تحياتي ثانية العزيز زيد

لا أخالفك الرأي بخصوص معرفة اليونان قديماً لنبتة الأوركيد. لكن الفكرة أو السؤال هو: هل كانت بزور النبتة معروفة لهم أم انها كانت معروفة كمجرد نبتة؟

وبما أن حضرتك زودتنا بمقدار وزنها، لا شك بأنه كان من الصعب، إن لم أقل من المستحيل لهم آنذاك أن يميزوا تلك البزور الغير مرئية (تقريباً، أو مؤكداً) بالعين المجردة.

كما سبق وقلت لك بأن يسوع لم يكن هنا يعالج موضوع علم النبات. لقد كانت كل أمثاله مأخوذة من واقع اليهود الإجتماعي والحياتي المألوف. فمثلاً استخدم في أمثاله: الغنم (وليس الكنغورو)، الماعز (وليس الكوالا)، الحنطة (وليس البطاطا)، الزوان (وليس البندورة)، الخردل، الفلاح (وليس رائد الفضاء)، الحقل، العنب (وليس الموز)، الدجاج، وإلى ما هنالك. فباستخدام عناصر يعرفونها جيداً كان يمكن له الوصول بطريقة مباشرة أكثر.

دعنا نأخذ بعض الأمثلة العصرية لتقريب الفكرة:

نستعمل عادة تعابير مثل: "لم يقترب ولو أنملة واحدة"، للتعبير عن صغر المسافة. لكن في حالات أخرى يمكن أن نقول: "لم يقترب قيد شعرة" أيضاً للتعبير عن قرب المسافة الشديد. فهل "الأنملة" هي المسافة الأقصر؟ طبعاً لا! هل الشعرة هي المسافة الأقصر؟ أيضاً لا! لكننا مع ذلك نستعمل "الشعرة"، التي توارثناها من أجيال ما قبل آلاف السنين الذين لم يكونوا يعرفون أدق منها. لا بل كانوا يعرفون ما هو أدق (خيط العنكبوت مثلاً)، لكنهم فضلوا أن يستعملوا ما هو شائع وخاص بمجتمعهم آنذاك، ولا يزال ساري المفعول حتى يومنا هذا.

اليوم نعرف بأن الأجهزة الدقيقة العصرية يمكن حتى أن تقسم الشعرة إلى عشرات وربما مئات الشطور. ويمكن أن تظهر لنا المجاهر العصرية مقطع الشعرة كحجم الجبل بالمقارنة مع ما هو أدق منها. ومع ذلك، فلا نزال نعتبر الشعرة (في الإستعارات اللغوية اليومية) كأدقّ مسافة. ولا شك بأن يسوع المسيح استعمل أسلوباً من هذا النوع. لا بل على الأرجح لم يكن هو أول من استعمل هذا التعبير. لقد كان هذا القول أو التعبير، ولا شك مستعملاً من قبل ذلك المجتمع ومعروفاً لديهم.

مع أفضل تمنياتي :97: