http://forum.nadyelfikr.net/viewthread.php...89353#pid189353
الظلم يبقى ظلما
مخطّطات السلام لكل من شارون وبوش عديمة القيمة. على ألمانيا والإتحاد الأوربي العمل على صياغة موقف خاص بهما اتجاه اسرائيل.
رسالة مقتوحة من (رويفن موسكوفيتس)*، من القدس:
أحاول أن أقوم بشيء يبدو وكأنه مستحيلا: أريد أن أكسّر حظر الكلام الذي يبدو أنه يقيّد طرفا من الصحافة الألمانية كلّما تعلّق الأمر بكارثه السياسة الإسرائيلية اتجاه الشعب الفلسطيني وما يترتّب على تلك السياسة من نتائج.
أنا يهودي اسرائيلي، كنت هاجرت من مسقط رأسي (رومانيا) لأسباب صهيونية-اشتراكية، لكي أكافح كطليعي من أجل إيجاد وطن لشعبي ولعائلتي. وأيّدت بكل وعي واقتناع حرب التحرير غداة 1948/1949، تلك الحرب التي مكنتنا من إنشاء دولة إسرائيل. وبتحمّس كبير شاركت في تأسيس كيبوت، لكنني لم أكن متحمّسا بنفس الدرجة عندما كنت أحرث الأرض التي لم تكن ملكا للكيبوت، بل كانت ملكا لجيراننا الفلسطينيين المطرودين.
وكشاهد على مجريات الحرب، وكذلك على عمليات طرد الفلسطينيين الكثيفة والتي استمرت إلى غضون الخمسينات حتى بعد إبرام عقود وقف الصراع المسلّح، أصبحت واعيا بأن مؤسّسي دولتنا التي نشأت على أنقاض الهلوكوست والحرب والعنف، لم يُـحسنوا وضع لبنة الأساس لإسرائيل الكبرى. ومهما أنهم شكّلوا تلك الدولة على أساس ديمقراطي، فهم أبقوا بطريقة مدروسة على كابوس الهلوكوست ومخاوفنا من أن نكون ضحية، وتفادوا الإعتماد على أمل مرتبط بهوية انسانية-ديمقراطية.
تصاعد خطير
منذ تقريبا ستين سنة واسرائيل متورطة في سلسلة من العنف والعنف المضاد ميئوس منها. وبالرغم من أن هذا التصاعد لم تتسبب فيه السياسة الإسرائيلية وحدها، فهذا لا يغيّر شيئا من الأمر الواقع، وهو أن الشعبين الذَيْن يعيشان هناك – اليهود والفلسطينيين – قادا نفسيهما إلى طريق مسدود حتى اقتربا من هاوية قد تبيدهما كلاهما.
ولا يمكن القيام بمقارنة تُـوازي بين مسؤولية كل من الشعبين فيما يتعلّق بهذا الطريق المسدود، لأن اليهود أقاموا دولة على أكثر من ثمانين في المائة من أراضي الفلسطينيين، ومع ذلك لم يستطيعوا تحقيق الأمن الذي ينشدونه، في حين أن الفلسطينيين الشريدين المضطهدين لا حقّ لهم في الأمن ولا في تقرير مصيرهم.
كمتابع ناشط للأحداث التي تجري في بلدي، كنت دائما آمل أن تنجح حركة السلام في إقناع الأكثرية من شعبنا، لاسيما بعد الإنتصارات العسكرية الكبيرة، بالإبتعاد عن تصورهم الخاطئ للأمن واستقصاء الأمن عبر طريق السلام والإعتراف بالآخر والتنازل. ولكن، مع بالغ الأسف، كان علي أن أكتشف بأن سياسيينا الرواد، رغم كلام سطحي باللسان فقط عن حلّ سلميّ يمكن أن يُـطاق ويُـحتمل، لم يبرحوا يحاولون بثبات فرض اقتراحات غير مقبولة ومهينة على الفلسطينيين.
الولايات المتحدة التي بدورها لا يصدر منها سوى كلام باللسان فقط، لم تحاول لحدّ الآن جادّة أن تحرّك الشعبين من أجل سلام يُحتمل. وتفاقم الوضع بعد أن وصل جورج بوش الولد للسّـلطة، بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 عندما تبنّت حكومة بوش نفس المرئى الإسرائيلي فيما يتعلّق بالأمن والضربات الوقائية.
الحرب على العراق وما تبنّى عليها من تدهور، أظهرت بوضوح أنه من الضروري ومن الممكن للإتحاد الأوربي تحت التأثير الفعّال للجمهورية الفيديرالية الألمانية، وكذلك فرنسا واسبانيا، أن يشارك بنجاح في عملية السلام بالشرق الأوسط وليس الولايات المتحدة فقط.
مخطّطات السلام المتعددة، تلك التي صمّمها جورج بوش أو أرئيل شارون، لا تساوي حتى قيمة الورق الذي خُـطّت عليه.
لقد حان الأوان الكبير للإتحاد الأوربي وعلى الخصوص لألمانيا، لكي تنصع كـحامل للأمل ولقيّم الأمم المتحدة ولحقوق الإنسان والقانون الدولي، للحرية والسلم والديمقراطية.
لو كُـتب النجاح لمبادرة ألمانية حازمة، بأن تُـقنع أوربا بالإنعتاق من السياسة الأمريكية الفاشلة، لكان ذلك وزنا مقابلا للماضي النازي المُـخجل.
لكن مع الأسف، جُـلّ الألمان بما فيهم سياسييهم يُـعيقهم شلل الإرتباك، فلا يصفون جرائم السياسة الإسرائيلية بأنها فعلا إجرامية.
ذاك الإرتباك بدوره يُـمكّن سيّاسيينا المستهترين، شارون ومن هم في حكومته ويريدون اضطهاد الفلسطينيين أكثر فأكثر، من البحث قدما عن معادات السامية في ألمانيا وأوربا، حيث بكل حال لن يجدون من بين السّـياسيّـين من يحاول فعلا أن يضع حدّا للتصاعد الخطير في الشرق الأوسط.
كإنسان وهب تقريبا ستين سنة من حياته من أجل السلام والإنسانية والعدالة. وكضحيّة عانت من العنف والعنصريّة ومن صورة عدوّ تمّت شيطنته. وكخبير بالتّاريخ تعلّم أن ممارسة العنف بلا هوادة لا يمكن أن تؤدّي إلا للكارثة، أناشد المجتمع الألماني، أناشده والألمان الطيّـبين، الألمان الشعراء والمفكّرين، الفنّانين منهم والسيّاسيين وأيضا المتخصّصين في القانون، بأن لا يستجيبوا للإبتزاز التحريكي وسوء استعمال ما يُـسمّي بـ "معادات السامية"، وبأن لا يغضّـوا النّـظر عن الظّلم والإضطهاد، فقط لأن الذين يمارسون اليوم الإضطهاد هم أحفاذ من كانوا بالأمس أنفسهم من المضطهدين أو المقتولين.
الظلم يبقى ظلما، والجريمة تبقى جريمة، والإحتقار يبقى احتقارا. سيّان ان كانت الجريمة أُقترفت في حق الضحايا القدماء أو من طرف المجرمين الحاليين.
--- موغ المغربي: ترجمت بكل صدق ما أتى في النص الأصلي باللغة الألمانية ---
الزميل بسام الخوري أورد أن هذا المقال نُـشر في الصحيفة الألمانية "يونغ فيلت" (Junge Welt) بتاريخ 17.11.04
لكم التحية