بحث فى روايات الاحاد
بسم الله الرحمن الرحيم
يكثر خصوم محمد صلى الله عليه و سلم من الاحتجاج باخبار و روايات الاحاد للطعن فى شخصه و رسالته
فهل اخبار الاحاد يقطع بصدورها عن النبى (ص)؟
اى هل الاحاديث التى يحتج بها المسيحيون و اللادينيون ثبت قطعا ان النبى قالها ؟
نريد ان نبحث هذه المسالة بموضوعية و اؤكد اننى لست متحيزا مطلقا لانكار الاحاديث بل لعل العكس هو الصحيح !
فكلما تاملت الاحاديث المروية عن محمد (ص) كلما ازددت ايمانا بنبوته
لان الاختلاف الواضح بين اسلوب الحديث المحمدى و بين اسلوب القران يؤكد ان القران الكريم ليس من تاليف محمد صلى الله عليه و سلم
و للدكتور ابراهيم عوض حفظه الله دراسة قيمة فى ذلك تقع فى نحو 570 صفحة و مجموع ما ذكره يدل بقوة على ان القران ليس من تاليف ابى الزهراء و لا يمكننى بالطبع تلخيصه هنا لكن اشير الى محاور الدراسة :
- ذكر فى اكثر من 70 صفحة الفاظا ترددت كثيرا فى الحديث لارتباطها بعصر الرسول و بيئته ارتباطا شديدا و لم ترد مطلقا فى القران
- ثم ذكر فى اكثر من 50 صفحة كلمات متفرقة لها علاقة بالدين وردت فى الحديث و تكررت بكثرة و لم ترد فى القران
- ثم ذكر فى نحو 30 صفحة اسماء وردت فى القران مفردة و فى الحديث مجموعة او العكس , و ذكر فى 20 صفحة ثنائيات حديثية ترددت بكثرة و لا وجود لها فى القران
- ثم ذكر فى اكثر من 20 صفحة الفاظا استخدمت بكثرة فى الحديث بمعان او فى سياقات يختلف عما فى القران
ثم ذكر فى اكثر من 200 صفحة تعبيرات موجودة فى الاحاديث و ليست موجودة فى القران او موجودة فى القران فقط او موجودة فى كليهما لكن فى استعمالها فى احدهما خصوصية تميزه تمييزا واضحا عن استعمالها فى الاخر
- ثم ذكر فى قرابة 80 صفحة صورا حديثية وردت بكثرة و لم ترد فى القران , و تراكيب وردت بكثرة فى الحديث و لم ترد فى القران
- ثم عقد مقارنة فى 80 صفحة بين القران و الحديث فى القسم , و اسماء الاعلام , و التكنية و التصريح , و الله و الشيطان , و القصة فى القران و الحديث , و تناول ايضا المقارنة بين اسلوب القران فى ذلك و اسلوب الكتاب المقدس
هذه مجرد اشارة لمحاور الدراسة و لا تغنى بالطبع عن الاطلاع عليها
لذا فانا كمسلم لا مشكلة لدى فى الاحاديث
نعود الى النقطة التى نريد بحثها :
هل خبر الاحاد يقطع بصدوره عن محمد (ص)؟
هذه المسالة بحثها علماء الاسلام تحت عنوان هل خبر الاحاد يفيد او يوجب العلم
و قد كان جواب جميع علماء الاسلام الا علماء السلفيةان خبر الاحاد لا يمكن ان يفيد العلم اى لا يقطع بان النبى (ص) قد قاله .
و قد علمنى الاسلام الا اقلد و الا اعطل عقلى فلن نعتبر قول شخص من العلماء حجة فى ذاته بل العبرة بالدليل
فاقوال العلماء يحتج لها و لا يحتج بها
ان الدليل الذى استند اليه هؤلاء العلماء هو الدليل العقلى :
فرواة خبر الاحاد يجوز عليهم عقلا الكذب حتى لو كانوا فى الظاهر من خيرة المسلمين و هذه حقيقة عقلية لا يجادل فيها منصف
و هم يجوز عليهم ايضا الغلط و الخطا فى نقل المتن او الاسناد حتى لو فرضنا امتناع الكذب عليهم
فهل يقول عاقل ان خبر هؤلاء يقطع بصحته ؟
للاسف قال البعض ذلك و قد وصف بعض علماء الاسلام قول هؤلاء و مذهبهم فى المسالة بانه خزى !
يقول امام الحرمين رحمه الله :
(" ذهبت الحشوية من الحنابلة وكتبة الحديث إلى أن خبر الواحد العدل يوجب العلم، وهذا خزي لا يخفى مدركه على كل ذي لب."( البرهان 1/606 )
اذن الاحاديث التى يحتجون بها طالما انها اخبار احاد فهى لا يقطع بان محمدا (ص) قد قالها فمن الظلم ان يحاكموه بناءا عليها
و ما ذكرناه عن عدم افادة خبر الاحاد للقطع ينطبق على خبر الاحاد الذين وثقهم رجال الجرح و التعديل فهم حتى لو وثقهم فلان او علان يجوز عليهم عقلا الكذب , كما يجوز عليهم الغلط فى نقل الاسناد او المتن
و يتضح الامر اكثر مع تعدد الوسائط
فالخبر اذا تعددت وسائطه زاد احتمال الغلط جدا فى نقله ونكتفى بمثالين :1-
1-قال الامام احمد فى مسنده 4/228:
حدثنا سريج , حدثنا نوح بن قيس ,عن عمرو بن مالك النكرى , عن ابى الجوزاء , عن ابن عباس قال :
" كانت امراة حسناء تصلى خلف رسول الله (ص) قال : فكان بعض القوم يستقدم فى الصف الاول لئلا يراها , و يستاخر بعضهم حتى يكون فى الصف المؤخر , فاذا ركع نظر من تحت ابطيه فانزل الله فى شانها : (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ)
هذا الحديث الذى يحتج به فعلا بعض خصوم الاسلام صححه الشيخ احمد شاكر
و صححه الشيخ الالبانى فى مواضع عديدة من مؤلفاته فى صحيح سنن الترمذى 3/66 برقم (2497)
و فى صحيح سنن النسائى 1/189 برقم (838 ) و فى صحيح سنن ابن ماجة 1/172 برقم (858 )
و فى السلسلة الصحيحة ! 5/605 برقم (2472 )
و قد اعتبر الحافظ ابن كثير الرواية منكرة قال ( و هذا الحديث فيه نكارة شديدة ) تفسير القران العظيم 2/569
و قال ابن عاشور رحمه الله بعد ان اورد الرواية فى تفسيره ( لا يصح و هو خبر واه لا يلاقى فى انتظام الايات و لا يكون الا من التفاسير الضعيفة )التحرير و التنوير 14/40
الحديث فى نظرى لا يمكن ان يكون صحيحا ليس لمجرد انه يشوه صورة بعض الصحابة بل لانه لا يمكن ان يكون تفسيرا للاية فكما ذكر ابن عاشور هو خبر لا يلاقى انتظام الايات و هذا واضح لمن تامل سياق الايات و تفسيرها
هذا الحديث ظاهره الصحة و رواته موثقون لكن فيه علة و هى ان بعض طرق الحديث لم يرد فيه لابن عباس ذكر و انما هى موقوفة على ابى الجوزاء
اى وفق ذلك لم يقل ابن عباس هذا اصلا بل هو كلام ابى الجوزاء و لا نعلم من اين اخذه ابى الجوزاء
قال الامام الترمذى بعد ان اورد الحديث فى سننه من طريق نوح بن قيس :
" و روى جعفر بن سليمان هذا الحديث عن عمرو بن مالك عن ابى الجوزاء نحوه
و لم يذكر فيه ابن عباس
و هذا اشبه ان يكون اصح من حديث نوح )سنن الترمذى مع تحفة الاحوذى 8/438
و قال القرطبى ( و روى عن ابى الجوزاء و لم يذكر ابن عباس و هو اصح )
و قال ابن كثير ( فالظاهر انه من كلام ابى الجوزاء فقط , ليس فيه لابن عباس ذكر )
هذا مجرد مثال يؤكد ما تقدم من ان خبر الاحاد حتى لو كان رواته موثقون لا يقطع بصحته لانهم فى احسن الاحوال يجوز عليهم الغلط فى نقل الاسناد فيقول احدهم مثلا : عن ابى الجوزاء عن ابن عباس
بينما المنقول هو كلام ابى الجوزاء فقط و قد يكون سمعه ابى الجوزاء من شخص اخر غير ابن عباس و قد يكون هذا الشخص منافق او زنديق ممن كانوا يملاون المجتمع الاسلامى
2- مثال اخر :
الحديث الذى صححه الامام مسلم عن ابى هريرة ( ان الله خلق التربة يوم السبت , و خلق الجبال يوم الاحد و خلق الشجر يوم الاثنين و خلق المكروه يوم الثلاثاء و خلق النور يوم الاربعاء و بث فيها الدواب يوم الخميس و خلق ادم يوم الجمعة )رواه مسلم 4/27 برقم (2149 )
قال الامام ابن تيمية :
" فان هذا طعن فيه من هو اعلم من مسلم مثل يحيى بن معين و مثل البخارى و غيرهما
و ذكر البخارى ان هذا من كلام كعب الاحبار "
و قال الامام البخارى فى ترجمة ايوب من التاريخ 1/1/413 :
" و قال بعضهم : عن ابى هريرة عن كعب , و هو اصح "
اى ان الخبر مع وثاقة رواته وقع فيه غلط فى نقل الاسناد فجعلوه من رواية ابى هريرة عن النبى (ص) بينما هو من روايته عن كعب الاحبار !
و عليه فقس كثير من روايات ابى هريرة التى لا يخفى على بصير انها مجرد اسرائيليات
و المقصود انه لا يقول عاقل ان خبر الاحاد حتى لو كان رواته موثقون يقطع بصحته عن النبى (ص)
فكيف اذا كان التوثيق نفسه مجرد راى لبعض الرجال و ليس رايهم بحجة اصلا
و توضيح ذلك ان علماء الجرح و التعديل انما يحكمون على الرواة بناءا على النظر فى مروياتهم فاذا وجدوها سليمة من المناكير- اى ما يرون انه مناكير - كان الحكم بوثاقتهم , و اذا راوا فيه ما لا يقبلونه كان الجرح
اذن هو راى يجوز عليه الصحة و الخطا و كما يقول بعض علماء الزيدية الكرام :
" وبهذا يظهر لمن أنصف أن قبول الجرح المطلق ، والتوثيق بدون نظر في حجة ذلك تقليد ، وأنه ليس من قبول الرواية التي لا تحتاج إلى المطالبة بحجة ، لأن أكثر التوثيق للرواة ليس إلا بالنظر في حديثهم ، فإذا كان سليماً من المناكير ، سليماً من التخليط ، سليماً من الكذب عندهم ، وثقوهم ،
وإذا كان الراوي ينفرد بروايات عن المشاهير ، أو يخالف حديثه حديث الثقات ، أو يروي منكراً عندهم لا يتابع عليه ، جرحوه .
ومن طالع كتاب ابن حبان في الضعفاء ، والميزان ، وكتاب الجرح والتعديل ـ لابن أبي حاتم ـ عرف هذا ، وعرف أن الجرح بترك الصلاة أو شرب الخمر أو نحو ذلك ـ مما لا تختلف فيه المذاهب ـ نادر ، وأن التوثيق بما هو مجمع عليه بين الأمة قليل ، فأكثر الجرح والتعديل بمنزلة فتوى من الجارح والمعدل ، ومذهب له ليس من قسم الرواية لما لا تختلف فيه المذاهب ، وقبوله بدون اعتماد حجة تقليد لا عمل بالرواية ، وكذلك تصحيح حديث أو تضعيفه كالفتوى ، لأنه تابع للمذهب في الرواة ، فقبول التصحيح والتضعيف بدون اعتماد على حجّة تقليد .
فإن قلت : إنهم يحتجّون للجرح بأن يقولوا : يروي المناكير أو نحو هذا ، فكيف يكون قبول الجرح تقليداً ممن قد اطلع على هذه الحجّة ؟
قلنا : إن كون الحديث منكراً يحتاج إلى بيّنة ، لأنه قد يكون منكراً عند الجارح وليس منكراً في الواقع ، وقد يكون انفراده عن بعض المشاهير لسبب واضح وعذر مقبول ، وقد تكون مخالفته لحديث الثقات لأنه هو الثقة ، وإنما خالفوه تعصباً لمذهبهم في مسألة قد اتضح أنها من أسباب التعصب ، فليسوا ثقاتاً في الواقع وإن كانوا ثقاتاً عند الجارح ، فقبول قول الجارح : إنه يروي المناكير تقليد له في معنى المنكر ، وفي أن الانفراد بالرواية عن المشهور قادح مطلقاً ، أو في أن هذا الراوي يجرح بتفرده ، لأنه ليس له عذر في ظن الجارح ، أو لأنه يبغضه فلا ينتبه لعذره .
وعين الرضا عن كل عيب كليلة***ولكن عين السخط تبدي المساويا
وقبول قوله إذا قال : « لا يتابع عليه » تقليد ، لأنه قد يكون له متابع ، لكنه لم يطلع على روايته المتابعة ، أو لم يعتبره شيئاً لفرط ضعفه عنده ، أو لسقوطه ، وليس ضعيفاً ولا ساقطاً في الواقع ، أو ظنّه سرق الحديث وليس سارقاً ، وإنما ساء ظنّه فيه لأنه شيعي روى بعض الفضائل مثلاً ، فلم يعتبر روايته متابعة للراوي الآخر ، فقبول قوله : « لا يتابع عليه » تقليد .
فقد بان أن هذه الاحتجاجات الصورية إنما هي دعاوى ، وأن قبولها تقليد إذا لم يكن عن دليل يدل على صدقها . » .
فعلماء الجرح و التعديل انما يعتمدون اساسا فى الحكم على الرواة على النظر فى متون مروياتهم, بينما السلفية اليوم ينفرون من النظر فى متون الروايات !
و هم -اى اهل الجرح و التعديل -فى ذلك يحكمون على اساس مذاهبهم و ارائهم و كان جل عنايتهم و اهتمامهم ان يضعفوا و ينكروا الروايات التى تخالف مذهب اهل السنة فاذا وجدوا رواية تقع فى معاوية مثلا طعنوا فى راويها و هكذا
و لم يكن لديهم ادنى عناية بقدح الرواة الذين ينقلون ما يسىء الى النبى (ص) و لم يحكموا على راوى واحد بالضعف و نحوه لانه نقل ما يسىء الى النبى (ص) او ما يقدح فى القران لذا وصفهم خصومهم بانهم مغفلون و حشوية !
و حسبك توثيقهم لمثل خالد بن سلمة بن العاص الذى قال الحافظ ابن حجر فى ترجمته : وذكر بن عائشة أنه كان ينشد بني مروان الأشعار التي هجى بها المصطفى صلى الله عليه وسلم !!
و هم عندهم فى نظرى خطا فادح فى منهجهم فى التعامل مع الصحابة و التابعين :
اولا – اعتبروا كل من راى النبى (ص) ثقة حجة لا يتطرق الشك الى روايته مع ان الصحابة ليسوا معصومين على الاقل من الغلط
ثانيا – تساهل اهل الجرح و التعديل للغاية فى الحكم بوثاقة "اهل السنة و الجماعة " من جيل التابعين تحديدا
يقول المحدث عبد الرحمن المعلمى فى رسالته " اهمية علم الرجال ":
" وأما التابعون ، فكلامهم في التعديل كثير ، ولا يروى عنهم من الجرح إلا القليل، و ذلك لقرب العهد بالسراج المنير – عليه و على آله افضل الصلاة و التسليم - ، فلم يكن أحد من المسلمين يجترئ على الكذب على الله ورسوله . و عامة المضعفين من التابعين إنما ضعفوا للمذهب ، كالخوارج أو لسوء الحفظ أو للجهالة ."
و قد روى مسلم فى مقدمة صحيحه عن ابن سيرين قال:
لم يكونوا يسألون عن الاسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى اهل البدع فلا يؤخذ حديثهم
اى انهم انما اكتفوا بجرح المخالفين لاهل السنة اى شيعة على و الخوارج اى المعارضة السياسية لحكم بنى امية
و كان كل اهتمامهم منصب على تضعيف الروايات التى تقدح فى بنى امية او تثبت فضائل لعلى و اهل بيته , و النتيجة انهم اعتبروا اغلب من خلت رواياته من ذلك اعتبروه ثقة حجة !
فهذا خلل فادح فى منهج القوم
و هنا امر مهم هو ان خصوم محمد (ص) قد ملكوا الامة اعنى ال ابى سفيان حملة الاحقاد البدرية, و ال الحكم طريد رسول الله (ص)
و لا شك عندى ان الروايات التى تشوه صورة محمد (ص) وضعت فى تلك الفترة من قبل خدم بنى امية من رواة السوء و ممن قد يكونوا اكرهوا على وضع الروايات من قبل السلطة الاموية
و هذا على الاقل احتمال لا يجوز ان يتجاهله باحث منصف فقد ملك الامة خصوم محمد (ص) و وضع روايات تطعن فيه ليس بشىء بجنب ما فعلوه فى اهل بيت محمد و حسبك مجزرة كربلاء و ما فعلوه فى الانصار يوم الحرة
المهم ما اريد بيانه ان احكام الجرح و التعديل هى اراء و احكام اجتهادية مدارها على التامل فى متون مرويات الراوى و يكفى فى بيان ذلك ان هناك فن عندهم يسمى " كيفية اعلال سند المتن المنكر " و قد اشار اليه المحدث السلفى المعاصر عمرو عبد المنعم سليم فى كتابه القيم (قواعد حديثية نص عليها المحققون و غفل عنها المشتغلون )قال هناك صفحة 70
يقول المعلمى رحمه الله فى مقدمة " الفوائد المجموعة ":
" اذا استنكر الائمة المحققون المتن , و كان ظاهر السند الصحة , فانهم يتطلبون له علة
فاذا لم يجدوا له علة قادحة مطلقا حيث وقعت
اعلوه بعلة ليست بقادحة مطلقا , و لكنهم يرونها كافية للقدح فى ذلك المنكر )
و قال :
" فمن ذلك :
-اعلاله بان راويه لم يصرح بالسماع , هذا مع ان الراوى غير مدلس
اعل البخارى بذلك خبرا رواه عمرو بن ابى عمرو مولى المطلب , عن عكرمة , تراه فى ترجمة عمرو من " التهذيب "
و نحو ذلك : كلامه فى حديث عمرو بن دينار فى القضاء بالشاهد و اليمين ..
-و كذلك اعل ابو حاتم خبرا رواه الليث بن سعد , عن سعيد المقبرى كما تراه فى " علل ابن ابى حاتم "2/352
- و من ذلك اشارة البخارى الى اعلال حديث الجمع بين الصلاتين : بان قتيبة لما كتبه مع عن الليث كان معه خالد المدائنى و كان خالد يدخل على الشيوخ , يراجع " معرفة علوم الحديث " للحاكم ص 120
-و من ذلك الاعلال بالحمل على الخطا , و ان لم يتبين وجهه
كاعلالهم حديث عبد الملك بن ابى سليمان فى الشفعة
و من ذلك اعلالهم : بظن ان الحديث ادخل على الشيخ كما ترى فى " لسان الميزان " فى ترجمة فضل بن الحباب و غيرها
و حجتهم فى هذا : ان عدم القدح بتلك العلة مطلقا انما بنى على ان دخول الخلل من جهتها نادر
فاذا اتفق ان يكون المتن منكرا , يغلب على ظن الناقد بطلانه فقد يحقق وجود الخلل
و اذا لم يوجد له سبب الا تلك العلة , فالظاهر انها السبب و ان هذا من ذاك النادر الذى يجىء الخلل فيه من جهتها ..
مثال :
ما اخرجه ابن عبد البر فى " الاستذكار "
اخبرنا احمد بن قاسم , و محمد بن ابراهيم , و محمد بن حكم
قالوا : حدثنا محمد بن معاوية , حدثنا الفضل بن الحباب , حدثنا هشام بن عبد الملك الطيالسى , حدثنى شعبة عن ابى الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله (ص) يقول :
" من وسع على نفسه و اهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سنته "
قال جابر : جربناه فوجدناه كذلك
و قال ابو الزبير مثله و قال شعبة مثله
قلت :
و هذا المتن منكر جدا مع نظافة سنده , و ثقة رجاله , و قد اعله الحافظ ابن حجر
فى " اللسان " 4/514 فقال :
" شيوخ ابن عبد البر الثلاثة موثقون , و شيخهم محمد بن معاوية هو ابن الاحمر راوى السنن عن النسائى وثقه ابن حزم و غيره
فالظاهر ان الغلط فيه من ابى خليفة , فلعل ابن الاحمر سمعه منه بعد احتراق كتبه "
قلت : و هذا اعلال محتمل غير مقطوع به , الا ان الائمة يلجؤون اليه عندما يكون المتن منكرا , و السند نظيفا , و ليست له علة ظاهرة تقدح فيه
و لا يلزم من الحكم على متن منكر بالوضع ان يكون راويه كذابا او وضاعا , او متهما بالكذب او بالوضع
بل ربما يكون من اهل الصدق و العدالة و الضبط , و ربما كان من الثقات الاثبات
و لكن وهم فيه سواء سماعا او تحديثا و لذلك فقد عرف اهل العلم الموضوع بانه ما كان راويه متهما , او كان مخالفا للاصول
و استخدام " او " دلالة على التخيير
و قد اشار المعلمى الى هذا المعنى فقال ص7 من تعليقه على الفوائد المجموعة للشوكانى :
" قد تتوفر الادلة على البطلان مع ان الراوى الذى يصرح الناقد باعلال الخبر به لم يتهم بتعمد الكذب , قد يكون صدوقا فاضلا , و لكن يرى الناقد انه غلط , او ادخل عليه الحديث )) انتهى المراد
فهذا تحقيق من احد علماء السلفية و ليت اخوتنا السلفية يقراونه حتى لا يندفعوا الى الدفاع عن الروايات التى تسىء الى النبى و كانهم سمعوها من النبى (ص) !!
فهل بعد تامل ما سبق يشك منصف فى ان خبر الاحاد الموثق رواته لا يقطع بان محمدا (ص) قاله ؟!!
و كاتب هذه السطور يستفيد من اراء علماء الجرح و التعديل و لكن المرفوض هو تقليدهم و قناعتى كما هو واضح ان اى خبر احاد لا يقطع بان النبى (ص) قد قاله
لكن يحصل الظن الغالب بصحته اذا كان رواته موثقون و ذلك بالاستفادة من جهود اهل الجرح و التعديل دون تقليد و دون تساهل فى التوثيق
و الا يوجد معارض أقوى للخبر أو مكافئ له
و اذا تعددت طرقة السليمة من الجرح و لم يكن هناك دوافع للوضع
و اسباب الوضع فى تلك الحقبة اهمها :
-الدوافع المذهبية
-و وجود خصوم لمحمد (ص) و الاسلام بين المسلمين بل وصل بعضهم لقيادة الامة و اعنى بنى امية و هم متهمون بان لهم دور فى الروايات التى تقدح فى شخص خصمهم محمد (ص)
و لكن كل هذه الروايات المشكوك فيها لا تمثل فى الواقع الا جزء محدود من روايات كتب الحديث
و لا شك ان خبر الاحاد الذى يغلب على الظن صحته يعمل به و هذا يستند الى السيرة العقلائية فانك إذا تصفحت حال العقلاء في سلوكهم، تقف على أنّهم مطبقون على العمل بخبر الثقة في جميع الأزمان و الأدوار، و يتضح ذلك بملاحظة حصول الاطمئنان بخبر الثقة عند العرف على وجه يفيد سكوناً للنفس، خصوصاً إذا كان عدلاً، و لو كانت السيرة أمراً غير مرضيّ للشارع كان عليه الردع كما ردع عن العمل بقول الفاسق.
ولم يكن عمل المسلمين بخبر الثقة إلاّ استلهاماً من تلك السيرة العقلائية التي ارتكزت في نفوسهم
و ربما يقال انّ الآيات الناهية عن اتّباع الظن كافية في ردع تلك السيرة كقوله سبحانه: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلاّيَخْرُصُونَ) (الأنعام/116)و قوله سبحانه: (إِنَّ الّذينَ لا يُؤْمِنُونَ بالآخرةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثى*وَ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إِنّ يَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَ إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً)(النجم/27ـ28).
والجواب: انّ المراد من الظن في الآيات الناهية ترجيح أحد الطرفين استناداً إلى الخرص والتخمين كما قال سبحانه: (إِنْ هُمْ إِلاّيَخْرُصُونَ) و يشهد بذلك مورد الآية من تسمية الملائكة أُنثى، فكانوا يُرجّحون أحدَ الطرفين بأمارات ظنية و تخمينات باطلة، فلا يستندون في قضائهم لا إلى الحس ولا إلى العقل بل إلى الهوى و الخيال، وأين هذا من قول الثقة أو الخبر الموثوق بصدوره الذي تدور عليه رحى الحياة و يجلب الإطمئنان والثبات؟
و لكن هناك فرق بين ان يغلب على ظنى صدور خبر احاد و اعمل بموجبه و بين ان اعتبر مضمونه من قطعيات الشريعة ياثم و يفسق مخالفه بل الصواب ان العمل به امر اجتهادى لا ياثم المخالف فيه لانه لا يقطع بصدوره عن النبى صلى الله عليه و سلم
و قد استدلوا على" وجوب " العمل بخبر ظاهر العدالة بادلة لا تصمد امام التحقيق العلمى
و مما استدلوا به ان النبى (ص) كان يرسل كما ذكروا الاحاد لتبليغ الشرائع و لا يثبت ان النبى (ص) كان يرسل الى النواحى رجلا واحدا فعندما ارسل معاذ الى اليمن لم يبعثه على جمل لوحده !بل ذهب فى جماعة من الصحابة و كان هو على راسهم لكن الاهم من ذلك ان هذا لا تتم به الدلالة الا على وجوب العمل بخبر من سمع مباشرة من النبى (ص) و لا تتم به الدلالة على وجوب العمل بخبره مع تعدد الوسائط اليه لان دلالتها منصرفة إلى خبر الواحد الناقل عن النبى (ص) بلا واسطة، ولا تشمل المنقول بواسطتين أو وسائط.
|