رد على الختيار فى جلسته عن سورة الرحمن
تحياتي
منذ أيام ونحن نتناقش هنا مع الزميل eeww2000 حول معنى السجود في قول القرآن "والنجم والشجر يسجدان"
وكنا بين مد وجزر ، وذلك لعدم اتفاقنا على أسس لتفسير الآية .
فالزميل eeww2000 يفسر السجود بمعنى واحد أحد والذي يعني الخضوع والاستسلام ، معتمداً بذلك على فكرة لا نعرف من أين استقاها ، وهو أن التفسير يكون بالاعتماد على المعنى اللغوي ، فسألناه ماذا تقصد بمصطلح "المعنى اللغوي" فقال المعنى الأصلي للكلمة التي كان يستخدمها العرب .
وبذلك يكون حاصل كلامه أن تفسير القرآن يجب أن يكون بالرجوع إلى المعاني الأصلية للكلمات العربية .
حيث قال :
Array
"المعنى اللغوى هو المعنى الاصلى الذى كان العرب يستخدموا الكلمة للدلالة عليه "[/quote]
وسابقاً قال :
Array
"انا غير مقتنع ان هناك معنى للسجود لغويا الا الخضوع "[/quote]
سنرد على هذا الكلام في المحور الأول .
وسأضع كل شاهد في صندوق اقتباس ، لتسهيل تمييزها .
المحور الأول : اعتماد الأصل اللغوي للكلمة في التفسير
لا أدري من أين اشترط الزميل eeww2000 هذا الشرط ، معتقداً أن اللغة العربية لم تتطور ولم تصل إلى مرتبة عالية من النضوج وتوسع دلالات الكلمات عن الاستعمال الأصلي للكلمة . فاكتفى بتفسير الكلام من خلال المعنى الأصلي للكلمة .
سأعطي أمثلة لأوضح فساد هذا الرأي .
1- [Quraan]وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ [/Quraan] - النحل 6
فما هو الجمال ؟
كلنا يعرف أنه البهاء والحسن كما يقول ابن منظور ت 711 هـ في هذه الآية في لسان العرب في مادة "جمل"
ولكن هل هذا هو الأصل لكلمة جميل ؟
Arrayيقول العسكري ت 395 هـ في معجم الفروق :
" قولك رجل جميل كأنما يجري فيه السمن وأصل الجميل الودك واجتمل الرجل إذا طبخ العظام ليخرج ودكها "[/quote]
و في الودك :
Arrayيقول الفراهيدي ت 174 هـ في معجمه العين :
"والإهالةُ: الأَلْيةُ ونحوها، يؤخذ فيقطع، ثم يذاب، هي: الجميل أيضا.
الوَدَكُ: معروف، وهو حلابة الشحم " [/quote]
ومن هنا ندرك أنهم حين يصفون رجلاً بأنه جميل ، فكأنه يجري فيه السمن ، وكان الدهن عند العرب من وسائل الزينة والتجمل المشهورة ، فهو يوضع على الوجه وعلى الشعر ليصبح الإنسان جميلاً .
Arrayيذكر ابن كثير في البداية والنهاية ج6 :
" سليمان قال سمعت أبي يحدث عن أبي العلاء قال كنت عند قتادة بن ملحان في موضعه الذي مات فيه قال فمر رجل في مؤخر الدار قال فرأيته في وجه قتادة وقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مسح وجهه قال وكنت قبل ما رأيته إلا ورأيت كأن على وجهه الدهان " [/quote]
Arrayوفي اللسان عند ابن منظور ت 711 هـ نجد أيضاً :
"وقالت امرأَة من العرب لابنتها:
تَجَمَّلي وتَعَفَّفِي أَي كُلي الجَمِيل واشربي العُفَافَةَ، وهو باقي
اللبن في الضَّرْع"[/quote]
وعن التزين باستعمال الدهن للشعر
Arrayيقول جواد علي في كتابه المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام :
"وكان الرسول يسدل شعره، ثم فرقه. والفرق إن بجعل شعره فرقتين كل فرقة ذؤابة. والسدل إن يسدله من ورائه ولا يجعله فرقتين. وذكر انه كان يضفره غدائر، والغدائر الضفائر،. وكان إذا طال شعره جعله غدائر أربعاً. وكان يكثر دهن رأسه ولحيته ويكثر القناع كأن ثوبه ثوب زَيّات. وكان يحب لترجّل، وكان يرجل نفسه تارة وترجله عائشة تارة. وترجيل الشعر تسريحه. وقد تقوم به المرأة. ويكون دلك بالمشط. قال امرىء القيس: كأن دماء الهاديات بنحـره عصارة حَنّاء بشيب مرجّل
........ لم يغسلوا شعورهم وتركوا تدهينها حتى يأخذوا بثأرهم.......
ويستوي الرجل والمرأة في دهن شعر الرأس. ولا زال الأعراب يدهنون شعورهم على الطريقة القديمة. ويستعمل أغنياؤهم الدهون الجيدة المستوردة من الخارج. مثل "الزيت" المطيب بالعطور وبأنواع الطيب، يدهنون به شعورهم ولحاهم في أيام الأفراح بصورة خاصة وفي الأعياد. وكان الرومان واليونان يدهنون الجسم كله بالزيت. ويعدّ دهن شعر الرأس من علامات الفرح والسرور، وتركه من علامات الغم والحزن. وقد كان الصحابة يطلون شعر رأسهم ولحيتهم بالدهن ليزيلوا شعث رؤوسهم ولحاهم به.
.......
والعرب من أصحاب الشعور السوداء. وهم مثل غيرهم يفاخرون بشعر رئسهم، ويتركونه ينمو ولا يحلقونه على نهو ما كان يفعل اليهود والمصريون. وكانوا يدهنونه؛ ويمشطونه بالمشط، ويتركونه يتدلى على المنكبين. "[/quote]
Arrayيقول ابن منظور ت 711 هـ في اللسان (مادة جمل) :
ويقال للشحم المُذَاب جَمِيل؛ قال أَبو خراش:
نُقابِلُ جُوعَهم بمُكَلَّلاتٍ،
من الفُرْنيِّ، يَرْعَبُها الجَمِيل
وجَمَل الشيءَ: جَمَعَه. والجَمِيل: الشَّحم يُذَاب ثم يُجْمَل أَي
يُجْمَّع، وقيل: الجَمِيل الشحم يذاب فكُلما قَطَر وُكِّفَ على الخُبْزِ ثم
أُعِيد؛ وقد جَمَله يَجْمُله جَمْلاً وأَجمله. أَذابه واستخرج دُهْنه؛
وجَمَل أَفصح من أَجْمَلَ. وفي الحديث: لعن الله اليهود حُرِّمت عليهم
الشحوم فَجَملوها وباعوها وأَكلوا أَثمانها. وفي الحديث: يأْتوننا بالسِّقَاء
يَجْمُلون فيه الوَدَك.
.........
الجَمُول المرأَة السمينة، والنَّثُول المرأَة المهزولة. والجَمِيل: الإِهالة
المُذابة، واسم ذلك الذائب الجُمَالة، والاجْتِمال: الادِّهَان به.
والاجْتِمال أَيضاً: أَن تشوي لحماً فكلما وَكَفَتْ إِهَالته
اسْتَوْدَقْتَه على خُبْز ثم أَعدته. الفراء: جَمَلْت الشحم أَجْمُله جَمْلاً
واجْتَملته إِذا أَذَبْته، ويقال: أَجْمَلته وجَمَلْت أَجود، واجْتمل الرجُل؛
قال لبيد:
فاشْتَوَى لَيْلة رِيحٍ واجْتَمَل"[/quote]
وبذلك نخلص إلى أن أصل كلمة "جميل" ومصدرها "جمال" جاء من الشحم المذاب ، ثم استعمل للدلالة على الشيء الجميل لأنهم كانوا يتجملون قديماً بالزيوت والدهون .
فهل نجد أحداً من المفسرين قام بذكر أصل الكلمة ومسألة الشحم هذه حين فسر الآية " وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ" - النحل 6
Arrayالطبري ت 310 هـ :
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَال حِين تُرِيحُونَ وَحِين تَسْرَحُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَكُمْ فِي هَذِهِ الْأَنْعَام وَالْمَوَاشِي الَّتِي خَلَقَهَا لَكُمْ { جَمَال حِين تُرِيحُونَ } يَعْنِي : تَرِدُونَهَا بِالْعَشِيِّ مِنْ مَسَارِحهَا إِلَى مَرَاحهَا وَمَنَازِلهَا الَّتِي تَأْوِي إِلَيْهَا ; وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْمَكَان الْمَرَاح , لِأَنَّهَا تُرَاح إِلَيْهِ عَشِيًّا فَتَأْوِي إِلَيْهِ , يُقَال مِنْهُ : أَرَاحَ فُلَان مَاشِيَته فَهُوَ يُرِيحهَا إِرَاحَة . وَقَوْله : { وَحِين تَسْرَحُونَ } يَقُول : وَفِي وَقْت إِخْرَاجِكُمُوهَا غَدْوَة مِنْ مَرَاحهَا إِلَى مَسَارِحهَا , يُقَال مِنْهُ : سَرَّحَ فُلَان مَاشِيَته يُسَرِّحهَا تَسْرِيحًا , إِذَا أَخْرَجَهَا لِلرَّعْيِ غَدْوَة , وَسَرَحَتْ الْمَاشِيَة : إِذَا خَرَجَتْ لِلْمَرْعَى تَسْرَح سَرْحًا وَسُرُوحًا , فَالسَّرْح بِالْغَدَاةِ وَالْإِرَاحَة بِالْعَشِيِّ , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : كَأَنَّ بَقَايَا الْأُتْن فَوْق مُتُونه مَدَبُّ الدَّبَى فَوْق النَّقَا وَهْوَ سَارِح وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 16213 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَال حِين تُرِيحُونَ وَحِين تَسْرَحُونَ } وَذَلِكَ أَعْجَب مَا يَكُون إِذَا رَاحَتْ عِظَامًا ضُرُوعهَا طِوَالًا أَسْنِمَتهَا , وَحِين تَسْرَحُونَ إِذَا سَرَحَتْ لِرَعْيِهَا . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَال حِين تُرِيحُونَ وَحِين تَسْرَحُونَ } قَالَ : إِذَا رَاحَتْ كَأَعْظَم مَا تَكُون أَسْنِمَة , وَأَحْسَن مَا تَكُون ضُرُوعًا .
القرطبي ت 671 هـ :
الْجَمَال مَا يُتَجَمَّل بِهِ وَيُتَزَيَّن . وَالْجَمَال : الْحُسْن . وَقَدْ جَمُلَ الرَّجُل - بِالضَّمِّ - جَمَالًا فَهُوَ جَمِيل , وَالْمَرْأَة جَمِيلَة , وَجُمَلَاء أَيْضًا ; عَنْ الْكِسَائِيّ . وَأَنْشَدَ : فَهِيَ جَمْلَاء كَبَدْرٍ طَالِع بَذَّتْ الْخَلْق جَمِيعًا بِالْجَمَالِ وَقَوْل أَبِي ذُؤَيْب : جَمَالك أَيّهَا الْقَلْب الْقَرِيح يُرِيد : اِلْزَمْ تَجَمُّلك وَحَيَاءَك وَلَا تَجْزَع جَزَعًا قَبِيحًا . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : فَالْجَمَال يَكُون فِي الصُّورَة وَتَرْكِيب الْخِلْقَة , وَيَكُون فِي الْأَخْلَاق الْبَاطِنَة , وَيَكُون فِي الْأَفْعَال . فَأَمَّا جَمَال الْخِلْقَة فَهُوَ أَمْر يُدْرِكهُ الْبَصَر وَيُلْقِيه إِلَى الْقَلْب مُتَلَائِمًا , فَتَتَعَلَّق بِهِ النَّفْس مِنْ غَيْر مَعْرِفَة بِوَجْهِ ذَلِكَ وَلَا نِسْبَته لِأَحَدٍ مِنْ الْبَشَر . وَأَمَّا جَمَال الْأَخْلَاق فَكَوْنهَا عَلَى الصِّفَات الْمَحْمُودَة مِنْ الْعِلْم وَالْحِكْمَة وَالْعَدْل وَالْعِفَّة , وَكَظْم الْغَيْظ وَإِرَادَة الْخَيْر لِكُلِّ أَحَد . وَأَمَّا جَمَال الْأَفْعَال فَهُوَ وُجُودهَا مُلَائِمَة لِمَصَالِح الْخَلْق وَقَاضِيَة لِجَلْبِ الْمَنَافِع فِيهِمْ وَصَرْف الشَّرّ عَنْهُمْ . وَجَمَال الْأَنْعَام وَالدَّوَابّ مِنْ جَمَال الْخِلْقَة , وَهُوَ مَرْئِيّ بِالْأَبْصَارِ مُوَافِق لِلْبَصَائِرِ . وَمِنْ جَمَالهَا كَثْرَتهَا وَقَوْل النَّاس إِذَا رَأَوْهَا هَذِهِ نَعَم فُلَان ; قَالَهُ السُّدِّيّ .
ويقول ابن كثير :
وَمَا لَهُمْ فِيهَا مِنْ الْجَمَال وَهُوَ الزِّينَة وَلِهَذَا قَالَ " وَلَكُمْ فِيهَا جَمَال حِين تُرِيحُونَ " وَهُوَ وَقْت رُجُوعهَا عَشِيًّا مِنْ الْمَرْعَى فَإِنَّهَا تَكُون أَمَدّه خَوَاصِر وَأَعْظَمه ضُرُوعًا وَأَعْلَاهُ أَسْنِمَة " وَحِين تَسْرَحُونَ " أَيْ غَدْوَة حِين تَبْعَثُونَهَا إِلَى الْمَرْعَى
تفسير الجلالين ت 864 هـ للمحلي - 911هـ للسيوطي :
"وَلَكُمْ فِيهَا جَمَال" زِينَة "حِين تُرِيحُونَ" تَرُدُّونَهَا إلَى مَرَاحهَا بِالْعَشِيِّ "وَحِين تَسْرَحُونَ" تُخْرِجُونَهَا إلَى الْمَرْعَى بِالْغَدَاةِ[/quote]
فهل منهم من ذكر كلمة واحدة عن أصل كلمة "جمال" ؟؟؟
2- [Quraan]وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [/Quraan] النحل 16
[Quraan]وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [/Quraan] الأنعام 97
ما هو النجم وما هي النجوم ؟
نعم كلنا يعرف أنها نجوم السماء ، ولكن ما هو أصل كلمة نجم ؟
Arrayيقول ابن منظور :
"نجم: نَجَمَ الشيءُ يَنْجُم، بالضم، نُجوماً: طَلَعَ وظهر. ونَجَمَ النباتُ والنابُ والقَرْنُ والكوكبُ وغيرُ ذلك: طلَعَ"[/quote]
فالمعنى الأصلي للكلمة يعني الطلوع أو الظهور ، وليس له علاقة لا بالكواكب ولا بنبات الأرض ، لكنه أُطلق عليها لأنها تظهر أو تطلع أي تنجم .
ولكن عندما ننظر في تفسير الآية هل نجد أحداً تطرق إلى الأصل اللغوي لكلمة نجم ؟
Arrayالطبري :
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُوم لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَاَللَّه الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ أَيّهَا النَّاس النُّجُوم أَدِلَّة فِي الْبَرّ وَالْبَحْر إِذَا ضَلَلْتُمْ الطَّرِيق , أَوْ تَحَيَّرْتُمْ فَلَمْ تَهْتَدُوا فِيهَا لَيْلًا تَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى الْمَحَجَّة , فَتَهْتَدُونَ بِهَا إِلَى الطَّرِيق وَالْمَحَجَّة فَتَسْلُكُونَهُ , وَتَنْجُونَ بِهَا مِنْ ظُلُمَات ذَلِكَ
القرطبي :
بَيَّنَ كَمَال قُدْرَته , وَفِي النُّجُوم مَنَافِع جَمَّة . ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَة بَعْض مَنَافِعهَا , وَهِيَ الَّتِي نَدَبَ الشَّرْع إِلَى مَعْرِفَتهَا ; وَفِي التَّنْزِيل : " وَحِفْظًا مِنْ كُلّ شَيْطَان مَارِد " [ الصَّافَّات : 7 ] . " وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ " [ الْمُلْك : 5 ] . و " جَعَلَ " هُنَا بِمَعْنَى خَلَقَ .
ابن كثير :
وَقَوْله تَعَالَى " وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُوم لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر " قَالَ بَعْض السَّلَف مَنْ اِعْتَقَدَ فِي هَذِهِ النُّجُوم غَيْر ثَلَاث فَقَدْ أَخْطَأَ وَكَذَبَ عَلَى اللَّه سُبْحَانه . إِنَّ اللَّه جَعَلَهَا زِينَة لِلسَّمَاءِ وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَيُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر[/quote]
كذلك في تفسير "وبالنجم هم يهتدون" لم يتطرق أحد إلى المعنى الأصلي لكلمة نجم .
مثال آخر باختصار :
3- [Quraan] وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ
[/Quraan] - النمل 88
ما هو الإتقان ؟
Arrayالطبري :
قَوْله : { صُنْع اللَّه الَّذِي أَتْقَنَ كُلّ شَيْء } وَأَوْثَق خَلْقه. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 20645 - حَدَّثني عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { صُنْع اللَّه الَّذِي أَتْقَنَ كُلّ شَيْء } يَقُول : أَحْكَمَ كُلّ شَيْء . * - حَدَّثني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { صُنْع اللَّه الَّذِي أَتْقَنَ كُلّ شَيْء } يَقُول : أَحْسَنَ كُلّ شَيْء خَلَقه وَأَوْثَقه. 20646 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثني الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { الَّذِي أَتْقَنَ كُلّ شَيْء } قَالَ : أَوْثَقَ كُلّ شَيْء وَسَوَّى . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { أَتْقَنَ } أَوْثَقَ .[/quote]
ولكن ما هو الأصل لكلمة إتقان ؟
Arrayيقول العسكري ت 395 هـ في معجم الفروق :
أن إتقان الشئ إصلاحه وأصله من التقن وهو الترنوق الذي يكون في المسيل أو البئر وهو الطين المختلط بالحمأة يؤخذ فيصلح به التأسيس وغيره فيسد خلله ويصلحه فيقال أتقنه إذا طلاه بالتقن ثم استعمل فيما يصح معرفته فيقال أتقنت كذا أي عرفته صحيحا كأنه لم يدع فيه خللا[/quote]
إذاً فالكلمة مأخوذة من التقن الذي هو طين يُسدّ به الشقوق ، فعندما نقول أن فلاناً أتقن الجدار أي سدّ الشقوق التي به مستخدماً التقن ، والذي هو طين ، ثم توسع الناس باستعمال الكلمة لتدل على إصلاح وإحكام أي شيء وصحة المعرفة وغيره .
فهل يتطرق المفسرون إلى أصل كلمة "أتقن" عندما يشرحون الآية ؟
الطبري لم يتطرق وابن كثير لم يتطرق والزمخشري لم يتطرق والرازي لم يتطرق والبيضاوي لم يتطرق ، فهل هذا يجعل تفسيرهم غير محترم وزميلنا يقول :
Array
و اى باحث محترم يجب ان يضع فى اعتباره المعنى الاصلى اللغوى و الاساسى للكلمة محل البحث و اقرا اى بحث تجد صاحبه يقول اصل الكلمة لغويا كذا لانه باحث يحترم من يكتب لهم.[/quote]
فقط نجد لدى القرطبي ذِكراً لأصل الكلمة حيث يقول :
Arrayيقول القرطبي :
وَالْإِتْقَان الْإِحْكَام ; يُقَال : رَجُل تِقْن أَيْ حَاذِق بِالْأَشْيَاءِ وَقَالَ الزُّهْرِيّ : أَصْله مِنْ اِبْن تِقْن , وَهُوَ رَجُل مِنْ عَاد لَمْ يَكُنْ يَسْقُط لَهُ سَهْم فَضُرِبَ بِهِ الْمَثَل ; يُقَال : أَرْمَى مِنْ اِبْن تِقْن ثُمَّ يُقَال لِكُلِّ حَاذِق بِالْأَشْيَاءِ تِقْن .[/quote]
ورغم أن قصته غير مقنعة -أعني قصة القرطبي - ولكن هب أنه ذكر الأصل الذي قال عنه العسكري في معجمه (وهو الأكثر منطقية) فهل هذا يجعل من القرطبي مفسراً محترماً والآخرين الذين لم يتطرقوا إلى الأصل اللغوي مفسرين غير محترمين !!!
مثال آخر باختصار
3- [Quraan] فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [/Quraan] التوبة (82)
Array مقاييس اللغة لابن فارس
(ضحك) الضاد والحاء والكاف قريبٌ من الباب الذي قبله، وهو دليل الانكشاف والبروز. من ذلك الضَّحِك ضَحِك الإنسان.[/quote]
فهل ذكر أحد من المفسرين الأصل اللغوي للضحك عند تفسير هذه اللآية ؟؟
كذلك الكيد في اللغة أصلها من المشقة ، حيث :
Arrayيقول العسكري ت 395 هـ في معجم الفروق :
وأصل الكيد المشقة، ومنه يقال فلان يكيد لنفسه أي يقاسي المشقة، ومنه الكيد لا يقاع ما فيه من المشقة ويجوز أن يقال الكيد ما يقرب وقوع المقصود به من المكروه على ما ذكرناه[/quote]
فهل ذكر المفسرون المعنى الأصلي للكيد حين فسروا قوله :
[Quraan]"لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ"
"وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ"[/Quraan]
أم اكتفوا بقولهم الكيد بمعنى المكر ؟
كذلك كلمة "البرء"
Arrayيقول العسكري ت 395 هـ في معجم الفروق :
وأصله القطع ومنه البراءة وهي قطع العلقة وبرئت من المرض كأنه انقطعت أسبابه عنك وبرئت من الدين وبرأ اللحم من العظم قطعه وتبرأ من الرجل إذا انقطعت عصمته منه.[/quote]
فهل ردها المفسرون إلى أصلها في قول القرآن :
[Quraan]وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه[/Quraan]ِ
مجرد سؤال أتركه للقاريء ليعرف طبيعة الشروط التي يبتكرها زميلنا eeww2000 ، دون أي دليل .
ولو شئت البحث في هذا الباب عن أصل كل كلمة وعن استعمالها في القرآن لوجدت الكثير من الأمثلة .
الخلاصة
أن المعنى الأصلي للكلمة يتطور مع الزمن ، والعرب إبان ظهور القرآن لم يخترعوا العربية ، بل وصلتهم بعد أن مرت بمراحل طويلة من التطور والنضج ، فكان شعرهم غزيراً بالاستعارات والكنايات وغيره مما يتم فيه استعمال الكلمات لغير الدلالة الأصلية التي وجدَت عليها .
نحن لا ننكر المعنى الأصلي اللغوي للكلمة لتفسير أي نص عربي سواء كان قرآناً أو غيره ، لكننا ننكر أن يجبرنا صاحب الموضوع على اعتماد الأصل اللغوي معنىً وحيداً دون غيره من المعاني والدلالات التي انبثقت عنه واستعملت ضمن دلالتها الجديدة .
وبذلك نكون انتهينا من الرد على اشتراط الزميل eeww2000 بضرورة ذكر المعنى اللغوي الأصلي للكلمة عند التعرض لأي آية في القرآن ، حيث هذا ما لم يشترطه أحد من قبله ، وإن كان هناك من وضع هذا الشرط من القدماء أو المحدثين فنرجو أن يعلن الزميل عن اسمه حتى لا نقول أنه اجتهاد شخصي منه .
يتبع
|