الحلقة الثانية :
ص 38 :
هو الان حصر كل الاحلام في تحقيق الرغبات ، وهذا الحصر غير علمي ولا واقعي ، مع انه يعرف الكثير من المخاوف في الاحلام و تجاوزها او ربما حاول ادراجها بطريقة ملتوية تحت اطار الرغبة . فهو يقدم هذه المقدمات لكي اذا تبنيناها قدّم لنا ما يهدف اليه وهو تأصيل الشر كأصل طبيعي في الإنسان والنفس البشرية ، وحينها لن يسمى شرا ، بل سيسمى طبيعة . و لكن المشكلة هي في المسلّمات وليست في النتائج المترتبة عليها ، فأنا ارفض مسلمات فرويد قبل ان أقبل نتائجه ؛ لأنها غير شاملة وغير دقيقة وانتقائية .
لا يمكن ان يعتبر الخوف رغبة ، و الاحلام مليئة بالمخاوف ، بدليل ظهورها الى السطح اذا كانت عنيفة على شكل كوابيس مفزعة يستيقظ النائم على اثرها مرعوبا . ولكن لم يستيقظ نائم على اثر رغبة ، مما يدل على سيطرة المخاوف و ليس الرغبات على الاحلام . و قليل من الناس بل من النادر من تتصف احلامهم بالسعادة وتحقيق الرغبات ، والاحلام من حيث سعادتها وكآبتها لهي افضل دليل ومعيار على صحة المسار من خطئه ، و كل من انحرف عن الطريق السوي ، فعلى قدر انحرافه يعاقبه شعوره في الاحلام ، اذا استثنينا الاحلام الجسدية ، وهي قليلة ولا قيمة كبيرة لها ، كأن يتعرض النائم للحرارة او البرد او اصوات مزعجة او استثارة جنسية .
بموجب الكلام السابق ، يكون الحلم عبثي ، لأنه يقدم احلاما لا تقدم نتيجة كما في مثال حلم العطش ، في حين قال سابقا أن كل الاحلام ذات معنى و لها هدف ، فكيف يستمر وجود هذا الحلم الذي لا يقدم نتيجة ؟ وطالما انه لا يقدم اي نتيجة ، اذا ليس له هدف ولا معنى !
اذا هو لم يفسر الاحلام التي من مثل حلم العطش و لماذا تـَرِد ..
في حلم المستشفى ، هذا يعني ان الضمير لا ينام ، كان بإمكانه ان ينام دون ان يـُقدم له حلم ، إذا فلماذا قـُدِّم الحلم ؟ هو قدّم لأجل الضمير ، واستعدادا نفسيا لعملية النهوض ؛ لأنه في حالة الحلم ، الآن هو في حالة حركة ونشاط في ذلك الحلم ، وستجده يستيقظ من نفسه بدافع من هذا الحلم . فكونه يقف امام المغسلة و يـُرجل شعره ويذهب الى المستشفى ، هذه كلها من أجل الاستعداد للاستيقاظ لأن الجسم منهك ، أي كأن الحلم يريد ان يضعه في الصورة . بالتالي فالحلم الذي يضع امامك صورة واجب من الواقع ، فهذا يعني انه يريد ان يدخلك في جوه ويمهد لذلك، لا أن يهرب بك عنه كما يتصور فرويد ، فالشعور لا يَخدَع .
مثل هذه الاحلام ، أسميها احلام الإيقاظ . و مثلما ذكر قبل ذلك من مثال النائم الذي يتعرض جسمه لحرارة ، ستجده يحلم انه مثلا قرب نار ، ثم تقع قدمه في النار في الحلم ، ثم يستيقظ فزعا لأنه حرّك قدمه وهو نائم كي يبتعد عن النار ، فاصطدمت بحافة السرير مثلا ثم استيقظ ، لأن اي رسالة ترد من الجسم ، تُعيد الذات إلى الجسم وبسرعة بدافع الخوف على الجسد من الخطر . ولذلك ترى اي شخص توقظه من نومه لا بد انه في حالة فزع و لو قليلة . لذلك ايقاظ النائم بطريقة خشنة لا يخلو من خطورة . و مثل أن يقوم النائم إذا حرّك احد رجليه ليجد ان الشمس مثلا او المدفأة كانت عند قدميه ، فيغيّر من مكانه ويعود للنوم مرة اخرى . فهذه الحركة التي كانت في الحلم انتقلت الى الواقع ، فجاءت اشارات من الرِّجل الى المخ ثم الى الذات (الوعي) . فاستيقظ النائم على اثرها مثلما يستيقظ اذا حرّك احد رجله كمؤثر خارجي . و لهذا يجري تحريك النائم ممن يريدونه ان يستيقظ و ينادون عليه بصوت مرتفع كمؤثرات خارجية ، و نجد انه في حالات التعب الشديد لا يتحرك النائم ، ولكن قـُرْب الاستيقاظ تكثر الحركة لعله يصطدم بشيء فيستيقظ من النوم .
ان الشعور الانساني هو الجوهرة الثمينة المودعة في كل شخص ، فهو لا يكذب ولا يكذب عليه ، وسلوكه كله محسوب وليس عبثي ، وهو الحريص علينا اكثر من انفسنا . لهذا اكثر الناس لا تكون احلامهم مطمئنة و سعيدة ، وان بدوا في يقظتهم احسن حالا من احلامهم ، فالشعور لا يغش ولا يجاري صاحبه على كل ما يرغب به ، لان له خطاً مفطوراً عليه وأمانة يريد ان يوصلها ، وإن كان لا يـُلزِم صاحبه ، بل يشير عليه و يحذ ّره بكل الوسائل . وهذا دليل على نسبة الخطأ الكبيرة في حياة الناس . فالأحلام معيار الحقيقة والطريق القويم ، ولا يمكن ان يكون الانسان على اتجاه خاطئ في يقظته وتكون احلامه سعيدة في نفس الوقت و راضية عنه .
الحلم هو الذي يدخل الشخص في النوم وهو الذي يوقظه منه ، وهذه وظيفة للاحلام و ليست كل وظائفها ، ولم يفطن لها فرويد ، و لم يعلم اننا ننام بحلم ونصحو بحلم ، لكنها احيانا تكون احلاما غامضة ولا نستطيع تذكرها . النوم هو ان تنفصل عن عالم الواقع ، و حتى تنفصل لا بد ان يقدّم لك عالم آخر غير عالم الواقع ، فتترك هذا الجسد ليستريح وتنطلق الى العالم الاخر . و كذلك في عملية الاستيقاظ ، ينقلك الحلم الى الواقع ، فالحلم المذكور يجعل فرويد يستيقظ من فراشه و يرجل شعره . كل ما في الامر ان يصنع الحلم حدثا معينا يسبب حركة مثل ان يرجل شعره ويمشي الى المستشفى ، وهكذا يتحرك النائم حتى يستيقظ . فلا أحد يستيقظ الا بحركة ، منه أو من غيره . وأحلام قبل النوم خيالية اكثر من أحلام الاستيقاظ ، فهي واقعية لأجل الاستيقاظ و العودة للواقع .
ولهذا السبب يتقلب النائم وربما ينزع عنه الغطاء ، في حركة حـُلـُمية . وليست كل الاحلام يتذكرها الانسان . و اثناء الحركة الاستيقاظية يلامس جسم النائم شيئا او يصطدم بشيء فيعود الى الواقع رأسا . مثل الطالب الذي يحلم بأن الامتحان فاته ، فاذا استيقظ وجد الوقت لم يحن بعد .
هناك احلام ضد الاستيقاظ تجعل الواقع خيالا ، مثل جرس المنبه الذي يحوله الحلم الى سمفونية داخلة في حفلة احلام مثلا . و هذه تحدث اذا صار هناك مثير خارجي للاستيقاظ ، ولكنها ليست خطرا ، فالاحساس بالخطر يسبب رجوعا مباشرا للواقع .
هو يحاول ان يجعل الاحلام معرض رغبات ، كان عليه ان يسأل : هل تحقق الاستيقاظ بعد هذه الاحلام ام لا . وبما انهم ذكروها ، فربما تكون هي اخر الاحلام وهي التي استيقظوا بعدها . وهي التي تُذكر بالعادة .
هذا يشبه حال الحاقن ، فربما يحلم انه يتبول ، فتجده بعد هذا الحلم مباشرة يستيقظ و يذهب للتبول ، ولكنه لم يتبول وهو نائم ، وإلا لو كان تحقيق الرغبات هو الصحيح لكان تبول في الفراش . وهذا يثبت ان تحليل فرويد خاطئ للاحلام على اعتبار ان الحلم تحقيق رغبات كما يقول فرويد . طالما حقق الرغبات في الانتقام والجنس ، فلماذا لا يحققها في التبول ونحوه ؟
يتبع ..