عزيزي الدارقطني،
أعتذر لتأخري في العودة إلى هذا الموضوع وذلك بسبب انشغالي. لكنني لم أنسه ولم أتغاضى عنه.
أكثر ما لفت انتباهي في تعليقك على مداخلتي، هو روعة تعليقاتك ودقتها ومعالجتها لنقاط جداً أساسية ومحورية في موضوع الثالوث الأقدس.
لقد تبيّنتُ أيضاً من خلال تعليقك أنك تفهم تماما ما أقوله، وتعي جيداً النقاط المشتركة بين مفهوم الله كما قدمه لنا المسيح يسوع، وبين مثال الشمس، الذي رغم كونه ناقصا للفارق بين الله العاقل والشمس غير العاقلة ، إلا أنه يبقى مثالاً صالحاً لتقريب الصورة.
وهذا هو الغرض من المثال، أي: تقريب الصورة الغامضة للأذهان بصورة سهلة يمكن استيعابها مع حفظ الفوارق. فالله أزلي-أبدي، عاقل، لا انفصال فيه ولا تجزيء ولا تغير ولا تبديل، إلخ.
اقتباس: الدارقطني كتب
أرى مثالك هذا لا يصح بحال وبغض النظر عن معتقدك..
وذلك لأمر وجيه ووجيه فيما أراه جدا ألا وهو:
أن الشمس جماد لا إرادة لها (طبعا هذا في التعريف العلمي وفيما نعرف وبناء عليه كان المثال)
والذات الإلهية كاملة الإرادة ولا تحتاج لأمر من أحد..
قد تضرب مثالا في شعاع الشمس على النور الإلهي الذي وهبه للكون..
قد تضرب مثالا للقمر عن الجمال الإلهي في هذا الكون..
يعني..
لك أن تضرب أمثلة مجازية لا أكثر ولا أقل..
أما أن تجعلها صورة حقيقة للإله فلا أظنها تصح بحال..
لا سيما في مسألة الإرادة..
طبعاً، كما أسلفت، مثال الشمس ممتاز ودقيق للتعبير عن الثالوث المسيحي في الله الواحد، ينبغي حفظ الفروقات وهي التي أسلفتها من عقلانية الله ولا عقلانية الشمس وخلافه.
اقتباس: الدارقطني كتب
ثم حتى لو سلمنا بهذا المثال وفرضنا أن الذات الإلهية شمس من هذه الشموس..
والشمس في حقيقتها كرة ملتهبة يصدر عنها شعاع مضيء وحرارة نافعة للجميع..
إذا الجوهر الأساس في هذا المدار هو الشمس الملتهبة التي يصدر عنها الضوء والحرارة..
ولولاها ما كان نور ولا دفء ..
إذا الكيان الأصل أعلى شأنا من بقية الأجزاء أو الأقانيم..
وهذا الاعتراض يا صديقي صحيح جدا وفي محله.
فالمسيح نفسه أعلن قائلا: الآب أعظم مني.
فكما أن قرص الشمس أعظم من النور والحرارة لأنه مصدرهما وهما عنه منبثقين وبه متعلقين، كذلك الابن والروح في الله عن الله الآب منبثقين وبه متعلقين. فالآب هو مصدر الابن والروح. فالعظمة هي عظمة الأسبقية والمصدر.
اقتباس: الدارقطني كتب
ثم إن هذا الشعاع ما هو إلا أثر للكرة الملتهبة تلك وليس جزء منفصلا عنها..
ولكن الكلمة كانت مع الآب بوصفكم ثم غادرت لتكفر عن البشرية خطيئتها..
وهذا بالتالي يُفسد المثال بل يجعل الآب بلا صلاحية لا سيما حال مغادرة الكلمة له..
أبداً يا صديقي، الابن لم ينفصل أبداً عن الآب. وقد أوضح المسيح ذلك بقوله: "أنا والآب واحد". "لآب فيَّ وأنا في الآب". وأيضا: من رآني فقد رأى الآب".
وكما أسلفنا، لا يمكن أن يحدث تغيير في الله وإلا ما عاد الله إلهاً.
وعليه، فقولك
اقتباس:وهذا بالتالي يُفسد المثال بل يجعل الآب بلا صلاحية لا سيما حال مغادرة الكلمة له..
يعني صار على هذا المثال أبكم لا يتكلم إلا بما يتكلم به الجسد البشري..
وصار مدار الكون على كلمته التي تجسدت..
وبالتالي فإن الكون كله كان متروكا بلا سُلطة أثناء هذا التجسد..
هو قول خارج السياق تماما.
تحياتي القلبية