اقتباس:تفضل يا عزيزي، منكم نتعلم...
أبدا يا عزيزي كلنا نتعلم من بعضنا , أنا أستفيد بقدر ما تستفيد مني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بداية يجب أن نتعرف علي بعض المصطلحات النقدية الخاصة بالشخصية القصصية , فقد صنف النقاد الشخصيات في القصة إلي تصنيفات عديدة منها وهو ما يهمني هنا في صدد دراسة قصص الزميل ( أبو إبراهيم ) ما تعارفوا عليه بالبطل الإيجابي والبطل السلبي وما بينهما وهو البطل الإشكالي , من البحوث الجيدة لمن أراد الاستزادة والتعمق في هذا الموضوع البحث المقدم من الباحثة أحلام بشارات بعنوان البطل في الرواية الفلسطينية من عام 1993 – 2002 وسوف تجدونه علي هذا
الرابـــــــــــط, وما يهمنا هو تعريفها للبطل السلبي , تقول الباحثة : ( البطل السلبي هو بطل العصر الذي لا يمتلك قيما ولا ثقافة يصعد من رحم الطبقات الفقيرة ويرغب في الوصول السريع , حتي لو كان ذلك الصعود السريع علي جثث الأبرياء , لينتهي مصيره للسقوط في مستنقع القذارة وشعاره دوما : لاتفكر في الإصلاح , ويتميز باتخاذه موقفا حياديا من الأحداث فلا يشارك في صياغتها ولا يعمل علي تغييرها ) راجع البحث ص 46 , ومن هذا التعريف يبدو لنا البطل السلبي حاملا لخصائص متعددة فهو في درجة من درجاته صاحب الموقف الحيادي من الأحداث التي تمر به وبمجتمعه ولا يحاول التدخل للتأثير فيها بحركة إيجابية أو تغيير ما حتي نصل إلي ذلك النوع في درجة أعلي إلي صاحب الموقف النفعي الانتهازي الذي يشارك في صنع الفساد بما يحمل من قيم .
هذا البطل حين يتبناه الكاتب عندما يكتب كما فعل الزميل ( أبو إبراهيم ) لتدور حوله القصة إنما يفعل ذلك لحيلة فنية وهي تعرية الواقع الفاسد باثبات النقيض وحمل القارئ علي رؤية مواقفه وقيمه في ضوء هذا النموذج غير السوي طبقا للقيم والتقاليد الإيجابية التي تسود مجتمعه .
يقدم لنا الزميل ( أبو إبراهيم ) هذا النموذج عبر بطل اجتهد في أن يصيغ ملامحه بكل دقة من مرحلة طفولته التجارية الانتهازية المستغلة مرورا بمرحلة نضوجه وتمرسه في هذا المضمار إلي المرحلة الثالثة والأخيرة التي تعني السقوط الكامل والتي تدق ناقوس الخطر حين يضفرها بما يدور حولنا من ثورات ما كان من أسباب قيامها من البحث عن العدالة الاجتماعية التي حولت ذلك الطفل إلي هذا البطل السلبي .
يقدم لنا الزميل الكاتب في القصة طفلا من طبقة فقيرة لم يرحمها مجتمعها علي المستوي الإنساني أو القانوني وتركها بلا حيلة إزاء نهش الفقر والجوع وإعالة أم وأختين ولا تجد تلك الشخصية حلا لمشكلتها الاقتصادية إلا بخداع الناس حولها واستغلال عواطفهم ( استدرار عواطف الناس حينما تتناثر قطع الحلوي منه بين أرجل المارة وتكرار الفعل مرات ومرات ) أو خداعهم بالقيمة المتدنية لما يبيعه لهم عن طريق الغش ( الهوائيات ونزع قطع من الأجهزة الكبيرة ) , حتي نصل إلي بداية الثورة التي تعرف جيدا مواطن الفساد وتعرف كيف تسحقه , لنجد أن ذلك البطل العجيب يعرف كيف يلتف علي تلك الثورة وكيف يستفيد منها بنفس الأسلوب القديم ولكن بعد تطعيمه بما يتناسب معه من زواج بين السلطة والمال ( حين يبيع للثوار أجهزة لكي يستردها مرة أخري عن طريق صهره ليعود لبيعها لثوار آخرين ) .
والقصة كما يجب أن تكون لمحة من حياة الشخصية تلقي الضوء علي حياتها كلها فقد استطاع الزميل أن يلخص بسرعة ودون إضاعة الوقت تلك المحطات الثلاث في حياة الشخصية التي تمثل تطورها عبر أزمان ثلاثة مر بها المجتمع الذي تعيش فيه وعبرت عن نضوج تلك القوي الانتهازية المستغلة واستطاعتها النفاذ عبر المعايير الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها المجتمع , فهي تستطيع التلون بكل لون حتي تحقق مصالحها الخاصة .
ولما كانت القصة لا تصور إلا ذلك البطل السلبي بكل فساده ولا تقدم أي بطل إيجابي آخر بإزاءه فإنها بذلك تجعل القارئ هو ذلك البطل الإيجابي الذي عليه أن يقاومها ويواجهها , وتنذر وتدق ناقوس الخطر كما قدمت بأن ثوراتنا في خطر من هذا النوع من الشخصية التي تهددها .
ولا بد قبل أن أمضي لحال سبيلي وأترك للزملاء الكرام بقية التشريح أن أوجه الزميل إلي ملحوظة هامة وهي عدم تدخله أثناء السرد ولو علي لسان الشخصية بأي تفسير أو تحليل يكفي فقط أن يحكي وأن يصور عبر السرد و يفترض أن في القارئ من الفطنة ما يؤهله لأن يفهم دون تدخل مباشر منه , وعلي سبيل المثال فهذه الجملة ( لم أكن مؤمناً بثورة أو مقاوماً لظلم ) تقدم تفسيرا مباشرا وحذفها أفضل , كذلك من أحسن الجمل التي مرت بي أثناء القراءة أختار هذه الجملة المعبرة (ولم يعد أحد يكترث لطبق الحلوى المرمي أرضاً بين صور الضحايا المرميين هنا وهناك ) والتي توحي بالكثير .
شكرا للعزيزة هالة وأدعو الانسة وردة والصديق تموز للمشاركة وترك مقاعد المتفرجين . ونلتقي مع القصة التالية بعد الفاصل .
كوكو