{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
هل تنكر وجود الله؟.. إذن فأثبت لي أنّك أنت موجود!!
قعقاع غير متصل
عضو فعّال
***

المشاركات: 97
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #25
هل تنكر وجود الله؟.. إذن فأثبت لي أنّك أنت موجود!!
نواصل مع هارون يحيى:
نسبية الزمن وحقيقة القدر:
يتضح لنا من كل ما سبق أنه لا يوجد في الواقع "مكان ذو ثلاثة أبعاد"، وإنما هو حكم ينبع تماما من الإدراك الحسي ومن الشعور، وأن المرء يقود حياته كلها في "اللامكان".. وتوكيد عكس ذلك ما هو إلا إيمان بالخرافات بعيد عن المنطق والحقائق العلمية، حيث لا يوجد دليل واضح على وجود عالم مادي ذي ثلاثة أبعاد.. وتبطل هذه الحقيقة الفرضية الأولى للفلسفة المادية التي تشكل الأساس لنظرية التطور، والتي تفترض أن المادة حقيقة مطلقة وأبدية.. أما الفرضية الثانية التي تعتمد عليها الفلسفة المادية فهي كون الزمن حقيقة مطلقة وأبدية، وهذه أيضا خرافة مثل السابقة.

إدراك الزمن:
إن الإحساس الذي نطلق عليه الزمن، هو في الواقع نظام يتم فيه مقارنة لحظة بأخرى، ويمكننا شرح ذلك بهذا المثال: إذا ما نقر شخص جسمًا ما فسيسمع صوتًا معينًا، وإذا ما نَقر هذا الجسم نفسه بعد خمس دقائق فسيسمع صوتًا آخر، وبالتالي يدرك المرء أن هناك فترة بين الصوت الأول والثاني، ويسمِّي هذه الفترة "زمنا".. إلا أنه عند سماع الصوت الثاني لا يكون الصوت الأول إلا خيالا في ذهنه أو مجرد معلومة في ذاكرته، فالمرء يشكل إدراكه "للزمن" عن طريق مقارنة اللحظة التي يعيشها بما هو موجود في ذاكرته، وإذا لم تتم هذه المقارنة فلن يكون هناك إدراك للوقت.
وبالمثل، يُجري المرء مقارنة عندما يرى شخصا يدخل من باب الحجرة ويجلس على مقعد في وسط تلك الحجرة، ففي الوقت الذي يجلس فيه الشخص في هذا المقعد تتجمع الصور المرتبطة بلحظات فتح الباب ودخول الحجرة والذهاب إلى المقعد، كل ذلك في شكل معلومات في الذهن.. وبالتالي فإن إدراك الوقت يحدث عندما يقارن المرء بين الشخص الجالس في المقعد وبين مجموعة المعلومات المتوفرة لديه.
وباختصار فإن الزمن يأتي نتيجة المقارنة بين مجموعة من الصور المختزنة بالذهن، فإن لم يكن للمرء ذاكرة، ما كان ذهنه ليقوم بهذه الاستنتاجات وبالتالي ما كان وُجد لديه أي إدراك للزمن.. والسبب في قول المرء إنه في الثلاثين من عمره هو تراكم معلومات مرتبطة بتلك الفترة في ذهنه، فلو لم تكن هناك ذاكرة لما فكَّر المرء في الفترة السابقة من حياته ولما عرف إلا اللحظة التي يعيشها.

التفسير العلمي للازمنية:
سنحاول الآن توضيح هذا الموضوع من خلال تقديم بعض من آراء العلماء والمفكرين الذين أدلوا بدلوهم فيه.. وعن تراجع الزمن يقول أستاذ علم الوراثة والمفكر المعروف والحاصل على ميدالية نوبل (فرانسوا يعقوب Francois Jacob) في كتابه «Le Jeu des Possibles» (لعبة الممكنات) ما يلي:
"إن عرض الأفلام للخلف جعل من الممكن أن نتخيل عالما يسير فيه الزمن للخلف، عالما ينفصل فيه اللبن عن القهوة التي في الفنجان، ويتطاير اللبن في الهواء ليرجع إلى وعائه، عالما تخرج فيه حزمة الأشعة من الجدران لتتجمع في مركز جاذبية، بدلا من الخروج من مصدر للضوء، عالما يسقط فيه حجر في كف شخص نتيجة تجمع عدد لانهائي من قطرات الماء تجعل الحجر قادرا على القفز من الماء. إلا أنه في مثل هذا العالم الذي تنقلب فيه معالم الزمن، ستنقلب بالتالي عمليات الذهن والطريقة التي تجمع بها الذاكرة المعلومات لتكون للخلف.. والشيء نفسه صحيح بالنسبة إلى الماضي والمستقبل، حيث سيبدو لنا العالم على ما هو عليه تماما" (190).
وحيث إن أذهاننا اعتادت تسلسلا معينا من الأحداث، فإن العالم لا يعمل بالطريقة التي وصفناها سابقا، ونحن نفترض أن الزمن دائما يسير إلى الأمام، إلا أن هذا استنتاج نسبي توصلت إليه الأذهان، فنحن في الواقع لا نعرف كيفية مرور الزمن أو حتى إذا كان يمر أم لا، وهذا مؤشر إلى أن الزمن ليس حقيقة مطلقة وإنما هو مجرد نوع من الإدراك.
ونسبية الزمن هي حقيقة قام بإثباتها (آينشتاين) الذي يعتبر أكبر عالم فيزيائي في القرن العشرين.. وقد كتب (لينكولن بارنت Barnett Lincoln) في كتابه:The Universe and Dr. Einstein (الكون وآينشتاين) عن هذا الموضوع ما يلي:
"ومثل الفراغ المطلق، تجاهل آينشتاين مفهوم الزمن المطلق الذي هو زمن عالمي يمر بشكل مستمر وثابت، ويمر من الماضي اللانهائي إلى المستقبل اللانهائي.. وينبع كثير من الغموض الذي يحيط بنظرية النسبية من رفض الإنسان الاعتراف بأن الإحساس بالزمن- شأنه شأن الإحساس باللون - هو نوع من الإدراك.. ومثلما يعتبر الفضاء منظومة من الأجسام، فكذلك يعتبر الزمن منظومة من الأحداث.. وأفضل العبارات التي تصف ذاتية الزمن هي عبارة آينشتاين: "تبدو لنا خبرات الفرد على شكل سلسلة من الأحداث، وما نتذكره من أحداث منفردة في هذه السلسلة مرتب حسب معيار "ما قبل" و"ما بعد".. فللفرد زمن هو "زمني أنا"، أو زمن ذاتي، وهذا الزمن لا يقاس في حد ذاته.. ويمكنني بالفعل إنشاء علاقةٍ ما بين الأحداث والأرقام، بشكل يجعل الرقم المرتبط بحدث لاحق أكبر من الرقم المرتبط بحدث سابقٍ عليه" (191)
ويوضح آينشتاين على حد تعبير بارنت: "أن كلا من الزمن والفضاء هو شكل من أشكال الفطرة لا يمكن فصله عن الوعي، مثلما هي الحال مع مفاهيم اللون والشكل والحجم.. وبناء على النظرية النسبية، فإن الزمن ليس له وجود مستقل بمعزل عن تسلسل الأحداث التي نقيسه بها" (192)
وحيث إن الزمن يعتمد على الإدراك فهو يعتمد بشكل كامل على الشخص، وبالتالي فهو عملية نسبية.
وتتغير سرعة مرور الزمن حسب المعايير التي نعتمدها في قياسه، إذ لا توجد في جسم الإنسان ساعة طبيعية يقيس بها سرعة الزمن بشكل محدد.. وكما قال (لينكولن بارنت Lincoln Barnett) "مثلما أنه ليس هناك شيء اسمه لون بدون عين تميز هذا اللون، فليس هناك شيء يسمى لحظة، ولا ساعة، ولا يومًا، إذا لم يكن هناك حدث يحدد الزمن".(193)
وتظهر نسبية الزمن في الأحلام بشكل أوضح.. فبالرغم من شعورنا بأن ما شاهدناه قد استغرق ساعات وساعات، فإنه في الواقع قد استغرق مجرد دقائق وربما ثوان.
ولننظر إلى هذا المثال حتى نتعرف على الموضوع بشكل أوضح: لنفترص أننا وُضعنا في حجرة ذات نافذة واحدة مصممة تصميما خاصا، ولنفرض أننا أمضينا بها فترة معينة من الزمن، وأنه وُضعت ساعة على الجدار لمشاهدة ما مضى من الزمن.. وفي الوقت نفسه، نشاهد من النافذة الشمس وهي تشرق وتغرب في فترات معينة.. فبعد مرور بضعة أيام، وبسؤالنا عن الوقت الذي أمضيناه في تلك الحجرة، سيعتمد جوابنا على تقييم المعلومات التي حصلنا عليها، من النظر إلى الساعة من وقت لآخر، ومن حساب المرات التي أشرقت فيها الشمس وغربت.. فعلى سبيل المثال، إذا حسبنا أننا مكثنا فيها ثلاثة أيام مثلا، و حضر الشخص الذي وضعنا في الحجرة وقال لنا إننا مكثنا في الحجرة يومين فقط، وأن الشمس التي شاهدناها هي شمس اصطناعية، والساعة التي وُضعت في الحجرة ساعة نظمت بشكل خاص لتعمل بشكل سريع، فلن يكون لحسابنا أية قيمة.
هذا المثال يؤكد لنا بوضوح أن معرفتنا لسرعة مرور الزمن إنما تعتمد على مرجعيات نسبية.. إن نسبية الزمن حقيقة مجردة ثبتت بطرق علمية.. فنظرية النسبية العامة لآينشتاين تؤكد أن سرعة الزمن تتغير حسب سرعة الجسم، وحسب بعده عن مركز الجاذبية.. فكلما زادت السرعة تناقص الزمن وتكثف وتباطأ حتى يبدو وكأنه يتوقف.
لنشرح هذا بمثال آخر ضربه آينشتاين نفسه:
"لنتخيل توأمين في العمر نفسه، أحدهما بقي على الأرض بينما قام الآخر برحلة فضائية بسرعة تقترب من سرعة الضوء.. عندما يعود التوأم من الفضاء سيجد توأمه أكبر منه سنا.. وسبب ذلك أن الزمن يمر بالنسبة إلى التوأم - الذي قام برحلة فضائية بسرعة تقترب من سرعة الضوء - بسرعة أقل كثيرا من سرعته على الأرض.. ويمكن تطبيق المثال نفسه على أب يعمل رجل فضاء وابنه الذي يعيش على الأرض، فلو كان عمر الأب 27 سنة عندما انطلق إلى الفضاء، وعمر الابن 3 سنوات، فعندما يعود الأب إلى الأرض بعد 30 سنة (بزمن الأرض)، فسيكون عمر الابن 33 سنة بينما الأب 30 سنة فقط" (194)
وجدير بالذكر أن نسبية الزمن لا علاقة لها بسرعة عمل الساعة أو بطئها، وإنما ترجع نسبية الزمن إلى التفاوت في فترات عمل كل الأجسام المادية التي تتناهى في الصغر حتى تصل إلى ما هو أصغر من الذرة.. وبعبارة أخرى، فإن قِصَر الزمن ليس مثل مشاهدة مشهد سينمائي بالتصوير البطيء، ولكن في ذلك النطاق الذي يقصر فيه الزمن، تكون ضربات القلب وانقسامات الخلايا ووظائف المخ أبطأ مما تكون عليه لدى الشخص الذي يتحرك بسرعة أقل على الأرض، فالمرء يمارس حياته اليومية ولا يلاحظ قصر الزمن.. وفي الواقع، لا يبدو ذلك القصر واضحا حتى تتم المقارنة.

النسبية في القرآن:
تفيد نتائج معطيات العلم الحديث أن الزمن ليس حقيقة مطلقة كما يزعم الماديون، ولكنه مجرد إدراك نسبي.. والشيء الأعجب من ذلك أن هذه الحقيقة التي لم يتوصل إليها العلم إلا في القرن العشرين قد تم نقلها إلى البشرية عن طريق القرآن الكريم قبل 14 قرناً من الزمان، ففي آيات القرآن عبارات تؤكد نسبية الزمن.
وفي كثير من آيات القرآن يمكن رؤية الحقيقة التي أثبتها العلم، وهي أن الزمن إدراك نفسي يعتمد على الأحداث والموقف والظروف، فعلى سبيل المثال يخبرنا القرآن أن حياة الإنسان كلها ما هي إلا زمن قصير.
(يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا) (الإسراء- الآية 52 )
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ...) (يونس- الآية 45)
وهناك آيات تشير إلى اختلاف الناس في إحساسهم بالزمن، فبعضهم قد يظن الفترة القصيرة جدا فترة طويلة جدا، وخير مثال لذلك هو الحوار الذي سيجري بين مجموعة من الناس يوم القيامة:
(قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض عَدَدَ سِنِينَ. قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بعض يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ ٭ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (المؤمنون - الآية 112-114)
وفي آيات أخرى يخبرنا القرآن أن الزمن تختلف سرعته باختلاف المكان:
{وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (الحج - الآية 47)
(تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة) (المعارج- الآية 4)
(يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأرض ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْه فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (السجدة- الآية5)
توضح هذه الآيات بما لا يدع مجالا للشك نسبية الزمن.. أما إخبار القرآن بهذه النسبية قبل 1400 سنة بينما توصل إليها العلم في القرن العشرين، فهو دليل على نزول القرآن من قِبل الله الذي يحيط بالزمان والمكان.
والعبارات التي يستخدمها القرآن في كثير من آياته تؤكد أن الزمن ما هو إلا إدراك، ويمكن لمس ذلك بوضوح في آيات القصص، فالقرآن يحدثنا في قصة أهل الكهف عن فئة مؤمنة غرقت في نومها أكثر من ثلاثة قرون، ثم يخبرنا أن تلك الفئة بعد قيامها من نومها ظنت أنّها لم يمضِ عليها في تلك الحالة إلا وقت قصير، ولم تستطع تقدير الزمن الذي نامته.
}فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا. ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} (الكهف- الآية 11-12)
(وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بعض يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ...) (الكهف- الآية 19)
ويعتبر الموقف المشار إليه في الآية التالية دليلا على أن الزمن في الحقيقة ما هو إلا إدراك نفسي.
(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بعض يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاس وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة- الآية 259)
وتبين لنا أيضا هذا الآية وبوضوح أن الله الذي خلق الزمن منزَّه عن الزمن.. أما الإنسان فهو مقيَّد بالزمن الذي قدره الله له.. فالإنسان لا يستطيع أن يعرف حتى مقدار الزمن الذي يقضيه في النوم.. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الزعم بأن الزمن حقيقة مطلقة (كما يرى الفكر المادي المنحرف) يعتبر زعماً غير عقلاني.

القـدر:
إن كون الزمن نسبيا يوضح لنا حقيقة مهمة أخرى.. فهذه النسبية متغيرة وغير ثابتة، إلى درجة أن فترة زمنية تبدو بالنسبة إلينا مليارات من السنين، قد تكون في بُعد آخر مجرد بضْع ثوان.. وبالإضافة إلى ذلك، فإن فترة طويلة من الزمن تمتد منذ بداية الكون إلى آخره، قد لا تستغرق ثانية أو أقل في بُعد آخر.
هنا يكمن لب القدر وحقيقته التي لم يدركها كثير من الناس، والتي لم يشأ الماديون فهمها، فالقدر هو علم الله التام بكل الأحداث الماضية والمستقبلية.. ويتساءل كثير من الناس عن كيفية معرفة الله للأحداث التي لم تقع بعد، مما يؤدي بهم إلى عدم فهم حقيقة القدر، "فالأحداث التي لم تقع بعد" هي أحداث لم تقع بعد بالنسبة إلينا فقط، أما الله فهو خارج عن الزمان والمكان، إذ هو خالقهما، فالماضي والحاضر والمستقبل، بالنسبة إلى الله شيء واحد، وكلها بالنسبة إليه حدثت وانتهت.
يتناول لينكولن بارنت كيف تقود نظرية النسبية العامة إلى هذه الحقيقة، وذلك في كتابه (الكون وأينشتاين).. ويرى بارنت أن الكون لا يمكن أن يطوَّق في سلطان شامل إلا بوجود ذهن كوني، ويقصد بارنت بالإرادة التي يسميها "الذهن الكوني" حكمة الله ومعرفته، الله المهيمن على الكون(195).. يعلم الله الزمن الذي نعيش فيه من أوله إلى آخره، تماماً مثلما نرى نحن أيضا أول مسطرة ما ووسطها وآخرها، وما بين ذلك من أجزاء.. أما البشر فيعيشون هذه الأحداث حينما يحين زمانها فقط، ويشهدون بذلك القدر الذي قدره الله لهم.
تجدر بنا الإشارة هنا إلى سطحية المفهوم الخاطيء للقدر، السائد في المجتمع، ومن جملة هذا المفهوم الخاطيء عن القدر، اعتقاد باطل بأن الله تعالى قد كتب قدرا للإنسان، إلا أن الناس يستطيعون أحيانا تغيير هذا القدر.. فعلى سبيل المثال، عندما يُشفَى شخص من مرضه ويتخلص من الموت، تجد الناس يطلقون عبارات مثل "لقد انتصر على قدره".. بيدَ أنه ليس في وسع أحد تبديل قدره، ومن تخلص من الموت، فقد تخلص منه لأنه مكتوب عليه أن يتخلص من الموت.. وما هو إلا خداع للنفس أن يقول الشخص "تغلبت على قدري".. فحين يقولون هذه الجمل لا يقولونها إلا لأنه مكتوب عليهم أن يقولوها، كما أن دخولهم في مثل هذه النفسية هو أيضا قدرهم المكتوب لهم.
إن القدر هو علم الله الأزلي، الذي يجمع جميع الأزمنة في آن واحد.. فكل شيء بالنسبة إلى الله المسيطر على كل الأزمنة والأمكنة مقرَّر ومكتوب في القدر، ونحن ندرك أن الزمن واحد بالنسبة إلى الله من العبارات القرآنية وأسلوب القرآن.. فبعض الأحداث التي ستجري في المستقبل بالنسبة إلينا هي حسب الأسلوب القرآني قد حدثت منذ زمن بعيد وانتهت.. فعلى سبيل المثال نجد الآيات التي تقرر محاسبة الله الإنسان يوم القيامة كلها جاءت في صيغة الماضي وأنها حدثت وانتهت:
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرض إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ. وَأَشْرَقَتْ الأرض بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} (الزمر)
أما الشواهد القرآنية الأخرى على هذا الموضوع فهي:
{وَجَاءَتْ كُلُّ نفس مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} (ق- الآية 21)
{وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} (الحاقة- الآية 16)
{وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ٭ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلاَ زَمْهَرِيرًا} (الإنسان- الآية 12-13)
{وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} (النازعات- الآية 36)
{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} (المطففين- الآية 34)
{وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} (الكهف- الآية 53)
وكما يتضح لنا، فإن الأحداث التي سنعيشها بعد الموت (من منظورنا)، قد وردت في القرآن على أنها أحداث جرت وانتهت، ذلك أن الله خارج عن حيز الزمن النسبي الذي نحن في داخله.. والله قد كتب كل الأحداث في اللازمان: فالناس قد مرت بكل هذه الأحداث.. أما كون كل صغيرة أو كبيرة تحدث بعلم الله وكلها مكتوبة في سجل، فالآية التالية تخبرنا به:
{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرض وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (يونس- الآية 61)

قلق الماديين:
ما تناولناه بالبحث في هذا الفصل عن أصل المادة، واللازمان، واللامكان، إنما هو في الواقع حقائق واضحة جدا، وكما سبق أن أشرنا، فإن هذه الحقائق ليست ضربا من الفلسفة ولا نموذجا فكريا، وإنما هي نتائج علمية لا يمكن إنكارها.. وبالإضافة إلى كونها حقيقة تقنية فإن العقل والمنطق لا يستطيعان تقديم أي أدلة في هذه القضية: فالكون بالكامل إنما هو وَهم بكل العناصر المكونة له والبشر الذين يعيشون فيه.. إنه مجموعة من الإدراكات الحسية.
يجد الماديون صعوبة في فهم هذه الحقائق، فلو عدنا إلى حافلة بوليتزر مثلا، نجد أنه بالرغم من أن بوليتزر نفسه يعرف جيدا أنه لا يمكنه تقنيا الخروج عن أحاسيسه، فإنه لم يستطع الاعتراف بهذه الحقيقة إلا في حالات معينة فقط، أي أن بوليتزر يرى أن الأحداث التي سبقت اصطدام الحافلة قد جرت في الذهن، أما بعد الصدام فقد خرج الحدث من الذهن فجأة إلى حيز المادية والحقيقة، فالخلل المنطقي هنا واضح للعيان، وهنا وقع بوليتزر في الخطأ الذي وقع فيه المادي (جونسون) القائل: "إنني أركل الحجر بقدمي، وقدمي تؤلمني، إذن هي موجودة".. فلم يستطع أن يفهم أن الشعور بشدة الصدمة إنما هو مجرد إحساس أيضا.
أما السبب الرئيسي الكامن وراء عدم فهم الماديين لهذه الحقيقة، فهو شعورهم بالخوف من النتائج التي سيواجهونها من فهمهم لهذه الحقائق.. ويوضح لينكولن بارنت أن هذا الموضوع قد "أدركه" بعض العلماء، حيث يقول:
"إذا كان الفلاسفة يختزلون كل الأجسام المادية إلى عالم ظلي من الإدراكات الحسية، فقد أصبح العلماء على وعي بالتقييدات المثيرة للقلق لحواس الإنسان" (196)
إن أي إشارة إلى حقيقة أن المادة والزمن هما مجرد أحاسيس يثير الخوف في الشخص الماديّ، وذلك لأن هذه هي المفاهيم التي يتمسك بها وبشكل ما يؤلهها لإيمانه أنه خُلق من المادة والزمن (عن طريق التطور).. وإذا ما شعر المادي أن الكون الذي يعيش فيه، والعالم، وذاته، وغيره من الناس، والفلاسفة الذين تأثر بأفكارهم ـ إذا شعر أن كل ذلك إحساس لا غير، فإن الرعب والهلع يستوليان عليه، فكل ما وثق به، واعتمد عليه، ولجأ إليه يتلاشى فجأة.. في الواقع إنه يعيش الآن ما سيعيشه يوم الحساب، عيشة الذي لا حول له ولا قوة كما ورد في الآية التالية:
{وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (النحل- الآية 87)
وهكذا فإن المادي يسعى إلى إقناع نفسه بوجود المادة، ويحاول البحث عن أدلة لذلك مثل لَكْم الجدار، وضرب الحجارة بقدميه، والصراخ، إلا أنه لن يستطيع أبدا الهروب من الحقيقة.
ومثلما يسعى الماديون إلى إلغاء هذه الحقيقة من أذهانهم، فهم يريدون أيضا إبعاد الناس عنها، ذلك أنهم يعرفون جيدا أن الناس إذا ما أدركوا حقيقة المادة، ستظهر بدائية فلسفتهم هم أنفسهم، وستتضح جهالة آرائهم، ولن يبقى هناك أي مجال لبث أفكارهم.. هذا هو السبب الحقيقي لقلقهم وتخوفهم، ويقول الله إن مخاوف الذين لا يؤمنون ستزداد في الآخرة، ففي يوم القيامة يقال لهم:
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} (الأنعام- الآية 22)
أما الكافرون فإنهم سيشهدون ممتكاتهم، وأولادهم، وأخلاءهم - الذين ظنوا أن لهم وجودا حقيقيا وجعلوهم شركاء لله - يفرون منهم، ويهلكون كما أخبرت الآية التالية:
{انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (الأنعام- الآية 24)

مكسـب المؤمنين:
إذا كانت حقيقة أن المادة والزمن هما إدراك حسي تثير الرعب لدى الماديين، فالعكس هو الصحيح بالنسبة إلى المؤمنين، فالمؤمنون يشعرون بالسعادة عندما يدركون السر وراء المادة، ذلك أن هذه الحقيقة هي المفتاح لجميع الأسئلة، فالمرء الذي ربما يجد صعوبة في الأحوال العادية في فهم كثير من الموضوعات يستطيع فهمها بفضل هذه الحقيقة.
وكما قلنا آنفا، فإن إدراك السر الذي وراء المادة يسهل فهم حقائق مثل الموت والجنة والنار والآخرة والأبعاد المتغيرة وغيرها، كما يعطي بسهولة الإجابة على أسئلة كثيرة مهمة منها، "أين الله"، و"ماذا كان قبل الله"، و"مَن خلق الله"، و"كم تستغرق حياة القبر"، وأين الجنة والنار"، و"أين الجنة والنار في الوقت الحالي".. كما أن هذه الحقيقة تساعد في فهم كيف خلق الله الكون من العدم وبأي نظام خلقه، حتى إن إدراك هذا السر يجعل أسئلة كثيرة مثل "متى"، و"أين"، أسئلة فارغة لا معنى لها، حيث لا يبقى عندئذ زمان ولا مكان.. وإذا ما فُهم اللامكان فسيُفهم أن الجنة والنار والدنيا كلها توجد في المكان نفسه، أما إذا ما فهم اللازمان فسيفهم أن كل شيء يتم في لحظة واحدة: لا يتم انتظار أي شيء ولا يمر الزمن لأن كل شيء قد حدث وانتهى.
بإدراك هذا السرّ ستبدو الدنيا للإنسان المؤمن مثل الجنة، ويتلاشى كل القلق والهم والخوف، وسيدرك الإنسان أن للكون حاكما واحدا فقط، وأن ذلك الحاكم يبدل كل الماديات كيفما يشاء، وما على الإنسان إلا التوجه إلى ذلك الحاكم المطلق.. وبذلك سيكون الإنسان قد أسلم لله، {...مُحَرَّرًا...} (آل عمران 35).. إن فهم هذا السر وإدراكه أكبر مكسب في الدنيا.
وبإدراك هذا السر تُفهم حقيقة أخرى وردت في القرآن وهي: حقيقة قرب الله من الإنسان:
{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (ق- الآية 16).
كما هو معروف فإن عرق الوريد موجود داخل الإنسان، وما الذي يمكن أن يكون أقرب إلى الإنسان من داخله؟.. إن هذا الوضع يمكن تفسيره بسهولة بإدراك حقيقة اللامكانية.. وكما يلاحظ فإن هذه الآية يمكن أيضا فهمها على نحو أفضل كثيراً عن طريق إدراك هذا السر.
هذه هي الحقيقة، ينبغي ألا يفوتنا هنا أنه ليس للإنسان من ولي ولا نصير إلا الله.. لا واجب وجود ينتظر منه الجزاء إلا هو.. حيثما توجهنا فوجه الله هناك.

11-22-2004, 07:55 AM
زيارة موقع العضو عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
هل تنكر وجود الله؟.. إذن فأثبت لي أنّك أنت موجود!! - بواسطة قعقاع - 11-22-2004, 07:55 AM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  محاولة لاثبات وجود خالق البحث عن الحقيقة 70 12,768 04-12-2012, 10:53 PM
آخر رد: ahmed ibrahim
  عبدة الشيطان .. لكل من ينكر وجود الجن والشياطين !! مفكر .. سعودي 61 14,791 10-15-2011, 08:37 PM
آخر رد: ahmed ibrahim
  ما هو الدليل على عدم وجود الجان الباحثة عن الحقيقة 22 6,936 09-27-2011, 12:33 AM
آخر رد: القيس عون
  هل هناك دليل متفق عليه على وجود الله ؟؟؟؟ حــورس 60 12,779 07-16-2011, 07:18 AM
آخر رد: الجوكر
  هل تعلم ان اثبات عدم وجود اله اصعب بكثير في اثبات وجوده iyadsm100 28 8,107 06-18-2011, 11:06 AM
آخر رد: The.Rebel

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS