الحمد لله العزيز الحكيم.
(ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) : نلاحظ أن كلمة (عَبْدَهُ) منصوبة فهي مفعول (رحمت) كَمَا تَقُول : ذِكْر ضَرْب زَيْد عَمْرًا ، أو تقول : ذِكْر مساعدة خالد جاسما.
الرحمة العظمى هي الجديرة بالذكر ، ورحمة الله لعبده زكريا هي فعلا رحمة عظمى حتى أنها كتبت بتاء مفتوحة. فما هي تلك الرحمة التي تستحق الذكر ؟
إن أعظم نعمة هي أعظم رحمة، والنعمة أو الرحمة العظمى هي الصلاح.
إذن فالفضل في صلاح الإنسان يرجع للكتاب ، فهو الهدى والعلم الذي يدعو إلى الصلاح ، وإذا كان الله قد ضرب لكل شيء مثلا فإننا نرى هذا المثل واقعيا في ما يصنعه البشر حيث جعلوا لكل آلة كتاب (كاتالوج.
فالرحمة الجديرة بالذكر في حق زكريا عليه السلام ينبغي أن تكون هي الكتاب ومضمونه والنتيجة المستفادة منه.
أما مضمون الكتاب منه
فهي العلم و الصلاح .
إذن فالرحمة الجديرة في حق زكريا عليه السلام هي :
1) الكتاب.
والرحمة الخامسة التي تستحق الذكر هي : يحيى عليه السلام ، فهو رحمة خاصة لم تحصل في تاريخ البشرية إلا لجده إسحاق من قبله.
وهكذا نستنتج أن مجموع الرحمات الجديرة بالذكر في حق زكريا عليه السلام هي خمس رحمات : 1) الكتاب.
كيف يجب أن يكون الترتيب؟
ينبغي أن يتوسط اسم يحيى بين الكتاب والهدى وبين العلم والصلاح لأنه هو أيضا آتاه الله الكتاب والهدى والعلم والصلاح .
لو وضع اسم يحيى في آخر الترتيب لكان رحمة لم يثبت لها الصلاح ، إذ أن الرحمة هي أي شيء ينتفع به، فالمشرك البار بوالديه يعتبر رحمة لوالديه.
إذن فترتيب ذكر رحمت الله لعبده زكريا ينبغي أن يكون كما يلي :
الكتاب ، الهدى ، يحيى ، العلم ، الصلاح .
سورة مريم ليست متضمنة فقط ذكر رحمت الله عبده زكريا ، وإنما تتضمن ذكر رحمت الله لكل الأنبياء الذين ذكروا في السورة، والأنبياء كلهم آتاهم الله الكتاب والهدى والعلم والصلاح. فإذا كنا قد علمنا بالحكمة أن أعظم رحمة تستحق الذكر هي الكتاب فإن سورة مريم تثبت صحة ذلك، وأول خطاب من الله لعبده يحيى هو : يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صبيا). لو كانت رحمة أعظم من الكتاب لكانت أولى بالذكر قبل ذكر الكتاب.
والمسيح عليه السلام أول ما تكلم في المهد قال : إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا). لو كانت رحمة أعظم من الكتاب لكانت أولى بالذكر قبل ذكر الكتاب.
وكل الأنبياء الذي ذكرهم الله بعد ذلك في سورة مريم ارتبط ذكرهم بذكر الكتاب : وَاذْكُرْ فِي [COLOR=Red]الْكِتَابِ).
ويقول : طه، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى.).
إذن فالكتاب هو الرحمة العظمى التي تستحق الذكر بل هو الذكر)، وهو الهدى، وهو العلم الذي يهدي إلى الصلاح.
وكان يكفينا أن نتدبر كلام الله عن عبده يحيى لنستنتج منه تأويل (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا)، وذلك كما يلي :
يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ .
وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صبيا (فالحكم بالحق يتطلب الهدى والعلم .
وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا .

إذن : كهيعص
وأود أن أختم الكلام بالقول :
إن القرآن كتاب هدى وعلم الحكمة، وكما يعلم المعلم التلاميذالقواعد ويشرح لهم الدرس شفويا وتطبيقيا ثم يمتحنهم بالتمارين ليرى مدى فهم التلاميذ للدرس كذلك الله يعلمنا الكتاب والحكمة وبين لنا القواعد والأسس اللازمة للتدبر ثم يمتحننا بالتمارين ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)