حق العودة: هل يمكن التنازل عنه؟!
ناهض حتر
الطلب النيابي بتوضيح موقف الحكومة الاردنية من حق العودة, مناسبة لاصدار وثيقة رسمية, واضحة ومحددة وملتزمة ومكتوبة حول قضية اللاجئين, فهذا الطلب الذي وقعه, للاسف, 23 نائبا فقط - يعبر عن هواجس وطنية تشغل جميع الاردنيين.
علينا ان نتذكر الآن, ان القضية الفلسطينية كانت قائمة قبل الـ .67 وبغض النظر عن الشعارات الشعبوية الداعية الى تحرير كامل التراب الفلسطيني, فان النظام العربي الرسمي - بقيادة جمال عبد الناصر - كان له مطلبان (1) حدود التقسيم, (2) وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم. وهذان المطلبان, للعلم, ينطلقان من قرارات الشرعية الدولية.
بعد هزيمة حزيران, جرى حذف المطلب المتعلق بحدود التقسيم - وهذا بحد ذاته تنازل كبير جدا - وتم التوافق العربي والفلسطيني, في النهاية, على القبول بحدود الـ ,67 بما فيها القدس الشرقية, فهي, بالتالي, خط احمر.
لكن فيما يتصل بالمطلب الثاني, اي حق العودة, فانه لا توجد مرجعية دولية او عربية او فلسطينية, تملك التنازل عنه, فهو, في الاخير, حق شخصي للاجئ - وذريته - لا يمكن التصرف به.
حق العودة, اذن, له شقان: شق سياسي غير قابل للتفاوض من حيث المبدأ, وشق عملي ليس لاحد حق التفاوض بشأنه سوى اللاجئ - فرديا وشخصيا - ولا تستطيع حتى الحكومة الفلسطينية, التفاوض, نيابة عن لاجئ الا بتفويض قانوني لدى كاتب العدل - ولا ينفع, هنا, التفويض السياسي سواء أكان ذلك عن طريق صناديق الاقتراع او الاستفتاء الخ...
ولدى تأمين حق العودة للاجئ, يكون له الاختيار بين (1) الممارسة الفعلية للعودة (2) اكتساب جنسية اخرى بكامل الحقوق والواجبات (3) اكتساب الجنسية الفلسطينية, والاقامة في الدولة الفلسطينية (4) او اكتسابها والاقامة في دولة ثالثة. ويستحق اللاجئ, مهما كان قراره, تعويضات مالية فردية, تتحدد وفقاً لحجم الملكيات والاضرار... الخ.
غير ان خيارات اللاجئ ليست مطلقة. فهي تتحدد بالحقوق السيادية للبلدان المضيفة. ونحن لا نتحدث هنا عن بضع عشرات الآلاف من اللاجئين الذين يمكن تسوية امورهم انسانيا من دون عقابيل سياسية, بل عن اكثر من خمسة ملايين لاجئ موزعين على اراضي "الدولة" الفلسطينية - حوالي مليون ونصف المليون - والاردن - حوالي المليونين تقريبا - ولبنان - حوالي نصف المليون - وسورية - حوالي نصف المليون - ودول اخرى - حوالي نصف المليون.
وهؤلاء الملايين من البشر ليسوا مجرد ارقام, بل ملايين الذوات الاجتماعية الفاعلة الذين تربطهم ثقافة ومصالح وهوية, ويرمون مثل كل الشعوب, الى ممارسة الذات الوطنية, ولا يمكن, بالتالي, انتزاع حقوقهم السياسية - فرديا او جماعيا - مقابل ترتيبات اقتصادية او اجتماعية او حتى قانونية, ففي النهاية, لا بديل للاجتماع الانساني عن الحقوق والممارسة السياسية الكاملة, ولا بديل للانسان عن هويته الوطنية.
الاردن لا يستطيع التنازل عن حقوق اللاجئين السياسية لان ذلك يعني اعادة تأسيس الدولة على اساس "فدرالية ثنائية", وهذا, بالطبع, انتحار.
يتميز اللاجئ في الاردن بأن له صفتين قانونيتين, فهو من وجهة نظر القانون الاردني, مواطن, لكنه من وجهة نظر القانون الدولي, لاجئ. والقانون الدولي, مثلما هو معروف, اقوى من القانون المحلي, وبالتالي, فان المواطنة الاردنية لا تمس حق اللاجئ في العودة, او هويته, او شرعية حركته من اجل تحصيل حقوقه الوطنية والسياسية في بلده الام. واذا كان يمكن كبح هذه الحركة, مثلما حدث بين 48 و ,1967 ومثلما يظهر - على السطح - انه قائم الآن, فإلى حين..
تعلمنا التجربة التاريخية انه لا يمكن منع حيوية الشعب الفلسطيني النضالية او اغراقها بالمال الى ما لا نهاية, وسيكون على المنطقة كلها ان تدفع الثمن الباهظ لتجاهل مركزية قضية اللاجئين, التي يمكن تلخيصها - حسب د. سلمان ابو ستة - بانها قضية "تنفيذ" حق العودة, الذي يعتبر الامتناع عنه, "تكريسا لجريمة التنظيف العرقي. وهي جريمة حرب؟!!.
صحيفة العرب اليوم الأردنية
|