{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
الكندي غير متصل
ليس التلاسن مع الرعاع فكر ولا حرية
*****

المشاركات: 1,739
الانضمام: Jul 2002
مشاركة: #16
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية
البخاري أيضا وأيضا.

عن عمير عن معاوية بن ابي سفيان انه قال سمعت رسول الله قال لا يزال من امتي امة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك . قال عمير فقال مالك بن يخامر جالسا بالقرب من معاوية قال معاذ وهم بالشام فقال معاوية هذا مالك يزعم انه سمع معاذا يقول وهم بالشام ( البخاري 3442 )

وفي صيغة اخرى عن البخاري ايضا عن معاوية لا تزال هذه الامة ظاهرين على من خالفهم حتى ياتي امر الله وهم ظاهرون ( البخاري 2948 )

وفي صحيح مسلم عن معاوية ايضا ( لا يزال قوم من امتي ظاهرين على الناس حتى ياتي امر الله وهم ظاهرون ) مسلم 1921 وفي الترمذي عنه ايضا ( لا تزال طائفة من امتي على الحق ظاهرة لا يضرهم من خذلهم حتى ياتي امر الله ) ترمذي 2229

وفي ابن ماجة عن عمرو بن شعيب عن ابيه قال قام معاوية خطيبا فقال اين علماؤكم اين علماؤكم سمعت رسول الله يقول لا تقوم الساعة الا وطائفة من امتي ظاهرون على الناس لا يبالون من خذلهم ولا من نصرهم ) ابن ماجة 9

هذه النصوص المتشابهة لدرجة التطابق احيانا رواها عن معاوية وحده اكثر من تسعة من الرواة هم عبد الله بن عامر ، عمير بن هانئ ، حميد بن عبد الرحمن ، يونس بن ميسرة ، عبيد بن سعد وابن ابي مريم، نمير بن اوس ، مسلم بن هرمز وشعيب .

الامر الذي يعني كما هو واضح ان معاوية كان يكثر من رواية هذا الحديث او استخدامه على الاصح خصوصا على المنبر في خطبه واحاديثه .

ومرة ا خرى لا يعني هذا قطعا تكذيب الحديث او تكذيب معاوية نفسه . الحديث صحيح وقد رواه غير واحد من الصحابة وبصيغ مختلفة ومتشابهة . المسألة هي توظيف الحديث في ظروف معينة بحيث يبدو وكانه ينطبق عليها ويؤيد بعض احداثها والحقيقة التاريخية قبل كل شئ تكذب هذا التوظيف وتخطئ هذا التأويل ، وتكرار استخدام السلطة الاموية لهذا الحديث هو جزء من سياستها الاعلامية لتكريس سلطتها وتثبيت دعائمها.

فلنتامل في نص البخاري . بالذات في خاتمته التي توضح للسامعين - في اوان الحدث – فحوى الحديث ومغزاه: قال مالك: قال معاذ وهم بالشام فقال معاوية: هذا مالك يزعم انه سمع معاذا يقول : وهم بالشام.

معاذ هو معاذ بن جبل الصحابي الجليل والذي كان قد توفى قبل هذه الاحداث بفترة طويلة ( سنة 17 هجرية في خلافة عمر ) ان مجرد نسبة هذا القول لمعاذ وهو ميت مسألة غريبة اذ لا احد هناك ليتحقق من صحة قول معاذ بل ان معاوية نفسه يبرئ نفسه فيستخدم صيغة التضعيف مالك يزعم انه سمع معاذاً.

ثم ان مالكاً نفسه لم يزعم على حد تعبير معاوية ان معاذاً نسب العبارة للرسول فقط قال وهم بالشام.
لكن معاوية حسب ما جاء عند الامام احمد 16974 رفع صوته وقال هذا مالك يقول قال معاذ وهم بالشام.

يرفع صوته لماذا ؟ ليسمع الموجودين طبعا ان هذه الطائفة التي لن يضرها من خالفها ولا من خذلها ، الطائفة الظاهرة على الناس ، المنصورة ،هي بالشام . أي انها طائفته هو تحديدا.

والنص الذي يستخدمه معاوية ويوظفه لصالحه في هذا التاويل لا يمنحه فقط الظهور والنصرة على الناس لمرحلة آنية عابرة ولكنه يوحي عبر كلمات الحديث ان هذا الظهور سيظل مستمرا إلى يوم القيامة ( لا يزال من امتي امة قائمة… حتى يأتيهم امر الله وهم على ذلك ) ( لا تزال هذه الامة ظاهرين على من خالفهم حتى ياتي امر الله وهم ظاهرون ) فالحديث بصيغته هذه المرة يوحي باستمرارية الظهور والانتصار لفئة معينة . لقد انتصرت مرة . لكن الحديث الموظف بعناية يوحي باستمرارية انتصارها إلى يوم القيامة اولا ، ويحدد موقع هذه الطائفة بما ينسجم مع موقع السلطة الاموية ثانيا ، و هو بعد كل شئ يذكر الناس ان هذه الفئة المنصورة الظاهرة لن يضرها من خالفها او خذلها لانها منصورة الهيا ظاهرة بامره سبحانه وتعالى فالحديث بذلك - ولننتبه هنا - يجرد المتلقي من احساسه بجدوى المقاومة بجدوى التصدي لهذه الطائفة ، فهي ظاهرة وظهورها هذا واضح ولا يحتاج إلى ادلة ولكن الحديث المنقول اليه عن الرسول يخبره فوق هذا بانه ظهور مستمر لا يبالي من نأى او خالف او خذل او حتى نصر والاضافة الاخرى التي روج لها معاوية والتي ترسخ في ذهن المتلقي هذا الفهم الآني للحديث في كون هذه الطائفة بالشام تحديداً .

ان معاوية يعلم جيدا ان التوظيف السياسي لهذا الحديث في غير محله وان استمرارية انتصاره وطائفته إلى يوم القيامة مسالة مستحيلة. انه يعي تماما ركاكة اسس الدولة التي اقامها خاصة وانه هو من ولى يزيدا بعده وهو اعلم بيزيد من غيره . انه يعي اذن ان استمرارية الظهور مسألة مستحيلة ، لكنه مع ذلك يحاول ان يستخدم الحديث كسلاح ضد خصومه بالذات من اجل تجريدهم من دافع المقاومة . من اجل ان يرسخ فيهم روحية الاستسلام والهزيمة امامه بل امام قضاء الله في انتصاره الذي سيدوم إلى يوم القيامة كما روج باصرار.

ولقد كذبت الحوادث التاريخية هذا التاويل المزيف لحديث الرسول ففي خلال اقل من قرن من هذا التاويل انهارت الدولة الاموية برمتها ونكل بالأمويين العباسيون مثلما نكلوا بخصومهم وحدث ذلك كله قبل ان تقوم القيامة ولا يظن اليوم ان الدولة الاموية ستعود وتزدهر وتظهر إلى ان تقوم القيامة.

هل يعني هذا إن الحديث غير صحيح ؟ مرة اخرى لا يشترط ذلك ابدا . فالتوظيف السياسي وحده هو الذي جر الحديث إلى مطب النبوءة الآنية الكاذبة . اما الحديث نفسه ، لو تناسينا ان معاوية يشدد عليه ويروج له ، ولو حذفنا الاضافة الغريبة المنسوبة إلى معاذ والتي تحدد موقع الطائفة المنصورة بالشام ، ولو استخلصنا المغزى العام للحديث من مجموع الالفاظ والنصوص الواردة لا من لفظ واحد فقط لوجدنا ان المعنى المحدد للحديث لا يمكن ان يتضخم الا وسط ملابسات سياسية اعلامية ، اما الحديث نفسه فهو يقول ببساطة بديهية ان هناك فئة من المسلمين ستظل متمسكة بالدين وستظل هكذا فئة موجودة إلى يوم القيامة ولهذا نرى ان علي بن المديني المحدث المشهور اوّل هذه الطائفة باهل الحديث وفق مفهومه الخاص ووفق ملابسات الصراع في وقته ضد الاحاديث الموضوعة اما النووي في شرح صحيح مسلم فقد تجاوز ملابسات الصراع السياسي تماما ليؤكد ان هذه الطائفة لا يشترط اجتماعها في زمان واحد ولا مكان واحد وانما منهم فقيه مجتهد او امام عابد او مجاهد في سبيل الله وهو فهم قريب لروحية الحديث وبعيد اشد البعد عن المعنى المحدد الكاذب الذي حصره فيه التأويل السياسي العابر.

ورغم ان التأويل اثبت خطئه على مر الايام وبانهيار دولة الطائفة التي زعمت ان الحديث يخصها الا ان هذا التوظيف قد اتى أكله آنيا وكما اراد له مروجوه بالذات ، فيدلنا انتشار الحديث بل واشتهار وروده في مختلف كتب الصحاح وباسانيد كثيرة جدا( تسعة تابعين رووه عن معاوية وحده )، يدلنا كل ذلك على شدة الرواج التي لاقاها هذا الحديث في الوقت نفسه علينا ان ننتبه ان هذا الحديث الموظف من السلطة الاموية الاولى يرتبط مباشرة مع حديث اخر وواقعة اخرى وظفها معاوية نفسه- البخاري (3210) (انه بلغ معاوية ان عبد الله بن عمر وبن العاص يحدث انه سيكون ملك من قحطان فغضب معاوية فقام فاثنى الله بما هو اهله ثم قال اما بعد فانه بلغني ان رجالاً منكم يتحدثون احاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله فاولئك جهالكم فأياكم والاماني التي تضل اهلها فاني سمعت رسول الله يقول ان هذا الامر في قريش لا يعاديهم احد الا كبه الله على وجهه – ما أقاموا الدين).

فلنلاحظ ان هاجس الآخر هنا لم يكن موجهاً نحو العدو التقليدي لبني امية الممثل في بني هاشم بل كان متوجهاً نحو العرب القحطانية كما يوضح الحديث بصراحة.

ولنلاحظ ايضاً ان صحابياً اخر عرف عنه رواية الحديث اكثر من معاوية واسلامه قبل معاوية وفضله اكبر كان يحدث انه سيكون هناك ملك من قحطان (وحديثه في البخاري!).

.. ولنلاحظ انه في مواجهة الاخر القحطاني استنفرت استراتيجية معاوية قريش كلها : ان هذا الامر في قريش .

بعبارة اخرى : لم يكن معاوية يذكر مسألة القرابة والقريشية عندما يكون حديثه موجهاً ضد منافسيه التقليديين الذين هم اقرب للرسول منه عدا عن فضلهم واسبقيتهم لكن عندما يكون التحدي من خارج قريش فانه على اتم الاستعداد ليتذرع بالقرشية كحجة لبقاء الامر بين يديه هو القريشي الاصيل حسباً ونسباً.

.. بعبارة اوضح : كانت العطية الالهية لقريش اصلاً : نزل الوحي فيها في رجل منها ، من بني هاشم تحديداً.

لكن بني هاشم لم يبق الامر فيهم ، اما بسبب المانع الالهي الذي يمنع من يشاء ويعطي من يشاء كما مر قبل ذلك.

او بسبب انهم لم يقيموا الدين : الحد على قتلة عثمان ، القميص الذي تذرع به معاوية يوم كان ما كان .
لذلك فقد شاء الله ان يعطي الامر ، وهو الذي لامانع لعطيته ، هذه المرة لفرع اخر من قريش لا يعاديه احد ا الا كبه الله على وجهه وهو فرع بني امية الذين لن يزالون ظاهرين ، الذين هم بالشام. كما اشار الحديث السابق .

انها الخطة أ – استراتيجية المواجهة ضد غير القريشيين .

تتبعها الخطة ب- استراتيجية المواجهة ضد العدو الاصلي التقليدي : بني هاشم.

وكل خطة كانت تستعمل حسب الظروف والملابسات.

اننا لو وضعنا انفسنا في معطيات الصراع السياسي القائم انذاك لرأينا كل الدلائل تتلائم وتتجه نحو جعل المتلقي المغلوب على امره بقوة السيف يقتنع بحجج معاوية ويستسلم لها ..

.. لقد كان مجرد ظهور معاوية اقرب للمعجزة منه لاي شيء اخر، فهو لم يكن طرفاً مباشراً بشكل بارز عند بداية الفتنة -الحرب الاهلية على عهد عثمان وكانت كل دعواه في البداية المطالبة بدم عثمان ، لم يكن يمتلك لا القدرة ولا الامكانية على ان يظهر بدعوى اخرى لكن الامور تعقدت اكثر فأكثر بالتدريج وفرضت على علي حروباً جانبية اضعفت جبهته واضعفت محاربيه كذلك ، الذين كانوا رغم كل شيء مرشحين للخلافة اكثر معقولية من معاوية ، وبقى معاوية خارج الصراع إلى ان بقي وحده في المعركة النهائية حيث انقسم جيش علي لمجرد قبوله بالتحكيم ثم اغتيل علي غدراً عقب الهدنة فكان ان ظهر معاوية.

هذه الاحداث بتسلسلها الذي يكاد لا يصدق من غرابته: ان تتعقد الامور فيصل واحد من الطلقاء وابناء الطلقاء بل من ابناء الد الاعداء ليصل إلى المنبر وسدة الخلافة ، اقول هذه الاحداث عاشها المجتمع الاسلامي قطرة دم بقطرة دم وجثة تلو جثة كانت الحرب تنهش المجتمع نهشاً . واذا بمعاوية في النهاية يصعد ليصير خليفة رسول الله.

ثم جاء معاوية بتبريرات بدت شيئاً فشيئاً تصير مقبولة انه الظهور بأمر الله . انه النصر الالهي الذي لا غالب له . انه الله الذي اختار معاوية ولم يختاره فقط في هذه المرحلة بل يبدو انه اختيار مؤبد إلى يوم القيامة كما جاء في الحديث.

ولم يكن المجتمع المسلم ساذجاً بحيث بحيث تنطلي عليه هذه التبريرات لكن ثلاث عوامل دفعت إلى الانتشار التدريجي لها : اولاً – ان المجتمع تعب كثيراً من حرب اهلية دمرته داخلياً وجعلته يفقد حلاوة الانتصارات التي حصدها في سنوات الفتوحات الاولى وفقد المجتمع عشرات الالاف من ابنائه في حرب اهلية مدمرة بل فقد اربعة من اكبر الصحابة ومن الطبقة العليا منهم ، من العشرة المبشرين في الجنة في غضون اربع سنوات فقط : وهم عثمان وطلحة وزبير وعلي ، عدا عن العشرات الاخرين وكانت تلك صدمة كبيرة للمجتمع المسلم الذي صار يريد انهاء الحرب بأي طريقة وتبدو هذه هي المبررات الوحيدة لصلح الحسن مع معاوية.

ثانياً – ان هذه التبريرات لم تكن تنتشر بالجدل والموعظة الحسنة وبالتي هي احسن ، لقد كان هناك السيف والارهاب والدم لفرضها وقد مر علينا كيف ان عبد الله بن عمر كان يريد ان يرد على معاوية لكنه احجم في اللحظة الاخيره خوفاً من سفك الدماء. وعندما يفرض رأي معين بالسيف والارهاب فأنك قد تكون غير مقتنعاً به لكنك تسكت وبعد عشر سنوات من السكوت سيبدأ هذا الرأي بالتسلل إلى داخلك ربما لتقنع نفسك بسبب لسكوتك.

ثالثاً – وربما الاهم ،هو هذا التوظيف المستمر لاحاديث نبوية شريفة خدمة لاغراض السلطات ، نعود ونكرر ان هذه الاحاديث لا يشترط قط ان تكون موضوعة لكن تأويلها وتمثيلها بالواقع كان مزيفاً حتماً وكانت عموم الناس لا يستطيعون تبيان ذلك خصوصاً مع التناقص المستمر للصحابة ومع خوف الصحابة انفسهم من بطش السلطة وكانت الاحاديث بأعتبارها صادرة عن الرسول تمتلك مصداقية هائلة لا يمكن مناقشتها او مراجعتها. فأذا جمعنا العوامل الثلاثة : التعب من الحرب الاهلية ، الخوف من البطش وسلطة النصوص النبوية لوجدنا ان المحصلة النهائية هي هنا الموقف السلبي الذي وقفه عموم الناس بل وبعض خواصهم تجاه ما كان يروج له.

لقد اعتمدت السلطة الاموية في سياستها الاعلامية على حدث واحد معين وجدت انه سيكون الحجر الاساسي لكل مبرراتها خاصة واني اعتقد ان الاحاديث الموضوعة في فضائل معاوية قد وضعت في فترة اخرى متأخرة على حكم معاوية نفسه. حدث واحد فقط: حدث انتصار معاوية في حربه على علي او ظهوره كما روجت بأصرار .

كانت السلطة تعي جيداً ان معاوية كان خالياً من الفضل السبق والعلم وكل الصفات الاخرى التي تحلى بها سابقوه من الخلفاء لم يكن هناك جدوى من المقارنة (وان كان بعض التلطيف سيفيد حتماً ) ورغم ان علياً اغتيل وبعده مات الحسن الا ان المعارضة كانت موجودة وكانت تطعن في مشروعية خلافة معاوية اصلاً.

وكان لابد من سلاح قوي لمقارعة هذه المعارضة ، وكان هذا السلاح هو الحدث نفسه حدث الانتصار والظهور لقد برر هذا الحدث بأنه ظهور بامر الله ،انه انتصار بأرادته أي بمعنى رضاه ومحبته ومشيئته ، لقد انتصر معاوية رغم عدم امتلاكه لمقومات الانتصار الاسلامية الا يعني ذلك ان الله اراده هو بالذات لينتصر ؟ لقد وسعت حكمته كل شيء فما ادرانا ما اراد الله به من خير ، ثم عسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وقد اراد الله معاوية فكيف يسعنا الاعتراض على قضائه وارادته وحكمته؟.

وعلى بعد هذا التفكير عن المنطق الاسلامي في المواجهة والتغيير فعلينا ان نتذكر ان المجتمع المسلم لم يجر إلى هذه النقطة بسهولة الحرب الاهلية المدمرة اولاً . والاستبداد والبطش ثانياً.

وكانت السلطة تعي ان هذا السلاح الايدلوجي لن يفيد في قمع معارضيها الكبار من اصحاب الفقه والعلم والصحبة والذين كانوا يعلمون تماماً انه لو كانت الحوادث التاريخية مبرراً للقعود والسكوت لما خرج الرسول من مكة بل ولما دعا احداً إلى الاسلام ، كانت السلطة توجه هذا السلاح للعامة، كانت لا تهتم بنصرتهم لها بقدر ما كانت تهتم بتحييدهم واخراجهم من ساحة الصراع، كانت تهتم بأن لا ينصروا اعداءها فتنفرد بهم هي وتكون كفيلة بأنهائهم لذلك كان تروج ان الطائفة المنصورة لا تبالي بمن خذلها ولا من نصرها فهي منصورة و الامر منته، كانت عبر الترويج لهذا السلاح ونشره تعمد إلى نشر الاستسلام للحوادث والوقائع التاريخية السياسية خصوصاً باعتبارها امراً الهياً لا مرد له بل ان التصدي لهذه الامر ليس فقط بلا جدوى بل هو تحد لا رادته تعالى .

انه الاستسلام. انه التحييد . انه الخروج من دائرة الفعالية إلى سطح السلب الذي لايفعل شيئاً.

ان هذا الظهور بالامر الالهي والنصرة الالية هو ذاته العطية الالهية في الحديث السابق حديث الدعاء وهو نفسه الحق الذي ادعاه معاوية في حديث ابن عمر . انه مفهوم واحد تعددت الوسائل في التعبير عنه لكنه واضح جداً . انه ذات المفهوم الذي قال المعتزلي القاض عبد الجبار ان معاوية اول من اظهر القول به: الجبر. لكنه هذه المرة جبر من اجل السياسة متنكر خلف التوظيفات السياسية للنصوص الدينية ومتسلح بقوة الاستبداد والسيف وفارض نفسه بعد كل شيء كأمر واقع لا مجال لتغيره.

انه الجبر امام قضاء الله وقدره ، الحق الالهي الذي تسلمه معاوية وجعله هو لاغيره احق من كل الصحابة وابائهم بأمر الخلافة ، العطية الالهية التي احتازها معاوية والتي لا مانع لها، الطائفة الظاهرة المنصورة التي ستظل كذلك إلى يوم القيامة والتي لن يضرها من خالفها لانها منصورة الهياً _ جفت الاقلام ورفعت الصحف _ ولن يضرها من خذلها ولا حتى من نصرها .

انه الجبر بعينه . الحوادث التاريخية صارت مبرراً لكل شيء ، لو كان الله لايريد ذلك لما حدث اصلاً ،انها مفاهيم الجاهلية تعود ، الم يقولوا لولا شاء الله ما اشركنا به ولو شاء الله لا طعمهم .. لم يمض عقود على اندثار هذه المفاهيم بل لعلها موجودة في اعماق اللاوعي خصوصاً عند حديثي الاسلام منهم وعادت لتظهر على سطح بقوة السيف والاستبداد وسلطة التأويل للنصوص الدينية .

انه الجبر الجاهلي بعينه هذه المرة ليس امام الكيان القبلي والطبيعة الخانقة التي جعلت من العربي اسيراً لكيانه ولكن امام حوادث سياسية تاريخية فرضت عليه حكماً لم يكن يرتضيه ثم قيل له انها ارادة الله عز وجل .

نعم انه الجبر كما قال القاضي عبد الجبار لكن معاوية لم يظهر القول به بشكل واضح وانما مارسه كأمر واقع قدم له مبرراته واستخدمه لتوطيد حكمه وحكم ابنه من بعده استعمل المتوفر من النصوص خصوصاً النبوية ليتأولها ويتمثلها ويجعلها صالحة لخدمته.

نعم، انه الجبر يتسلل إلى المفاهيم الاسلامية وبقوة. لم يسمه معاوية بالجبر قطعاً- فللنتبه إلى ذلك! ولم تكن التسميات مهمة فمعاوية كان حاكماً يهمه توطيد حكمه وتثبيت دعائمه ولم يكن مفكراً اصولياً يهتم بالتنظير والتفسير وتبويب المصادر والبحث عن المصطلحات. ما هم معاوية قط ان يكون الجبر اسماً لسلعته او ان يكون اسمها القضاء والقدر ، المهم ان تنتشر وتكون جزءً من ايمان الناس وعقائدهم ولا يهم بعد ذلك بكثير او قليل ان هذه النسخة من القضاء والقدر مختلفة عن النسخة الاصلية الاسلامية ، نسخة المقاومة والتغيير والمقارعة وفي وثيقة اخرى نجد هذا المفهوم الواضح اشد صراحة عندما يستلزم الامر (حدثنا محمد بن محمد الجذوعي ثنا ابو الخطاب زياد بن يحيى ثنا الهيثم بن الربيع ثنا سرار بن مجشر ابو عبيدة العنزي عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال لما بايع معاوية ليزيد حج فمر بالمدينة فخطب الناس فقال: انا قد بايعنا يزيد فبايعوا ، فقال الحسين بن علي انا والله احق بها منه، فأن جدي خير من جده وان امي خير من امه و ابي خير من ابيه وانا خير منه فقال معاوية اما ماذكرت ان جدك خير من جده فصدقت رسول الله خير من ابي سفيان بن حرب واما ما ذكرت ان امك خير من امه فصدقت فاطمة بنت رسول الله خير من بنت مجدل واما ما ذكرت ان اباك خير من ابيه فقد قارع ابوه اباك فقضى الله لابيه على ابيك واما ماذكرت انك خير منه فلهو ارب منك واعقل ما يسرني به مثلك الف) . المعجم الكبير 19/356-833

فلنتامل : لقد قارع ابوه- يعني نفسه- اباك، يعني علياً. فقضي الله لابيه على ابيك.. هذه المرة: صريحة عالية مدوية ! في مواجهة الحسين، لا العامة. ولننتبه انه تجنب كل ما يؤلبهم ضده: فالرسول افضل من ابي سفيان والحمد لله وفاطمة بنت الرسول افضل من ام يزيد والمزيد من الحمد لمستحق الحمد . اما معاوية وعلي فهو يتجنب ذكر من الافضل ، لقد قضى الله بينهما وقال بينهما كلمته وهو شخصياً يبدو مجبوراً على ما حصل ! لا مانع لما اعطى الله !.

ولننتبه اكثر : هل تزامنت هذه الواقعة بالذات مع حادثتنا الاولى التي رواها ابن عمر ؟ ام انها كانت منفصلة عنها في الحقيقة؟ لا اهمية لهذا الربط الان ، والاهم ان نبحث في المزيد من الوثائق.

من كتاب البوصلة القرآنية للدكتور احمد خيري العمري akomari70@yahoo.com

يتبع الحلقة الخامسة ..
08-31-2006, 05:38 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية - بواسطة الحر - 08-30-2006, 08:46 PM,
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية - بواسطة آمون - 08-31-2006, 09:45 AM,
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية - بواسطة الكندي - 08-31-2006, 05:38 PM
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية - بواسطة خالد - 08-31-2006, 07:20 PM,
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية - بواسطة ريفي - 08-31-2006, 07:37 PM,
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية - بواسطة الحر - 09-01-2006, 04:48 PM,
لحظة معاوية: كرة ثلج تاريخية - بواسطة Truth - 09-02-2006, 06:03 PM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  فقه الثورة وفقه العنف والجريمة ..لحظة داروينية في ربيع العرب بقلم: نارام سرجون فارس اللواء 0 726 09-06-2012, 12:41 PM
آخر رد: فارس اللواء
  فرصة تاريخية للمصريين والعرب ... الأهرام الرقمى نظام الملك 22 5,185 02-24-2012, 04:37 AM
آخر رد: The Holy Man
Video معاوية بن ابي سفيان، صحابي جليل ام زنديق تملك المسلمين؟ (خطبة مثيرة للاهتمام) المفكر شمعون 11 3,974 05-14-2011, 09:40 PM
آخر رد: على نور الله
  جمهورية اليهود ...حقيقة تاريخية والحل بيد الليدي ميشيل نسمه عطرة 1 2,015 01-10-2011, 10:43 PM
آخر رد: أسامة مطر
  نصارىالعرب وقبر أبو أيوب و بزيد ابن معاوية عزيز عزير 12 3,712 09-16-2010, 01:29 PM
آخر رد: المضطهد Le persécuté

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS