تحياتي عزيزي اسماعيل:
Arrayلست متحمسا لفتح الملف الآن، ولكنني أستغرب من حماس آخرين لفتحه مظللا بغير ألوانه![/quote]
كل هذه المداخلات يا عزيزي ولست متحمسا !! .. اذن ماذا لو ظهر الحماس !؟ :D .
عموما .. لا أنتظر منك معالجة واقعية ودقيقة لهذه القضية في بعدها السوري حصراً (بعيدا عن الانتماءات السياسية والطائفية لهذه القضية) .فقد سبق لي بالفعل أن ناقشت العزيز اسماعيل في قضية التشيع مفصلا في هذا الرابط:
http://nadyelfikr.net/index.php?s=&sho...st&p=358774
وخبرت يومها فهمه لهذه القضية وطبيعة أدلته !!!!! ..
ضيق العزيز اسماعيل من هذه الدراسة مفهوم ومتوقع، فالدارسة جاءت بعكس ما يهوى !!! .. ونستطيع أن نتوقع ردة فعله المعاكسة تماما فيما لو جاءت الدراسة مؤكدة لوجود وقائع تدعم نظرية مؤامرة التشيع بالفعل !! اذ حينها سنجد العزيز اسماعيل ( ومن قبله موقع الاخوان السوريين) يسابق الزمن لنشرها !!!!!! كما ينشر في العادة (اقصد الموقع) اية قصاصة أو خبر متعلق بهذه القضية ..
بغض النظر عن مدى علمية الدراسة من عدمها، وبغض النظر عن قبولك أو رفضك لمؤسسة نزار نيوف (هل صحيفة السياسة وصحيفة المستقبل التي ينقل عنها الاخوان السوريون بالجملة والمفرق أقوى مصداقية !؟ ) .. فقط احببت أن اشير الى دراسة جديدة حول هذا الموضوع دون أن يعني ذلك أن اتبناها أو اثق بها (وان كنت في المجمل اتفق مع ما وصلت اليه الدراسة التي لم يتسن لي قراءتها حتى الآن، بحكم متابعتي للشأن الاسلامي السوري، ولي متابعة خاصة للملف الشيعي السوري ايضا) ..
يحق لمن يشاء أن يرفض ما انتهت اليه تلك الدراسة، ونتوقع أن نقرأ من سيشكك بمصداقية من يقف وراءها ! .. ولكننا ننتظر ممن يرفض أن يثبت خطأها بأدلة وحجج تختلف عن (أقاربي قالوا لي وأكدوا لي !!! وهي المصادر التي اكتشفنا أنها اثباتات العزيز اسماعيل في هذه القضية .. ناهيك عن كتاب تهويلي بامتياز هو "تحذير البرية من نشاط الشيعة في سورية !" .. بل حتى في نقطة بسيطة مثل تعداد الشيعة الامامية الاثنى عشرية نجد العزيز اسماعيل يركن في ذلك الى ما يسميه (مصادر موثوقة !!! ) وهي احصائيات غربية قديمة عمرها أكثر من أربعن سنة !!!!!!! وهو الذي يتعجب من كون مصادر مخالفيه أمريكية !!!! ولا نفهم حتى الآن مبرر اعراضه عن أية دراسات اخرى تخالف هواه ! ) ..
أن قضية التشيع في سورية هي قضية ذات أبعاد كثيرة جدا، ويغلب عليها التهويل والتضخيم السياسي تارة، والطائفي تارة اخرى .. والقومي حينا !! .. ولكن .. لم نجد حتى الآن معالجة علمية لها بعيدا عن اللغة الطائفية والسياسية الواضحة لكل من كتب في هذه القضية .. وهي في نهاية المطاف ظاهرة مركبة من عدة عناصر، ويتطلب تحليلها تفكيك عناصرها الاساسية:
1- البعد المؤامراتي: فهي تعبير مكرر عن نظرية المؤامرة ، والعقل العربي يعيش على هاجس المؤامرات (مؤامرة يهودية، مؤامرة صهيونية، مؤامرة صليبية، مؤامرة امبريالية، مؤامرة شيوعية .. الخ) .. وبالتالي فاضافة مؤامرة جديدة الى سلسلة المؤامرات الجهنمية هو اضافة الى سياق فكري عربي قائم اصلا.. او ان شئنا الدقة : تقليد عربي في تبسيط الامور وتفسير الواقع ! .. بل ربما نتيجة طبيعة يثير غيابها الاستغراب !!.
2- البعد الطائفي : تكتسب قضية (التشيع) بعدا طائفيا خاصا، ولطالما ساد التوتر والكره وسوء الظن بين اخوة الدين الواحد (سنة وشيعة) حيث تم التعبير عن التصادم المذهبي هذا بمظاهر كثيرة : فتاوى التكفير والمفاصلة الاجتماعية ( كنموذج انظر كتاب : فتاوى في الرافضة !! الذي بلغ حدودا سريالية في طريقة التعامل الانساني مع الشيعي !) منتديات التشهير والسباب والشتائم المتبادلة بين الطرفين ( منتدى الدفاع عن السنة مقابل منتدى هجر كنماذج) بل لقد وصل الأمر الى حد القتل المنظم وغير المنظم (اغتيالات لقادة من الطرفين، نسف مساجد ومراكز دينية) بل احيانا جرائم تطهير عرقي على خلفية طائفية !!! (مذابح الشيعة في الكرخ والكوفة ايام العباسيين والعثمانيين، ومثلها مذابح السنة في ايران ايام الصفويين والعرق اليوم !) ..
فعلى هذه الخلفية المذهبية لم يكن عجيبا ان نسمع اليوم حديثا عن (مؤامرة لتشييع السنة !!! أو لغزو العالم السني !! ) على حد تعبير الاخواني السوري محمد الحسناوي (المخطط الإيراني لغزو العالم العربي والإسلامي) !! وهي ليست بالفكرة الجديدة، فقد سبق لقيادي اخواني (هو سعيد حوى) أن تحدث في الثمانينات عن مؤامرة ايرانية خمينية لنشر التشيع في العالم في رسالته التكفيرية الشهيرة (الخمينية شذوذ في المواقف.. وبالتالي فقد جاءت فكرة (المؤامرة الشيعية ) لتقذف عرض الحائط بسنوات من مؤتمرات المجاملة وادبيات التنظير العاطفي عن الاخوة الاسلامية !! وحوارات التقارب السني الشيعي، وبرامج الاحزاب الاسلامية عن الحقوق المبنية على المواطنة بعض النظر عن المذهب !! .. فقد ظهرت على السطح وبدون مقدمات رواسب طائفية ثقيلة لم تفلح كل تلك المحالاوت الفاشلة في كسحها ( كنموذج تابع الموقع الاعلامي لجماعة الاخوان المسلمين السوريين الذي تخصص مؤخرا في تصيد الاخبار الطائفية الشيعية ! .. وبدأ يدندن على الوتر الطائفي الصريح في نقد المذهب الشيعي (لا نقد الخمينية او الصفوية فقط !) وبتنا نقرأ لقيادي اخواني معتدل مثل زهير سالم كلاما عن مذهب السنة بوصفه عقيدة الأمة !! (كذا ) وعن مؤامرات لتغيير ثوابت الأمة ( كذا !!! ) وكأن لسانه حاله يقول : الأمة سنية !! وما الشيعة الا دخلاء على الامة وثقافتها !!..
3- البعد القومي : تداخل في هذه (المؤامرة !) بعد جديد وهو البعد القومي، فليس السنة فقط هم المستهدفين، وانما العرق العربي بأسره !! (كذا !! وكأنه لا يوجد شيعة عرب !) ومجددا : لا جديد في تلك النزعة القومية، فهي استحضار عصري لصراع تاريخي قديم بين العنصر العربي (الذي كانت صورته النمطية : البدوي المتخلف القادم من عمق الصحراء) والعنصر الفارسي (بصورته النطمية: صاحب تراث عريق في الحضارة والمدنية) وهو ما عُبر عنه تراثيا بالشعوبية ( يُقال أن كتاب البخلاء للجاحظ كان في واقع الأمر مادة قومية بحتة في تلك الحرب الضروس بين الثقافة العربية والثقافة الفارسية، مكتوبة بلغة رمزية ساخرة، هدفها الانتصار للعرب والانتقاص من قدر الفرس من أهل مرو وخراسان!) .. وبالتالي فقد تم احياء هذا الصراع القومي التاريخي بلغة معاصرة وبمصطلح جديد هذه المرة : الصفوية !!..
ولعل من المفارقات أن يجتمع البعد الديني مع البعد القومي في قضية المؤامرة الايرانية الشيعية، وهو احياء للبعد الكامل في فكرة الشعوبية التي مزجت العنصر القومي (الفارسي) بالعنصر الديني (المجوسية والزندقة) .. وربما لهذا السبب تحديدا تم استعارة مصطلحات تراثية في وصف المؤامرة الشيعية المفترضة (مؤامرة مجوسية !!! كذا !) ..
4- البعد السياسي: فعلى خلفية تصفية الحسابات السياسية بين بعض الانظمة العربية (الخليجية والمصرية تحديدا) وبين ايران وجد منظرو الخطاب الاعلامي في فكرة المؤامرة الايرانية الشيعية صيدا ثمينا .. ( على الصعيد السوري يُلاحظ أن طيفا كبيرا جدا من المعارضة السورية يستهلك نظرية المؤامرة الشيعية الايرانية لغرض سياسي بحت وهو ان ايران هي الحليف السياسي الوثيق للنظام البعثي القائم) ...
هكذا اقرأ خطاب مؤامرة التشيع على سورية خصوصا، وعلى العالم الاسلامي !!! عموما .. وكانت بالفعل فرصة للكشف عن مخزون طائفي كبير أختفى مؤقتا فقط وسط الخطاب العاطفي التنظيري (ذهب أحد الاخوان السوريون الى حد وصف الحوار الاسلامي الشيعي بأنه حوار أديان مختلفة لا حوار مذاهب إسلامية !! ) .. ناهيك عن البعد السياسي والقومي للقضية ..
فيما عدا ذلك .. وبعيدا عن لغة التحريض والتهويل والتضخيم المفتعل عجزت تلك الكتابات عن تقديم أية حقائق ملموسة على أرض الواقع تدعم وجود شواهد أو براهين حقيقية تبرر المعالجة المفتعلة والصورة المضخمة لها ! ..
أعتقد أن الحديث عن التشيع في أوساط السنة ( ان صح ) فسيكون مؤشرا على أمور كثيرة أهمها :
1. ضيق الفكر السني بالفكر الشيعي، ومنعه أنشطة التبشير الشيعي حتى ولو كان فكريا !! (ومثله بالتأكيد الفكر الشيعي) ..
2. رسوخ فكرة أن الشيعي العربي هو دائما مشروع عميل خائن للعرب وموالي سياسيا لايران.
فيما عدا ذلك .. فأني أجد في نظرية رشوة السني حتى يتشيع فكرة تثير السخرية، ولا يصح أن نتعامل معها بجدية اصلا !! فمن يتشيع طمعا في المال لا يمكن وصفه اصلا بالشيع !! فهو شيعي اللسان سنى القلب والهوى ( بالتعبير الشامي الفصيح: أكل الطعم وشخ عالسنارة ! :P) .. أما ان كان تشيعه فكريا وليد قناعة فكرية فماذا يضير السنة من ذلك ؟ ألن يكون ذلك مؤشرا على ازمة فكرية حقيقية تعصف بالفكر السني ؟ ..
مع التحية ..
شهاب الدمشقي.