RE: مشرحة أبو إبراهيم : الجميع مدعوون...
في قصة ( قصة حب ) يتناول الكاتب نوعا آخر من الأبطال , بطلا من طينة كل الناس من شعبنا , الإنسان الطيب المسالم المستكين لواقعه غير الحافل بالتناقضات التي يموج بها هذا الواقع أو التي يدركها إدراكا بسيطا , فهي في الخلفية من أحداث يومه تعمل دون أن يستطيع أن يدرك علاقتها بتناقضات أخري أو أن يستطيع ربطها بتناقضات أكبر , كذلك فإنه لا يستطيع أن يتصور الحل لمثل هذه التناقضات , لأنه لا يستطيع إدراك واقعه إدراكا كليا , هذا البطل أيضا يمكن أن نعده من النوع السلبي السابق ولكن في أدني درجاته , شخص حيادي لا يستطيع اتخاذ موقف تجاه ما يمر به من أحداث يومية أو حياتية هامة , ولأنه ليس لديه من القدرة علي النفاذ لجوهر تلك التناقضات فليس لديه الامكانية للوقوف في وجهها , هذا البطل يحاول أن يتغلب علي الصعوبات التي يلاقيها في أموره الشخصية بحيل عديدة .
بضربات سريعة يقدم لنا الكاتب حياة بطله ( ولد في طبقة فقيرة – نشأ في حي فقير في إحدي ضواحي العاصمة المكتظة – يتحدث للفتيات عن طريق النت وهذه صعبة بالنسبة لإنسان كادح وكان عليه أن يتجنبها – علاقته بالجنس الآخر غير واقعية , لجأ لعلاقة في العالم الافتراضي بما يحمل من إمكانية الكذب بالنسبة لظروفه الطبقية ويبرر ذلك بأنه من الممكن أن يعتبرها مزحة حين يواجهها في العالم الحقيقي – هناك مسافة ما بينه وبين من يتعلق بها برباط الحب , لم يوضح موقفها من حبه , هل تحس بعواطفه ؟ , وهل تبادله هذا الحب ؟ , في هذه النقطة يمكن أن نستشف أنه حب من طرف واحد , موقفه من الأحداث العامة ليس بالقدر الكافي من الوعي بالأزمة , ينصاع لنصائح والديه متجاوزا مرارة الأزمة , يحس بالغضب لسوء المرافق العامة دون أن يحرك ساكنا ) , تلك هي الملامح العامة التي يمكن أن نلقاها في أي شخص يعيش مشاكل الوطن هامشيا , ليس له دور فاعل في تجاوزها , يلجأ للروماسية الحالمة هروبا من أزمته وأزمة وطنه .
التحول الذي يصيب هذا البطل ولعدم إدراكه بمعالم الأزمة يأتي عبر ما رآه في الثورة من تساقط الشهداء والقمع المأساوي الذي يقوم النظام الفاسد لوأد الثورة , تتعانق ثورته الروماسية الحالمة المستكنة داخله بتغيير واقعه الشخصي والحياتي مع الثورة التي جاءت من خضم التناقضات العامة التي لا يستطيع إدراكها بطريقة كلية , هنا فإن الكاتب يبرز لنا في قصته ملامح تلك الحشود التي تكون وقودا للثورة مطالبة بعدالة إجتماعية مفقودة دون أن تدرك معالم هذه الحلول وكيفية تحقيقها واقعيا , يقول الكاتب في قصته ( كنا نحمل لافتات جريئة لم نتخيل يوماً أن نقدر على كتابتها.... وكنا نحلم بالغد.... سأخرج من ورشة عمي وأفتح ورشة جديدة، سأتزوج من أحبها، سأشتري سيارة، سأعوض والدي عما بذلاه في تربيتي وعما خسراه في حياتهما من عمل وكدح دون مردود.... حلمت وحلمت... وكدت أطير مع أحلامي ) , هؤلاء هم جل شباب ثوراتنا , ليس من الضروري الوعي بالثورة بالشكل الكامل , ولكنها مجرد إرادة للتغير الحياتي البسيط تتفق مع التغيير العام للنظام الخالق لهذه الحياة التي ليس فيها الحلم بالمستقبل المنشود .
تأتي النهاية لقصة كاتبنا بعد أن يصاب بطلق ناري من النظام الذي لم يدرك مدي عداوته له ومدي استغلاله له ومدي حبه للبقاء مكرسا سطوته عليه قاتلا كل أحلامه , في هذه اللحظة فقط يلتقي بحبيبته واقعيا بعد أن كانت بالنسبة له مجرد عالم افتراضي خيالي , هذه الحبيبية هنا تتماهي مع الوطن الذي خرج يبحث عنه من خلال المظاهرات , يلقاها في اللحظة التي يتحول فيها من ذلك الرومانسي الحالم إلي ذلك الثوري الذي يجب أن يتسلح بالوعي , لكي ينهي القصة بكلمات بسيطة عندما تسأله حبيبته : : هل وصلت المظاهرات إلى أبو رمانة ؟ , فيجيبها , كنت أمزح .
نعم , لم يعد هناك مزاح فالأمر جد .
أترك لكم العزيز ( أبو إبراهيم ) ممددا علي طاولة التشريح لكي تجهزوا عليه .
ونلتقي بعد الفاصل
كوكو
|