[CENTER]الوضع متضعضع في كلية الطب[/CENTER]
اذا دخلت كلية الطب معتقداً انك في المكان الطبيعي الذي يخرج العظماء من امثال الدكتور "مجدي يعقوب" أو مجموعة من العلماء الوظيفيين الذين يشرفون اسم مصر بابحاث مقبولة في المحافل الدولية ، او حتي كوادراً طبية قادرة علي صيانة صحة المصريين والحفاظ عليها بشكل مقبول فانت متفائل جداً ، فسريعاً ستكشف لك الكلية عن وجهها الالعباني البهلواني ، وستري بنفسك انها اقرب لاي شئ منها لكلية طب ، فهي تصلح داراً لعروض الازياء ، تتنافس فيها ماركات "الأوت كتور" مع الايدي البارعة لمصففي الشعر لتصميم كرنفال براقٍ من قماش مختلفاً الوانه يسر الناظرين ، ولكنهم ناظرين لا يبحثون عن كلية طب بالطبع.
وقد تصلح مسرحاً لعرض المأساة الانسانية التي تتمثل في قرابة الالف طالب يحشرون في مشارح ومعامل ، وعنابر ، ومتاحف ، ومدرجات صممت لربع هذا العدد وربما اقل ، ولهذا فقد تفوجئون بمناظر تلهمكم مقدار المأساة التي يعيشها هذا البلد ، من نوع طالب يقف علي كرسي ليتعلم تشريح جسم الانسان ، وطالب –ورائه- يقف علي كرسي وضعه علي كرسي اخر ، ليتعلم تشريح جسم الانسان ، بل –ولا تتعجبوا - قد تجدون طالباً يقف ورائهم يضع كرسياً فوق كرسي فوق كرسي ثالث ليتعلم تشريح جسم الانسان!
فاذا طار قلبك شعاعاً مما رأيت ولكنك كنت لازلت تريد استكمال تعليمك الطبي ، فستلجأ لأخذ كورس ، وغالباً ما ستضطر ان تأخذ كورساً ، فكأي قطاع خاص يهتم الشارحون في الكورسات بمقدار معين من الجودة ، والجودة هنا ليست جودة التعليم بل هي جودة تحفيظ الطلاب وتعليمهم حركات والاعيب "المرور" من الامتحان مع "الحلاقة" المعتبرة للعلم ، ويختلف مستوي الطلاب بنوع الحلاقة التي حلقوها للعلم ، ان كانت فرساتشي ام علي قدام ام علي ورا ام زيرو خالص تاركاً دماغه قاعاً صفصفاً فيتخرج من الكلية وحصيلته من العلم كحصيلته عندما دخلها اول مرة : زيرو .
فبين المأساة الانسانية في كلية لا تستطيع استيعاب ابنائها وبين كورسات لاتهتم الا بالامتحان ، يتخرج طالب الطب ليبدأ التعليم الحقيقي –تخيلوا- في حياته العملية ذاتها وعلي حساب صحة المصريين الغلابة الذين يدفعون الفاتورة مرتين: مرة بإمراضهم وسرطنتهم وسومهم سوء العذاب والمرة الاخري عندما يدفعون ضرائب لتمويل مؤسسات لاتخّرج كوادراً قادرة علي انقاذهم من هذا المرض . فالكلية اضحت "سبوبة" اقرب منها لمؤسسة علمية محترمة والكل فيها يبحث عن "اللحلوح " ، اللحلوح هو الذي سيجعلك تجلس امام الاستاذ الذي سيعلمك ملاعيب شيحة التي ستقفز بها من علي الامتحان دون ان تضيع وقتك الثمين في الاهتمام بشئ تافه اسمه العلم ، واللحلوح ايضاً هو ما سيجعلك تضربها جل وتلبس تي شرت ابيض مرسوم عليه علامة بيس ( الدايرة اللي فيها حرف واي بالمشقلب ) وتقف لتتحدث مع الشقراء الفاتنة –او التي تصبغ شعرها اصفر ، لايهم – في احد اركان الكلية وليذهب العلم والمرضي ومعاناتهم الي جهنم ويبحث عن اللحلوح ايضاً المريض المزمن الذي يؤجر عاهته لطلاب الكلية لكي يتعلموا عليها بدلاً من الاحتكاك بمرضي حقيقيين يماثلون من سيعالجونهم في المستقبل ، ويبحث عنه الفراش الذي يؤجر لك الكرسي الذي ستجلس عليه في المحاضرة اذا ملقتش مكان في المدرج الذي ضاق علي وسعه بالطلاب ، كما يبحث عنه الاستاذ –او مجموعة الاساتذة- الذين الفوا كتاباً ويغصبون عليك ان تشتريه ولهم الامر من قبل ومن بعد اذ انهم هم واضعو الامتحان ومصححوه ومراجعوه . وبلحلوح اخير للفراش تستطيع تسريب مذكرة امتحان الي حمام لجنتك والاستئذان لدخول الحمام -وسط الامتحان- لتراجع منهجك مراجعه اخيرة خاطفة بينما المراقبين خاشعة ابصارهم ترهقهم ذلة من فرط ما سهروا ليجمعوا اللحاليح امس ، ولا تسلوني عن مستوي الطبيب المصري بعدها فالوضع متضعضع في كلية الطب.