{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
تفاصيل رواية لن تكتمل
بسمة غير متصل
عضو متقدم
****

المشاركات: 681
الانضمام: May 2003
مشاركة: #1
تفاصيل رواية لن تكتمل
هنيئاً لي... الآن، يمكنني أن أتنفس دون لهاث، فأسوأ ما يمكن أن يحدث، قد حدث فعلاً..!
.
..
انتهى كل شيء، ولتحميل ما حدث من مرفأ ذاكرتي، فُرض عليّ وضع شيءٍ أولٍ وأخير جداً: ( نقطة آخرِ سطرٍ في حكايتنا! )

أتذكر في إحدى لحظات فرحتي المسروقة معكَ، قلتَ لي: "أصيل، أحبكِ وأنت تكتبين"، وقتها شهق شيءٌ داخلي: "كفي أيتها الأرض عن الدوران ... ما أروعكِ!" لكنكَ دوَّرتَ كلامكَ مسرعاً إلى: "عفواً... أحب رؤيتكِ وأنتِ تكتبين!"

الآن، لن أشعر بدبيب رتل النمل في حنجرتي، والذي حرَّضني كثيراً لفضِّ جمعه من عينيَّ دمعاً غزيراً حارقاً، سأكتب النقطة، وأدّعي عدم مبالاتي سواء أكنتَ تحبني وأنا أكتب، أم تحب رؤيتي وأنا أكتب.

وبما أن نقطتي أتت فريدة استثنائية، فهي تستحق (رسماً) يحاول الارتقاء لفرادتها واستثنائيتها، لذلك أحضرتُ دفتراً بورقٍ خشنٍ أصفر اللون وسأبدأ نقش خطوطها في (رواية)، متجاهلةً مطارق التردد التي تحذرني من تخليد هزيمتي في كتاب يتمدد على أرصفة أكشاك الكتب لتتناولها أيادٍ ترى فيها مهدئاً عساه يعالج أرق الليل

حقاً، ألا نسعى دائماً لطمر هزائمنا؟
إذا ما تذكرناها لاحقاً نكتشف أننا نتذكر أطيافها الباقية لا هي؟! أو أننا نحاول تجميل تشوّهها، حتى إذا ما اقتحمت علينا أيامنا بعد ذلك لا تقشعّر من قبحها أبداننا ولا تدمع لأجلها أعيننا؟ لماذا أسعى إذن لتخليدها بأدق تفاصيلها؟ لم أفعل شيئاً أستحق عليه هذا النوع من جلد الذات، نعم، لا يجدر بي تعنيف نفسي كثيراً، قد كفَّرتُ عن خطيئتي أضعافاً مضاعفة لاحقاً..!!

ألهذا علاقة بأنكَ تحب رؤيتي وأنا أكتب؟ فأردتُ أن ترى كم كتبتُ وأكتبُ لتحبني أكثر؟!
***

كنتُ دوماً أقول، إن فلسطين تريد قتلي قهراً، لكن أحداً لم يشعر بي، إلا خالد ذلك الزميل، والصديق باذخ النقاء كطفل صغير، عميق كالصمت، وحزين تماماً كيُتمه المبكِّر جداً.

أتذكر في إحدى نوبات أنانيتي أردتُ أن يشاركني بكاءً هطلتُه، بسبب صورةٍ وصلتني عبر بريدي الإلكتروني، وكانت صورة رجل فلسطيني اضطره رغيف الخبر وبعض حبات البندورة إلى الخروج من بيته ذات نهارٍ رمضاني كان حظر التجول فيه مفروضاً، فمورست بحقه لذة الإذلال، دبابات وجنود مقابل رجل يحمل بضع أرغفة، أجبروه على خلع ملابسه كلها في وسط الشارع، ظنّاً منهم إنهم يخلعونه مع كل قطعة من ملابسه كرامته، عزته، رجولته، مدن فلسطين الواحدة تلو الأخرى حتى يكون قد خلعها من نفسه مع آخر قطعة!

وقتها تسللتْ المرارةُ إلى فمي وصرختْ ما الجرم الذي ارتكبه؟! لم يأكل تفاحة نهى الله عنها كما فعل سيدنا "آدم" حين أغواه الشيطان! ولا "حواء" مُتهمة بالغواية، كانت بضعة أرغفة خلفها أطفال يضرعون إلى الله إفطارهم وقد ارتفع صوت المؤذن "الله أكبر" افطروا أيها الصائمون...

بكيتُ وخالد حتى تجمَّرت وتنفَّخت عيوننا، فهم لم يعرّوه من ثيابه بل ألبسوه ثوب الشرف، وعرّانا هو من زيفنا، عرّانا نحن من ملابسنا وربطات أعناقنا الفاخرة، حرمنا حتى من ورقة توتٍ تستر عوراتنا بما في ذلك بعض عمائم الزيف وجلابيب الخديعة!

تخيَّلتُ لو أن هذا الرجل العاري والدي، تخيلت نفسي وأخوتي نتضور جوعاً وكان ثمن إشباعنا (الخبز) إجبار والدي على التّعري وسط الشارع أمام نشوة الجنود وقهقهاتهم وعيون أخرى حزينة دامعة عاجزة ترقبه من خلف ستائر النوافذ!

كم كانت مؤلمة بطاقة العيد التي عاوَد خالد إرسالها إلى أصدقائه وأنا منهم، الصورة ذاتها مذيلة بـ "كل عامٍ وأنتِ بخير أمتنا المجيدة!"
***

أهو ذات العيد من نقلني إليكَ؟ قدري؟ قدرنا معاً؟
هل تصدق أنه لم يعد يهمني هذا السؤال! ما أرغب بتذكره حقاً، هو تفاصيل تفاصيلِ لقائنا الأول، أنا التي أدركُ أن البدايات والتفاصيل ما كانت تعنيكَ يوماً، مؤكداً لي أن: "الأمور بخواتيمها لا ببداياتها... الأمور بنتائجها لا بأسبابها".

منذ البدء كنتَ رجل الاختزال، وكنتُ امرأة التفاصيل...فأي عبثٍ جميلٍ مؤلمٍ جمع بيننا؟!

ما أتذكره جيداً، دعوة صديقة طفولتي "سوسن" لتناول إفطار أحد أيام رمضان في منزل عائلتها، وبعد امتلائنا طعاماً وعصائر وحلوى، شاركتها حرب فَصل الدهون والشحوم عن الصحون والأواني، وأثناء ذلك تحرّش بها فضولي، فسألتها عن المرأة الشبه صامتة التي شاطرتنا وليمة الإفطار، والتي أراها لأول مرة في بيتهم:

- هذه عمتي نعمة، أتت مع ابنها أحمد، ليكمل العلاج الذي بدأ في مستشفى طولكرم
- مسكينة، ما مرض ولدها؟
- كلاهما مسكين عمتي وابنها، أحمد أُصيب الشهر الفائت برصاصة "دمدم" في نخاعه الشوكي فقتلتْ الحياةَ في أطرافه الأربعة... عمتي تكابر بشكل لا يُصدّق!
- يا الله! وهل تقيم عندكم؟
- نعم، ولكن أي إقامة؟! ينتظرها دوام عمل رسمي شاق، من السابعة صباحاً تخرج عند أحمد في المستشفى وتبقى عنده إلى ما بعد العاشرة ليلاً، اليوم والديّ أصرّا عليها أن تأتي للإفطار في المنزل... تخيلي يا أصيل الطابق الأول من مستشفى الأردن جميعه من جرحى الانتفاضة؟

تدبَّبت رؤوس الكلمات وأخذت تَخِز روحي قبل لساني.. لم أنطق، كيف لم أعرف قبلاً أن الطابق الأول من مستشفى الأردن يضم جرحى الانتفاضة؟ عملي كصحافية يتيح لي معلومة أبسط من هذه بكثير جداً!

كيف لم أسمع بذلك قبلاً؟ أم علمتُ وسمعتُ ولم تتحرك بي شعرة واحدة، كما الآلاف من الناس؟ ربما لأنني لم أرَ فيكم مقالاً جيداً، أو خبراً أتفاخر أن لي أسبقية الحصول عليه أضيفه إلى أرشيفي الصحفي؟

انضممتُ مع سوسن حيث تجلس أمها وعمتها، التي تتحدث عن "أحمد" والدموع تترقرق في محجري عينيها، كنتُ استمع إلى حديثها بصمتِ خاشعٍ في محراب صلاته..
- كنا نتوقع استشهاده، لكن لم نتوقع أبداً أن يصبح كسيحاً أمام أنظارنا ولا نملك شيئاً نفعله لأجله، مهّد لي ذلك أبوه مرات عديدة :"هذا الولد إستودعيه عند رَبِّكْ... الله يعوِّض عليكِ فيه" ... يعلم أي الأولاد هو ولده، وكثيراً ما سمعنا من أقاربنا والجيران : "أحمد اليوم كان يرجم حجارة وهو مغادر من المدرسة عن قرب على الجنود حيث مرمى أسلحتهم ولكن ستر الله هو الذي أنجاه من رصاصة محتّمة" وحين يواجهه والده مساءً بما سمعنا، يلوذ بالصمت إجابة، يرجوه والده وكأنه هو الابن: "يابا لا تشفق عليّ أنا.. إشفق على إمك إللي بيظل قلبها يقدح خوف عليك مثل كانون الفحم.. شو بده يصير في إمك لو صار لك شي؟" شاهدتُ هذا المشهد عشرات المرات والذي ينتهي دائماً نفس النهاية... يهز أحمد رأسه ويَعِد والده ويحلف بالله أن لا يعود لرجم الحجارة!! لكن هيهات.. المَثَل لم يترك شيئاً لم يقله: "كلام الليل مدهون بزبدة، يَطلعُ عليه النهار يسيح"!

المسكينة بكت كثيراً وتحدّثت أكثر عن أحمد وعن غيره من الجرحى، والشهداء والمعتقلين، والمدن التي تتعرض لجهنم الاجتياحات والقصف اليومي وازدياد عدد المفاتيح التي تفقد منازلها كل صباح بهدمها فوق رؤوس أصحابها. بقيتُ وسوسن نلوك عجز الكلام بينما لم يخرج كلام أم سوسن عن: "لا إله إلا الله... الله يصبركم ويجبركم... ربنا يِهْدْ حيلهم اليهود!"

مضى أكثر من نصف قرن، أصبحت عظام الكثيرين ممن شهد النكبة والنكسة مكاحِل، وشاب الرُّضع والأطفال وأصبحوا أجدادَ وجدات لأطفالٍ لاجئين لم يعرفوا من الوطن غير اسمه، وما زالت الأكف تُرفع إلى السماء وتدعو الله العودة إلى (البلاد) و(هَدْ حيل اليهود) .. فما عادوا ولا هُدَّ (حيل) اليهود..!

من هنا بدأ طريقي إليكَ، خرجتَ لي من بين الركام، وتركتني في النهاية مدفونة تحته... أشكركَ!
***
- سوسن غداً سأبقى مع خالتي عزِّية، أتت من رام الله، وبعد غدٍ سأذهب معكِ لزيارة أحمد في المستشفى
***
يتبع
08-29-2005, 04:43 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
تفاصيل رواية لن تكتمل - بواسطة بسمة - 08-29-2005, 04:43 PM
تفاصيل رواية لن تكتمل - بواسطة بسمة - 08-29-2005, 04:45 PM,
تفاصيل رواية لن تكتمل - بواسطة بسمة - 08-29-2005, 04:46 PM,
تفاصيل رواية لن تكتمل - بواسطة بسمة - 08-29-2005, 04:46 PM,
تفاصيل رواية لن تكتمل - بواسطة بسمة - 08-29-2005, 04:47 PM,
تفاصيل رواية لن تكتمل - بواسطة ابن العرب - 09-23-2005, 09:32 PM,
تفاصيل رواية لن تكتمل - بواسطة Arabia Felix - 09-23-2005, 10:25 PM,
تفاصيل رواية لن تكتمل - بواسطة بسمة - 09-24-2005, 05:50 PM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  قراءة في رواية الكاتب الافغاني خالد حسيني...ألف شمس ساطعة youssefy 5 4,328 05-18-2012, 08:20 PM
آخر رد: نيو فريند
  رحيل ابراهيم اصلان صاحب رواية "مالك الحزين" Rfik_kamel 8 3,020 01-10-2012, 12:06 PM
آخر رد: بهجت
  مآذن خرساء 15 ــ24 /48 رواية مسلسلة حمادي بلخشين حمادي بلخشين 0 1,703 08-21-2011, 07:36 PM
آخر رد: حمادي بلخشين
  مآدن خرساء 1 ــ14/48 رواية مسلسلة حمادي بلخشين حمادي بلخشين 0 2,497 08-21-2011, 05:43 PM
آخر رد: حمادي بلخشين
  مآذن خرساء 38 ــ48/48 رواية مسلسلة حمادي بلخشين حمادي بلخشين 0 1,440 08-21-2011, 05:22 PM
آخر رد: حمادي بلخشين

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS