لماذا يتكلف ويتعسف في تفسير الحلم باشياء لم تخطر على بال الحالم ، لا في الوعي ولا مرت بمشاعره اثناء الحلم ؟ لا شك ان هذه الطريقة طريقة سقيمة جدا في تفسير الاحلام .. لأن المشاعر موجودة في الاحلام وهو لم يشر الى هذه الناحية .. والمشاعر كافية لتفسير الحلم بدون هذا اللف والدوران .. لو كان الدافع جنسيا لشعر بالجنس .. وهناك احلام جنسية تأتي مباشرة و صريحة ، اذا فرويد فاشل في تفسير الاحلام ..
لا يوجد حلم بدون مشاعر .. بل ان المشاعر احيانا تظهر بدون حلم يرى او يسمع ، وهذا ما نسميه بالكوابيس ، او بعض صور الكوابيس ، حيث يستيقظ الانسان فجأة مفزوعا ، مع أنه لم ير ولم يسمع شيئا في حلمه .. إنها مشاعر خوف لم تنتظر حتى تأخذ من الذاكرة و تركب حلما ..
السؤال الاخر : لماذا يستعيد صورا قديمة ؟ الحلم عبارة عن شحنة شعورية ، تعبـّر عن حالة الشعور الراهنة ، وليس عن مشاعر سابقة قبل سنين ، لأنه يحلم الان وليس يحلم في ذلك الوقت ، ففي ذلك الوقت حلـُم بما يناسب مشاعره في ذلك الوقت وبما فيه الكفاية ..
و سؤال آخر : لماذا الاحلام بشكل يومي تقريبا ؟ ما هذا الا لأنها تعبر عن المشاعر الراهنة في هذا اليوم ، سواء كانت من غرائز دنيا ام عليا ، فالمشاعر ليست ثابتة على وتيرة واحدة ، و كل شعور لا يعود بنفس الصيغة والدرجة مرة اخرى .. والحلم الواحد لا يحمل شعورا واحدا فقط .
المشكلة هي ان من يفسرون الاحلام ، يهتمون بالصور والمشاهدات الخارجية ، اي انشغلوا بغير المهم و تركوا المهم ، ومن بينهم فرويد .. فهو لم يختلف عن المفسرين القدماء ، لأنه يقف على المشاهدات والصور في الحلم و يفسرها بطريقة مقننة وثابتة ، ولا يسأل عن المشاعر كيف كانت في الحلم .. ولا هو ولا غيره يهتمون بالمشاعر المصاحبة للحلم والهدف من وراء الحلم ، مع انها هي بيت القصيد ، ومن رايي ان هذه هي الطريقة التي نستفيد منها في فهم الحلم و فهم الرسالة التي يقدمها الحلم ، وهي هدف الحلم اصلا . وبالتالي نستفيد من احلامنا لتخبرنا عن مصادر قلقنا وعن مدى صحة مسيرتنا في الحياة من خطأها ، ولهذا يكون الحلم نعمة كبيرة على الانسان ، وخير مقياس للكشف عن حياته الداخلية ، لانه يسد الثغرة ، فالانسان وهو مستيقظ اكثر اهتمامه بالعالم الخارجي ، اذا متى سيهتم بعالمه الداخلي ؟ اذا نام .
بعبارة اخرى وبعكس ما تصور فرويد : اذا غابت رقابة العقل والحواس ، يلتفت الانسان الى نفسه ، ليخرج الشعور مكنوناته وحاجاته ونجاحاته وفشله وغاياته .. نحن نلاحظ الاحلام لا تعبث بالمشاعر وان كانت تعبث بالمادة ، و هذا دليل على ان المشاعر اهم عند الانسان من المادة ، فشخص تجله وتحبه لا يمكن ان تراه بشكل مزري في الحلم ، وشخص كان مهماً و كنت تخافه و تحذره ، استطعت ان تفهم ضعفه وتحس بقوتك عليه ، فلن تراه في الحلم بشكل مخيف و ذو مهابة كما كان ..
المشاعر لا تغش ولاتتناقض ولا تعبث .. اما الاشياء الخارجية والمادية فالشعور يمنتجها كما يشاء لكي تخدم رسالته ، فلا يعترف بفوارق المكان و الزمان ، فمن الممكن ان تجلس في الحلم على مقاعد الدراسة مع انك تخرجت منذ زمن ، و من الممكن ان ياتي بقريب لك توفي منذ زمن ويجعله معك في الفصل ، ومن الممكن ان يجعل من بيتك القديم مدرسة ، وفي نفس الوقت توجد غرفة نومك ، لكن الكلام على الرسالة التي يحملها الحلم ، لا تنشغل وانت تفسر الحلم بالاشياء المادية من صور واشكال واشخاص واماكن ، بل اهتم بالمشاعر التي انتظمت الحلم ، وهكذا تستطيع ان تفهم الحلم ..
الشعور ليس ماديا حتى يتخذ رموزا معينة ويستمر عليها ، بدليل ان اشياء معينة تاتي في اكثر من حلم بمشاعر مختلفة ، فمنظر البيت القديم مثلا ، قد ياتي في حلم بهيج ، و قد ياتي بحلم حزين ، و البيت هو البيت .. او يكون شخصا من الاشخاص ، قد تراه في حلم مفزع ، و قد تراه في حلم هادئ ، و قد تراه في حلم سعيد ، اذا المحور هو الشعور وليست الاشياء الخارجية ..
كلما تحترم الحلم أكثر كلما يصفو أكثر وكلما يبدأ بإخبارك بماذا تحتاج وحتى يرتب لك حاجاتك , وربما تصل الحالة الى التواصل مع شعورك عبر الاحلام ، بحيث يحل لك مشكلة عجزت ان تحلها في اليقظة ، بحيث تتحول الاحلام الى مصدر للعبقرية . فعلى حسب احترام الشعور الداخلي تبرز العبقرية في الاحلام ، وايضا يبتعد الحلم عن اللامعقولية وتأتي الأحلام واضحة و صافية . أما المشاعر المتضاربة والصور الغريبة التي تراها في الحلم ، فكأن الشعور يريد أن يثير من خلالها اهتمامك ويستفزك , وإذا احترمته يبدأ يتحول إلى أوامر واضحة, ولاحقا مع احترامك للحلم ستستطيع أن تطلب أن يأتيك شيء في الحلم وسيأتيك ..
ليست كل شمعة ترمز الى الجنس كما يتخيل فرويد ، فقد تاتي في سياقات متعددة . اليس الشعور هو الذي ينظم الحلم ويختار ما يشاء ليدخله في الحلم ؟ هذا الكلام يسقط كل معاجم تفسير الاحلام الجامدة والتي تفسر كل شيء مادي بتفسير معين مستمر وعند كل الاشخاص ، مثل من يفسرون الصندوق بالثروة مثلا ، ومثلما يفسر فرويد الشمعة بالعضو الجنسي ، ومثل ما يفسرون البئر بالزوجة ، ومثل ما يفسرون الافعى بالعدو ..
هذه تفسيرات ليست لازمة او دائمة ، بدليل انه قد يرى الانسان في منامه انه مع شخصية عظيمة ، لكن اذا نظرت الى السياق ، تجده يلعب معه ويتركه الى شخص آخر !
انتهت الحلقة الرابعة ..
وتتبعها الحلقة الخامسة بإذن الله ..