"الحياة "يكتب فيها خمس كتاب عرب عملاء للصهاينة
ثقــــافة الاســـتســـــلام
بقلم: فـهمي هـويـــدي
مثقفي المارينز ليسوا مقصورين علي مصر وحدها, ولكن أصبح لهم وجودهم وخطابهم المكشوف في طول الأمة العربية وعرضها, من المحيط إلي الخليج, الأمر الذي يعطي انطباعا قويا بأن ثمة خللا ما في أوساط المثقفين العرب.
خمسة من الكتاب العرب في اقطار مختلفة هم: كنعان مكية العراق ـ حازم صاغية لبنان ـ صالح بشير والعفيف الأخضر تونس ـ أمين المهدي مصري.
أما كتابات هؤلاء العرب فهي بالدرجة الأولي مقالات نشرتها صحيفة الحياةاللندنية, خلال السنوات الخمس الأخيرة, وتعلقت أساسا بالصراع العربي الإسرائيلي,
(2)
خلاص العراق يكون بنبذ العروبة وإقامة الفيدرالية, أما خلاص الأمة العربية فيكون بالتخلي عن فكرة القومية العربية والتطبيع مع إسرائيل. هذه هي الفكرة المحورية في كتابات كنعان مكية, الباحث عراقي الأصل, الذي يقيم في الولايات المتحدة, ولكنه يحمل الجنسية البريطانية,.
في عام91, بعد حرب الخليج الثانية وقيام الانتفاضة الشعبية العراقية التي نجح نظام صدام حسين في القضاء عليها, نشر مكية مقالا دعا فيه إلة إقامة نظام علماني في العراق يغلب عليه التشيع باعتباره وصفا أمثل, لأن العلمانيين الشيعة أقل انجذابا للقضايا القومية, زاعما في هذا الصدد أن العروبة هي شأن سني إلي حد بعيد. وكانت تلك هي المرة الأولي التي تطرح فيها فكرة الانتقاص من عروبة العراق, علي أساس من التحليل الطائفي.
استمر مكية يدعو إلي فكرته في كل مناسبة. إذ في دراسة قدمها إلي معهد أمريكان انتربرايز بواشنطن2002/10/3 كرر فيها قوله إن العراق يجب أن يكون لكل أبنائه, مما يتطلب أن يكون عراقا غير عربي ـ كما أنه لن يكون ديمقراطيا إلا إذا كان فيدراليا. بين العرب والأكراد.
الفكرة استقبلت بترحيب ملحوظ في الدوائر الأمريكية, حولت صاحبها إلي واحد من المتحدثين البارزين عن مستقبل العراق في مراكز الأبحاث ومعامل اتخاذ القرار. رفع من رصيده لدي تلك الدوائر أن الرجل أقام علاقة جيدة مع الإسرائيليين, وزار تل أبيب عدة مرات, التي منحته جامعتها شهادة الدكتوراه الفخرية.
في تطوير لفكرته ربط مكية بين وجود الأنظمة العربية المستبدة وبين الصراع العربي الإسرائيلي, كأن العالم العربي لم يعرف الاستبداد ـ في اليمن مثلا ـ قبل ميلاد دولة إسرائيل ـ وبني علي ذلك أنه لكي يتخلص العرب من الاستبداد, فيتعين عليهم أن يتخلوا عن صراعهم مع إسرائيل. وفي رأيه أن ذلك لن يتحقق إلا إذا تخلصوا مما أسماه ايديولوجية القومية العربية, وما استصحبته من دعوات للتضامن أو الوحدة العربية.
في هذا السياق فإنه يدعو إلي نسيان الماضي وتجاوز التاريخ وبالتالي غض الطرف عن كل ما جري في فلسطين طيلة القرن الماضي, ومن ثم التطلع إلي المستقبل وحده والتلعق بآماله ومنافعه ـ في هذا الصدد يقول ما نصه:يتطلب البدء بتكلم لغة السلام مع إسرائيل إعطاء الأولوية لحاجات المستقبل بدل مفاهيم وتفاسير الماضي, بما في ذلك مشاعر الظلم أو المرارة المشروعة التي يشعر بها الكثير من الفلسطينيين.. علينا أن ننبذ بصورة نهائية تلك السياسات القائمة علي التشبث المهووس بالتاريخ, وما فيه من مظالم
ـ لاحظ أنه يطالب العرب وحدهم بنسيان التاريخ, ولا يطالب الإسرائيليين الذين كل مشروعهم خارج من رحم التاريخ.
(3)
خيط التطبيع المجاني مع إسرائيل الذي دعا إليه مكية رصده المؤلف في مقالات مشتركة كتبها كل من حازم صاغية وصالح بشير, وهما يبسطان المسألة علي النحو التالي:
ـ الافتراض الأساسي أن الإسرائيليين المتفوقين اقتصاديا لا يجدون في العالم العربي اليوم الجاذبية التي تطلق حماسهم للسلام معه. باعتبار أن المنطقة العربية ليست مثالا يحتذي في أي شيء!. خصوصا في ظل هيمنة الثقافة غير الديمقراطية عليها الأمر الذي يؤسس قاعدة صلبة لعجزنا عن مخاطبة الرأي العام الإسرائيلي.
ـ إضافة إلي ذلك فإن فكرة السلام بذاتها ما تزال مرفوضة في المنطقة, وهذا يصح علي العرب, كما يصح علي الإسرائيليين ـ فالإسرائيليون يرفضون السلام بسبب الهواجس الأمنية, والعرب يرفضونه بسبب نبذ التطبيع.
ـ العرب لا يستطيعون حل مسألة الهواجس الأمنية لأنهم لا يملكون القوة. وبسبب قوة إسرائيل العسكرية والاقتصادية فإن العرب يصبحون الطرف المتضرر من ابتسار العملية السلمية. وإذا كان المأزق الراهن عربيا أولا وأخيرا, فإن مسئولية المبادرة بالخروج منه تقع علي الجانب العربي.
ـ إزاء ذلك ربما أصبح التطبيع الوسيلة الوحيدة المتاحة بين أيدي الجانب العربي.. والوسيلة التي تسبق بقية مراحل السلام, لا أن تكون ناتجة عنها ـ أما المبادرة إلي ذلك فهي بيد المثقفين والحيز الثقافي.
هذا التشخيص أورده الكاتبان في وقت مبكر نسبيا مقالة نشرت في97/8/1 تحت عنوان لابد أولا من تذليل عقبتي الأمن والتطبيع, وفيها اعتبرا أن المشكلة عند العرب, وعليهم أن يبادروا الي حلها, بإشاعة الثقافة الديمقراطية والمبادرة إلي التطبيع مع إسرائيل لكسب ثقتها, وهذا التطبيع ينبغي أن يبدأ ثقافيا, بنسيان القضية الفلسطينية والقفز فوقها.
ثمة نص آخر غريب نشر للكاتبين في2000/12/18 اعتبرا فيه أن الانتفاضة الفلسطينية من تجليات معركة العرب ضد الحداثة ـ والحداثة في هذه الحالة هي إسرائيل. وذهبا في هذا الصدد إلي القول: إن الانتفاضة حركة دون حداثة, في حين أن إسرائيل حداثة دون حق.
كتابات حازم صاغية الرافضة لفكرة الثورة والنضال, والداعية إلي التحالف مع الاستعمار حتي لا نبقي خارج الحداثة..
في مسعي تفكيك القضية الفلسطينية وتفريغها من مضمونها, فإن الكاتب يقلل من أهمية الاستيطان وتقطيع الأراضي الفلسطينية, مدعيا أن الجغرافيا لا أهمية لها, وأن الأهم هو السلام, وفي الوقت ذاته فإنه يدعو إلي ابعاد ملف اللاجئين عن أي تعامل مع القضية الفلسطينية, محبذا فكرة اسقاط حق العودة لهم, ثم إنه يتهم مجتمعاتنا بالتخلف لأنها لم ترتق بعد إلي مستوي القبول بالتطبيع, ويذهب إلي أنها تعظم الشهادة, لأنها مجتمعات زراعية تعيش ثقافتها علي هامش الفولكلور.
أكثر من ذلك فإن الكاتب حين يتحدث عن أهمية التطبيع الثقافي, فإنه يدعونا إلي إعادة النظر في مشروعية وجود إسرائيل, بحيث تري كحق وليس كأمر واقع, ذاهبا في هذا الصدد إلي أن لها الحق في الوجود بالمنطقة العربية كما للسوريين واللبنانيين والعراقيين. لأن وجودها هو من نتائج الحرب العالمية الأولي, كما أن وجود لبنان وسوريا والعراق كدول هو من نتاج تلك الحرب ـ لاحظ أن الكاتب يتجاهل حقيقة أن الدول العربية المشار إليها لم تغتصب أرض أحد, ولم تستجلب شعوبها من الخارج وتطرد أصحاب الأرض كما في الحالة الإسرائيلية ـ ثم إن وجود إسرائيل هو أيضا من نتائج المحرقة النازية في الحرب الثانية, التي تمثل مأساة إنسانية كبري, لابد أن يتعاطف معها العرب, علي نحو يجعلهم يتفهمون الأسباب والمبررات الأخلاقية لقيام دولة إسرائيل ؟!.
(4)
الموقف الفكري للكاتب التونسي, الشيوعي السابق, عفيف الأخضر, وهو نص مفتاح, لأنه يفسر هجاء الأخضر وازدراءه لكل ما هو عربي وإسلامي. في الماضي والحاضر, ومن ثم حماسه المفرط لما هو أمريكي وإسرائيلي بطبيعة الحال. وهذا الحماس جعله ينحاز ضد المقاومة الفلسطينية, وبالذات العمليات الاستشهادية, ويتبني الموقف الإسرائيلي الذي يتهم العرب بعامة والفلسطينيين خاصة بأنهم ضد السلام.
في التعبير عن إعجابه بالنموذج الإسرائيلي دعا الأخضر الفلسطينيين والعرب إلي ممارسة ديمقراطية تستلهم النموذج الإسرائيلي, واعتبر أن إسرائيل هي الحل ـ قائلا: إن وجود إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط يمكن تحويله من خطر إلي فرصة, بما هي دولة غنية بالمعونة الأمريكية؟! وحديثة وديمقراطية قد تكون قدوة حسنة لمحيطها الفقير, التقليدي واللاديمقراطي, وتكون قاطرته نحو الحداثة.. ومن خلال بناء سياسة مشتركة.. لإنقاذ البحث العلمي العربي.. لأن إسرائيل تضاهي الغرب في هذا المجال.. ومن خلال زراعية مشتركة, لأن تحديث الزراعة في إسرائيل يضاهي الغرب. ومن خلال سياسة اقتصادية مشتركة تنقلنا إلي عالم المعلوماتية. الأهم من ذلك كله أن إسرائيل ـ في نظر الكاتب ـ قادرة علي أن تساعدنا علي تحديث اللغة العربية علي غرار اللغة العبرية(!) ـ مقالة نشرت في1999/7/24.
ذلك كله ـ بما فيه تحديث اللغة العربية! ـ يمكن أن يحدث للعالم العربي بشرط واحد: أن يسلم للإسرائيليين بما يريدون وينسي القضية الفلسطينية!.
خامسهم كاتب هاو غير معروف في مصر اسمه أمين المهدي افسحت له جريدة الحياة صفحاتها حينا من الدهر ـ صار يكتب بعد ذلك في بعض الصحف الطائفية والإسرائيلية ـ فنشرت له مقالات محدودة خصصها لهجاء العرب والتغزل في الحركة الصهيونية والإعجاب المفرط بإسرائيل إلي حد الدفاع عن الاستيطان, الذي اعتبر أنه زحف إلي فلسطين,, ولكنه تفوق علي أقرانه بامتداحه للحركة الصهيونية التي قال عنها في إحدي مقالاته نشرت بالحياة في2000/2/11: جاءت الصهيونية إلي بلاد العرب, عبارة عن ايديولوجية خلاصية شعبية, وهنا تكمن في دوافعها وجوانبها الإنسانية وسلكت الصهيونية في التنفيذ مسلكا علمانيا عقلانيا, مؤسسيا وديمقراطيا.
إن المشكلة ـ للأسف ـ ليست فقط في الترويج لهذه الثقافة البائسة, ولكنها أيضا في الأجواء التي هيأت مناخا مواتيا لإطلاق ذلك القدر من السموم من خلال المنابر الإعلامية العربية. ويتضاعف الأسف إذا أدركنا أن تلك الجرعة من السموم جري بثها من منبر واحد, فما بالك إذا جمعنا الكتابات المماثلة التي حفلت بها المنابر الأخري.
|