{myadvertisements[zone_1]}
الاتهامات المتبادلة بين الأرباب: "الرب الشيعي" مع "الرب السنِّي"
arfan غير متصل
عضو رائد
*****

المشاركات: 1,378
الانضمام: Nov 2004
مشاركة: #1
الاتهامات المتبادلة بين الأرباب: "الرب الشيعي" مع "الرب السنِّي"
الاتهامات المتبادلة بين الأرباب ليست "إعلامية" فقط، بل هي جوهر الموضوع العقائدي للمذاهب الإسلامية. وإن التسمية الجامعة حول كلمة الله ليست غير تسمية شكلية، تتطابق مع التسمية الدينية لهذه المذاهب حينما تكون هناك صورة إعلامية للتعبير عن وجهات النظر الشكلية في رأي المذاهب بعضها ببعض. وإن بعض المذاهب تتجاوز هذا الشكل الإعلامي، الذي كان منضويًا تحت مسمَّى "المصلحة العليا للدين"، إلى تكفير بعض المذاهب، بل الإفتاء في تحليل قتل معتنقيه جماعيًّا، دون أية رحمة من الرب الذي يؤمنون به: "تعرض عليهم التوبة، فإن لم يتوبوا فتكون دماؤهم حلال وأموالهم من الفيء."

هذا ما يتبنَّاه المذهب السلفي، أو ما يسمَّى بالوهابي أو "التكفيري" أو غيرها من التسميات، معتبرًا المذهب الشيعي والصوفي وباقي المذاهب مذاهب ضالة ومنحرفة عن الدين الأصل. ويتصرف المذهب الشيعي (أو الرب الشيعي) مع باقي المذاهب بالسلوك نفسه في إزاحة باقي المذاهب عن الانتماء إلى الأصل الديني، ولو أنه أقل حدة واندفاعًا من الربِّ السُّني أو السلفي حول الصراع التكراري والمستمر على مفهوم "الأصالة". ويبقى هذا المفهوم عائمًا وغير محدد، على الرغم من أن المصادر واحدة للرجوع إلى النظام الاستنباطي العقائدي والتشريعي لمنظومة المذاهب نفسها.

وفي عملية قراءة التاريخ المذهبي والسلوك الجمعي للمذاهب، نرى أن الاختلاف ليس في عملية المسمَّيات والمصادر الأولى للنظام الداخلي للمذهب، بل في حقيقة التكوينات الربوبية للمذاهب حول تشكيل الربِّ الذي يُعبَد. والاختلاف الجوهري في التكوين، وفقًا لقواعد سلوكية وكيفيات ظهورية، متعلق بالمزاج والتذوق والمعرفة وحتى بالصفات. وإن الصراع القائم ليس على الأصالة والحفاظ على التراث الديني الأصل، بل هو صراع أرباب، تكوَّنوا وفقًا لضرورات تاريخية ومعرفية، وتشكَّلوا ضمن حوادث تاريخية مرت بالدين الواحد، بحيث صار رب كلٍّ من هذه المذاهب لا يقبل أرباب المذاهب الأخرى، بل يرفضها كليًّا. وليس هناك ما يميز أصالة واحد عن الآخر لأن مفهوم "الأصالة"، كما ذكرنا، هو مفهوم عائم وينتمي إلى السياق اللغوي المليء بالتضمينات والتأويلات اللامتناهية تبعًا للمصدر الأول نفسه، وهو القرآن الكريم، بما هو كتاب لغوي ودلالي مطلق التقديس لتمثيله لمدار الوحي ولحقيقة الخطاب والمعنى الإلهيين.

وكما ذكرنا، فإن معنى الألوهية معنى لا يمكن حصره أو تجميعه في ما يسمَّى بالديانات التوحيدية إلا على مستوى الخطاب التبادلي بين هذه الحقيقة الإلهية وبين "النبي" الناقل لهذا الخطاب. لهذا يتحول الله، بالمعنى الإطلاقي للكلمة، إلى لغة مقدسة لا يمكن المساس بها، لأنها أول السمات الواضحة لهذه الحقيقة المطلقة التي تحولت إلى كلمات وجُمَل وعبارات لغوية تحمل من الترميز والتجريد ما لا يمكن حصر معانيه في أغلب خطاباته. وتلك العملية المعقدة من إحراز اللغة الربوبية في القرآن إحرازًا واضحًا أدت إلى انفلات المعنى الأول والتماسك الإطلاقي والتوحيدي في الديانة الواحدة نفسها. ومن حقيقة هذا الانفلات والتشتت لوحدة الرب الأول، أو بالأحرى، من مفهوم التوحيد نفسه، تتكون القدرة الهائلة على إنتاج أرباب متعددين، لأن هذا المفهوم نفسه ينطلق من التجريد المطلق القابل لاحتواء أيِّ شي وانقسام أيِّ شي من دون أن يؤثر على مفهوم المطلق نفسه: فهو التجريد اللغوي والمعرفي الذي تتمخض حقيقتُه الذاتية ذاتها عن أرباب متعددين يحملون هموم المعترضين أو المشككين ومشكلاتهم في تأويل الشكل الظهوري للربِّ أو الامتيازات التي يتمتع بها أو الشكل السلطوي في قيادة رحلة الدين الواحد.

بذا يمكن القول بأن الربَّ الأول الإسلامي يتصف بالقدرة الذاتية على إنتاج أرباب آخرين نظرًا لقربه من المعنى الإطلاقي الأول والمجرد، على الرغم من وجود الدعوة الشكلية، في المذاهب الإسلامية كلِّها، إلى الانتماء للرب الواحد. وهذه القدرة الذاتية لمعنى الربِّ الواحد المجرد، المتكون من نصوص لغوية ودلالية متعددة المعاني والأغراض، وفَّرتْ إمكانيةً غير مدرَكة للإنسان لصنع أربابه الذين يمثلونه على وجه الدقة، نظرًا لوجود ثغرات معرفية وواقعية في المعنى الشمولي أو في إدراك المتدينين لهذا المعنى الشمولي الذي غالبًا ما يتحول إلى سلطة إطلاقية وحاكمية إلزامية توجب على الآخرين اتِّباع شمولية المعنى وتسليم المحتوى الزمني لديهم برمَّته والاستيلاء على جميع مفردات زمن المتدينين والتحكم فيه، أكان يمثل الزمن الدنيوي أو الأخروي، وذلك على الرغم من جميع التحولات الهائلة في رحلة الإنسان ومن تراكم التراث الديني، بكلِّ ما يحمل من انتصارات وهزائم للإنسان، حتى أصيب هذا التراث الربوبي بالتخمة والانتفاخ المعلوماتي المكرِّر للسلوك والمعرفة.

على هذا الأساس، كان من الإلزام الوجودي والواقعي انشطار مفهوم الرب الواحد واستقلال الأرباب وانفرادهم في معتقدات تتماشى مع تكوينات جديدة من المعرفة أو السلوك تتلاءم مع واقع معيَّن. وقد تمت هذه العملية مباشرة بعد موت النبي الذي يُعتبَر الشكل الجامع لحضور الرب بين معتنقيه الذي تحوَّل بعد موت النبي، كما ذكرنا، إلى الشكل اللغوي المقدس في الكتاب والسنَّة اللذين تجسد فيهما الشكل الحضوري للرب. ومن خلال هذا الشكل وإمكانية تجريده إلى ما لا نهاية، تكوَّن الصراعُ بين الأرباب وادعاء كلٍّ منهم أنه يمثل لطريق الحق والأصالة الأولى للشكل الربوبي الموحي للخطابات الإلهية المقدسة التي تحولت، بفعل الزمن، إلى الشكل الربوبي المعبود.

ويمكن تحديد هذا التراكم في الصراع القائم كلِّه، ليس على مستوى اختلاف العقائد، في شكل عام، أو تحديد مدار التفاصيل الدينية، في شكل خاص، بل في قيامة التكوين والمعرفة المنجَزة في التشكل الأول للرب بعد وفات النبي محمد. والصراع القائم هو صراع الأرباب المستقلين عن هذه القيامة التكوينية والمعرفية في نحت الربِّ الديني وفقًا لصياغات تتلاءم مع القوة التأويلية، ليس للمعرفة الدينية وحسب، بل وللقوة الإلزامية المتعلقة بالنماذج القيادية المرافقة للفعل النبوي ورحلته، المتمثلة في النخبة الأولى المرافقة للنبي، كالصحابة في تكاتفهم للحفاظ على الشكل الأول للرب وفقًا لإدراكهم وطموحاتهم الإيمانية والتاريخية.

لكن هذه المحاولات كلها لم توقف الانشطار الربوبي؛ بل إن الفعالية نفسها في الحفاظ على الشكل الأول للرب هي، في حدِّ ذاتها، عملية انفصالية لتحديد سمات ربوبية جديدة وفقًا لقياسات نخبة متفقة على تفسير رحلة النبي واقعيًّا أو تأويل النص المقدس معرفيًّا. وهذا الرب الجديد يُشحَن بكلِّ الإمكانات المقدسة من النماذج الإيمانية الأولى، وحتى من الشواهد النصِّية المقدسة، من أجل قيامته التكوينية وهيمنته المعرفية وبسط نفوذه على باقي الأرباب من الديانات الأخرى والمذاهب والملل والنحل إلخ. وإن هذا الصراع لا يمكن أن ينتهي إلا بنهاية الآخر ودماره كليًّا.

وهذه الحقيقة الصريحة هي مدار الواقع المعاصر والمعيش مع المذاهب الإسلامية التي نحتت أربابَها من خلال المسيرة الإيمانية لشكلانية المذهب القائم على خلفيات تاريخية ووقائع لأفراد لهم حضور مقدس في بداية الظهور الديني، أو لجماعات تكونت لها أمزجة وتذوق ديني خاصة بها. وهذا ما حدث في الرب الأول نفسه الذي تشكَّل وفقًا للسياق نفسه على يد الأنبياء.

ويبقى الأمر قطعًا محصورًا في المعنى الإلهي المطلق. ولا يخلو أي ربٍّ في المذاهب من الزيادات والحذوف والإضافات على الشكل الربوبي، حتى لا يشبه ربٌّ الربَّ الآخر في باقي المذاهب إلا في التسمية العامة، كما ذكرنا؛ وتنعكس حقائقه وسلوكياته على سلوك معتنقيه ومن خلال تراثهم ومسيرتهم التاريخية ورؤيتهم لشكل الحياة الدينية. ومن خلال هذا التراكم كلِّه، ينمو "النظام الداخلي" للمذهب نفسه.

وإذا ما سألنا عن سبب هذا الاختلاف أو الاستقلال عن الرب الواحد في الديانة نفسها أو حتى في مذهب بعينه، يكون منشأ هذا الاختلاف عادةً في تركيبة الديانات الكتابية الأولى التي تعتمد الكتب المقدسة كمصدر وحيد وإلزامي، ليس على مستوى الفرد وحسب، وبل على تفاصيل التشريع القانوني والسعي إلى تعميمه كسلوك جمعي بالقوة. وهو تراث لغوي هائل يحمل ما يحمل من العلامات والرموز والإشارات القابلة للتأويل والترميز. وأصل المشكلة في عمومية الكتاب واختزال الحياة، في أبعادها الوجودية والتاريخية كلِّها، في كتاب واحد شامل يصلح للإنسانية قاطبة، مما يسبب تخمة معرفية وتشريعية وتأويلية لكثير من نصوصه، تؤدي في النهاية إلى الانفجار الهائل الذي يولِّد المذاهب والملل والنحل. وهذه العملية الانفجارية في الدين نفسه سببها الأول عدم تطور الديانات مع السياق التاريخي والزمني للإنسان، بل توسعها في الدائرة الدينية نفسها؛ مما يسبب هذه التخمة التي لا يمكن حلها إلا في تكوين أرباب آخرين قادرين على حمل معارف وتأويلات وسلوكيات تتماشى مع التغيرات التاريخية والزمنية للإنسان والتحديات التي تواجه الدين نفسه. وتتكرر العملية نفسها في المذهب الواحد نفسه الذي يسير وفقًا للمنهج التوسعي نفسه للدين الأول وفي المدار نفسه، حتى يصل إلى عجزه عن تحمُّل هذه التوسعات إلى ما لا نهاية.

فالصراع القائم بين المذاهب الإسلامية ليس صراعًا عقائديًّا أو فكريًّا أو خلافيًّا حول المصادر أو الأصل فحسب، على الرغم من أن الصورة العلمية والأكاديمية توحي بذلك، بل إن الصراع هو صراع ربوبي للمذاهب نفسها. لهذا لا نرى لقاءً حميميًّا وإنسانيًّا للمذاهب نفسها في أية دائرة واقعية وسلوكية، بل نرى بالأحرى الاختلاف في الرؤية الإنسانية بعضها لبعض، على الأصعدة الواقعية كلِّها، حتى التوحش والعداء، لاعتقاد أصحاب المذاهب بأن الربَّ الذي يعبدونه هو الحق والآخر هو الباطل، ولحرصهم على حصر هذا الصراع في هذين المعنيين (الحق/الباطل) من أجل الاحتفاظ بالسلطة المركزية للربِّ المذهبي، كونه هو الحق، بينما باقي الحقائق التي تدَّعي الربوبية هي الباطل.

لا بدَّ هنا من القول بأن هاتين الصفتين (الحق/الباطل) عائمتان، ولا يمكن حصر معانيهما في أيِّ شكل واقعي، نظرًا لعدم وجود أيِّ مصداق سلوكي يرتبط بالإنسان عمومًا، بل يرتبط بالإنسان الذي يتبنى هذا المذهب حصرًا أو يؤمن به. وتنتمي هاتان الصفتان إلى العقل الإيماني المتمركز على ثوابت، معظمها في مدار التخيل والحس المتوهَّم والمنطق الاستهلاكي غير المنتج وغير المنتمي إلى الفعل التاريخي انتماءً صارمًا. والأديان والمذاهب كلها تدَّعي الحق لها؛ فهي، في صراعها مع باقي المذاهب أو الديانات، في شكل عام، وفي تكوُّن عقائدها ومعارفها وحقائقها وشخصياتها، تتلبس الحقَّ المطلق: ففي حروبها يكون "قتلانا" شهداء، مثواهم الجنة التي أُعِدَّتْ لهم أصلاً لأنهم الحق (بينما الآخرون، هم وأربابهم، باطل)، و"قتلاهم" في النار التي أُعِدَّتْ للكافرين أو المخالفين أو المرتدين أو الملحدين الذين لهم عقاب واحد، وإن اختلفت معاييره، إلا أنه الموت والخزي والعار في الدنيا والنار في الآخرة!

ومن خلال هذه الثقافة الدموية الواضحة في ترتيبها، لا يمكن لهؤلاء الأرباب الركون إلى السِّلم مطلقًا مادامت رحلتهم التاريخية تمتلئ بالأبطال والشهداء الذين مضوا والذين ينتظرون دورهم في البطولة والشهادة، أو الذين ضحوا لنصرة المذهب والدين وقدموا أنفسهم قرابين لربِّ المذهب والدين. فهذا التجييش الهائل كله من الشخصيات التاريخية والمؤمنين المعتنقين في قوة للرب المذهبي – هذا التجييش الذي يستتبع الفناءَ التام لكلِّ إبداع إنساني داخل منظومة هذه الربوبية وتبنِّي ثقافة الإزاحة والتوحش والتدمير كسلوك تبادلي بين الأرباب – لا يدعو هؤلاء الأرباب إلى نشدان الصفاء والسِّلم والأمان، ولا يمكِّنهم أن يعترف بعضهم ببعض، لسبب بسيط جدًّا هو أن أيَّ ربٍّ لا يرضى ولا يقبل أن يزاحمه أي ربٍّ آخر على مملكته التي هي العالم كله، من الديار إلى العباد، التي تمَّ تقسيمها، بحسب الولاء والانتماء إلى الربِّ، إلى "دار كفر" و"دار إيمان"، كما تم تقسيم العباد إلى "مؤمن" و"كافر"، وهكذا إلى ما لا نهاية له من التقسيمات بحسب رؤية الرب والصفات التي يتمتع بها واقعيًّا وسلوكيًّا ومزاجيًّا وذوقيًّا، المتأثرة حتمًا بالعوامل الحضارية والذوقية والأخلاقية وبطبيعة العباد المعرفية والعقائدية والسلوكية.

وهكذا يتم، بالتالي، تقسيم الصفات المتعلقة بالتسمية الجامعة للدين الأول – وهو الله – وتبعيضها وفقًا للرؤية المذهبية، أو بالأحرى وفقًا للرب المذهبي، كما يتم توزيع إرث الله على باقي أرباب المذاهب ومعتنقيهم: يتم تطبيق جميع الصفات القهارية أو التي بها سلطة قهرية وتنفيذها عليهم (كالمهمين والقهار والرقيب والقوي والمميت والقيوم والمتعالي والضار والمُذِل) – والصفات كلها تطبَّق واقعيًّا على الآخرين وتمارَس ممارسةً سلوكية مباشرة أو غير مباشرة؛ بالإضافة إلى الصفات الأخرى المهينة في الكتاب (القرآن الكريم) على العباد المنحرفين والفاسقين والفجَّار والكفار والمرتدين والمشركين والضالين عن طريق الحق. والآيات التي تدعو إلى قتل المشركين والكفار والظالمين ستطبَّق بحق على باقي المذاهب فعليًّا إنْ توفرت الفرصة، أو يؤجَّل تطبيقها لحين ظهور الواقع الموضوعي لإخراجها أو توفُّر الضرورة الواقعية لتطبيقها تطبيقًا فعالاً ومؤثرًا ومبرَّرًا ومدعومًا بالنصوص المقدسة. وقطعًا سيكون من حصَّة المذهب الذي يدَّعي الحق باقي الصفات الإيمانية العظيمة التي يتصف بها المؤمنون في طريق الحق (كالصالحين والمجاهدين والصدِّيقين والأولياء والمتوكلين والتائبين والساجدين والراكعين والكرماء والصابرين والوارثين للحق).

هذه العملية التأويلية للنصوص الأولى كلها هي في الحقيقة، كما ذكرنا ونكرر، تراث سلوكي لأرباب متعددين لنقل الخطاب الغيبي، بحسب المصطلح الديني، من خلال الترجمة النبوية لهذا الخطاب وفقًا لسياقات لغوية متصلة بلغة النبي وسلوكه الذي سيصبح في ما بعد، بدوره، تراثًا لغويًّا من خلال الأحاديث والفعاليات السلوكية للنبي والمرافقين له في بداية تكوين الديانة والتابعين والمقيمين على حفظ التراث الديني من الانقراض – هذه الفعاليات كلها ستصبح تراثًا هائلاً من اللغة والمفاهيم قابلة للتفسير والتأويل. وبالنتيجة، تتكون الأرباب من خلال العملية التأويلية نفسها للُّغة وصراع المفاهيم. وستمارس هذه العملية التأويلية الدور الداعم لكلِّ عملية انفصالية لتكوين رؤية ربوبية جديدة مرتبطة بفعل تاريخي خارج النمط الربوبي الأصلي.

ومن خلال عملية تعدد الرؤى وتكثُّر التأويلات، تتكثَّر الأرباب زمنيًّا وتاريخيًّا. لذلك نرى أن الإسلام، من حيث الشكل الظاهري وكفى، مرتبط في التسمية العامة الجامعة للمسمَّى الديني (الإسلام)، بينما هو في الحقيقة مجموعة من المذاهب والملل والنحل. وكل مذهب وملة وفئة دينية معينة لها "رب" ذو صفات سلوكية ومعرفية مختلفة اختلافًا جذريًّا أو مختلفة في بعض التكوينات. وهذه المجموعة من الأرباب يحتدم بينها صراعٌ فكري وعقائدي، وحتى جسدي، في عملية متواصلة ومستمرة لإثبات مصداقية ربوبيتهم وانتمائهم التمثيلي لحقيقة الرب الأول (الله). وكذلك فإن المذاهب كلها تدَّعي تمثيل حقيقة النبي وسلوكه وفعله وانتمائه للحقيقة الإلهية.

والأدلة على أن الصراع المذهبي في الإسلام صراع أرباب هو التراث الهائل من الكتب "الخلافية" التي هي في الحقيقة بيان لحقيقة الربوبية المذهبية. وإن التراث الهائل من الكتب الخلافية والعقائدية هو شكل طبيعي لفعل الزمن وتطور الحياة؛ لكنْ يؤخذ من الأطراف كلِّها على أن هذا الخلاف هو خروج عن الأصل الأول للدين. لهذا يجب على كلِّ مذهب إثبات ادعائه أنه يمثل الحق المطلق للأصل. وهذا التراكم الادعائي، الذي جنَّد عقولاً هائلة من أهل المذاهب المختلفة بذلت جهودًا فكرية ودفاعية لإثبات هذه الحقيقة الانتمائية للأصل الأول – هذا التراكم استهلك في هذه العملية طاقةً كبيرة، غير منتجة واقعيًّا، وليست لها أية ثمرة معرفية رئيسية غير إثبات مصداقية الرب المذهبي أو أصالة تشكيل هويته الحضورية في الواقع الإيماني. ولو تضافرت هذه الجهود العقلية والسلوكية في إنتاج أنماط سلوكية متطورة مع حركة الحياة والعالم ومعارف واقعية قابلة لحلِّ مشكلات الإنسان الروحية وتهذيب السلوك الإيماني لتطوير القدرات الربوبية على المشاركة الفعلية وعلى تطوير مفاهيم الإنسان عن الحياة الوجدانية والغيبية، لكانت أجدى من الضياع في متاهات الصراعات المفهومية غير المنتجة أصلاً إلا لشكل واحد هو التوحش الديني.

وهذه الصراعات حول المفاهيم تمثل المحور الأساسي لأصل الصراع الفكري والعقائدي بين المذاهب، الذي غالبًا ما تحول إلى صراع دموي عبر التاريخ وترك ضحايا من الأطراف كلِّها عبر التاريخ، ومازال إلى يومنا هذا، وسيستمر حتى تهدأ نفوس الأرباب – هذا الأمر الذي لن يكون على ما يبدو إلا من خلال رؤية الإنسان لتاريخه المرير في المدار الديني للأديان كلِّها في شكل عام وللإسلام في شكل خاص. ونقول "الإسلام في شكل خاص" نظرًا لتوقف الرب الأول في هذا الدين عن التطور على أيدي معتنقيه، ولتضخُّم هذا الرب وتوقف القيمة الإبداعية عند لحظة ظهور هذه الربوبية فقط، حتى انشطر إلى أرباب لمذاهب شتى تحت مظلة المسمَّى الديني نفسه. وإن التراث الإسلامي الديني كلَّه، في دائرة النصوص الدينية، يعاني تخمة فكرية وعقائدية هائلة لفداحة التقديس المفرط لتلك النصوص وعدم السماح لأيِّ فكر إبداعي باستخدام هذه النصوص لبناء قواعد ونُظُم تتوافق مع الضرورة الوجودية والسلوكية للإنسان ومع جعل الإنسان المحورَ الوجودي للعطاء والإبداع والتقدم، بعدم تسخير حياة الإنسان وموته للمسمَّيات الأولى للظهور الديني. إذ إن على الدين تقديم العطاء والإنتاج الفعلي والتطوري لحاجات الإنسان الروحية والمادية ولتكامله الإنساني. وإن أيَّ تضخم فكري أو عقائدي، ديني أو دنيوي، يؤدي في النتيجة إلى انفجار هائل، يؤدي، بدوره، إلى استهلاك الدين نفسَه بنفسه، وبالتالي، إلى ممارسته سلطةَ السحق والتدمير للإنسان والقيم االمنتِجة للخير، كالأمان والسلام والمحبة، وتبنِّيه اللغة القهارية، كالتوحش والإزاحة والتدمير.

http://www.maaber.50megs.com
07-04-2006, 05:25 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
الاتهامات المتبادلة بين الأرباب: "الرب الشيعي" مع "الرب السنِّي" - بواسطة arfan - 07-04-2006, 05:25 PM

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  بطش الرب في العهد القديم وتسامحه في العهد الجديد والعهد الأخير عبد التواب اسماعيل 12 2,289 09-25-2012, 10:23 AM
آخر رد: coptic eagle
  المسلم الشيعي والإبتلاء السيد مهدي الحسيني 25 4,330 09-01-2012, 08:21 PM
آخر رد: السيد مهدي الحسيني
  خواطر حول هاجس المد الشيعي فارس اللواء 17 4,519 03-16-2012, 03:19 AM
آخر رد: السيد مهدي الحسيني
  الكتاب المقدس : للأنثى مثل حظ الذكرين ...لكن من النجاسة .مكان المرأة في دين الرب !!!! جمال الحر 7 2,360 02-06-2012, 10:35 AM
آخر رد: ABDELMESSIH67
  هل كذب الرب يسوع ؟.و ما دليل كذبه ؟. جمال الحر 1 1,166 02-05-2012, 01:59 PM
آخر رد: ابانوب

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS