الصديق العزيز / نبيل

شرفني حضورك دائما - و رأيك من أكثر ما أعتز به.

الزميل المحترم / Salim

أشكرك لمشاركتك و صبرك و سعة صدرك.

[CENTER]تابع: شرعية مؤسسات الحكم

من أين إذا إستمدت نظم حكمنا منذ الأمس البعيد و حتى اليوم شرعيتها و مبرر إستمرارها؟

القوة - كانت و لا زالت - الباب الملكي لشرعية مؤسسات الحكم عندنا - ليست متميزة في ذلك عن غالبية نظم الحكم على مستوى الإنسانية و على مدار التاريخ بقدر أو بآخر - بإستثناءات قد لا تذكر - و يسري هذا أيضا على الغرب حتى حدوث الطفرة - أو القطيعة المعرفية - لنا أن نسميها ما نشاء - لن يغير ذلك من كون تقدم العلوم لتصبح الخلفية المعرفية المعتمدة و الشرعية للمجتمعات الغربية سببا في هذا التغيير الكيفي في مفهوم السلطة و شرعية مؤسسات الحكم لديهم.

و بينما مثلت القوة في مجتمعاتنا هذا الباب الملكي و الوحيد لشرعية مؤسسات الحكم - فقد مثل الدين بمؤسساته شرط إستمراره و وجوده و إستقراره - هذا إن لم يساهم أصلا مع القوة منذ البداية في إسباغ تلك الشرعية.

القوة و الدين هما مفتاحا شرعية نظم الحكم لدينا يأتي بعدهما ما يأتي من عوامل مساعدة لكنها أبدا لا تقترب من تأثيرهما. و إن كان فلدعم أحد تلك المفاتيح. و قس على هذا عامل الإقتصاد و تأثيره السياسي فيما يمثله في تاريخنا مثل (سيف المعز و ذهبه) فبينما يبقى السيف مسلطا دائما على رقاب العامة و الخاصة - يأتي الذهب لإخضاع كلا من مراكز القوى و مؤسسات الدين و ليس الدهماء و التي أرضاها دائما فتات الموائد و كفاها الحد الأدنى من مستلزمات الحياة.

قد تأتي القوة مدعومة بصبغة دينية لإغتصاب شرعية الحكم - أو قد يأتي الدين مدعوما بالقوة بل و في أحيان نادرة قد تأتي القوة وحدها لإغتصاب الحكم كما في بعض حالات الغزو الخارجي - لكن لإستمرار ذلك الحكم كان لا بد دوما من التوجه الديني عاجلا أم آجلا و دعم المؤسسات الدينية.

و معادلات توازن القوة و الدين حساسة و معقدة - بوجه خاص لدينا و ذلك لإتساع رقعة الأحكام الدنيوية و الأخلاقية في تراثنا الديني فيما يمثل ملعبا شديد الإتساع تمرح فيه كلا من مؤسستي الحكم و الدين كما تشاءان نسبيا و إن كان داخل نفس الإطار الديني دائما.

و الخلل في التوازين بين هذين العاملين قد ينتج سقوط شرعية مؤسسة الحكم - أو قد ينتج إحلال بمؤسسة الدين - و الأهم أنه في حالة خلل توازنها تتضخم آثار العوامل الأخرى كثيرا عن الطبيعي و يزداد التأثير السلبي المتبادل بين مؤسسة الحكم و هذه العوامل. و كمثال فإختلال القوة بمؤسسة الحكم أو إختلال توازنها مع مؤسسات الدين غالبا ما أنتج فوضى إجتماعية أثرت سلبا على الإقتصاد و الذي بدوره سوف يؤثر سلبا على مؤسسة الحكم مسبا تآكل أكثر بشرعيتها تحت ضغط الغضب العام و الذي ستدعمه مؤسسات الدين .. و هكذا.

و لنعد لسؤالنا الأصلي:
لماذ فقدت أو كادت أن تفقد نظم الحكم لدينا شرعيتها بإختلاف أطيافها. لماذا الآن تحديدا؟ و إذا كان ذلك فلمن سوف تفقدها؟

أما عن فقدان مؤسسات الحكم لدينا فهو مما لا مراء فيه. في دولنا المحكومة علمانيا (كما جرت العادة أن نصنفها) أو تلك التي تحكمها الأسر الملكية ذات الغطاء الديني و إن تفاوتت نسب فقدان تلك الشرعية لتفاوت الكثير من ظروف التركيبة الإجتماعية و الأهم الغطاء الإقتصادي. إلا أنك سوف تشتم رائحة النهاية في تلك الجمهوريات أو الممالك بشكل أو بآخر - بالتعبير اللفظي أو الدموي الإرهابي.

لماذا الآن إذا - هل إختلت قوة مؤسسات الحكم عما كانت عليه من قبل؟
الواقع يقرر عكس ذلك فالأجهزة الأمنية أشد ضراوة و أعظم تكنيكيا و عدديا عن أي وقت في تاريخها.

هل إختل التوازن بين مؤسسات الحكم و الدين؟
بالتأكيد نعم فالخلل قائم - لكن ليس بين مؤسسات الحكم و مؤسسات الدين الرسمية (إلا بقدر يسير حتى الآن) بل بينها و بين مؤسسات جديدة غير رسمية - و هي على إختلاف أطيافها ظاهريا إلا أنها ذات هدف ثابت و محدد - و تتميز بدعم قاعدي عارم من المجتمع.
أي يمكننا القول بأن الخلاف بات بين مؤسسات الحكم و بين الخلفية المعرفية الدينية بالكامل للمجتمع.

لكن مهلا - فالدارس المنصف سوف يجد نسبة هائلة من المجتمع ترجع فقدان شرعية مؤسسات حكمها لإنعدام الديموقراطية و غياب العدل الإجتماعي - و في الواقع فتلك النسبة من المجتمع ليست كبيرة فحسب بل لن يمكنك تفريقها عن تلك النسبة التي ترجع فقدان مؤسسات الحكم شرعيتها لتعارضها مع الخلفية الدينية للمجتمع - فكلا المقولتين - أو الدفعين - و برغم إتفاقهما الظاهري (مع تناقضهما و تباعدهما في النتيجة النهائية ) كلاهما يوجدان في نفس النسبة و نفس عينة البحث بل و نفس الأفراد تحديدا. أي أنه ليس بغريب أن يدعي نفس الفرد و بغض النظر عن مقدار ثقافته تبني كلا وجهتي النظر و كأنهما ينبعان من نفس المنبع. و كأنهما طريق واحد سوف يؤدي لنفس النهاية.

إلا أن الدفع بفقدان شرعية مؤسسات الحكم - أو نسبة منها - لصالح عدم وجود الديموقراطية - سيظل زائفا كما تبينا من قبل - أو في أحسن أحواله فهو نصف زائف.
فواقع الأمر الذي لن يمكننا إنكاره أن كلا الدفعين لن يقودان سوى لطريق واحد و هو الدولة الثيوقراطية (الدينية).
و بالرغم من حقيقة وجود ضغط من المجتمع لإسقاط شرعية مؤسسات الحكم تحت دفع إنعدام الديموقراطية - إلا أن ذلك السقوط سوف يكون آليا لصالح الدولة الدينية و ليس الديموقراطية الليبرالية أبدا. - و هذا طبقا للمعادلة البسيطة التي سبق توضيحها بهذا الشريط.

و يرجع هذا التناقض الغريب كون أنه ثبت في العقل الجمعي للمجتمع منذ بدء فترات التنوير و للآن مقولة عدم تعارض - أو قل تطابق - الديموقراطية مع الدين و الشورى و خلافه و هذا بسطحية فجة و تدليس متعمد في الأغلب من منطلق أن كل ما هو خير - الديموقراطية في حالتنا و التي من الصعوبة بمكان نعتها بالشر - فهو لا يتعارض مع الدين إن لم يكن نص عليه أصلا. أضف لذلك ضغط وسائل الإعلام الحالية و التي لا يمكن تجاهل مقدار تأثيرها على المجتمع كونه يرى من نظم الحكم الديموقراطي الغربي مالم يرى من قبل و الأكثر نتيجة هذه النظم على الشعوب التي تتبناها.

لكن في النهاية فإنتقال المجتمع لتبني منظومات أخلاقية / إجتماعية مغايرة - الليبرالية في حالتنا - دربا من المستحيل كون ذلك نابع من أساس أعمق هو الخلفية المعرفية العلمية و ليست الدينية التي نعتمدها.

بل و عدم التوازن الحالي بين القوة ممثلة في مؤسسات الحكم و بين المؤسسات الدينية (غير الرسمية غالبا و حتى الآن) و الذي أرجعنا له النسبة الأكبر لظاهرة فقدان مؤسسات الحكم للشرعية (داخليا) بوجه عام هو ناتج مباشر لعملية تنامي سريع و حاد في الشعور الديني (أو كما نسميها الصحوة الدينية) و التي أتت كرد فعل على ما هو أشد غورا من هذا و ذاك و هو التناقض المعرفي و العقلي الحاد بين المنظومة المعرفية العلمية التي يعتنقها الغرب و تباعا كافة المنظومات الأخرى مثل الأخلاقية القانونية و الإقتصادية و بين خلفيتنا المعرفية الدينية التي مازالت نعتنقها و ما يتبعها من منظومات أخلاقية و خلافه.
فالتناقض كان موجودا من البدء و مازال - لم و لن تصلح كافة عمليات التدليس في تذويبه.

و المطالبة بإعتناق منظومة أخلاقية إجتماعية مستوردة - بدون تعديل أساسنا المعرفي هو نوع من المزاح السخيف. أو الجهل المدقع.
و لا يستثنى من ذلك الفرض الأمريكي شديد الغباء بأن الإرهاب وليد إنعدام الديموقراطية أو الحكم الديكتاتوري و الذي تقوم عليه ظاهريا السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط - و لو كان من الأفضل لنا أن نفترض - لسابق معرفتنا بعدم توافر كل هذه الكمية من الغباء هناك - أن ذلك الفرض هو ستار أو تكتيك لإستراتيجية أخرى - بغض النظر عن أخلاقيته من عدمه.

و واقع الأمر فمؤسسات الحكم لدينا في مأزق بين شقي الرحا - فإتجاهها صوب الدين سيفقدها شرعيتها الخارجية (العالمية) و لا محالة - حيث لم يعد العالم كما كان من قبل و لن يسمح بعد الآن شئنا أم أبينا بدولا ذات إتجاه عنصري أو عدواني أو ديني في المجتمع الدولي.
و ذوبانها في هذا العالم يقف أمامه المد الديني الداخلي الذي كاد يفقدها شرعيتها بالفعل.
أما عن الديموقراطية و الحرية و .. إلخ فهي لا تمثل أي خيارات و لو حتى بالفرض لأي من حكوماتنا و في الحقيقة لأي من مجتمعاتنا على وجه الإطلاق و هذا على وضعنا الحالي.
و لن يظل أمام تلك الحكومات سوى اللعب على الحبال لأطول فترة ممكنة - بالمزايدة الدينية داخليا - و المزايدة الديموقراطية خارجيا و داخليا أحيانا - و هذا لحين قيام الطوفان.