بين نصر الله وعبد الناصر

موفق محادين

عندما قرر الرئيس الراحل وقائد الأمة جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس 1956 وجوبه بالعدوان الثلاثي الإسرائيلي الفرنسي البريطاني تعالت أصوات عديدة من داخل مصر بل من داخل مجلس قيادة الثورة , ومن خارج مصر , من العواصم العربية وغير العربية , تعتبر قرار عبد الناصر قرارا غير مسؤول ومتطرفا لم يحسن قراءة ميزان القوى الإقليمي والدولي وتسبب في خسائر إقتصادية وبشرية فادحة لمصر ولشعبها ولمستقبلها..

ودعت هذه الأصوات عبد الناصر للإعتراف بمسؤوليته عن هذه الخسائر والتراجع عن قرار التأميم , والإنغلاق الداخلي كما دعته أصوات أخرى إلى الإستقالة .. وقامت قوات العدوان الثلاثي في الوقت نفسه بضخ حملة إعلامية غير مسبوقة ضد عبد الناصر , بوصفه مرة عميلا للولايات المتحدة , ومرة أخرى بوصفه عميلا للمعسكر الشرقي , وأن ما أقدم عليه هو مجرد سيناريو مرتبط بأجندة خارجية.

وهكذا حيث كان على العديد من العواصم العربية أن تبادر إلى إدانة العدوان وتحمله مسؤولية الخسائر التي ألحقها بالشعب المصري, حملت عبد الناصر هذه المسؤولية ...

بيد أن الوثائق والدراسات السياسية و التاريخية التي عالجت تلك المرحلة كشفت أن عبد الناصر كان يسابق الزمن في الصراع على خرائط ومعالم الشرق الجديدة وكان يسعى من خلال تمويل السد العالى لبناء مصر القوية لبناء دور إقليمي وقومي يجعل القاهرة طرفا أساسيا في المشهد القادم للشرق الأوسط والمنطقة العربية وكانت النتيجة إندحار العدوان وخروج فرنسا وبريطانيا من رقعة الشطرنج الشرقية واشتراك مصر عبد الناصر مع السوفيات والأمريكان كلاعبين أساسيين علي هذه الرقعة.

ما يجري في لبنان هذه الأيام شبيه بما شهدته معركة السويس .1956 ومن المؤكد أن حزب الله وقائده الشجاع حسن نصر الله , عندما بادروا إلى قصف أهداف في دولة العدو الإسرائيلي لم يكن ذلك ضمن حسابات تكتيكية ولا ضمن رسائل سياسية صغيرة بين دمشق وطهران.. بل كان ذلك فاتحة مشهد جديد للإقليم كله.. ومن المؤكد أن التفاف الجماهير العربية حول هذه المعركة من شأنه أن يستعيد تقالىد النهوض القومي التي أعقبت معركة السويس مع فارق جديد, هو أنه إذا كانت الدولة »القطرية« ممثلة في مصر هي رافعة النهوض في الخمسينيات, فإن المقاومة هي رافعة النهوض الجديدة.