( مقدمة في علوم الحديث )
الحديث و الفقه .
الحديث : استقر تعريفه بانه ما ينسب الي ( محمد بن عبد الله ) من قول او فعل و ربما تقرير ( اي موافقته على فعل غيره ) و يستغل الحديث لمعرفة الماضي كيف كان ( التاريخ ) , و الاحكام التى يبنى عليها الطقوس و الشعائر و الاحكام الدينية ( الفقه ) .
وان عرفنا ان ظهور المذاهب الفقهية الاسلامية قد سبق تأصيل هذه المذاهب , فالكتابة في الفقه الحنفى سبقت الكتابة في اصوله , و كذا المالكي و تولد عن الاثنين اصولا للفقه على يد الشافعي , لتبدأ مرحلة التأصيل فيما يعرف لاحقا بـ ( اصول الفقه ) , نستنتج ان التطبيق العملي دائما و ابدا كان سبّاقا على التأصيل النظري , و يمكننا ان نقول نفس الشئ عن الحديث ( الصديق الصدوق للفتوى الدينية بشكل خاص و للفقه بشكل عام ) فقد بدأ تناقل الاحاديث و الافتاء بها قبل البحث عن صحتها , بل و دون الاهتمام بصحتها و استمر هذا فيما بعد في شكل ( الاستدلال بالحديث الضعيف ) تحت اي مسمى وهو ما سنتعرض لتفاصيله فيما بعد .
في الواقع لا يمكننا ان نحدد اسبقية الفقه على الحديث او العكس , فالفقه لابد وان يتبع نصا مما يشير الي اسبقية الحديث على الفقه , لولا ان ثبت اختلاق الاحاديث لنصرة المذاهب الفقهية و غير الفقهية , مما يعاكس الاتجاه الاول و يشير الي اسبقية الرأي ( الفقه ) على الحديث و اختراع الحديث لاحقا لتأييد الرأي الفقهي .
و هذا يبعد بنا من تعريف الحديث بـ( ما قاله او فعله او اقره محمد ) الي ( ما تم نسبته الي محمد من قول او فعل او تقرير ) خاصة و ان المشتغلين بالحديث يسمون ما ثبت خطأ نسبته الي محمد بـ( حديث موضوع ) محافظين على أصالة تسميته بـ(حديث )
علوم الحديث .
علوم الحديث هو مصطلح يشير الي هيكلة مناهج البحث في صحة نسبته الاحاديث الي محمد ( صحة الاحاديث اصطلاحا ) و يقصد المشتغلون في الحديث به بعض الفروع مثل
مصطلح الحديث : و يقصد به الاسس النظرية لتصحيح الاحاديث و تضعيفها
علوم الرجال : و يقصد به البحث في احوال رواة الحديث , و قد يسمى ( الجرح و التعديل )
علم العلل : و يقصد به البحث في تخطئة الحديث , اذ انه غالبا ما يتناول الحديث الضعيف و سبب ضعفه
و قد عرفنا ان هذه المناهج قد ظهرت في مرحلة متأخرة, و يبدو انها قد ظهرت لاقصاء تيارات معينة عن الساحة الفكرية كما يظهر من القول المنسوب لابن سيرين ت110 هـ ( كان الناس لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قلنا سموا لنا
رجالكم ) و لاهمية هذه المقولة سنتناولها بالفحص و التحليل لاحقا , الا ان وصف ابن سيرين بانه ( اول من فتش عن الرجال ) (1) , او تأخير هذا الزمن الي شعبة (80 هـ - 160 هـ ) (2) يجعلنا نتيقن من تأخر ظهور هذه المناهج عن عصور ( صناعة الحديث و اختراعه ) .
فان اضفنا الي ذلك تضارب المناهج في تحديد صحة نسبة الاحاديث الي محمد عرفنا الشك في كونها ( علوما محكمة ) و تصنيفها اقرب الي العلوم الادبية و الاجتماعية منها الي العلوم الرياضية وهو ما يأباه اصحاب تلك العلوم , بالرغم من اعتراف السابقين بان ناتج هذه العلوم جميعا ........ ظني الثبوت .
-------------------------
1 - شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي ص82
2- تدريب الراوي . السيوطي ( 2/369)
يتبع