عندما قال بعض القادة العرب والمفكرين والكتاب أن قطاعا كبيرا من شيعة العرب ولاؤهم لإيران وليس لأوطانهم أو أمتهم العربية هاج البعض منا واستنكروا هذا الكلام واعتبروه جزءا من التحريض الأمريكي ضد إيران ، غير أن بعض التصريحات والكتابات لأقلام وأصوات شيعية عربية معروفة ومسؤولة ، لا تحتمل سوى تأكيد ما قاله النفر الأول من أن الولاء الشيعي العربي ، إلا قليلا ، هو لإيران وليس للوطن ، بين يدي حوار صحفي أجرته الزميلة عائشة الجيار ونشرته مجلة آخر ساعة المصرية في عدد 7 فبراير الماضي ، مع القطب الشيعي الكويتي المعروف محمد باقر المهري ، الوكيل الديني الكويتي المعتمد من كافة المرجعيات الشيعية في العالم ، وهو صاحب النفوذ والعلاقات الغامضة المتشعبة مع شيعة عراقيين ومتشيعة مصريين وتوانسة وغيرهم ، في الحوار سألته الزميلة عن سبب كون أغلب علماء النجف من الإيرانيين ، فكانت إجابته "المحترمة" هي أن الإيرانيين أكثر ذكاءا من العرب ، أو كما قال بنصه الحرفي :"السبب أن الإيرانيين عندهم ذكاء يفوق الأئمة العراقيين" ، والحقيقة أن الزميلة نسيت أن تسأله عن هذه النظرية العلمية الفذة التي تفيد بأن الإيرانيين "الفرس" أكثر ذكاءا من العراقيين "العرب" ، لعلنا نستفيد من عميق علمه ، وإذا كان هو يشعر بهذه الدونية العرقية فهل يجوز له تعميمها على الآخرين ؟ ، ثم نتجاوز عن دعوته ـ في الحوار ـ إلى تقسيم العراق على أسس طائفية تحت دعوى "الفيدرالية" معتبرا أنها الحل الأمثل ، وهو ما يعني فرض نفس الحل في أي توتر مقبل على الكويت وبقية دول الخليج بنفس المنطق والأسس ، ونتجاهل أيضا توصيفه المضحك للأزمة العراقية حيث لم ير وجودا لاحتلال أو نفوذ إقليمي أو غير ذلك وإنما قال بثقة يحسد عليها عن سبب الأزمة : "أن سنة العراق لا يتخيلون أن تكون الحكومة شيعية وطنية مخلصة وكل النزاع والإرهاب من أجل ذلك ولو يتنازل الشيعة للسنة لانتهت المشكلة" ، وهي إجابة لا تحمل أي قدر من الإحساس بالمسؤولية أو احترام المخاطبين ، فالمشكلة ليست في الاحتلال العابث الذي دمر البلاد وحطم مؤسساتها وليست في العصابات المتمولة من إيران وتعيث في الأرض فسادا وتطهيرا على أسس مذهبية وليست في النفوذ الانتهازي الدموي للإيرانيين ، وليس وليس ، وإنما المشكلة في "هوس السنة بالسلطة" !! ، لكن الأهم من ذلك عندما سألته الزميلة : هل يمكن أن تقف ضد إيران ؟ وهو سؤال عادي ومنطقي ، فماذا كانت إجابته ؟ قال : إذا إيران ما عندها شيئ ضد المسلمين لماذا أقف ضدها ؟ ، بطبيعة الحال عندما تقابل السؤال بسؤال فإنها وسيلة تقليدية قديمة للهرب من الإجابة ، لأن السؤال لا يتعلق بوقت ما إذا كانت إيران حليفة ، ولكن إذا كان الخلاف بين المصالح الإيرانية مثلا والمصالح الكويتية أو العربية ، والرجل لم يقل حتى أنه يقف ضدها إذا كانت ضد المصالح الإسلامية أو العربية أو مصالح وطنه ، وإنما هرب كما رأينا ، ثم سألته الزميلة سؤالا "اختباريا" عن رأيه في اسم الخليج ، هل هو الخليج العربي كما يقول العرب جميعا وأهل الخليج أو هو الخليج الفارسي كما يصر الإيرانيون ، فكانت إجابته كالتالي : هذا السؤال لا يوجه لي بل تسأل عنه القيادات السياسية ، فأعادت عليه السؤال قائلة أن الإجابة سهلة في كتب الجغرافيا وأي شخص في الشارع ، وهو سؤال اتهامي لا يحتمل اللبس ، فكانت إجابته : هذا يرجع إلى الخرائط الموجودة ، فكررت الزميلة قائلة : لدينا نحن العرب خرائطنا ولديهم خرائطهم ، فكانت إجابته : أكرر الإجابة عند القيادات السياسية ، .. أعود وأؤكد على أن صاحب هذا الهروب المؤسف هو مواطن كويتي عربي ، حسب بطاقة الهوية ، وأعتقد أننا لو لم نعرف الاسم وصاحبه لذهب تصور البعض منا إلى أن الحوار هو مع ديبلوماسي إيراني يعتز بقوميته "الفارسية" ويحاول أن يبعد عن استفزاز جيرانه "العرب" دون أن يعترف لهم بأي حقوق أو منزلة ، لا جغرافية ولا حتى إنسانية.

جمال سلطان
صحيفة المصريون
http://www.almesryoon.com/ShowDetailsC.asp...8&Page=1&Part=8