بتاريخنا بالكامل فترات إستمدت بها أنظمة حكمنا شرعيتها من الديموقراطية و لا إستمرت لأنها تحقق مصالح الشعوب - و لا يستثنى من ذلك حتى الفترات التي أخذت أشكالا ديموقراطية شكلية مؤقتة - سرعان ما إنهارت لصالح الحكم الفاشي.
فكيف و نحن لم نجرب شرعية الديموقراطية أصلا نتخذ إنعدامها الآن مبررا لفقدان حكوماتنا شرعيتها و كأنها - أي الديموقراطية -صفة أصيلة و ملاصقة لنا على مر العصور؟
و في الواقع فالقشرة الديموقراطية المدعاة من البعض مع الهيكل القانوني الفارغ (مع الكثير من المؤسسات التي لا تخصنا من قريب أو بعيد) هي كلها بالفعل محاولات لإسباغ الشرعية لنظم الحكم عندنا و لكن ليس أمام شعوبها لكن أمام العالم/الغرب.
و هذه المحاولات ليست قاصرة على محاولة إثبات شرعية الحكومات فقط أمام الغرب بل و شرعية شعوبنا و مجتمعاتنا بالكامل. و قد لا يستثنى من ذلك مقاومة الشعوب المتمردة للحكومات بدفع إنعدام الديموقراطية.
من أين إذا إستمدت نظم حكمنا منذ الأمس البعيد و حتى اليوم شرعيتها و مبرر إستمرارها؟
يتبع و أرجو أن تعذرني للإطالة ,,
(*) ملحوظة: قد يكون من المفيد أيضا قراءة مداخلة للزميل المحترم / بهجت بخصوص نظام حكم عبد الناصر و المثقفين:
عبد الناصر و المثقفون - زمن المثقف الأخير - بهجت