انتقاد القراءات
عندما ينتقد احد ( علماء الاسلام ) قراءة قرانية , فانه يشير ببساطة الي ( الطعن في قرانيتها ) و هذا عن طريق
1
- انكار تواترها
2- انكار نسبتها الي الوحي و جعلها من صنيع القراء
و بالرغم من ذلك فقد اجتمعت طائفة هائلة من المنتمين الي كل العلوم الاسلامية تقريبا على انتقاد ما جاء في ( القراءات القرانية مزعومة التواتر) . و قد جاء هذا الانتقاد على عدة صور منها:
1. الانتقاد المباشر للقراء
2. الانتقاد المباشر للقراءات
3. تجاهل ما جاء في هذه القراءات من احكام
4. ترجيح القراءات بعضها على بعض .
اما الانتقاد المباشر سواء للقراءة او للقارئ فلا يعني الا اليقين بان اصل هذه القراءة الخاطئة هو هذا القارئ المخطئ لا (محمد) و لا الوحي و ان هذه القراءة الخاطئة ليست من القرآن ,وهو ما يظهر للمعلقين على مثل هذه الانتقادات مثلما يعلق (الرضى) على انتقاد (سيبويه) ما جاء في القراءات السبعة فيقول " لعل القراءات السبع عنده – سيبويه – ليست متواترة , والا لم يحكم برداءة ما ثبت انه من القران " ([1])
كذلك تجاهل ما جاء في القراءات لا يختلف عن انتقادها, فما لعالم من علماء الاسلام ان يتجاهل ما يظن انه من القران الا في حالة تأكده ان هذه القراءات ليست من الوحي اي ليست من عند الله.
اما الترجيح بين القراءات كأن يقال قراءة فلان ( احب) او (افصح) او ( افضل ) او غير ذلك من صور الترجيح فانه " محظور في الديانة الاسلامية" ([2]),
فان تفضيل قراءة مزعومة التواتر على غيرها يعد "طعنا في القراءة الثانية ", وان تفضيل القراءات على غيرها هو "عين الطعن فيها"([3]) .
و نحن ننظر الي تلك الانتقادات باعتبارها التطبيق العملي لعدم تواتر هذه القراءات , بل عدم نسبتها الي الوحي عند هذا الكم الهائل من ( علماء ) الاسلام بفروع ( العلوم ) الاسلامية المختلفة , و هو ما يدلل بشكل عكسي على عدم تواترها و عدم نسبتها الي الوحي و ذلك باعتراف البيت الاسلامي ذاته !
و من خلال المداخلات التالية التالي اعرض طعن سبع فئات في القراءات المزعوم تواترها و قد بدأت بداية طريفة بطعن محمد نفسه فيها !
ثم انتقلت بعد ذلك الي طعن (الصحابة و التابعين ) , ( القراء ) , ( المفسرين ) , ( علماء القراءات ) , ( الفقهاء ) ثم ختمت بطعن ( النحاة و اللغويين ) في هذه القراءات و قد كان هؤلاء ( العلماء ) يدركون تماما معنى هذا الطعن , " ويعلمون ان هذا النزوع يعني بلا ريب نقض الاساس الذي تقوم عليه القراءة وهو سندها الذي يصلها بالنبي او احد صحابته " ([4])
قد اخترت هذا التقسيم لامثل موقف فئات العلوم الاسلامية المختلفة من مسالة القراءات بشكل عملى واضح و حاسم .
ومما يجب ملاحظته انني اكتفيت ببعض ( العلماء المسلمين ) و اكتفيت لهم ببعض ( الطعون و الانتقادات ) حيث لم اشأ حصر كل هذه الطعون و انما تقديم بعض النماذج التى تفي بالغرض .
و قد ذكر بعض ما ذكرته د (عبد الخالق عضيمة) في اول كتابه ( دراسات لاساليب القران ) بل اعتمدت بشكل كبير على تقسيمه لفئات المنتقدين, و احلت اليه لاقتصر في بحثي على بعض الامثلة خشية الاطالة , و اضفت ما فاته من اقسام علماء الاسلام , اسماء الطاعنين و امثلة للانتقادات التى لم يذكرها في كتابه .
و احب ان الفت النظر الي نقطتين في هذه المسالة .
الاولى : اختلاط تخصصات المنتقدين
فلا يوجد النحوي الصرف , بل هناك من هو من ائمة النحو مثل ( الكسائي ) و قد كان في نفس الوقت احد القراء السبعة , و كذلك ف( الطبري ) من المفسرين هو من اصحاب الاختيار في القراءة و له كتاب مخصوص في القراءات مما يجعله قارئا و ( عالما ) متخصصا في القراءات لذا فقوائم المنتقدين تتضاعف اذا ذكرت الشخص الواحد في كل قائمة يستحق ان يكون فيها , لكنني فضلت ان انسب الشخص الواحد للفئة الاكثر ارتباطا بشهرته غالبا .
الثانية : اختلاف منازل المنتقدين ووجود بعض العلامات التى يجب التوقف عندها,
فليس كل المنتقدين في منزلة واحدة لذا اطلت في الحديث عن بعضهم , و اختصرت الحديث عند اخرين , و لكن ربما تم ذلك بسبب توفر المادة .
و عليه فان ما يلي اسماء اكثر من 60 عالما من ائمة العلوم الاسلامية و مؤسسيها ينكرون ما جاء في كل القراءات المزعوم تواترها و نماذج لما انكروه مع توثيق ذلك .
----------------------
[1] الرضي في شرح الشافعية 3 \ 53
[2] الزركشي , البرهان في علوم القران 1\ 339 - 340
[3] القراءات المتواترة التى انكرها ابن جرير الطبري , 144 .
[4] القراءات الشاذة و توجيهها النحوي 529
(1)
محمد
من الطريف ان يكون (محمد) نفسه على رأس قائمة المنكرين لما جاء في القراءات الرسمية حاليا , و قد وقفت على موضعين روي فيها انكاره , احدهما في حياته و ثانيهما في احد ظهوراته للقراء .
اما الاولى فقد ورد انكاره لقراءة (عاصم) و (حمزة) للنور 54 , و ذلك في روايات صحيحة
اقر بصحتها ( ابن داؤد )([1])
و ( الترمذي ) ([2]) و (
الالباني ) ([3])
اما الثانية , فهي تغييره لما هو موجود الان في قراءة ( ابي عمرو ) و ( ابن كثير ) للبقرة 106 ([4])
(2)
الصحابة و التابعين
يتميز انكار الصحابة و التابعين لقراءات القران التى قرأ بها غيرهم من الصحابة و التابعين بكونه اول عصور ( صناعة القراءات ) مما يشير الي عدم اعتدادهم بنظرية ( الحروف السبعة ) و عدم وجود ( مفهوم التواتر ) الذي هو ( فزّاعة ) الان ضد ما يخالف النظرة المفروضة على الواقع القراني , و جدير بالملاحظة ان الصحابي عندما ينكر ( قراءة ) صحابي , فانه يعني ان الصحابي – الاخر – قد اتى بالقراءة من عنده و نسبها الي محمد و هذا المفهوم الخطير يجب اعتباره عند النظر في سلسلة اسناد تمتد الي محمد و تمر بصحابي هو نفسه ينسب النصوص خطأ الي محمد و من ثم الي الوحي .
و اكتفى هنا بعرض بعض النماذج المختلفة لهذه الظاهرة الخطيرة و قد نسبت القراءة التى انكرها الصحابي الي صاحبها من ( القراء السبعة ) و هي الصيغ الرسمية للقران الان
1- عائشة
ردت عائشة ما قرأ به ابو جعفر و الكوفيين الاربعة (حمزة) و (عاصم) و (الكسائي) و خلف ليوسف 110 ([5])
2- سعيد بن الجبير
رد سعيد بن الجبير نفس القراءة السابقة ([6])
3- ابن عباس
رد ما قرأ به (الكسائي) للزخرف 75 ([7])
4- شريح القاضي
رد ما قرا به (حمزة) و (الكسائي) للصافات 12 ([8])
----------------------------------------
[1] سنن ابي داؤد 3978
[2] سنن الترمذي 2936
[3] صحيح الترمذي 2936 , صحيح ابي داؤد 3978
[4] الجامع لاحكام القران 2 \ 67 , و انظر النشر 2 \ 220 و معجم القراءات 1 \ 98
[5] البخاري 5 \ 160 , 5 \ 218
[6] جامع البيان 7 \ 55
[7] البحر ج8 ص 25
[8] البحر المحيط 7 : 354
(3)
القراء
لا يوجد افضل من القراء لينتقدوا بعضهم البعض , الانتقاد الذي يعبر عن معرفة القراء باساليب بعضهم البعض , معرفتهم باخطاء بعضهم البعض و التى سيقدسها المسلمون فيما بعد
لقد ادرك القراء ان بعضهم ينشأ نصوصا لا مصدر لها و ينسبها محمد تحت مظلة ( الاحرف
السبعة ) فانتقدوا بعضهم البعض و انكروا ما قرأ به بعضهم البعض بل حدث هذا في داخل المدرسة الواحدة مثل ما حدث في مدرسة الكوفة من انكار ( ابو بكر بن عياش ) احد رواة قراءة (عاصم) لقراءة (حمزة) احد القراء السبعة .
و فيما يلي نماذج لما انكره هؤلاء القراء بعضهم على بعض .
1- ابو عمرو بن العلاء
انكر قراءة (الكسائي) للفجر 25 , 26 ([1]),
كما انكر قراءة ( نافع ) و (ابن عامر) و الكوفيون الاربعة و (ابو جعفر) للانفال 42 ([2]),
كما انكر قراءة (الكسائي) لطه 36 ([3])
2- الكسائي
انكر قراءة (عاصم) و (نافع) و (ابن كثير) و (ابو جعفر) و (يعقوب) ل المجادلة 1 ([4]),
عارض رواية (حفص) و قراءة (حمزة) و (ابن عامر) ل هود 111 ([5])
و ايضا منع قراءة كل القراء ماعداه و (ابن عامر) ل النحل 40 ([6]),
و رد قراءة (ابي عمرو) و الحرميين و (عاصم) للانعام 86 ([7]),
بل اقسم بخطأ كل القراء للاسراء 102 ([8])
3- ابو بكر بن عياش
انتقد قراءة (حمزة) تماما ([9])
4- نافع
انتقد قراءة (ابي عمرو) للانعام 57 ([10])
5- عاصم الجحدري
و هو من القراء و استمر في انكار القراءات ايضا ([11])
6- هارون الاعور
انتقد قراءة (ابن عامر) و (ابي جعفر) لمريم 42 ([12])
7- الاعمش
انتقد قراءة (عاصم) رواية (شعبة ) للانفال 35 ([13])
8- عبد الله بن ادريس ([14])
انكر قراءة حمزة وواجهه بانكاره فوعده حمزة ان يكف عنها ([15])
---------------------
[1] جمال القراء 1 \235
[2] البحر المحيط ج 5 \ 237
[3] تاويل مشكل القران 63
للمزيد راجع دراسات لاسلوب القران 1\ 46
[4] البحر المحيط 10 \ 120
[5] الدر المصون 6 \ 414
[6] معاني القران للفراء 1\ 75
[7] تفسير القرطبي 7 \ 32
[8] حجة القراءات 411 , للمزيد راجع دراسات لاسلوب القران 48
[9] تهذيب التهذيب ج 3 ص 27
[10] الاختيار 16
[11] دراسات لاسلوب القران 90
[12] البحر 6 \ 193
راجع دراسات لاسلوب القران 91
[13] الحجة للقراء السبعة للفارسي 4 \ 144
[14] مقرئ الكوفة و حافظها
[15] سير اعلام النبلاء ترجمة عبد الله بن ادريس