السلام عليكم ..

الى yousefabd العزيز ، تحية ،،

الجملة المعنية اشير فيها الى نظرية أؤمن بها وهي ان الثقافات الانسانية في مختلف بقاع الارض تمر بمراحل استيعابية للواقع والوجود .. ، فالانسان القديم أرمز للوجود وقوانينه برموز شخصية لان العقل وقتذاك لم يكن قادرا على استيعاب القوانين الفيزيائية و الكيميائية والبيولوجية وغيرها من قوانين الطبيعة بصورتها الحالية الحديثة ، إنما كان يشخص تلك القوانين، فقانون الاخصاب مثلا تجعله الثقافات الانسانية في بداية مراحلها الاستيعابية اشخاص كانفسهم يتكلمون ويعوون و لهم ارادة كارادة الانسان ، فيكون الخصب مثلا (مارتو) عن الآرميين مثلا ، و حركة الفصول السنوية يشخصها على انها (ديونيسيوس) -إن لم تخبني الذاكرة التفصيلية- و (الماعت) إله مصرية ترمز الى مبدأ العدل الكوني ، وغيرها من آلهة و قوى غيبية هي - بعد التأمل- عبارة عن قوانين الطبيعة نفسها، ولكن العقل البشري وقتذاك ليسهل عليه الاستيعاب كان يشخص تلك المسائل.
وهكذا العقل البشري يتطور في مراحل الاستيعاب ، فتجد ان القرن السادس قبل الميلاد مشترك لظهور العديد من الفلاسفة الذي بدؤوا يمنطقون الميثولوجيا و يفكرون باسلوب جديد ،ففي اليونان سقراط افلاطون ارسطو ومعه السفسطائية وغيرهم ، وفي ايران زرادشت ، وفي الهند بوذا وفي الصين لاوتسو وكونفوشيوس ..الخ .. ثم الفترة الاسلامية ثم النهضة الغربية .. كل ذلك مراحل تطورية للتفكير البشري و الاستيعاب.
نعم هناك استثناءات وتسابق وتسارع او تباطؤ بين الامم والثقافات ، ولكن كلها تمر بنفس المراحل.
و العقل البشري في مراحله الاولى كان محتاج الى دعم خارجي ليستوعب الوجود ، وهذا الدعم - بحسب اعتقادنا- متمثل بالوحي، و ايضا كان الوحي لا يخرج عن نطاق قدرة العقل وقتذاك عن الاستيعاب ، بل كان يخاطبه بمستوى عقله ولكن بخطاب مسير الى الاستيعاب الصحيح والمنطقي ، و عملية تكرار الوحي كان موازي لوصول الثقافة الى طريق مسدود سببه (الانانية) - والشرح المفصل لنظرية الانانية موجود في موقعنا الشخصي عند افتتاحه عن قريب- ، وكلما وصلت الثقافة الى تلك الطريق والذي يعجز فيه العقل بنفسه من الخروج منه يأتي الوحي ويسدد ، وهكذا حتى يصل العقل الى مرحلة تطورية يمكن فيها ان يستوعب ويعي الوجود دون الوصول الى النقطة المسدودة، بمعنى آخر ، عندما اختتمت النبوة وانقطع الوحي فان العقل البشري بعد ذلك يمكنه ان يستوعب ، وطريق النقطة السوادء التي لا عودة منها لم يعد موجودا ، وهذا معنى إتمام الحجة على البشر.
و للثقافة القديمة التي نُتجت بسبب المرحلة البدائية للاستيعاب و قصور العقلية وقتذاك عطت -بطبيعة الحال- الى اجيال متأخرة اساطير واساطير ، واسباب تكون الاساطير اسباب دقيقة شرحها موكول لمحله ، مهما يكن ، فالاجيال المتأخرة تورث الاساطير القديمة والتي هي عبارة عن فهم قديم مخلوط بعامل الانانية والجهل الاجمالي - الذي في قبال المفصل- ، ولكن الاجيال الجديدة تقدس تلك الاساطير لنفس سبب تكونها ، بمعنى ان الانانية لدى الشعوب والفرد هي التي تكون الاساطير -بالاضافة الى الجهل طبعا- ، و هذه الانانية هي التي تحافظ على وراثة الاساطير الى الاجيال الجديدة ، لان الابناء يقولون ان هذه القصص والنظريات هي لآبائنا ، لاحظ الضمير (نا) والذي يرجع للـ(أنا) ، فالانانية تقدس نفسها عن طريق غير مباشر.

وهكذا اسطورة (تلبس الجن) فهي عبارة عن فهم قديم متخلف لقوانين طبيعية ، نحو مرض الصرع و غيرها من الامراض النفسية ، فان الشامانية كانت تنظر الى انها بفعل الارواح الشريرة ، والشامانية ثقافة انسانية بدائية ، و كذا شعوب الديانات القديمة ، والسماوية ايضا ، و أنا لا اقول انه هذه الاساطير كونها الوحي ، إنما قصور الثقافة الانسانية واستسلامها لعامل الجهل والانانية - والذي لا ينفك الوحي عن محاربتها ، بل هما العدوان الرئيسيان له ، بل واشك ان ابليس ترميز لـ(الانانية) والله اعلم- اورثت اساطير ، منها تلبس الجن ، فالناس (جهلوا) باسباب امراض معينة ، فبركبوا اقرب قصة ليجيبوا على السؤال ، فقالوا (الجن) ، ثم ورث الابناء ذلك وقدسوا تلك النظرية لكونها من آبائـ(نا) و أجداد(نا)..

اتمنى انها وضحت ..

أما الجن بشكل عام فالنصوص تشير انحصار دورهم بالوسوسة ، (من شر الوسواس الخناس ، الذي يوسوس في صدور الناس ، من الجنة والناس) ، ولاحظ ان الوسيلة مشتركة بين البشر والجن ، نعم من قصص النصوص - وخاصة قصة سيدنا سليمان (ع) - تفيد انه يمكن للجن أن يُكَوِنوا علاقة مادية مع البشر -نحو نقل عرش بلقيس والتحدث - ، و العلم هنا اجمالي غير مفصل ، فلا نستطيع ان ناخذ مقدمة : قدرة الجن على انتاج عملية مادية كمقدمة لكي نستنتج أمورا كثيرة اكثر تفصيلية منها اثبات(لبس الجن)، فالمقدمات غير كافية..

وشكرا..