الزملاء الأعزاء .
كلاسيكيا تعتبر المقارنة بين تجربتي التنمية في كوريا و مصر نموذجا أكاديميا لدراسة عوامل نجاح و فشل تجارب التنمية ، فكلا البلدين بدأ تجربة التنمية الحديثة في منتصف الخمسينات من القرن 20 ، كوريا بعد إنتهاء الحرب الكورية ( 1951-1953 ) و مصر بعد نجاح الإنقلاب العسكري و استقرار حكم يوليو في مصر ، أما النتيجة فواضحة للعيان ، فبينما تمتلك كوريا واحدا من أقوى إقتصاديات العالم ، توصف مصر بأنها دولة نامية و تقارن فقط بدولآ إفريقية أو إسلامية متخلفة . كمعيار للتقدم الإقتصادي يبلغ متوسط دخل الفرد السنوي per capita GDP"" في كوريا 17000 دولار تقريبا بينما في مصر 3800 . هناك تفسيرات متعددة لهذا الفشل قدمها أكاديميون و ساسة مصريون ،و لكن كلها تبريرات تقليدية يلجأ إليها الفاشلون في العالم لتبرير فشلهم ، فلا يوجد منها سبب واحد مقنع . هناك من يتحدث عن استهداف مصر من قوى عالمية ، و هناك من يتحدث عن إلتزامات مصر العربية التي استنفذت مواردها ،و هناك من يتحدث عن عقاب الله للمصريين بسبب عدم ارتداء النقاب ، و الأغلبية تتحدث عن كل ذلك مجتمعا . هذه أسباب واهية تافهة لا يرددها عاقل و لا تحتاج لتفنيد فهي واضحة التهافت ، كما أن هؤلاء التبريرين يفتروض أن طريق كوريا كان مفروشا كله بالورود ،وهذه أيضا مغالطة فاحشة .
أي نظرية تكتسب قوتها ليس من تماسكها المنطقي و لكن من قدرتها التفسيرية أي من مستتبعاتها consequences . و كمحاولة لإختبار أفكار لين و فانهانن ، مع استخدام ملاحظة ديكرسون Dickerson التي تقول أن العلاقة بين IQ و GDP يمكن التعبير عنها بشكل أكثر دقة خلال العلاقة الأسية exponential ، و عندما نأخذ في اعتبارنا نتائج النظرية القائلة بأن IQيساهم ب70% من GDP ، سنجد – بشكل عام - أن كل زيادة بمقدار 10 في IQ تؤدي إلى تضاعف GDP .
بالتالي فلو قسنا الفارق بين متوسط IQ في كوريا و مصر سنجد أنهما 106 و 81 على التوالي ، و بالتالي يكون الفارق بينها 25 ،و هذا يعني أنيكون معدل التنمية السنوي في كوريا مقارنا بمصر هو ( 0.3+ 2.5× 0.7 ) أي أقل قليلآ من ضعف معدل التنمية السنوية في مصر تقريبا ، فإذا كان GDP للفرد في مصر منذ 50 سنة هو 735 دولار و الآن 3800 ، فهذا يعني متوسط نمو سنوي 3.33% ( تقدير خلال برنامج كمبيوتر) ،و بالتالي من المفترض لصدق الفكرة أن يكون معدل النمو السنوي المتوسط في كوريا خلال تلك الفترة 6.66% ، و بالتالي فيكون GDP للفرد حسابيا وفقا لنفس الإفتراض هو 17700 تقريبا ،وهو رقم قريب جدا لما تحقق بالفعل وهو 17000 .
النتيجة الواضحة أن الكوريون اهتموا بالفرد و تنمية ذكائه و قدراته فصنعوا معجزة ،و اهتم المصريون بالخرافات و الشعارات و استيراد بعض منتجات الحضارة فصنعوا فشلآ استثنائيا يضرب به المثل ،و تردى حال الإنسان المصري ليصبح من أقل الشعوب العربية على مقياس الذكاء .ولا أعتقد ان هناك منصف لا يشعر ولا يتألم من تدهور شخصية المصري و قدراته العقلية . و علينا جميعا ان نستقيظ و أن نكف عن ممارسة الغباء .أضيف أيضا أن حال العرب ليس أفضل كثيرا .
هذه المحاولة كانت ناجحة بشكل استثنائي من النادر ان نصادفه في تقديرات لممارسات ذات طبيعة بشرية ،و لكني اتمنى ان يحاول آخرون لهم خبرة بالدراسات الإقتصادية على نماذج مختلفة . حتى لو لم تكن النتائج بهذا القدر من التوفيق ، فإني على ثقة أن النتائج ستكون مقنعة ،و ستؤكد حقيقة العلاقة الواضحة بين متوسط IQ و per capita GDP.
يبقى أني أريد ألا نتحسس كثيرا من البيانات الإحصائية بما في ذلك قياسات IQ ، فهي بيانات ميدانية يجب أن نتعامل معها لا أن ندينها . حتى داخل الولايات المتحدة تتفاوت متوسطات IQ بشكل كبير بين الولايات . اتذكر بعد فوز جورج دابليو بوش على جون كيري في انتخابات الرئاسة عام 2004 ، أني قرأت تقريرا مطولآ في النيوزويك (غالبا) ، به خريطة توضح مستوى IQ في كل ولاية ومن الذي انتخبته ،و كانت النتيجة أن كل الولايات ذات IQ مرتفع انتخبت كيري ، بينما انتخبت الولايات الأقل في متوسط IQ جورج دابليو بوش . و كان هذا التقرير منشورا في مجلة أمريكية بلا تحرج . فالعقلاء يواجهون الواقع ولا يهربون منه إلى الأحلام الكاذبة .