هناك أزمة ثقافة تفجع المسلمين ببعض بني جلدتهم، ممن يتكلمون بألسنتهم، لولا أنهم يولون وجوههم شطر المشرق والمغرب، ويستنكفون عن توجيهها شطر المسجد الحرام!!


في ثقافتنا العربية والإسلامية وحتى ماقبل فترة الاستلاب والبعثرة التي يعيشها كثير من المتمسلمين في ديارنا، كان هناك إجماع على أن البلوغ هو سن التكليف الإنساني، وأن الطفل يراهق قبل أن يبلغ، لا بعد بلوغه، وأنه منذ أن يبلغ فهو إنسان حر مكلف مميز سيد قراره، لا قاصرا يدار أمره من قبل الآخرين رغم أنفه!

حين كانت ثقافتنا كذلك، نشرنا رسالتنا بكل قوة وصلابة، وفتحنا أنحاء المعمورة، حتى انطلقت أولى جيوش دولة النبوة صوب بلاد الشام تحت قيادة رجل عظيم يسمى في عرف المستغربين قاصرا! وما قصرت والله إلا عقولهم!
أسامة بن زيد لم يكن قاصرا وقد رشحه النبي الأعظم لقيادة جيش فيه كبار قادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم...
محمد بن القاسم الثقفي ليس قاصرا حين فتح السند، ولكن قاصري العقل يرمونه بدائهم وينسلون ويزعمون أنه كان قاصرا حينها!!!

علي بطل خيبر لم يكن قاصرا يوم الأحزاب ولا يوم خيبر، بل كان أشجع الفوارس بلا منازع، ولكنه في عرف القاصرين كذلك!!

وفي ثقافة التصغير والقصور التي استسلمنا لها، غدت أجيال أمتنا تتجاوز الأربعين من عمرها، وهو سن يبلغ الإنسان فيه أشده، ويبدأ بالتحول من الشباب إلى الكهولة، بينما القاصر المستلب يمشي الهوينى في كنف والديه زاعما أنه غير مستعجل فلابد أن يكون نفسه!!!

باختصار فإنن ثقافتنا رسخت بأن البالغ ليس قاصرا، وبينت للدنيا يوم كانت للأمة رسالتها وطاقاتها، أن الشباب البالغين ليسوا بالقصر، ولم يكن تفوق شباب الأمة -ممن يحلو للبعض بتمسيتهم بالقاصرين- في الميدان العسكري وحده، بل أكثرنا يعرف أن إمام الأئمة في العراق صاحب أبي حنيفة النعمان، وأستاذ الشافعي، لم يكن يتجاوز السابعة عشر حين وضع سيره في عدة مجلدات، ألا وهو محمد بن الحسن الشيباني...

لست في معرض رصد هؤلاء الذين يرميهم القصر بدائهم، وكلهم قمة من قمم الإبداع والعطاء في تاريخنا:
سلمة بن الأكوع، معاد ومعوذ ابني عفراء في بدر، أبناء الخنساء في القادسية، والقائمة أكبر من أن أحيط بها...


هذه نقطة خلاف جوهرية تتعلق بعنوان الموضوع، فهل حقا يمكننا أن نسمي المراهق باللقاصر غير المكلف قاونينا وشرعيا، وكم كلف الأمة مثل هذا التوصيف في حماية مجرمين عتاة عاثوا في الأرض فسادا، تحت ذريعة قصورهم ورفع القلم عنهم إلا من إصلاحيات تدللهم بطريقة فيها شيئ من المكافأة غير المنطقية على ما أفسدوه!!

نقطة الخلاف الأخرى تتعلق بموضوع الشذوذ وهو قيمة غير مفهومة بعيدا عن هوية مجتمعاتنا وتقاليدها ومكتسباتها الدينية، وأصيل الفطرة التي نشأنا جميعا عليها..

وحين تنتكس الفطرة، ويصبح المعروف منكرا، والمنكر معروفا، يتكرر في الأمة مشهد الساقطين الأولين ممن كانوا يأنفون الطهارة، ويحترمون الشذوذ، ويقولون بكل صفاقة: (أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون)!!!

نعم الشذوذ جريمة في مفهومنا القومي والديني، بل هو جريمة في المفاهيم الإنسانية الصافية جميعا قبل أن تغشاها لوثة اللبرلة والمركسة والإباحية!!

وهو جريمة تستأهل أكبر درجات العقوبة ردعا للمستخفين بالحرم، عقوبة من الله ونكالا بما فعل الآثمان...

وإذا كانت لوثة البعض أنهم يخلطون بين الحرية والفوضى، أو بين الجريمة والحق، فما نرى أن الأمر يقف معهم في الإنكار على هذه العقوبة بخصوص هذا الجرم فقط! وإنما هم يتنكرون لكل عقوبة تتعلق بمجرم، بينما يستاهلون في معاقبة آخرين، قصر -في مفهومهم- وناضجين، يمارسون حقهم في معارضة نظام مستبد، أو دولة طاغية متفرعنة تريد ألا تري العالم إلا ما ترى زاعمة أنه سبيل الحرية والرشاد!!!

القضية ليست إيران أو السعودية أو السودان..
ولا هي عقوبة الشذوذ أو القتل أو السرقة
ولا هي من هو القاصر ومن هو الناضج

مع أنها جميها أمورا محسومة في ثقافتنا إلا لمن ينكر جلده ويزرع في صدره قلبا غربيا صناعيا متحجرا!

القضية بصراحة ترتبط بمفهوم شاذ، يرى أن حقوق الإنسان تتعلق به حين ينحرف عن إنسانيته كنحو جريمة أو شذوذ وانحطاط، بينما هي هي ذات الأسماء المتلبرلة والمتمر كسة في منطقتنا تذود عن حق المستبد والمستعمر في معاقبة آخرين وحرمانهم وتقييد حرياتهم واغتصاب حقوقهم، وفق فلسفة إقصائية لا تعترف بالآخر مع أنها ترفع لواء هذا الاعتراف!!!

واسلموا لود واحترام(f)