كثر النقاش و اللغط أخيراً حول وجود تناقضات في الكتاب المقدس أو أنه ( و كما يؤكد بعض المسلمين بدون أي دليل ) محرف، و سأتعرض لذلك هنا.

أولا ما الفرق الأساسي بين القرآن و الكتاب المقدس ( بغض النظر عن الإيمان بهما )؟

الفرق الأساسي هو في اللغة أو القالب الأدبي،
في القرآن ( حسب إيمان المسلمين ) الله يخاطب الناس خطاب مباشر.
أما الكتاب المقدس ففيه كل أشكال التعبير الأدبية التي استعملها أو يستعملها الإنسان من قصة و أمثال و شعر و رسائل و سيرة ذاتية ... الخ
الكتاب المقدس حسب إيمان كل المسيحيين ( موحى به من الرب ) ليس معنى الوحي أن الله أنزل الكلمات على الكاتب تنزيلا مباشرا فما كان على الكاتب سوى الكتابة، و لا يعني بالمقابل أن هنالك إنسان كتب ما كتب فجاءت كتابته الصدفة مطابقة لإرادة الرب.
الوحي يعني أن هنالك إنسان شعر بأن الله يدعوه للكتابة فكتب بلغته الخاصة و لكن باسترشاد الوحي الإلهي لإيراد المعنى المقصود.
اللغة هنا لا أعني فقط من حيث هي عربية أو يونانية أو عبرية ... الخ بل تعني أيضاً الصور و التشابيه و الأسلوب الأدبي و المعلومات التاريخية أو العلمية التي يستند عليها الكاتب البشري.
ليس هدف الوحي الإلهي إيراد معلومات تاريخية أو علمية. فالله وضع العقل في الإنسان و العقل هو أداة العلم. بل هدف الوحي إيراد عقائد و تعاليم تفيد في خلاص الناس من الخطيئة و الشر و الفساد.

هل في الكتاب المقدس تناقضات أو أخطاء تاريخية أو علمية؟ الجواب نعم و لا. أقصد إذا أخذنا النص حرفيا سنجد تناقضات و أخطاء، أبسط مثال على ذلك خلق الكون في ستة أيام. و الكون لم يخلق في ستة أيام و لا في ستة مراحل زمنية، و لكن إذا أخذنا القالب الأدبي و هو القصيدة ( و القصيدة لا تقرأ ككتاب علمي ) سنجد المشاعر الجميلة و التعاليم اللاهوتية السامية التي تعلمها قصيدة الخلق بأسلوب أدبي جميل.

القصة التاريخية أيضاً تفهم هكذا. مثلا هنالك الكتاب الذين يعتمدون على الأحداث التاريخية في تأليف قصصهم مثل أمين معلوف. إذا قرأنا قصة "صخرة أنطونيوس" لأمين معلوف فسيكون من السذاجة بمكان نقضها على أساس علمي و تاريخي، فهي قصة، و ما تقوله في النهاية ليس المعلومات التاريخية بل بعض الأفكار الأدبية حول دور الإنسان في الحياة و غيرها.

كذلك في الكتاب المقدس قصص و بعضها يعتمد نفس الأسلوب في الاعتماد على أخبار تاريخية، و ليس هدف الوحي الإلهي هو تعليم الناس التاريخ عبرها، بل تعاليم سامية تتعلق في الاعتماد على الله في حل مشاكلنا، و أنه يجب طاعته في كل الظروف، و الحفاظ على الإيمان به مهما حدث ... الخ

لقد تناقش بعض الزملاء في مكان آخر في هذه الساحة عن جيش ذكر أن عدده في أحد الأسفار هو 40 ألفاً بينما تذكر نفس الحادثة في مكان آخر و يكون عدده أربعة آلاف، فماذا إذاً؟ هل هدف الوحي الإلهي هو إعلامنا بعدد عناصر الجيش؟ قيسوا ذلك على القصص التاريخية ( و ليس كتب التاريخ ) و أعتقد سيتضح الأمر جلياً.

متى يكون هنالك تناقض؟ يكون هنالك تناقض عندما يختلف المعنى القصود في مكان في الكتاب عن المعنى المقصود أو العبرة في مكان آخر، أو عندما يكون هنالك تناقض عقائدي. هل يمكن أن يكون في الكتاب المقدس الذي كتب على مدى مئات السنين و شارك بكتابته عدة أشخاص، و كتب بأساليب أدبية مختلفة، هل فيه تناقض عقائدي؟ لا و ألف لا.

هل في القرآن تناقض؟ حرفيا لا يبدو أن هنالك تناقض على حد علمي و هذا يمكن فهمه لأنه كتب أو على الأقل جمع من قبل شخص واحد، و لا أعتقد أنه هنالك شخص يكتب كتاب واحد يناقض فيه نفسه إلا إذا كان في قمة الغباء.

هل في القرآن تناقض عقائدي؟

نعم و ألف نعم، فمرة المسيح هو مخلوق و مرة أخرى هو خالق! مرة خلق بكلمة الله و مرة أخرى هو كلمة الله نفسها، مرة نفخ فيه الله من روحه و مرة أخرى هو روحه نفسها و مرة يكفر الكتاب من يقول أن المسيح هو الله!