[CENTER]نحن و مؤسسات المجتمع

لكل مجتمع إنساني و بغض النظر عن مدى تقدمه منظوماته التي يتشكل و يسير بل و يعيد إنتاج أفراده وفقا لنسقها و التي تعمل بشكل متناسق - مؤثرة و متأثرة ببعضها البعض و بأفراد المجتمع - مكونة هوية ذلك المجتمع.
و كما سبق فالأمثلة على تلك المنظومات كثيرة لكن يمكننا أن نحدد بعض الرئيسي منها و في قلبها تقع المنظومة أو الخلفية المعرفية لهذا المجتمع ثم المنظومة الأخلاقية القانونية ثم المنظومة الإقتصادية و هكذا.

ثم تأتي مؤسسات المجتمع مثل مؤسسة الحكم و المؤسسات التشريعية (مثل المجالس النيابية) و القانونية (مثل النيابات و المحاكم) و مؤسسات التعليم (الوزارات و الجهات الحكومية و الشعبية المختصة و الجامعات و المدارس) و المؤسسات الثقافية المختلفة (من الجهات الحكومية المختصة لدور المسرح و السينما و الصحف و الكتب .. إلخ).

و تمثل مؤسسات مجتمع ما - الأجهزة التي ينوط بها هذا المجتمع مهمة الحفاظ على مجموعة منظوماته و التي تمثل هويته. و هذا بدءا من الحكومة المركزية إلى أصغر مدرسة.

و من الطبيعي - نظرا لكون مؤسسات المجتمع أجهزة تنفيذية - منوط بها حفظ و صيانة منظومات المجتمع المختلفة - من الطبيعي أن تتناسب طرديا في حجمها و درجة بساطتها أو تعقيدها مع الأصل أو الهدف الذي وضعت للحفاظ عليه و هو منظومات ذلك المجتمع.
فنجد بمثل مجتمع بسيط كمجتمعاتنا قبل الإنفتاح النسبي على الغرب - مؤسسة كمؤسسة التعليم و قد أتت متوافقة مع منظومتنا / خلفيتنا المعرفية الدينية - و تمثلت في الكتاتيب التي تحفظ القرآن و في أقصى صورها و بالنسبة لعدد أفراد قليل نسبيا - التعليم الديني في أحد أروقته مثل الأزهر مثلا. و أتت أيضا المؤسسة الإقتصادية بسيطة بساطة المنظومة الإقتصادية لهذه المجتمعات.

أي أن مؤسسات المجتمع سواء كانت حكومية أم مدنية هي إنعكاس لمنظوماته وظيفته الحفاظ على تلك المنظومات غالبا و تطويرها أحيانا. و يأتي تطور شكل و وظيفة تلك المؤسسات تابعا لتطور المنظومات التي بني عليها و ليس العكس. و إن كان من الممكن أن تساهم المؤسسات في تطور المنظومات إلا أنه لا يمكن ذلك إلا في وجود الحد الأدنى من التوافق بينهما.
و كمثال متطرف لا يمكننا مثلا تصور وجود هيئة قياس جودة النبيذ في بلد إسلامي.

هذه المقدمة المختصرة قد تبين لنا لحد ما لماذا تتعايش مجتمعاتنا حاليا مع مؤسسات (حكومية و مدنية) فاقدة للشرعية على جميع المستويات و هذا في حالة من عدم الإستقرار و التي لا يمكن أن تستمر طويلا.
و وجب علينا هنا أن نفرق و بوضوح بين فقدان مؤسسة ما للشرعية في مجتمعها بسبب قصور في آدائها - Malfunction - أو فساد القائمين عليها و بين أن تفقد تلك المؤسسة شرعيتها لعدم شرعية المنظومة القائمة عليها من الأساس (أو عدم شرعية وجود تلك المؤسسة من الأساس).

ففي الحالة الأولى (فقدان مؤسسة ما للشرعية بسبب فشل آداءها مثلا) يكون الحل الأمثل وصولا لحالة الإتزان الإجتماعي المستقر هو إصلاح هيكل و ميكانيزم تلك المنظومة لكي تؤدي الهدف التي أنشأها المجتمع لأجله.
أما في الحالة الثانية (عدم شرعية وجود تلك المؤسسة من الأساس لعدم شرعية المنظومة التي بنيت لحمايتها أو لتعارضها مع منظومات أساسية لهذا المجتمع) فلا يوجد حل سوى إنهاء وجود تلك المؤسسة و إنشاء مؤسسات تتوافق مع منظومات المجتمع الشرعية.

و كمثال في مجتمعاتنا يجب التفريق يجب التفريق جيدا بين أن تفقد المؤسسات المعنية بالسياحة في بلد كمصر شرعيتها بسبب فساد القائمين عليها و بين أن تكون فاقدة للشرعية (حتى بين القائمين بالعمل فيها من أول موظفي المؤسسات الحكومية المختصة لملاك المنشآت السياحية وصولا لأصغر الموظفين فيها و الذين يؤمنون أنهم يعملون فيما هو حرام لحين ثم تأتي التوبة) و هذا بسبب تعلقها بأفكار و أنشطة غير ذات صلة أو متعارضة مع منظومات مجتمعنا الأصلية.

كما يجب التفريق جيدا بين أن تفقد مؤسسات الفنون و الثقافة شرعيتها (بدءا من الوزارة و الهيئات الحكومية المعنية لدور المسرح و السينما و مؤسسات النشر و المطابع وصولا للعاملين بكل تلك الأجهزة من موظفين ثم المتلقين بأطيافهم و إنتهاءا و للغرابة للأفراد المنوط بهم قيادة تلك الأنشطة و المستفيدون الأوائل منها مثل نجوم الغناء و التمثيل مثلا و الذين يعتبرون أنفسهم - حتى و لو على سبيل النفاق - خاظئين في طريقهم للتوبة. و لعلنا قد سمعنا ممثلة مصرية قد تحجبت مؤخرا - و هي ترد على سؤال لها منذ أكثر من سنتين بأنها تنوي التوبة !! و الحجاب لكنها تعمل على تحجيب عقلها أولا - و بدون قصد قد جاءت جملتها شديدة التعبير و العمومية - فقد قصدت بتحجيب عقلها تأهيله للحجاب - لكن الجملة تبدوا بغير قصدها أشد بلاغة).
يجب علينا التفريق بين فقدان المؤسسات الثقافية و الفنية شرعيتها بسبب هبوط مستواها لأسباب إقتصادية إجتماعية أو غيرها و بين فقدان شرعية وجودها ذاته لتعارضها مع منظومات مجتمعاتنا.

كما يجب علينا التفريق بين فقدان معظم أو جميع المؤسسات الإقتصادية ببلد مثل مصر لشرعيتها نتيجة قصورها و فسادها - و بين فقدانها للشرعية كاملة نتيجة إعتمادها على ما يعارض منظوماتنا الشرعية. فشرعية مصلحة الضرائب و الجمارك ليست فاقدة للشرعية فقط لفسادهما الإداري و الوظيفي لكن أولا لفقدانها السند الشرعي في منظوماتنا الشرعية. فلا يوجد وازع من شرع و بالتالي من ضمير يمنع قطعا التهريب الجمركي أو الضريبي أو التجارة بالعملة - بل و أحيانا العكس صحيح و قد يكون مبررا للإلتفاف على الحكومة غير الشرعية (أي التي لا تطبق الشرع).

و هكذا دواليك وصولا لشرعية الحكم نفسه الذي يجب التفريق بين فقدانه الشرعية نتيجة فساده و فساد القائمين عليه و بين فقدانه لها نتيجة عدم تطبيقة للمنظومة الشرعية للمجتمع و هي هنا الدينية.

و يمكننا أن نكمل هذا الشريط في أمثلة لا حصر لها لفقدان مؤسسات كاملة لشرعيها في المجتمع ليس فقط لفسادها لكن أصبح مجرد وجودها غير مشروعا نظرا لتعارضها مع منظومات المجتمع الشرعية.
و قد حاولنا في كل مما سبق التفريق بشدة بين فقدان تلك المؤسسات للشرعية بسبب الفساد أو القصور الوظيفي و بين فقدانها بسبب فقدان منظوماتها (التي يفترض أنها نابعة منها و تحميها) للشرعية من أصله أو تعارضها مع المنظومات الشرعية للمجتمع.
و قد حاولنا ذلك بالرغم من وجود السببين السابقين متشابكين تماما في مجتمعاتنا و يشكلون سويا معاول هدم شرعية المؤسسات (حكومية و مدنية) إلا أنه بهذا التفريق نكون قد وضعنا أيدينا على العلة لكي نحاول الوصول لطريق إصلاح حقيقي و ليس بزائف في دوائر غير منتهية من الفشل و كأنها لعنة سيزيف.

فمحاولات إصلاح تلك المؤسسات الفاشلة فاقدة الشرعية لن يتأتى أبدا بإصلاح آدائها و هياكلها فقط - بل وجب الحفر أعمق من ذلك كثيرا في مبادرات لإسباغ الشرعية أولا على المنظومات التي تقوم على فكرتها هذه المؤسسات - و إزالة التناقض العميق بينها و بين منظومات المجتمع الشرعية الأصلية.

يتبع ,,