حركه الثقافه:
ان كيفيه تشكل الثقافات طرح نفسه بجد اوائل القرن العشرين على كثير من فروع العلم اهمها العلوم التي تبحث في الانسان والمجتمع
وبشكل خاص الفلسفه و الانثروبيولوجيا.

تجدر الاشاره هنا الملاحظه والمقارنه العلميه للمجتمع بعينه في فترات تاريخيه تؤكد حتما ان هناك تغيرات كثير في الثقافه تحدث
مع الزمن ومن هنا مستحيل ان تكون الثقافه ازليه.
و كثيرا ما يحصل انبثاق ثقافات جديده في التاريخ وطمور اخرى
و هو ما يسمى القطيعه المعرفيه على مستوى ثقافه المجتمع الواحد
فهناك مثلا قطيعه معرفيه بين ثقافه اروبا اليوم وبين ثقافه اروبا القرون الوسطى في الوقت لا نجد مثل ذلك في الثقافه العربيه.
ونذكر هنا ان هذه ملاحظات اوليه من قراءه التاريخ.

لكن ماذا نعني "بالقطيعه المعرفيه "
القطيعه بمعنى القطع بين جزءين وبيان الانفصال بينهما.
وهذه القطيعه حصلت على مستوى المعرفه والمعرفه كما نعلم هي مادة الفكر , الفكر الجمعي الذي اكدنا انه هو الثقافه بعينها
كيف تحصل القطيعه المعرفيه :
عند هذا السؤال توقف اندريه لالاند الفيلسوف الفرنسي وعالم الانتروبولجيا الفرنسي ليفي شتراوس ليفرقوا بين مستويين من المعرفه :
-المعرفه بوصفها اداه لانتاج معرفه :
وهنا المقصود ان ثمه نوعا من المعرفه نستطيع من خلاله فحص المعارف واستنباط معارف اخرى بناءا عليها وسمي مجازا "العقل".
-المعرفه من حيث هي ماده للتفكير :
مثل معارفنا عن طريق الحواس او النقل.

ويؤكد هؤلاء العلماء ان المعرفه التي سميناها عقلا هي المسؤوله عن تكوين الثقافه وهي المسؤله عن حركتها او تغييرها وكما قلنا
فهم يقسمون ادوات انتاج المعرفه داخل الفكر –العقل- وبالتالي الثقافه الى قسمين غير منفصلين :
-لعقل المكون-بكسر الواو مع التشديد-او العقل الفاعل : وهو ملكه يتساوا فيها جميع الناس ونقصد بملكه انه يشبه الى حد ما الحواس
فعندما نسال أي انسان : اذا كان لديك سته كتب وعندك ثلاثةاولاد
وتريد توزيعها عليهم كم ياخذ كل منهم ؟
سيجيب أي انسان قادر على التفكير انه :كتابان لكل ولد.
مثل ان تسال شخصان عن درجه حراره جسم ما :يمسكان به ويحددان اذا كان اعلى او اقل او يساوي حراره جسمه وبناءا عليه
يقول ساخن او بارد او ساخن جدا ....
اذن هو كما قلنا :
العقل الفاعل: "وهو الملكه التي يستطيع بواسطتها كل انسان ان يستخرج من ادراك العلاقات بين الاشياء مبادىءكليه وضروريه وهي –الملكه-واحده عند جميع الناس". بعباره اخره هي "حاسة العقل".
-العقل المكون-بفتح الواو مع التشديد-او العقل السائد: وهو نتاج اشتغال العقل الفاعل داخل مجتمع بعينه.مع الخيال والتصور والدين
والطبيعه يستنج المجتمع على نحو جمعي قواعد ومعايير يقرا ويفسر ويتعامل على اساسه مع نفسه ومع الكون وباقي المجتمعات.
ويختلف هذا العقل من مجتمع لاخر.ويخاذ المجتمع هذه القواعد والنظم على انها كونيه ومطلقه ويطفي عليها شيئا من التقديس.
وكما قلنا :
العقل السائد: "وهو منظومه من القواعد المقرره والمقبوله في فتره تاريخيه ما والتى يعطى لها في تلك الفتره قيمه مطلقه" داخل مجتمع بعينه.

كيف تتغير الثقافه:
قلنا ان داخل الثقافه هناك عقلان مسؤلان عن انتاج معارفها :
"احيانا يتأزم العقل السائد نتيجه عدم كفاءته في توجيه المجتمع وتفاعله مع حاضرة . في تلك المرحله يقوم العقل الفاعل –الملكه-بتوجيه سهام النقد للعقل السائد ويحاول استنباط-او ابتكار عقل سائد يجهد في ان يكون يوافق
استلزاماته. وهكذا فان هناك نوع من التبادل بين العقلين ."
وهكذا يمكن ان تحصل القطيعه المعرفيه وبات مفهوما مثلا لماذا حارب الاروبيون اندماج الدوله بالدين في القرون الوسطى لان هذا
الاندماج يسبب ازمه حضاريه وظلم مجتمعي واضح كان الخروج منه بوسيله الانقطاع عن عقل الدين في اداره الدوله وتاصيل عقل
خاص بالدوله على اسس مقبوله اجتماعيا مثل العداله والتنميه و....


وان اول من ادخل هذا التشطير للعقل الى الثقافه العربيه هو الاستاذ يوسف كرم في كتابه تاريخ الفلسفه الحديثه وتبنى المفهوم د.محمد عابد الجابري عند نقده للعقل العربي او نظم المعرفه في الثقافه العربيه. على ان ثمه انتقادات كثير للجابري اهمها مجموعه اعمال
جورج الطرابيشي الذي يظهر انه وهب حياته لنقد الجابري في كتب كثيره مثل "نظرية العقل" و اشكاليات العقل العربي".
على ان من المعروف ان العقل بمفهومه العام معروف في كتب التراث العربيه بمعنى الاصول –او القواعد المستخدمه لتقنين المعرفه- واول من اشتغل على هذا المفهوم هو الامام الشافعي
بكتابه الموسوم بالرسالة وهو اول كتاب معروف في اصول الفقه الاسلامي.

نظريه الاطر والمقايسه بين الثقافات :
لن اعود لشرح هذه النظريه لان كتابه الزميل بهجت عنها تجعل المرء يستحي ان يضيف كلمه عليها او ينقد جمال طريقه عرضها.
ولكني اريد ان اعقب عليها بالتالي :
-ان اهم ما يمكن ان تقوله النظريه هو ان العقل كما عرفناه غير قادر على التاصيل أي انتاج معايير ونظم يجمع عليها البشر اجماعا كليا لانه عند طلب البرهان تحيل هذه الاصول الى مقدمات
لا نهائيه او القبول بمسلمات دون برهان لتؤسس للاصول أي ان العقل غير قادر على التاصيل لحقيقه مطلقه.
وهكذا انتهى نموذج العالم الكامل في اوربا وضروره التتبع والتقليد
عند باقي الثقافات وصولا الى النموذج المطلق.
-لكن هذا لا يعني ابدا انهيار مسيره العقل في اروبا طيله 400 سنه مضت , ولكنه يطالب هذه المسيره ببعض التغيرات مثل:
لا يجوز رفض الدين كنموذج كزمولوجي (يفسر الكون) رفضا قاطعا واستمرار القول انه مرحله بدائيه من التفكير الانساني .
يجب اخذ الظاهره الدينيه بعين الاعتبار وبدل نقد النظام الديني
بشكل كامل يجب التحول الى نقد مفاهيم الدين .
مثل المفاهيم التي تدعو الى الصراع الطائفي داخل المجتمع او..
وفهم الدين على اساس انه عقل تاريخي أي انه كان يؤدي عمله بكفائه في ظروف معينه ومرحله تاريخيه معينه.

وهكذا وان كان من غير الممكن على العقل انتاج ثقافه كونيه اليوم
الا ان مفاهيم واصول كل ثقافه قابله للنقد كما سبق ان بينا .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبشكل عام صاغ الاستاذ محمد اركون هذا الموقف للثقافه العربيه في كتابه المثير الفكر الاصولي واستحالة التأصيل على النحو التالي:
فهؤلاء-يقصد مدعي كونيه الثقافه الاسلاميه-لا يستطيعون او لا يريدون ان يحترموا القاعده المعرفيه التاليه
وهي تلزم العقل الزاما مطلقا في جميع انتاجاته الفكريه و العلميه .وهي قاعده مرتبطه بالوضع اللغوي والمدني
والاجتماعي الذي ينشاء فيه الانسان ويتقيد به العقل في جميع نشاطاته وممارساته .
تقول القاعده: ان كل جمله ينطق بها متكلم ما بقصد التاصيل تحيل بالضروره الى مستويات مترابطه من التفكير والتعبيير وايجاد الزام للمعنى .وهذه المستويات هي :
-مستوى ما يمكن التفكير فيه للمتكلم:
وهو متعلق بتمكن المتكلم من اللغه التي يستعملها و بالامكانات الخاصه بكل للغه من اللغات . كما انه متعلق ايظا بما يسمح به الفكر والتصورات والعقائد والنظم الخاصه بالجماعه التي ينتمي اليها او يخاطبها. و بالفتره التاريخيه من فترات تطور الجماعه .

-مستوى ما لا يمكن التفكير فيه :
بسبب مانع يعود الى محدوديه العقل ذاته او انغلاقه في طور معين من اطوار المعرفه.او اكراهات السلطه السياسيه والدينيه.

-مستوى ما لم يفكر فيه بعد :
اذا استمر الفكر زمنا طويلا وهو يكتفي يتردييد ما تسمح به اللغه والنصوص العقائديه والرامزات الثقافيه واجماع الامه ومصالح الدوله بالتفكير فيه فانه يتضخم ويتثاقل ويسطر عليه عندئذ مالم يفكر فيه بتلك اللغه وتلك الغتره التاريخيه. ويضرب مثلا تعلم العربي لغه اروبيه سيلاحض حتما مصطلحات لم يفكر فيها بعد داخل ثقافته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ