{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
استعراض لكتاب نادر للراغب الأصفهاني في الفلسفة الاسلامية
داعية السلام مع الله غير متصل
وما كنا غائبين ..
*****

المشاركات: 2,222
الانضمام: May 2005
مشاركة: #13
استعراض لكتاب نادر للراغب الأصفهاني في الفلسفة الاسلامية

الباب الحادي والعشرون ..

فيما يتعلق بالشرع من الأفعال


للإنسان ضربان من الأحوال لا ينفك منهما، ضرب لا يلحقه فيه محمدةٌ ولا مذمة ولا في جنسه تكليف وذلك شيئان، أحدهما أحوال ضرورية لا يمكنه أن يتفصى منها كنبض العرق والتنفس وما يجري مجراهما من الأحوال الضرورية.

والآخر ما يقع من الإنسان على سبيل السهو والخطأ وإن كان جنسه مقدوراً له وهو المذكور في قول النبي صلى الله عليه وسلم:

"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". وضرب تلحقه فيه المحمدة والمذمة وفي جنسه التكليف وذلك ثلاثة أشياء:

أحدها الأفعال المختصة بالجوارح كالقيام والقعود والركوب والمشي والنظر وكل ما يحتاج إلى استعمال الأعضاء فيه.

والثاني حفظ عوارض النفس كالشهوة والخوف واللذة والفرح والغضب والشوق والرحمة والغيرة وما أشبه ذلك.

والثالث ما يختص بالتمييز والعلم. وكل واحد من هذه الثلاثة أما أن يحمد عليه الإنسان أو يذم. فحمده أن تكون أفعاله جميلة وعوارض نفسه مستقيمة وقلبه ذكياً حتى يعتقد الحق ويقوي على معرفته إذا ورد عليه.

والمذمة تلحقه إن كانت على أضداد ذلك. والعبادات بهذه الأشياء الثلاثة تختص. ولله تعالى في كل فعل يتحراه الإنسان عبادة سواءٌ كان الفعل واجباً أو ندباً أو مباحاً، وتكون تلك العبادة مبينة أما ببديهة العقل أو بالكتاب أو بلسان النبي أو بإجماع الأمة أو بالاعتبارات والأقيسة المبنية على هذه الأصول بل ما من حكم إلا وكتاب الله ينطوي عليه كما قال الله تعالى:

)ما فرَّطنا في الكتاب من شيءٍ(.

عرفه من عرفه وجهله من جهله. وما من مباح إلا وإذا تعاطاه الإنسان على ما يقتضيه حكم الله تعالى كان الإنسان في تعاطيه عابداً لله مستحقاً لثوابه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعدٍ: "إنك لتؤجر في كل شيء حتى اللقمة تضعها في فيّ امرأتك". ومخاطبته لسعد بذلك لما عرف منه أنه يراعي في أفعاله حكم الله تعالى. وعلى هذا الوجه قال:

"ما من غرس غرساً لم يأكل منه شيئاً إلا كان له صدقة".

ومراعاة أمر الله في جميع الأمور دقيقها وجليلها مستحب للكافة وواجب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى كل من تقرب منزلته من منزلته لقول الله تعالى: )فاستقم كما أمرت ومن تاب معك(.





الباب الثاني والعشرون

في تحقيق العبادة

العبادة فعلٌ اختياريٌ للشهوات البدنية، تصدر عن نية يراد بها التقرب إلى الله تعالى طاعةً للشريعة.

فقولنا فعلُ اختياريٌ يخرج منه الفعل التسخيري والقهري ويدخل فيه الترك الذي هو على سبيل الاختيار، فإن الترك ضربان، ضرب على سبيل الاختيار وهو فعل.

وضرب هو العدم المطلق لا اختيار معه بل هو عدم الاختيار وليس بفعل. وبقولنا مناف للشهوات البدنية يخرج منه ما ليس بطاعة، وأما الأفعال المباحة كالأكل والشرب ومجامعة المرأة فليس بعبادة من حيث أنها شهوة ولكنها قد تكون عبادة إذا تحري بها حكم الشريعة، وإنما قيل تصدر عن نية يراد بها التقرب إلى الله تعالى لأنها إن خلت عن نية أو صدرت عن نية لم يقصد بها التقرب إلى الله تعالى بل أريد بها مراءاة لم تكن أيضاً عبادة، وإنما قيل طاعة للشريعة لأن من أنشأ من نفسه فعلا ليس بسائغ في الشريعة لم يكن عبادة وإن قصد به التقرب إلى الله تعالى، فالعبادة إذاً فعل يجمع هذه الأوصاف كلها.




الباب الثالث والعشرون


في أنواع العبادة من العلم والعمل

العبادة ضربان: علم وعمل.

وحقهما أن يتلازما، لأن العلم كالأُس والعمل كالبناء، وكما لا يغني أُس ما لم يكن بناء، ولا يثبت بناء ما لم يكن أسٌّ، كذلك لا يغني علم بغير عمل ولا عمل بغير علم، ولذلك قال الله تعالى: )إليه يصعد الكلم الطيّب والعمل الصالح يرفعه(.

والعلم أشرفهما لكن لا يغني بغير عمل، ولشرفه قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أيما الأعمال أفضل يا رسول الله? فقال: "العلم" فأعاد عليه السوال فقال: "العلم" فقال الرجل في الثالثة: اسألك عن العمل لا عن العلم. فقال عليه السلام: "عمل قليل مع العلم خير من عمل كثير مع الجهل"

وقال عليه السلام: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". فالعلم ضربان: نظري وعملي، فالنظري ما إذا علم كفى ولم يحتج فيه بعده إلى عمل كمعرفة وحدانية الله تعالى ومعرفة ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ومعرفة السموات وما أشبه ذلك.

والعملي ما إذا عُلم لم يغن حتى يعمل به كمعرفة الصلاة والزكاة والجهاد والصوم والحج وبرّ الوالدين. والأعمال ثلاثة أضرب:

منها ما يختص بالقلب، ومنها ما يختص بالبدن، ومنها ما يشارك فيه البدن القلب. والعلم أيضاً إذا نظر إليه وهو مكتسب فاكتسابه عمل وإذا نظر إليه وقد اكتسب وتصوّر في القلب خرج في تلك الحال عن أن يكون عملاً. ومن وجه آخر ضربان:


واجب وندب فالواجب يقال له العدل والندب يقال له الإحسان وهما المذكوران في قول الله تعالى: )إن الله يأمر بالعدل والإحسان(


فالفرض والعدل تحري الإنسان لما إذا عمله أثيب وإذا تركه عوقب. والندب والإحسان تحري الإنسان لما إذا عمله أثيب وإذا تركه لم يعاقب والإنصاف من العدل والتفضل من البر والإحسان، فالإنصاف هو مقابلة الخير من الخير والشرّ من الشرّ بما يوازيه، والتفضل والبر هو مقابلة الخير بأكثر منه والشر بأقل منه.


فالإحسان والتفضل احتياط في العدالة، والإنصاف ليؤمن به من وقوع خلل فيه وذلك إذا زدت في إعطاء ما عليك ونقصت في أخذ ما لك فقد احتطت وأخذت بالحزم، كدفع زيادة زكاء إلى الفقير وترك ما أُحل لك أن تتناول من مال اليتيم. فالعدالة إن كانت جميلة فالتفضل أحسن منها. ولذلك قال تعالى فيمن استوفى حقه فتحرى العدالة:

)وَلمَن انتصر بعد ظلمه فأُولئك ما عليهم من سبيل( وقال سبحانه بعده: )وأن تعفوا أقرب للتقوى(. وقال عز وجل: )ولا تنسُوا الفضل بينكم(. إشارة إلى أن الإحسان حسن والتفضل أحسن

وقال عز وجل: )للذين أحسنوا الحسنى وزيادة( فالإنسان إنما يكون محسناً متفضلاً بعد أن يكون عادلاً منصفاً. فأما من ترك ما يلزمه ثم تحرى ما لا يلزمه فإنه لا يقال له متفضل ولا يجوز تعاطي التفضل إلا لمن كان مستوفياً وموفياً لنفسه، فأما الحاكم المستوفي والموفي لغيره فليس له إلا تحري العدالة والنَّصَفَةَ.


فصل

العلوم من حيث الكيفية ضربان تصور وتصديق فالتصور هو أن يعرف الإنسان معنى الشيء صحَّ عنده ذلك بدلالة أو لم يصح كمن عرف الصلاة وشرائطها وإن لم تثبت صحتها عنده بدلالة والتصديق هو أن يتصور الشيء ويثبت عنده بدلالة تقضي صحته.


والتصديق على ثلاثة أضرب:

أما بغلبة الظن وهو أن يكون عليه دلالة وقد يعترضها شُبه توهنها وتبطلها، قال الله تعالى: )إذا مسَّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون(.

وأما بعلم اليقين وهو أن يصير بحيث يعلم ويعلم أنه يعلم ولا تعترضه شبه توهنه كالعلم مثلاً بأن ثلاثة وثلاثة ستةٌ وأنه لا يصح أن تكون أكثر من ذلك أو أقل، قال الله تعالى: )إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا(.

وأما بعين اليقين وهو أن يرى بعقله الشيء ويعانيه ببصيرته في حال اليقظة والنوم، وقد نبه الله تعالى على هذه الوجوه بقوله: )كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترونّض الجحيم ثم لترونَّها عين اليقين(. فأما التصورات المجردة فالعامة الذين قال الله تعالى فيهم: )ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستبطونه(.

وأما غلبة الظن فللعامة الذين مدحهم الله بقوله: )والذين يظنون أنهم ملاقو ربهم(. وأما علم اليقين فللخاصة. وأما عين اليقين ففي الدنيا للأنبياء ولبعض الصديقين. وإلى نحوه أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "تنام عيني ولا ينام قلبي" وبقوله: "إني أرى من خلفي كما أرى من قدامي".

قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: لو كشف الغطاءُ ما ازددت يقيناً. وقال بعض الحكماء: علم اليقين يحصل للعقل بالفكر والذكر فإن العقل بفكره أي ببحثه يدرك المعارف وبذكره يستحضرها إذا نسيها وغفل واشتغل عنها وبذهنه ينظر إليها دائماً كما ننظر نحن إلى محسوس غير غائب عن أبصارنا بلا حاجة إلى بحث وطلب وتفكر وتذكر، وكذلك قيل الإنسان يعقل فينظر إلى الحق بالفكر، والملائكة دائماً ينظرون إليه بالذهن من غير حاجة إلى تفكر وطلب.


فصل

للإنسان في استفادة العلم وإفادته ثلاثة أحوال: حال استفادة فقط، وحال استفادة ممن فوقه وإفادة لمن دونه، وحال إفادة فقط، وقلَّ من يستحق أن يوجد مفيداً غير مستفيد، ففوق كل ذي علم عليم إلى أن ينتهي الأمر إلى علام الغيوب فقد نبه الله تعالى على الحاجة إلى الاستفادة بما حكاه من قول موسى عليه السلام لصاحبه: )هل اتبعك على أن تعلمني مما عُلّمت رشدا(


ونبه بما ذكر في قصة سليمان عليه السلام عن الهدهد بقوله: )أحطتُ بما لم تحط به علماً(. إن الكبير قد يفتقر إلى الصغير في بعض العلوم فإذاً الإنسان ما دام حياً يجب أن لا يخرج من كونه مستفيداً ومفيداً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الناس عالم ومتعلم وما سواهما همج".



يتبع ..



12-08-2005, 03:10 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
استعراض لكتاب نادر للراغب الأصفهاني في الفلسفة الاسلامية - بواسطة داعية السلام مع الله - 12-08-2005, 03:10 AM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  قناة نادر جنيد الوطن العربي 2 1,209 02-10-2013, 07:27 PM
آخر رد: مؤمن مصلح
  الهيروغليفية الاسلامية ومعركة سورية.. الاغتيال الثاني للشيخ حسن البنا أم انقاذه؟ فارس اللواء 0 897 07-20-2012, 01:13 AM
آخر رد: فارس اللواء
  موسم التزاوج بين الراديكالية الاسلامية والاشتراكية fares 8 2,755 05-23-2012, 05:14 PM
آخر رد: fares
  أزمة الحداثة الغربية وإبداع الحداثة الإسلامية مراجعة لكتاب: روح الحداثة فارس اللواء 11 2,075 03-06-2012, 09:07 PM
آخر رد: فارس اللواء
  حول موت الفلسفة .. الــورّاق 2 1,106 12-19-2011, 06:12 PM
آخر رد: فلسطيني كنعاني

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS