أمضيت أياما ثلاثة من دون ان يغمض لي جفن، ليس بفعل الاهانة والاذلال او آلام التعذيب، بل الخوف من "النبي يوسف" المسؤول عن فرع المخابرات في عنجر. ان تقضي حاجتك في كيس من النايلون أمام جمهرة من السجناء ليس بالأمر السهل. صحيح أن حاجتك "تتردد في النزول" بسبب الاحراج والخجل مما يزيد في المهانة مهانة وفي الخجل خجلا، حتى ليتمنى المرء ان لا يملك دبرا. لكن الأصعب تخيّل العذابات التي يهوى "النبي يوسف" اذاقتها للمعتقلين. وكي لا يلتبس الأمر على القارىء، فهذا "النبي" هنا ليس النبي يوسف (سلام الله عليه) بن يعقوب الوارد ذكره في الكتب المقدسة، انما هو ضابط في الاستخبارات العسكرية السورية يدعى يوسف. صفة "النبوة" قد أسبغها الناس عليه وليس اصطفاء من الله جل جلاله؛ وذلك لانه جعل فتى أخرس يعترف بالجرائم المنسوبة اليه "ضد الوطن والأمة . براعته في التحقيق تجعل الأخرس (الذي حرمه الله النطق) ينطق. أوليس النبي صاحب معجزات؟ من فنونه "توسيع الأشياء". وهكذا أصبح لديّ حجة أخرى قاطعة تؤكد مضار الدبر في الأوقات غير المناسبة. حاول أحد العائدين من عنجر التخفيف عنا بعدما لاحظ الرعب والارتياع اللذين تسبب بهما وهو يعدد مثالب "النبي"، فاستدرك بأننا سنكون محظوظين لانه يمضي اجازة العيد لدى عائلته، فلا بد اذاً ان يكون "مزاجو رايق" عند عودته. بل انه أقسم بأغلظ الأيمان انه سيكون في حاجة الى فترة روداج ليعود الى سابق عهده. فترة ستكون كافية لاستكمال المسير الى الشام، وهذا ما ساعدنا في النوم قليلا.

كانت عنجر وستبقى تعيش في ذاكرة اللبنانيين، ففيها انتصر فخر الدين الثاني على مصطفى باشا والي دمشق العثماني سنة 1622 وأرسى دعائم الامارة المعنية - الدولة اللبنانية الحالية (كأنه ثأر لنا سلفا)، وفيها أيضا خرائب السيدة زبيدة التاريخية الشهيرة (وتعتبر من الآثار الأموية النادرة). وليس مستبعدا ان يكون "أشقاؤنا" قد اختاروها مقرا لـ"الوالي الأموي" للأسباب نفسها، أو لاعادة كتابة التأريخ و تصحيحه" وهم المشهورون بالتصحيح و"بتصحيح التصحيح". أحب اللبنانيون عنجر لان مجد فخر الدين بدأ هناك. حلم فينيقيا الجديدة. واحببنا ايطاليا ودوقية توسكانا لان الدوق كان صديقا وحليفا لفخر الدين (هنيبعل لبنان الحديث). هذا ما كان يجول في مخيلتي والشاحنة تتجه بنا من بيروت الى هناك. قد لا يعني شيئا لمعتقل بسيط أوقعته الصدفة أو حظه العاثر خطأ في البوريفاج أو عنجر، اللهم الا احساس بالضيم والخسران. أما أنا فقد خذلت وفجعت، فما حدث لي أشبه بزلزال قوّض قصور مجد غابر في ذاكرتي ومزق أحلاما رسمتها في مخيلتي منذ الطفولة. نعم! منذ طفولتي وأنا أحلم بزيارة عنجر. منذ وقفت أمام مدرستي في شارع المأمون سنة 1971 أشيّع اترابي في الصف وهم يغادرون في رحلة مدرسية الى عنجر. منذ ان عجزت عن تأمين نصف الليرة المطلوب للاشتراك فيها.

المعتقل في عنجر كناية عن مزرعة ماشية صغيرة، تبرع بها أحد الأثرياء وتتألف من زرائب عدة. كان يوما لاهبا من أيام تموز، وكان وصولنا عند الظهيرة. لم نكن معصوبي الأعين فتسنى لي تفحص المكان للحظات. أوقفونا في الساحة ووجوهنا إلى الحائط، وانتابنا الظمأ الشديد. سقط رجل إلى جانبي من الإعياء فالتفت إليه لأساعده لكن "الشمر" كان لي بالمرصاد، وكان نصيبي اللكم والركل والضرب بأعقاب البندقية. "الشمر" لقب أطلقته على أحد الحراس لاحقا، حتى أن صيته قد ذاع كصيت النبي يوسف. لقد كان مفتول العضلات، دميم الوجه، أحمر الجلد، عيناه دمويتان وجاحظتان. وقد سميته "الشمر" لشدة الشبه بـ شمرين ذي الجوشن أحد قادة جيش يزيد أثناء موقعة كربلاء التي أستشهد فيها الإمام الحسين وصحبه. أذكر في طفولتي أن والدتي كانت تهددني بالشمرإذا حاولت الخروج ليلا وتدعي أنه في الخارج يختطف الأولاد. لقد كان الشمر أسوأ كابوس في المخيال الشيعي، فهو الذي احتز رأس الحسين ووطئه بحوافر الخيل.

ضاق الإسطبل الذي حُشرنا فيه، ولحسن حظي فإن الزملاء عاملوني بلطف ومودة وأفسحوا لي مساحة معقولة قرب الباب، وهذه رفاهية قل نظيرها في غرفة لا تتجاوز العشرين مترا مربعا وقد زج فيها أربعة وثلاثون معتقلا. لا أخفي أني استغللت هذا اللطف إلى أقصى حد، اذ كان همي الوحيد البقاء على قيد الحياة، وهذا يتطلب توفير ما يمكن من الطاقة للصمود حتى نهاية الكابوس. عند المساء أستدعيت الى التحقيق الرسمي للمرة الأولى. كنت معصوب العينين وكنت أدعي أني انسحبت من الحزب سنة 1981 احتجاجا على الحرب العراقية الإيرانية. لم يصدّقوني بالطبع، فأصررت وأصروا! ادعيت أن معلوماتي عن البعث العراقي قديمة وتعود الى ما قبل ذلك التاريخ. وبدأت الحفلة واستمرت طويلا. استطعت ان أميز الشمر فقط عندما سقطت العصابة عن عيني. كان يرفسني ويقول: "قر ولاه قر"، وقد رددها مرارا وتكرارا. قر ولاه قر!؟ (فهمت لاحقا ان قر الثانية انما هي كر أي صغير الحمار). وثانية، لا ضرب على الوجه او المنطقة المقدسة. الجدير بالذكر انهم الذين تكفلوا حمايتها هذه المرة اذ كنت موثق اليدين الى الخلف.

عندما واجهني أحد المحققين باعترافات حديثة لـ"رفاق" سبقوني الى هناك، وكانت صريحة وصحيحة، أسقط في يدي وأيقنت بسوء العاقبة. فقد كانت دقيقة الى حد أصغر التفاصيل. فوجئت بأن الخلايا التي قمت بتسليمها الى مسؤولي المباشر كانت قيد الاعتقال منذ ما يزيد على السنة، وان هذا الأخيرهو الذي تسبب بذلك. لا جدوى إذاً من الانكار، ولا ضير من اخبارهم بما يعرفونه أصلا من أصحاب العلاقة أنفسهم، ولكم تمنيت لو اني عرفت ذلك مسبقا فوفرت على نفسي تلك المعاناة.

جلسة التحقيق الثانية صبيحة اليوم التالي كانت سهلة، فقد أخبرتهم ما يعرفون وأكدت ما قلت (وقاله مسؤولي المباشر السابق) عن تعليق نشاطي الحزبي في أواخر 1986 واني انضممت الى "التجمع الفلاني" الذي تربطه بهم علاقة جيدة. ادعى المحقق باني ما زلت أكذب فأصررت على موقفي، فقدم لي محضر التحقيق وطلب مني توقيعه "بالعربي وبخط منيييح، لانو هادا مانو روشتة حكيم". تناولته وهممت بقراءته فنهرني وأمرني بالتوقيع فقط. "شو ما بتوثق فينا؟"، فوقّعت صاغرا. كنت ساعتها قد أيقنت ان لا أمل لي بالعودة الى لبنان، اذ لم يعد أي من البعثيين الذين سبقوني الى هناك منذ سنوات.

عندما استدعيت الى التحقيق في المساء استغفرت واستعذت بالله، فلم أكن متأكدا من تحملي ما احتملت أمس ثانية. كان المحقق ويدعى علي ضجرا أثناء المناوبة فأمر بإحضاري لتسليته، وطلب من الحرس البقاء خارجا وأبقى الباب مفتوحا. كان لطيفا ومضيافا. أمضيت سهرة ثقافية ممتازة أدين بها للكاتبين عبد الرحمن منيف وجبرا ابرهيم جبرا أنستني آلام الليلة الفائتة ومن سامني الوان العذاب فيها. كنت قد ذكرت أثناء التحقيق اني اهوى المطالعة وخاصة رواياتهما وكان معجبا بالاثنين لحسن حظي. علي محام تخرج حديثا والتحق بالخدمة الالزامية، وتم الحاقه بالاستخبارات العسكرية كمحقق. عندما لاحظ علامات الاستهجان على وجهي استدرك وقال: دكتور، لا تستغرب، أنا أؤدي واجبي الوطني حيث طلب مني. استطرد بعدها وكأنه يخاطب نفسه بأنه ليس سعيدا بذلك الوضع، فهو أولا وأخيرا محام وليس جلادا، وانه يدعو الله لاعفائه من تلك الخدمة. وعندما أمرني بالانصراف نصحني بالتعاون مع النقيب يوسف اذا ما طلبني الى التحقيق... حفاظا على سلامتي.

كان أول سؤال وجهه إليّ "النبي يوسف": ولاه كر، شو مفكر حالك دكتور وعم تتذاكا علينا؟ واستطرد: اي بدي خليك تنسى اللي تعلمتو وتتذكر بس تقول بأمرك سيدي. هكذا! حاولت الكلام فأخرسني وأمر باستعمال الكرسي الألماني معي. فقدتُ الوعي بعد الكرسي الثاني، وعندما صحوت وجدت نفسي في الاسطبل مع البقية. لأعترف ان الحظ حالفني مرة أخرى ولم أصب بعاهة دائمة او بشلل في الأطراف السفلى كما حدث لأحد الموقوفين الفلسطينيين. صحيح اني بقيت عاجزا عن المشي في اليومين التاليين، وصحيح اني أصبت بالبولة الدموية لمدة سنة بعدها، لكني اعتبرت نفسي محظوظا، فالكرسي الألماني يعتبر أكثر أدوات التعذيب ايلاما وخطورة.

عندما وصلنا الى فرع فلسطين في الشام حمدنا الله كثيرا على نعمته، ففرع المخابرات هذا يعتبر نعيما اذا ما قورن بفرع المنطقة الرهيب، حيث يتفنن قائده الرائد نعسان بعذابات لا تخطر في بال. أول ما شاهدت بعد نزع العصابة (او الطماشة كما يسمونها) عن وجهي لافتة في المدخل كتب عليها الآية الكريمة "وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون". ما ان بدأنا بالنزول الى الطبقات السفلى حيث الزنازين حتى بدأت بالتقيوء بفعل الروائح النتنة المنبعثة من الأسفل. كأننا كنا ندخل قبورا تفوح منها روائح جثث متفسخة. كانت مساحة الزنزانة - القبر لا تتجاوز ستة عشر مترا مربعا، وكنا ثلاثة وخمسين سجينا محشورين فيها. كانت قبرا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وكان يدخلها الهواء بواسطة مروحة من خلال كوة صغيرة لا يتجاوز قطرها عشرين سنتيمترا مفتوحة على منور متصل بالخارج. كنت قد سمعت بالتسييف في البوريفاج من "العائدين" فأدركت ماهيته آنذاك. كانت المساحة المتاحة لكل سجين تتجاوز عشرين سنتيمترا بقليل عرضا وقرابة مترين الا قليلا طولا. عند النوم كنا نتمدد "راس - كعب" بطريقة معكوسة مرصوصين كالسمك في علبة السردين، ثم يقوم شاويش المهجع، ويكون عادة أقدم نزيل في الزنزانة، بإسناد ظهره الى الحائط ودفعنا بقدميه كي يرصّنا رصا فتكتمل عملية التسييف، اذ نصبح مرصوفين كالسيوف المتراصة. النوم اجباري منذ السابعة مساء حتى الخامسة صباحا، ويُمنع التقلب او النهوض لقضاء حاجة اذ ان ذلك سيتسبب بانهيار الصف. واذا حدث أن حارساً سمع صوتا صادرا منا، يوقف المروحة الوحيدة التي تشفط الهواء الى الخارج وتبدله، فنصاب جميعا بالاختناق. ان جسم الانسان يمتاز بقدرة عجيبة على التأقلم والتكيف، فلو حشرنا ذلك العدد من الماعز او الأبقار في تلك الظروف لنفقت جميعها. حتى ان رائحة الأبدان النتنة والعرق وروائح الأرجل المقززة أمست شيئا عاديا نعيش معه وفيه كل يوم.

في فرع فلسطين توحدت "الأمة العربية" من محيطها الى خليجها: معتقلون من جميع الأقطار العربية كانوا هناك، حتى ان سعوديين اعتقلا في مطار دمشق قد حُشرا معنا أيضا! مناضلون فلسطينيون من معظم الفصائل، أتهموا بكونهم فدائيين في منظمة التحرير الفلسطينية. بعثيون، شيوعيون، قوميون، ناصريون، اخوان مسلمون... كلهم كانوا. الوطن العربي كان هناك. أذكر ان احد الرفاق، قال على سبيل الفكاهة ان "الرفاق السوريين" افضل من "جماعتنا في العراق"، فهم قد حققوا الوحدة العربية في "فلسطين". شدد البيان التأسيسي لحزب البعث العربي سنة 1947 على "ان فلسطين طريق الوحدة، والوحدة طريق فلسطين"، وقد وحّد النظام السوري مناضلي الأمة في فرع فلسطين.

التعذيب هناك لم يكن شديدا لعدم الحاجة اليه أصلا. فالقادمون من لبنان على اختلاف جنسياتهم وانتماءاتهم السياسية إما أن يكونوا قد اعترفوا في عنجر، واما بريئون. ولا يخلو الأمر من ان يكون المعتقل قد "نسي" بعض التفاصيل الصغيرة فيشحذون ذاكرته بكرباج او بركلة من حين الى آخر وينشطونها. فوجئت يوما بالمحقق يعرض عليّ صورا شعاعية تخص شقيقه ويطلب رأيي! كان المسكين مصابا بسرطان الرئة. الأغرب من ذلك انه طلب مساعدتي لادخاله الى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت حيث كنت أعمل (كان بذاته قد أبلغني قبل يومين بأنهم سيحتفظون بي في السجن احترازيا الى أجل غير مسمّى) فأجبت اني أرحب بذلك لو استطعت. أذكر أني قد عاينت ثلاثة محققين واني حللت ما يقارب الدزينة من الصور الشعاعية العائدة الى أقاربهم خلال اقامتي في ربوع "فلسطين" التي لامست الشهرين.

فرع التحقيق العسكري في دمشق يعتبر محطة لترحيل الموقوفين وتوزيعهم على المعتقلات، والظروف هناك، في المهجع رقم 10، مشابهة مع فارقين اساسيين: الأول وهو العدد الهائل (مئة وسبعة وثمانون) في غرفة مساحتها تقل عن خمسة وأربعين مترا مربعا، حيث كنا نتناوب الجلوس تارة والوقوف طوراً. والثاني هو غياب التحقيق، فهذا قد أقفل في "فلسطين". وبعد ستة أيام تم ارسالنا في الشاحنات الى معتقل صيدنايا، السجن العسكري رقم واحد.

باستثناء الفلق بواسطة الدولاب (يستقبل كل وافد الى هناك اضافة الى جز الشعر)، لم نعد نتعرض لأي مضايقة؛ حتى انهم كانوا يعاملوننا باحترام وأدب. كان السجن حديثا ومبنيا بحسب المواصفات التي حددتها الأمم المتحدة. وتساءل أحدهم هل ان المسؤولين هناك يضعون في حسبانهم حدوث انقلاب عليهم (عادة سورية متأصلة) فبنوا ذلك السجن المرفه احتياطا. كنا احرارا في صيدنايا كأننا في اقامة جبرية في بيوتنا. وكنا نحصل على ما نريد طالما أننا ندفع المال.

عندما نادى الحارس: دكتور محمد ياسين ياسين، أبلغت الرفاق اني أصبحت حرا. فقد كانت المرة الأولى انادى فيها بلقبي، وكنت محقا. أقمت يومين في ضيافة الامام محمد مهدي شمس الدين رحمه الله في فندق الجلاء، وبعدها أوصلني الى منزلي في بيروت في الأول من أيار 1991، وهكذ فقد سلخوا سنتين الا قليلا من عمري احترازيا.

في الختام لا بد من الاجابة مسبقا عن تساؤلات او ملاحظات قد تخطر في بال القارىء الكريم. أكتب اليوم لاني كنت واثقا من ان أي صحيفة او محطة اخبارية لن تجرؤ على نشرها، باستثناء واحدة لو فعلتها لاتهمني المزايدون في الوطنية والعروبة "بالعمالة لأمريكا والكيان الصهيوني". وانا كنت اتحدث دوما بما أكتب الآن حيثما نفع الحديث. ولا أكتب كي أزيد من نقمة اللبنانيين على السوريين فقد تكفلوا هم أنفسهم ذلك وأفاضوا، وما كنت عنصريا يوما ولا طائفيا او مذهبيا. واني أشفق على ذلك الحزب العظيم الذي اغتالته قبائل البعثيين وهي تتصارع على السلطة في سوريا والعراق. وانا، على عهدي، بعثي حتى الممات؛ لكني نأيت بنفسي عن احترابهم.

----
ملاحظة:تبين ان التعذيب حصل للمذكور بعد ان ثبت برائته ولم يخبرنا احد بعد عن عذابات المدان او الذي اعترف بجرم ما يحصل له في اقبية البعث الارهابية؟؟؟


الطبيب محمد ياسين- صحيفة النهار-ملحق الادب-15-5-2005

ذلك تعرضت الى اضطهاد لم يسبق له مثيل، وتعذيب وسجون وملاحقات، أودت بأسر كاملة الى الفناء، والهروب، والخراب النفسي والمادي والروحي أيضاً،


فما أن يستطيع في احدى الحالات هرب الاب الى لبنان وسرعان ما تم اعتقال زوجته التي في الخمسين من عمرها وتعرضت لأشد التعذيب لتقر أين زوجها وكيف هرب، بل تُغتصب من جنود شبان مما أحدث شرخاً في أعماقها لم تشفَ منه أبداً رغم إطلاق سراحها في ما بعد، وإن كان ثمة من لفتة طيبة في الرواية فهي إحساس هؤلاء المضطهدين أن لبنان في ذلك الوقت هو النافذة المفتوحة على الحرية والكرامة،

انهيار البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وأصبح أصغر ضابط في الجيش له نفوذ حتى على الوزراء والمدراء، حيث كلمته هي المسموعة وهي الآمرة لا غير.




وأطرف ما في الأمر عند تأميم المصانع والشركات والمؤسسات، أن مصنعاً صغيراً عبارة عن دكان كان ينتج علباً للكبريت، وليس فيه من عمال سوى صاحبه، أمور كانت تحدث وتترك في النفس أثراً سيئاً لا يمحى. ومن ذلك ختم المزارات الدينية بالشمع الأحمر والتعدى على هذه الرموز المقدسة، وبالتالي التعدي على الناس الذين يؤمنون بهذه الطقوس.



رجال حزب البعث المنتشرين في البلاد كانوا وراء انهيار الأخلاق وكيف تتحول أزلام السلطة الى وحوش كاسرة همها الأول نهش أعراض الناس، وكم من مآسٍ وقعت في هذا المجال، حتى أن النساء لم يعدن يتجرأن على الخروج من منازلهن، ولا الطالبات الجامعيات يتجرأن على الذهاب الى جامعاتهن خوفاً من التعدي عليهن.


فلندعي جميعا"الى خلاص سوريا من يد جلاديها الطائفيين الذين استباحوا كل الكرامات ودمروا القيم وانفلتوا من عقالهم وراء شهواتهم وغريزتهم الجامحة الى حد لا يطاق..





الكاتب السوري عادل ابو شنب