تحية للجميع

لقد قدمت للقارئ عشرة أدلة –على الأقل- تُحبط الفرضية القائلة بكون النبي –صلى الله عليه وسلم- شهوانيًا، وطلبت من الأعضاء التعليق، فما كان من الزميل عبد المسيح إلا أن علَّق على اثنين فقط وترك الباقي –أي ما نسبته 20% على أحسن تقدير-! لا لشيء وإنما لأن هذا ما وجده في الشبهات المنتشرة، فقام بنقلها بكل أمانة وظن أنه بهذا قد أبان البينة للناس.

وكل ما في كلامه هو سوء توظيف للنصوص.

يقول السيد عبد المسيح:
Arrayيبدو عزيزي أنك تتحدث عن شخص آخر غير رسول الاسلام الذي نعرفه [/quote]

وهو كلام صحيح لأنه لا يعرف رسول الله إلا من خلال أعدائه.

خلاصة الشبهة الأولى: أنه ورد في الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم باشر زوجته وهي حائض، ووردت كلمة "مباشرة" في القرآن الكريم بمعنى الجماع، والرد ببساطة أن "باشر" مشترك لفظي له أكثر من معنى، يقول الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى (وباشروهن): (المباشرة فيها قولان: أحدهما: وهو قول الجمهور أنها الجماع، سمي بهذا الاسم لتلاصق البشرتين وانضمامهما، ومنها ما روي أنه عليه السلام نهى أن يباشر الرجل الرجل، والمرأة المرأة الثانية: وهو قول الأصم: أنه الجماع فما دونه).

ومعنى "الجماع" الذي أجمع عليه المفسرون هو في الآية تلك، لا في المعنى اللغوي للكلمة، واختلافهم كان في إذا كانت تحتمل المعاني الأخرى للمباشرة كالمداعبة والقبلة واللمس، لذا ترى خلافًا فقهيًا حول حدود المباشرة أثناء الاعتكاف: (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)،يقول الرازي: (فمنهم من حمله على كل المباشرات ولم يقصره على الجماع، والأقرب أن لفظ المباشرة لما كان مشتقا من تلاصق البشرتين لم يكن مختصا بالجماع بل يدخل فيه الجماع فيما دون الفرج، وكذا المعانقة والملامسة إلا أنهم إنما اتفقوا في هذه الآية على أن المراد به هو الجماع لأن السبب في هذه الرخصة كان وقوع الجماع من القوم).

وفي لسان العرب: (ومُباشرةُ المرأَةِ: مُلامَسَتُها... وقد يرد بمعنى الوطء في الفرج وخارجًا منه).

وأدلة تحريم الجماع أثناء الحيض واضحة لا تقبل المراوغة: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذىً فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن)، فلماذا حَرَّمه هنا؟ ولماذا لم يسكت عن المسألة أصلاً؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خلاصة الشبهة الثانية أن قوله تعالى: (نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) يعني جواز وطء الدبر، وهذا معنى فاسد لا تحتمله الآية من وجوه:

• تكنيته للنساء بالحرث، وموضع الحرث هو الفرج وليس الدبر.

• "أنى" تعني "كيف" كما في قوله "أنى يكون لي غلام"، وترجيح معنى "كيف" على "متى" و "أين" هو لقرينة ذكر "الحرث".
• سباق الآية يقول: (فأتوهن من حيث أمركم الله)، وهذا صريح في وجود تحليل وتحريم لمكان الجماع، ولو كان وطء الدبر حلالاً لما صار لها معنى.

• للآية سبب نزول يفسرها كما ورد في الصحيحين: (حدثنا قتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وعمرو الناقد. (واللفظ لأبي بكر) قالوا: حدثنا سفيان عن ابن المنكدر. سمع جابرا يقول: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته، من دبرها، في قبلها، كان الولد أحول. فنزلت: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}.

• ورود تحريم وطء الدبر في السنة أيضًا.

• أجمع الفقهاء على تحريم وطء الدبر، وخالف بعض المالكيين ذلك فقالوا مكروهة كراهة شديدة.



والروايات التي استشهد بها من تفسيري الطبري وابن كثير فهي مرسلة.



أما استشهاد عبد المسيح بأحاديث تحرم وطء الدبر ومحاولة قلب الحقيقة، فلا أدري ما أقول له؟ هل هي مزحة؟ أم أنه يظن أن القارئ لا يقرأ إلا الخط الكبير؟

أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن ، أو إتيان الرجل امرأته في دبرها ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : حلال . فلما ولى الرجل دعاه ، أو أمر به فدعي ، فقال : كيف قلت ؟ في أي الخربتين ، أو في أي الخرزتين ، أو في أي الخصفتين ؟ أمن دبرها في قبلها ؟ فنعم ، أم من دبرها في دبرها ؟ فلا ، الله لا يستحي من الحق ، لا تأتوا النساء في أدبارهن .
فالسائل لم يكن واضحًا في كلامه، فدعي ووُضِّح له التحريم.

_________________________

ونعود ونقول أن السيد عبد المسيح لم يأت بجديد في الموضوع، وهو كلام سمعناه سابقًا وبان خطؤه مرارًا، والمطلوب هو استيفاء الموضوع حقه كاملاً، وأزيد من الشعر بيتًا وأضيف سؤالاً آخر:

لماذا حرم جماع الزوجة أثناء الصيام؟ لماذا لم يشرِّع تحريم الأكل والشرب فقط فيكسب المتعة مع زوجاته طوال أيام الصيام في رمضان وغيره؟