[CENTER]أين يتجه بنا كل هذا التزييف المقنن ؟

قضايا زائفة, تلاعب بألفاظ و مدلولات, معارك وهمية, مؤامرات مزعومة, عدوانية مع الذات و الآخر و المخالف, إعلام مضلل ... إلخ.

كل ما سبق و عداه - آليات كل وظيفتها حفظ التوازن العقلي لمجتمعاتنا. و حماية بنياتنا و خلفياتنا المعرفية و الأخلاقية الدينية و التي تعرضت بالفعل و تتعرض لإختراق حاد أدى إلى تلك الحالة من التناقض و البارانويا الجماعية.

كل تلك الآليات تشبه طنين وهمي مصطنع بداخل عقل إنسان يسعى ألا يسمع صوت صفارة القطار القادم و هو مربوط على قضبانه بسلاسل حديدية.

فلا غيره يسمع ذلك الطنين - و لا هو يريد أن يسمع صفارة القطار - لأنه عاجز إما عن فك السلاسل الحديدية أو قطع يده بالكامل لإنقاذ حياته. ناهيك عن عجزه التام عن مواجهة القطار.
لماذا إذا لا يتخيل أخطارا أخرى و يحاربها في مخيلته؟ و لما لا يبتعد عن هذا العجز و الخطر الواقعي لكي يبتدع عالم من خياله لا يراه إلا هو؟ لما لا يترك اللحظة الآنية لكي يعود إلى مجاهل الأزمان أو حتى كجنين في بطن أمه؟

و بالرغم من النجاح اللحظي النسبي لتلك الآليات و هذا الطنين المزيف في حفظ التوازن النفسي لهذا الإنسان على مستوى ذاته الداخلية - في الهروب من حالة الخوف و الرعب و الإنهيار الداخلي - إلا أن مكمن الخطر واقعيا و على المستوى الخارجي كون القطار مازال يصفر في طريقه لتمزيق جسده و محوه من خارطة الوجود. كما لا يزال جزء ما بداخل هذا الإنسان و لو صغير مرتبط بالعالم الخارجي و بالحياة و على شبه علم بما يجري برغم كل هذا الطنين الزائف.

و في مجتمعاتنا بالمثل - بالرغم من نجاح الآليات السابقة في تقليل حدة التناقض الذاتي و الألم الناتج عنه - و تباعا ضرورة الصدام الداخلي - إلا أن ذلك جرى على حساب توسيع حدة و ضرورة الصدام مع الآخر الخارجي (القطار) و التغاضي التام عن خطورة هذا الصدام غير المبرر على الأقل من الناحية العملية قياسا على موازين القوى كما يمليها الواقع.

إن عجز مجتمعاتنا عن كلا الصدام الداخلي العقلاني مع خلفياتنا المعرفية الدينية من ناحية - ناهيك عن عجز تلك الخلفيات التام في مواجهة المعرفة الوافدة التي إخترقتنا حتى النخاع من ناحية أخرى - قد نشط آليات و إبتدع أخرى بشكل واعي أحيانا و لا واعي أحيانا أخرى لا هدف لها سوى الإلتفاف على هذه الحالة من العجز التام.
لكن الثمن كان فادحا - و قويا بقوة الواقع و هو الصدام مع الآخر.

لقد إستبدلنا حتمية الصدام الثقافي بداخلنا إلى حتمية صدام الحضارات مع من هم خارج عالمنا الموهوم.

و لعل هذا المدخل يقودنا قسرا لموضوع صدام الحضارات - ذلك المصطلح الجديد علينا و الملتبس أيضا - و الذي سيكون موضوعنا القادم.