نسجد لصلبوتك أيها المسيح إلهنا

تعيش الكنيسة الأرثوذكسية هذه الأيام إسبوع الآلام والذى فيه قبل السيد المسيح عار الصليب لكى يحمل عنا عار الخطية .. وقبل أن يتعرى وهو كاسى الخليقة كلها لكى يُكسينا بثوب بره .. وقبل الموت فى جسده وهو معطى الحياة لكل حي لكى يعطينا حياة أبدية .

ولقد قهر الموت .. ولأول مرة فى تاريخ البشرية يقهر إنسان الموت .. ولكن الحقيقة أنه لم يكن مجرد إنسان بل كان إلهاً أيضاً .. لم يكن إنساناً متألهاً ولكنه كان إله متجسد متأنس .

عندما أخذ ابن الله الكلمة جسداً بشرياً وظهر فى الهيئة كإنسان أصبح صالحاً أن ينوب عن جنس البشرية لأنه قد صار منهم عندما وُلد من إمرأة من جنس البشر .. فهو من نفس جنس البشر .. فهو نائب إنسانى عن البشر وهو فى نفس الوقت نائب إلهى غير محدود قدوس مطلق الطهارة ..

عندما أمر الله عبده وخليله ابراهيم أبو الآباء أن يقدم إبنه إسحق ذبيحة ومحرقة لله أطاع ابراهيم على الرغم من غرابة الطلب وبشاعته .. ولكن بالإيمان أطاع ابراهيم واثقاً فى الله الذى وهبه إسحق .. فالرب الذى أعطى من حقه أن يأخذ .. الرب أعطى الرب أخذ فليكن إسم الرب مباركاً .

وماذا كانت نتيجة طاعة ابراهيم ؟ الله كان يعرف مدى قوة إيمان ابراهيم وأراد أن يزكى إيمان خليله من خلال هذه التجربة المريرة .. فصارت لإبراهيم بركات جزيلة وصار نسله مثل رمل البحر وبنسله يتبارك الأمم .. فمن نسل ابراهيم جاء المسيح الذى تبارك به العالم كله .

وفى هذه القصة من سفر التكوين فى العهد القديم نجد أحد الرموز العديدة للسيد المسيح التى يمتلأ بها العهد القديم .. فإسحق يرمز للسيد المسيح .. فكما حمل إسحق الحطب حمل السيد المسيح الصليب .. وكما قدم ابراهيم إبنه ذبيحة قدم الله الآب إبنه الوحيد ذبيحة .. وكما أطاع اسحق حتى الموت أطاع أيضاً السيد المسيح حتى الموت .. ظُلم أما هو فلم يفتح فاه .. وكما رجع إسحق حياً فقد رجع السيد المسيح حياً وقام من بين الأموات قاهراً الموت .. فبالموت داس الموت .

وسيظل السيد المسيح حجر عثرة على مر الأجيال .. فهو الحجر الذى رفضه البناؤون ولكنه صار حجر الزاوية .. من سقط على هذا الحجر (رفضه فى حياته الدنيا) يترضض (يقاسى ويظل مجروحاً من خطاياه) ومن سقط عليه هذا الحجر (دينونة المسيح فى اليوم الأخير لمن رفضوه) فهو يسحقه (موت أبدى لرافضى المسيح) .


تظل الكنيسة تردد طوال إسبوع الآلام تسبحة الصلبوت وتقول للمصلوب :

ثوك تى تى جوم نيم بى أوو نيم بى إزمو نيم بى آما هى شا إينيه آمين إمانوئيل بينوتى بين أورو .

ثوك تى تى جوم نيم بى أوو نيم بى إزمو نيم بى آما هى شا إينيه آمين باشويس إيسوس بخرستوس باسوتير إن أغاثوس تاجوم نيم بى إزمو بى إبشويس أفشوبى نى أفسوتيريا إثؤاب .

ثوك تى تى جوم نيم أوو نيم بى إزمو نيم بى آما هى شا إينيه آمين .

وترجمتها :

لك القوة والمجد والبركة والعزة الى الأبد أمين .. عمانوئيل إلهنا وملكنا .

لك القوة والمجد والبركة والعزة الى الأبد آمين .. يا ربى يسوع المسيح مخلصى الصالح .. قوتى وتسبحتى هو الرب وقد صار لى خلاصاً مقدساً .

لك القوة والمجد والبركة والعزة الى الأبد .. آمين .



تؤكد الكنيسة على إيمانها طوال هذا الإسبوع ويتلخص هذا الإيمان فى أن المسيح المصلوب هو إلهنا وملكنا ومخلصنا وقوتنا وتسبحتنا الى الأبد .

فقد يرى فيه غير المؤمنين عاراً أو ضعفاً أو جهلاً ولكننا المؤمنين نرى فى الصليب عرش المُلك لمسيحنا قدوس القديسين وإله الآلهة وملك الملوك .. فكما قال داود فى المزمور قد ملك الرب على خشبة .

ونرى فيه قمة القوة .. فقد أظهر المسيح له المجد بالضعف الظاهرى ما هو أعظم من القوة .. لقد قهر الموت وسبى الجحيم سبياً .

ونرى فيه قمة الحكمة .. فعلى الصليب إلتقى العدل مع الرحمة وتعادلا فى طلاقتهما الإلهية وتحققت المعادلة المستحيلة . فكيف يُستوفى عدل الله بضرورة موت الإنسان بسبب خطيته وفساد طبيعته بسبب عصيانه لله مع رحمة الله المطلقة التى تريد أن الجميع يخلصون والى معرفة الحق يُقبلون .

ونرى في الصليب قمة المجد .. فهذا المصلوب المتوج بإكليل الشوك المكتوب فوقه "ملك اليهود" الذى ينزف دماً من كل أجزاء جسده المُعلق ما بين السماء والأرض قد إرتفع عن الأرض فوق الصليب مصالحاً السمائيين مع الأرضيين فارداً ذراعيه لكى يدعو جميع البشر من يهود وأمم الى خلاصه الإلهى العجيب .


أنظروا يا ملوك الأرض ذوى التيجان الذهبية الى ملككم وقد تُوج بإكليل شوك ..