الأخ ذي يزن .
في الغرب كما في أي مكان آخر ليس كل الناس مثقفون ، أو مفكرون بشكل متميز ،و لكن هناك قلة تشكل النخب ، يتميزون بقدر عالي من التهذيب و التفوق و غالبا مهنيا ، أما باقي الشعب فهو نمطي تماما ، هذا النمط الشائع موجه للإنتاج و الحياة السعيدة ،و لكن ليس للتفكير العميق بشكل خاص . الحياة المادية و العقلانية العنيفة تدفع الناس للبحث عن الإثارة و التحرر من قيود العقلانية أحيانا . قرأت في مذكرات توني بلير أنه كان يبحث عن تلك اللحظات المتحررة كلية بعيدآ عن الأضواء . ليس نادرا أن تجد أوربي أو أمريكي يؤمن بالأرواح و غيرها من تلك الخزعبلات .
جمعني لقاء في أحد النوادي مع بعض المهندسين الإنجليز ،و كان في صحبتهم فتاة كندية شابة في بداية العشرينات ، و تطرق حديثنا إلى الكتب ، فذكرت كتابا شهيرا هو The Power of Now، لكاتب ألماني يدعى " إيخارت تول " ، ففوجئت بالفتاة تضع يدها على شفتيها بما يعني التوقف عن الكلام ،و لما استفسرت منها عن السبب قالت بكل بساطة " لأن الشيطان هو الذي كتبه !" ، لأني لم أتوقع شيئا مشابها من فتاة في ثقافتها ، فقد كررت السؤال لأحظى بنفس الإجابة . هذه الفتاة لم تكن عابثة ، لأنها تحدثت عن ذلك بكل حماس . مثل هذه الخزعبلات كنت سأجلد صاحبها بالتأكيد ، ولن يغفر له أن يكون خريج ثانوية عربية ،و ليس جامعة كندية ،و لما أخبرتها أني لا اعتقد في وجود شيئا مثل الdevil ، نظرت إلى بدهشة حتى اني توقعت أنها ستقول كما تفعل المصريات " دا مذكور في القرآن !" .
صدقني يا ذي يزن أن الأفراد ليسوا مختلفين كثيرا ، و لكن الشعوب هي المختلفة . أذكر أني كنت أسير جوار فتاة روسية في شارع بموسكو ، و لكني فوجئت بها تمسك ذراعي و تمنعني من السير ، ثم إنتظرت حتى مر أمامنا سيدة مسنة ، قالت بعدها لنمض الان . لم أفهم السبب إلا لاحقا ، لقد شاهدت قطة سوداء تعبر شارع متقاطع مع الشارع الذي كنا نسير فيه ،وهذا تراه فألا سيئا لمن يعبر مباشرة ،و لو كانا زوجين coupleفهذه نبوءة بفراق أكيد ، كان هذا في زمن الإتحاد السوفيتي الذي يدرس الإلحاد في مدارسه !.
الإنسان ذلك المجهول .. لم أعد أتذكر من قال هذه العبارة ،و لكن مهما كان قائلها فهو صادق تماما .