...في أحد المنتديات التي أشترك فيها طرح أحد الزملاء تساؤلات بشكل استفتاء قبل أسبوعين من الزمن حول الملحدين العرب ودورهم في التأثير في مجتمعاتهم فكريا واجتماعيا ونهضويا وعما إذا كان الملحدون العرب قد تخلصّوا حقيقة من عقدة الدين (كما يسمونها) أم أن رواسب أديانهم السابقة ما زالت عالقة في نفوسهم وقد بقيت في عقولهم الباطنية تؤثر عليهم وتسيّر كثيرا من خططهم ومنطلقاتهم ودفوعاتهم بل قد تؤدي أحيانا إلى اختلافاتهم الحادة مع إخوانهم الملحدين من أديان أخرى (لو جاز التعبير) وهي اختلافات كثيرا ما أدت بينهم إلى القطيعة التامة بل وحتى التنابذ بحد السيف والتطاعن بحد الرمح.
وكنت قد فكرت بطرح هذا الموضوع مثار البحث كقضية للنقاش منذ فترة إلا إن إعدام صدّام حسين وما استتبعه من مقالات مؤيدة ومقالات معارضة وتأجج مشاعر كلا الطرفين كان كفيلا بتأجيل طرح الموضوع خوفا من أن يفهم الموضوع على انه موجه ضد فئة دون فئة أو خوفا من إثارته لفتنة قد تكون نائمة أو تأجيج مشاعر طرف من الطرفين.
طبعا ينبغي لنا ألا ننسى إن معظم الدراسات والأبحاث بل والمقالات التي تتعلق بالنقد الفكري للأيدلوجيات و التي تزخر بها المكتبات والدوريات بل والشبكة العالمية قد خصصت جل مواضيعها للأديان والمذاهب السماويّة (أو التي يعتقد معتنقوها أنها سماويّة حتى لا أثير حفيظة البعض هنا) ولم تحظَ حركة الملحدين العرب بكثير من النقد فضلا على الانتقاد لأسباب متعددة ولعل من أهمها عدم انتشار الإلحاد في مجتمعاتنا كظاهرة تستحق الدراسة والتمحيص وكذلك قلة البيانات المتوفرة عن الإلحاد والملحدين ومدارسهم أو توجهاتهم الفكريّة والتي ارتبطت بأذهان الكثيرين (وقد أكون واحدا منهم) بأن الملحد هو من ينكر وجود الإله الخالق وكذلك قلة المنابر المتاحة للملحدين في مجتمعات متدينة أو أن الدين هو سمتها العامة.
ولعل ظهور القنوات الفضائيّة وانتشارها وكذلك الشبكة العالمية قد أعطى لبعض الملحدين واللادينين بعض الهوامش التعبيرية والظهور أمام الرأي العام للتعبير عن أنفسهم وكشف برامجهم وطموحاتهم وطرائق تفكيرهم ومشاريعهم المستقبلية لدولهم.
على أن الملاحظ أن كثيرا منهم قد ظهر وقد استوحى خطابه العام ونهجه الفكريّ من وحي الطائفة أو المذهب أو العقيدة التي كان يعتقدها قبل إلحاده أو تلك التي تنتهجها عائلته ولذا فلا عجب أن تجد مثلا ملحدا ذا خلفيّة إسلامية سنيّة ينتقد ملحدا آخر ذا أصول شيعيّة أو بروتستانتية أو كاثوليكيّة والعكس مما يعطي الانطباع لدى الناقد المتجرد بان الإلحاد العربي ما زال مرتديا عباءة الطائفيّة ومعمما بعمامة الدين ولم ينضج بعد وما زال الكثير من الملحدين العرب يتبنى خطاب القبيلة أو العشيرة أو الإقليم بل أنه قد يكون أحيانا أكثر طائفيّة من بعض المتدينين ولعل ذلك مرجعه عدم نضج خطه الفكري أو فهمه لمقتضيات الإلحاد وتبعاته أو تشابك المفاهيم الدينية التي نشأ عليها منذ نعومة أظفاره وصعوبة تخلصه منها أو التنكر لها بمجرد إعلانه الإلحاد.وقد أبالغ لو قلت أنني اطلعت على مدارس الإلحاد العالميّة وفلسفاتها وخطوطها الفكرية إلا أنني أكاد أجزم وبما لا يقبل للشك أن كثيرا من الملا حدة العرب مازال أسيرا للخطاب المذهبي بل ومروج له في بعض الأحايين مما أوجد مصطلحات لم تكن مألوفة من قبل في الخطاب الصحفي كمصطلح ملحد سنيّ وملحد شيعي وملحد كاثوليكي وغيرها ومن تابع عملية اعدم صدّام حسين قبل أسبوعين وما تبعها من أفعال وردود أفعال على شاشات الفضائيات وصفحات الصحف والمجلات وغيرها من وسائل الإعلام المقروءة والمكتوبة يتبين له ذلك بجلاء.
أطرح موضوعي هنا كنقد وانتقاد وهو معبر عن وجهة نظري الشخصيّة والتي تبلورت من جملة مشاهدات ومواقف تسارعت منذ احتلال العراق وسقوط النظام السابق وحتى اللحظة.