[CENTER]الإعلام العربي - قائد مسيرة التزييف

يمثل الإعلام عامة واجهة مجتمعه و البنية الفوقية له (Super structure). فهو المرآة التي تنعكس بها قضايا ذلك المجتمع بأمانة تامة أو بعد تركيزها أو بعد تشويهها أو تحويرها حسب طبيعة ذلك المجتمع و إعلامه.

و مع التسليم بأن الإعلام بمجتمع ما هو إنعكاس لقضاياه - إلا أنه من الخطأ الشائع إعتبار هذا الإنعكاس على مرآة مستوية في كل الحالات. بل و على حسب طبيعة ذلك المجتمع و مدى تجانسه و إتساقه تكون مستوية أحيانا أو تعكس الصور مكبرة لما يريد هذا المجتمع إظهاره لنفسه أولا ثم للآخر - أو مصغرة بدرجات قد تصل للتشوه أو المحو التام لما يريد أيضا إخفاؤه عن نفسه أو الآخر.

و على نفس هذا النسق سوف يختلف الإعلام ليس فقط بين المجتمعات المختلفة - بل و في ذات المجتمع على حسب القوى المسيطرة عليه و يظهر ذلك بدرجات حسب تجانس المجتمع المعني و لعل إعلامنا العربي يضرب أقصى مثل ممكن للفوضى الإعلامية بمجتمع واحد - عاكسا الفوضى الفكرية و المعرفية التي يعانيها مجتمعنا.

و بالرغم من خطأ دراسة مجتمع ما بدراسة التوجهات الإعلامية له دراسة مباشرة تعني بمواده و نصوصه إلا أن هذا الخطأ نسبي حيث يقل بالمجتمعات المتجانسة ذات التوجهات المتسقة و يزيد بدرجات مختلفة في المجتمعات غير المتسقة ذاتيا أو معرفيا أو تلك المجتمعات ذات الطوائف غير المتجانسة.

إلا أنه و في المجتمعات غير المتسقة و غير المتجانسة كمجتمعنا و بالرغم من الخطأ الفادح حالة دراسة توجه إعلامي ما بوصفه ممثل لتلك المجتمعات - إلا أنه و بواسطة دراسة نفس الإعلام بتوجهاته و دوره يمكن رصد حالة عدم توازن أو تجانس أو إتساق تلك المجتمعات و هذا بمنتهى الدقة و الثقة . حيث يمكننا رصد اللآتي:

1- عدم توافق توجهات الإعلام بوجه عام و بمختلف توجهاته أو أغلبيتها - مع توجهات المجتمع الفعلية (قيمه الأخلاقية و خلفيته المعرفية ..).
و تدل هذه الحالة على عدم الإتساق الذاتي للمجتمع بوجه عام و هذا بمختلف توجهاته و طوائفه. و تباعا عدم الإتزان سواء كان متحرك فعلا أو في وضع إستقرار غير متزن لن يعدو أن يتزلزل تحت أي عامل و لو كان صغيرا في بعض الأحيان.

و يبدوا هذا المثال جليا بمجتمعنا - حيث نجد إعلاما متدرجا من الرسمي الحكومي إلى الإعلام غير الحكومي بتوجهاته التي تصل للجنسية - نجد كل هذه اتوجهات أو أغلبها في غير إتفاق مع مرجعياتنا الأخلاقية و المعرفية - و ناهيك عن الفنون و التوجهات الهابطة - و الموجودة بكثرة - يشمل هذا التناقض فنا نحب أن نصفه بالمحترم كفنون المسرح الجاد أو السينما الهادفة و ليس الهابط منها - و كمثال فقط فمجرد مشاركة المرأة في تلك الفنون المحترمة يصطدم بقيمنا. فنحن نشاهد تلك الفنون و تلك التوجهات مساءا لكي نلعنها و نلعن أنفسنا صباحا في واحدة من كبرى تناقضاتنا.
و على العكس من ذلك فالمجتمعات الغربية يمثل إعلامها إنعكاسا أكثر صدقا بمراحل حيث يبدوا الإتساق بين توجهات هذا الإعلام - و حتى الجنسي الصارخ - و بين القيم الأخلاقية لهذه المجتمعات.

و يجب هاهنا التنويه على أن الإعلام العربي بتوجهاته نابع من مجتمعنا ذاته أيضا و لم يفرض من الغرب مثلا ليمثل قيما غريبة و مفروضة علينا - أي أن التناقض ليس بين المجتمع و إعلامه - بل هو أعمق من ذلك كثيرا - هو تناقض بين المجتمع و نفسه - و بتعبير آخر حالة من عدم الإتساق الذاتي للمجتمع.

و دعك مما نحب أن نطلق عليه الفنون الهابطة أو ذات الإيحاءات الجنسية - فنحن نصف فنونا كالمسرح الجاد و السينما الراقية بالفنون بأوصاف حميدة و سامية و في نفس الوقت لا تستطيع قيمنا الأخلاقية تقبلها.
فمن الممكن أن تستمع لأم كلثوم كفن راقي - لكنك ستحتار أما كون صوتها و شعرها و .. من الحرمات.

2- عدم توافق الإتجاهات الإعلامية المختلفة بذات المجتمع و صولا لحالة التناقض الصارخ (بين الإتجاهات الإعلامية بعضها البعض بغض النظر عن توافقها من عدمه مع قيم المجتمع).

و بجانب دلالة تلك الحالة أيضا على عدم الإتساق الذاتي للمجتمع صاحب تلك إلاتجاهات إلا أنه يدل أيضا على تشرذم ذلك المجتمع لطوائف و إتجاهات مذهبية أو فكرية مختلفة و متناقضة - كامنة أو متناحرة.

و تلك الحالة قائمة حتى بعد إستثناء الإعلام الرسمي الحكومي الموجه و الذي يدل تناقض توجهاته مع مجتمعه على ديكتاتورية نظم الحكم بتلك المجتمعات. و الذي بات تأثيره هامشيا بعد الإنفتاح الإعلامي القسري من قنوات فضائية أو إنترنت أو خلافه. و إن كان ذلك لا يقلل من تأثير تلك الحكومات على ما نطلق عليه بالإعلام الخاص أو غير الرسمي.
حيث أنه و تى بعد إستبعاد الإعلام الرسمي يبقى الإعلام غير الرسمي وأطيافه شديد التباين و التناحر.

الآن و من هذا المدخل - و على ضوء محاولة دراسة الإعلام ليس بتوجهاته و مادته المباشرة - بل كمؤشر على الحالة القصوى من عدم إتساق المجتمع مع ذاته - و ما تمثله من خطورة داهمة لإتزانه - دعنا نحاول تحليل و تبين إتجاه مجتمعاتنا و دور إعلامه الذي يمارسه حاليا في دفع ذلك الإتجاه أو تعطيله.

يتبع ,,,