الزميل العزيز تيرمنيتر
لك علينا واحدة أننا لم ننتبه إلى كلمة التهنئة، بل لعلنا مررنا عنها صفحا، وهذه لك علينا فيها حق عرب، فلإن مررت بنا حقت لك علينا وليمة!
أما قولنا ويح لك، فالويح هي كلة عربية تقال للتنبيه بشكل ودي عما لا يليق، وهي ليست إشارة للحرب، بل تلك كلمة ويلك، ويحك تستخدم بين الأصدقاء.

عودة إلى ما طرحت من مواضيع:

وصف الخمر بالنجاسة أو بالتحريم هو وصف زائد عن الشيء، فالخمر ابتداء خمر وليست غير ذلك، والسكر كفعل هو السكر وليس خيرا أو شرا، وشرب الخمر هو شرب خمر وليس خيرا أو شرا. وعندما يصف الله تعالى الخمر بوصف زائد عن ذاتها فله ذلك ابتداء لعلمه اللمتناهي ولاحاطته بحقيقة الاشياء والافعال.
إلا أن الله تعالى قد اقتضت حكمته ألا ينزل القرآن دفعة واحدة، كما اقتضت حكمته ألا ينزل الإسلم مرة واحدة، وواقع الخمر يصدق أيضا على واقع مصير البشر قبل بعث النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فسؤالك هنا هو كسؤالك عن أهل الفترة مع الفارق العقائدي.
الخمر ليس لها حكم قبل نزول النص بها، وهي عند الله ليس لها تلك الأهمية، الأهمية عنده تعالى منصبة على التعبد، أي أنه قد أنزل حكما لنا ليرى هل نطيعه أم لا، وهو لنا قد أنزل الحكم وليس للخمر. أما عن نص تحريم الصلاة والمسلم سكران، فهو لم يلغ، فلا يزال المسلم ممنوع من الصلاة وهو سكران، ولو تراجع ما قلناه في المسألة فسترى أن أية تحريم الصلاة والمسلم سكران تقع فيما يسمى بالإصطلاح الأصولي تحت باب النص المعلول.
ونعني بالنص المعلول هو ذلك النص المتضمن علة شرعية. والعلة الشرعية هي الباعث على تشريع الحكم والمنصوص عليها نصا. تمييزا لها عن العلة العقلية وهي استنباط الباعث على تشريع الحكم بالعقل دون وحي.
وعند وجود العلة الشرعية تفعل قاعدتين، القاعدة الأولى أن العلة تدور مع المعلول وجودا أو عدما، أي أن الحكم الشرعي مرتبط بالعلة وليس بالمعلول، والعلة في النص هي أن يعلم الإنسان ما يقول، والمعلول أن يقرب الصلاة وهو سكران.
وفيما يلي الآية مع تلوين العلة بالأحمر والمعلول بالأزرق:
(يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى...)
فالحرمة في الآية ليست للسكر بل للصلاة والإنسان لا يعلم ما يقول، وقد ضرب السكر مثالا لأنه الغاية في انتفاء العقل للانسان المكلف، وفوق ذلك لا يطلب من الانسان صلاة، كالمجنون والنائم.
والدليل على أن الحرمة ليست للسكر في تلك الآية هي أن الصحابة عليهم رضوان الله بقوا يشربون الخمر ويسكرون في غير أوقات الصلاة.
صحيح أنه قد تستنبط حكمة من الآية، والحكمة غير العلة، وهي أن الله تعالى قد أخذ يعوّد النفوس المجبولة على حب الخمر على النأي بنفسها عنه، إلا أن النص يبقى مفهومه كما كان قبل نزول تحريم الخمر وبعده. وهو حرمة إتيان الصلاة والإنسان لا يعلم ما يقول.
القاعدة الأصولية الثانية التي تفعل بناء على آية تحريم الصلاة أثناء السكر هي قاعدة القياس الشرعي الصحيح، فيعدى حكم تحريم إتيان الصلاة والإنسان لا يعقل ما يقول بتأثير الخمر إلى منع الصلاة والإنسان تحت تأثير كل ما من شأنه أن يجعله لا يعقل ما يقول، كالنعاس المفرط ومدافعة الأخبثين(البول والغائط) والغضب الشديد أو الفرح الشديد أو الذهول أو الهستيريا العارضة. عندها يؤخر الإنسان الصلاة حتى يملك نفسه، وهو المذنب إن كان وقوعه تحت الحالة بفعله واختياره إن أدى تأخير الصلاة إلى فواتها عن وقتها.
أما عن الأنصاب وألزلام والميسر، فواقع الأمر أن الأنصاب حرمت أن تعبد في بدء الإسلام، ولم تحرم أن تتخذ كزينة، إلا أن الأية قد حرمت وجودها ابتداء هي والأزلام والميسر، ونذكرك أن اليسر لم يذكر قبل ىية التحريم إلا في كونه فيه إثم كبير ومنافع للناس والأزلام لم تذكر قبل الآية مطلقا.
أما عن اعتراضك لم جعل الله الآية متأخرة في النزول وكان من الأولى أن تجعل مقدمة، فاعلم عزيزي أن كل حكم شرعي في الإسلام هو عبادة إن التزم به على نية الطاعة. فإتيان الرجل زوجته على الوجه المرضي لله عبادة، وبيع التاجر سلعته على الوجه المرضي لله عبادة، وحكم الحاكم للناس بالعدل عبادة.
إلا أن العبادات تقسم حسب واقعها إلى ما ينظم علاقة الإنسان بربه وهي العقائد والعبادات(اصطلاحا)، وما ينظم علاقة الإنسان بغيره كالمطعومات (ومنها الخمر) والملبوسات والأخلاق، وما ينظم علاقة الإنسان بغيره كالمعاملات والنظم والعقوبات. وقد أخر المولى عز وجل معظم الأحكام الشرعية إلى العهد المدنني لعجز الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه عن إيجاد الأحكام في الواقع، وربطها بتشكيل المجتمع المسلم والذي لما يكن موجودا. ولم تذكر أحكام غير العقائد وشيء ضئيل من العبادات الغير مفصلة في العهد المكي. وطبعا الأحكام المفصلية والتي تعتبر مفاتيح الصراع بين الجاهلية والإسلام، كتحريم الوأد وقتل البنين وتحريم ما أحل الله وإباحة ما حرم، واتخاذ البشر أربابا.

-المشرع هو الله ورسوله، والتشريع هو إعطاء حكم زائد على الفعل أو الشيء بما يفيد الحض على فعله أو الإيان به أو التحذير منه. ولم يكن الشرع أبدا كاملا بقصد من الله تعالى وإرادة حتى نزلت آية التمام في سورة المائدة.


نأتي على المقولات المذكورة، فاعلم أن الله تعالى لم يخصص أحدا من الناس بشيء غير رسوله، وما خص به رسوله صلى الله عليه وآله وسلم هو تكاليف إضافية لا نستطيع أن نقوم بها ولا هو مطلوب منا أصلا القيام بها، ولم يكن من ضمنها إتيان الحرام. فطلب من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يصوم الليل ولم يطلب منا ذلك، وطلب منه أن يقوم الليل فريضة وطلب منا ذلك نافلة، وطلب منه أن لا يبيت في بيته درهم ولا دينار، وأذن لنا في خزن المال بالزكاة. وما خص آل رسول الله الكريم عليه وعليهم الصلاة والسلام بشيء إلا حرمة أكلهم الزكاة ولو فقروا، لألا يقول أحد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد شرع الزكاة من أجل أن يطعم أقاربه، ولن يفقر آل رسول الله عليه وعليه الصلاة والسلام وهو بيننا إن التزمنا بالشرع، وخصوا بالصلاة عليهم مع الرسول وليس من آله من عصى الله. وما سمح لا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا لغيره من آله عليهم السلام أن يباشروا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأما العبيديين فقد ادعى بعضهم الألوهة من دون الله، وشق آخرون عصا الطاعة على الدولة دون بيان لوجه حق، وادعى آخرون قبلة غير القبلة. وهم ليسوا حجة على الإسلام على أية حال فكل يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم.