الزميل المحترم / خالد

شكرا على هذا الإتجاه الذي تريد به تحويل الموضوع (f)
أرجو الآن من الزميلين اللدودين عدلي و مجرد تفكير أن ينهيا نزالهما الديني المستمر أبدا في موضوع آخر ..
ربما يتخذ الموضوع منحنى أكثر فائدة من مجرد تراشق من نوعية "ديني أحسن من دينك"

الآن إلي طرحك ..
أنت تقول : هل تعلم مخلوقا غير الإنسان يشن الحروب لأهداف مختلفة و يبغض, كما يقوم بنفس الوقت بعقد السلام و يحب ؟

و تقول :
حين النظر إلي الإنسان فنحن ننظر إليه على ما هو عليه فعلا, لا على ما نحبه أن يكون.
نسعى به ليكون كما نحبه و لكن دون إهمال لواقعه الطبيعي ..


أنت هنا تعتمد على أن الإنسان يقوم بأنشطة كالحرب كما يقوم بالسلام .. فلماذا ننسب له أحدهما و نتجاهل الآخر.

أتصورأنه ليس كل ما يفعله الإنسان يكون إنسانيا من وجهة نظري و بالتالي هذا يقودنا لتعريف كلمة إنساني.

النشاط الإنساني هو النشاط الذي يدعم الإنسان و يقويه و يعضده و يرقيه و يظهر الجمال الساكن فيه.
فانا أفهم هنا ان النشاط الإنساني هو نشاط .. مع الإنسان و ليس .. ما يقوم به الإنسان أيا كان.

المشكلة ليست من وجهة نظري ما إذا كانت الإنسانية هي ما يقوم به الإنسان أم هو النشاط الذي يدعمه و يرقيه.
أتصور أن المشكلة هي أن الدعم و الترقيه نسبييان و متغيران.
كيف نتصور الدعم و الترقيه ..
أتصور أن المرجعية هنا هي المعارف الإنسانية ...
فكما تقرر معارفنا أن نشاط معين يصب في مصلحة الإنسان و يدعمه و يرقيه يكون إنسانيا ..

و تلك هي المشكلة ... معارفنا متغيرة و تتطور بإستمرار, كيف يمكن حسم الإنشطة الإنسانية إذن ؟
لا بديل من المتابعة و التحديث ..
نحاول إلحاق أفعالنا بما نعرفه ...
و سأعطيك مثلا ..

في وقت معين يكون ضرب الآباء للأبناء ضرورة أساسية من أجل التربية ...
تكون تلك هي المعرفة السائدة و المتاحة للجميع .. و يعتبر آخر ما وصلت إليه الإنسانية.
... بعد حين و بعد ان يتعرف علم النفس على آثار إستخدام العنف السيئة على الصحة النفسية للطفل نعدل مفاهيمنا.
و يصبح الضرب من اجل التاديب فعل لا إنساني ...
تتغير الأمور هكذا ببساطة .. و علينا ليس فقط ان نتقبل تغيرها, علينا ان نغيرها نحن.
أن ندفعها نحو الأفضل.

يعني من ناحية لسنا مطالبين باكثر مما نعرف ...
و من ناحية أخرى نحن مطالبين بالإجتهاد ...
العقول الكسولة فقط هي التي تحب الحقائق المطلقة ..
العقول الكسولة تكره أن تبحث و أن تجتهد و تتجدد ..
النسبية و التغير نحو الأفضل هو امر واقع ..
قانون التطور يقول أن الكائنات الحية تعدل من نفسها لتحيا ...
نحن نعدل من أنفسنا لنترقى ..

أوربا إستطاعت منع عقوبة الإعدام من أحكامها .. و صار هذا معلما إنسانيا لديها.
أمريكا لم تمنعها بعد .. على الأقل على المستوى الفيدرالي, أتصور أن أوربا أكثر إنسانية من أمريكا.
غدا أمريكا ستفعل .. ربما بعد ان تحاصر حمل السلاح و ترخيصه او بعد أي سياسات أخرى تقلل من الجرائم.
المهم هو الترقي نحو الأفضل للإنسان ..

نقطة مهمة :
الإنسانية أسبق على الأديان ..
التاريخ يقول ذلك ..
قبل الأديان صنع الإنسان معاييرا إتفق عليها و سماها أخلاق.
مفاهيمنا تطورت قبل وجود الأديان ..
المشكلة أن الأديان كانت تحتوي على المعايير الأخلاقية لنقط زمنية و مكانية معينة ..
معايير أزمنة فاتت و تطورت عليها اخلاقنا الآن.
الأديان ضد المراجعة و التعديل.

أتصور أن العيب الأساسي و الذي يهدم أي نظام أيا كان هو عدم وجود آلية للمراجعة و التعديل.
من حق الإنسان أن يحيا حياة أفضل وفق معايير أفضل ... هذا ليس كثير.

تنظر للإنسان بطريقة سيئة .. الإنسان هو أنت و انا و الآخرون.
ربما لان الأديان لم تعطك إنطباعا جيدا عنا.
ربما لا تعرفنا الأديان جيدا كما تظن .. نحن أفضل كثيرا.
منجزاتنا تطورت كثيرا و كذلك أخلاق الشعوب.
بالأمس كانت العبودية منتشرة في كل الأرض ..
اليوم تم القضاء عليها من الناحية الرسمية و الرق الذي يحدث في الخفاء سيختفي.

لا تعجبك إتفاقية جنيف و ما أعقبتها من بروتوكولات ..
نعم الحروب لعنة و لكننا نحاصرها تدريجيا .. ربما تحب المعجزات و أن تقول كن فيكون.
و لكن هذا ليس واقعنا ..
الإنسان عليه أن يكافح و يتعب من أجل غد أفضل ..
ماحدش بياكلها بالساهل ..
و اللي بياكلها بالساهل مش بيحس ليها طعم ..
قوانين تنظيم الحروب لا تجعل الحروب شرعية ..
لا وجود لإنسان يحب أن يحيا مهدددا و يجد القتلى و التفجيرات حوله في كل مكان ..
و لكن و حتى تنجح الإنسانية في حفظ توازن قوى بين الجميع ...
ثم تطوير التوازن إلي تعاون و إندماج للإنسانية كلها ..
علينا ان ننظم العنف مادمنا لا نستطيع إلغاؤه ..
إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع .. قل حلولا عملية تفيدنا لنستطيع تنفيذها.
ثم انك لو نظرت بالأمس القريب سترى مجازر و بحيرات دماء تتم بلا لوم أو تعقيب.
اليوم كل شئ بحسابه ..
التعذيب بحساب و الجرح بحساب و الحياة بحساب .. ربما ثمن الحياة في الحروب يكون رخيصا.
و لكن بالأمس لم يكن يساوي شيئا.
صدقني اليوم أفضل من أمس .. و غدا أفضل و أجمل.
لا تقسو علينا مازال الإنسان بألف خير ..

و في النهاية انا لست متحدثا عاما بإسم الإنسانية ..
يعني تلك هي تصوراتي الخاصة فإذا لم تعجبك عليك ان تضع لنفسك ما يناسبك.
مادامت تضع تصوراتك بعقل إنساني و بمرجعية إنسانية و لخير الإنسان ..
يعني بلاش من خارج الكوكب ..

و شكرا على لطفك.