بعد تسمية قيادة وأعضاء لجنة المراقبين العرب، قامت القيادة السورية بالاستعداد للقاء هؤلاء العملاء.. فقد تم إعداد ملف متقن زاخر بالأدلة الدامغة على عمالتهم لأجهزة الاستخبارات الفلانية والعلانية يتضمن وثائق ومقاطع فيديو.. وإثر وصول وفد اللجنة، وقبيل بدء مهامها، قام السوريون بإطلاع (الدابّي) على نموذج من أدلة عمالة بعض أعضاء اللجنة.. الأمر الذي أسقط في يده، فقد بدا واضحاً أن لدى السوريين ما يمكنهم من فضح هؤلاء إن لم تقم اللجنة بعملها بأمانة.. وسوف تمكنهم الوثائق والأدلة من دحض أي افتراءآت قد يفبركونها تبعاً للتعليمات الصهيوأمريكية..

طبعاً اقتضى الأمر إثر ذلك أن تلتزم قيادة اللجنة بتوثيق الحقائق على حقيقتها إلى حد كبير، إذا لم يتمكنوا من تحوير وفبركة الحقائق، وكل ما تمكنوا منه هو عدم توثيق الكثير مما يثبت الصبغة الإرهابية للأحداث..

حين باشرت اللجنة نشاطاتها الميدانية، اختلط الأمر على الكثير من السوريين الذين ذاقوا الكثير من الألم على أيدي الإرهابيين، واعتقد البعض منهم أن اللجنة سوف تقوم بمنع الإرهابين من التنكيل بهؤلاء الأبرياء.. ولم يدم الأمر طويلاً، فقد سارع (الضابط السعودي خالد الربيعي) أحد أعضاء اللجنة إلى الظهور على حقيقته حين اجتمع ببعض الإرهابيين في دوما بريف دمشق، وشاركهم الصلاة في المسجد وخطب بهم محرضاً، فحمله هؤلاء على الأكتاف وخرجوا به هاتفين ضد النظام.. وقد ظهر مصوراً في عدة مقاطع فيديو نشرت على اليوتيوب.. وأكثر هذه المقاطع سخريةً ذاك الذي نسمع فيه هذا الضابط يسأل بعض أولئك الإرهابيين عن ساعته الروليكس التي يبدو أنها انتقلت إلى جيب أحد الذين حملوه على الأكتاف..

وعلى مدى الأيام التالية، حاول أعضاء اللجنة أن يرتجلوا سلوكاً يساعدهم على تجنب اللقاء مع أهالي الشهداء والجرحى والعديد من الذين تعرضوا لخسائر شتّى نتيجة الأعمال الإرهابية.. بينهم العديد من أصحاب المتاجر والممتلكات التي حرقها الإرهابيون للضغط على أصحابها للمشاركة في الإضرابات التي حاولوا فرضها في بعض المناطق.. وفي العديد من الحالات اضطر أعضاء اللجنة للانصياع والعودة للقاء بعض هؤلاء.. وكذلك حاول أعضاء اللجنة تجنب الدخول إلى المشافي حيث الجرحى من المواطنين الأبرياء، و العديد من جرحى الجيش وجثث شهدائه التي كان بعضها يصل أثناء وجود اللجنة في المشفى..

مع وجود هذا الكم الهائل من الأدلة القاطعة على انتشار الإرهابيين وعملياتهم الإرهابية، وهو ما لم يخطر ببال المتآمرين، بدا وضحاً أن اللجنة عاجزة في كل الأحوال عن تنفيذ التعليمات الصهيوقطرية لفبركة روايات تفضي إلى تحقيق أهدافهم بتجريم السلطات السورية، وبالتالي طرح الأمر على مجلس الأمن للتدويل..

هذا الفشل الذريع استدعى بالتأكيد أن تثور ثائرة حاييم بن جاسم، الذي سارع إلى مهاجمة قيادة اللجنة واتهمهم بعدم الالتزام بتنفيذ مهامهم، وكما فعل أسياده الصهاينة الأمريكان، لم يتردد في توجيه الاتهام للقيادة السورية بالتقصير في التعاون مع اللجنة… بل إنه أمر جوقة التضليل الإعلامي أن يلفقوا تسريبات عن اللجنة توحي بأنها لم تعثر على مسلحين وإرهابيين في سوريا..

وهاقد بادرت تلك الجوقة إلى استدعاء أحد صبيانها، الصحافي الجزائري أنور مالك، جاسوس المخابرات الفرنسيه في اللجنة، الذي هرع على عجل، ويكاد يبدو مستعجلاً لدرجة أنه لم يخلع عنه الرداء البرتقالي الذي كان يرتديه في بابا عمرو.. وهاهو يظهر على الشاشة يلهث متدلّي اللسان كالكلب، كأنه قطع المسافة راكضاً بين دمشق واستديو قناة الجزيرة في الدوحة.. لنراه يقسم الأيمان المغلظة أن كل ما رأته اللجنة من مظاهر الإرهاب في سوريا ليس سوى مسرحية انهمك في إعدادها ثلاثة وعشرون مليون سوري، فقط كرمى لعيني أعضاء لجنة جامعة الدواب العرب.. من أجل عرضها عليهم وفبركة دلائل على صحة ادعاء القيادة السورية بوجود إرهاب في سوريا، وأن الجهات المختصة تقوم بالدفاع عن الوطن ضد هذا الإرهاب.. أنور مالك من بين كل أعضاء اللجنة هو الشاهد الملك على كذب ادعاء أعضاء اللجنة بوجود إرهاب في بابا عمرو.. وشاهد إثبات على أن القيادة السورية استثمرت وجود اللجنة في هذه المنطقة ومناطق أخرى كي تتمكن من سحب بعض دباباتها المحاصرة من قبل (الجيش السوري الحر ) الذي يدعي أنور مالك أنه يدافع عن المدنيين العزّل..!!!

أنور مالك ليس سوى دليل جديد على اليأس والبؤس والخزي والإحباط الذي يعبق بأجواء حاييم بن جاسم ومن معه من حزب إبليس.. الذي يبدو أنه أول (المنشقين) على اللجنة البائسة…

كان من المتوقع طبعاً في هذه الحالة، أن نرى انقساماً في آراء جماعة جامعة الدواب العرب.. وعليه نتوقع أن يقوم حاييم بن جاسم وثلة العملاء بتكذيب تقرير اللجنة والمطالبة بتغييرها.. ومن ثم ربما يتم طلب تطعيم اللجنة بمندوبين أجانب لعلهم يكونون أكثر (حربقة) في حبك الفبركات التضليلية، ودون شك سوف ترفض سوريا أمراً كهذا سيفضي إلى انتهاك للسيادة ولمقتضيات البروتوكول الموقع بين سوريا والجامعة… طبعاً سوف يستغرق التداول في هذا الموضوع وقتاً لا بأس به.. نرجح أن يمتد هذا الوقت حتى شهر آذار المقبل.. حيث نتنتهي ولاية حاييم بن جاسم في رئاسة المجلس الوزاري لجامعة الدواب العرب..

حينئذٍ، سوف تتسلم العراق قيادة مجلس وزراء الخارجية العرب في الجامعة العربية، ونتوقع أن يفضي ذلك إلى مفاوضات لمصالحة مع سوريا، وفي إطار ذلك طبعاً لا بد سوف يعرضون على سوريا إيقاف المتآمرين للنشاطات الإرهابية لعملائهم، والتوقف عن دعمهم بالأسلحة والمال مقابل عدم قيام سوريا بمعاقبة المتآمرين.. كما سوف يتضمن التفاوض العديد من البنود، لعل أهمها مطالبة سوريا بالإفراج عن المعتقلين من ضباط المخابرات التابعة للدول المتآمرة، ومن بينهم ضباط من الموساد.. والعديد من الضباط الأتراك.. ولا نشك أن هذه المرحلة سوف تطول بعضاً من الوقت، لا تتوقف خلاله أي من الممارسات الإرهابية ضد سوريا.. بل نعتقد أن الحملات الإعلامية التضليلية المسعورة، سوف تصبح أكثر وقاحة وفظاظة.. إلى أن يصل هؤلاء إلى النتيجة التي نتوقعها حين تتمكن السلطات السورية، بأقل قدر من الخسائر، من قطع موارد تسليح الإرهابيين والمال والمخدرات وعناصر مستوردة من القاعدة وغيرها، وبالتالي التمكن من كبح جماحهم ميدانياً..

لا أظن القيادة السورية سوف تقدم أي تنازلات.. بل أعتقد أن سوريا سوف تدخل في المفاوضات من باب (تمسكن حتى تتمكن)، المتآمرون سوف يطلبون إبقاء المفاوضات سرية، وسوريا سوف تصر على وضع المفاوضات في العلن وسوف تقوم بتغطيتها إعلامياً، وسوف تتم تعرية المتآمرين..

ولا يخطيء عاقلٌ في قراءة ما بين سطور خطاب السيد الرئيس اليوم، فقد بدا غير خافٍ على الإدراك أن القيادة السورية تنوي تحقيق نصر ساحق يسقط كل غربان المؤامرة بضربة قاصمة..
د. مضر بركات