عزيزي عبدالمسيح،

أنا لم أنفِ أبداً عن العهد القديم قدسيته، ولا تجرأت أن أدعي أنه يخلو من رسالة إلهيّة. لطالما قلت ورددت أن العهد القديم هو "مغامرة مشتركة بين الله والإنسان". الله يوحي والنبي يعلن، والشعب يتجاوب إيجابيا وسلبياً. وهذا كله مدون. كل الأمر أن علينا أن نميز بين رسالة الله الصافية وبين ردود فعل البشر إزاء رسالة الله.

وكما سبق وقلت، رسالة الله بشأن الزواج مثلا تقضي بوضوح أن التحام الرجل بالمرأة أبدي. بينما علماء الشريعة اليهود حرفوه لإرضاء البشر. فعاد المسيح وأعلن الشريعة الإلهية بوضوح. وكذلك الأمر بشأن شريعة السبت، ولو كنت تعيش في فلسطين لشهدت بأم عينك "غباء" بعض الممارسات للحفاظ على شريعة السبت. وغيرها الكثير من "قيل لكم... أما أنا فأقول".

إذن الكتاب المقدس مقدس بأجمعه. ولكن هناك فرق بين تعليم إلهي وبين التطبيق العملي له من قبل بني البشر والذي قد يحيد أحيانا عن الطريق القويم.

رواية الخلق تجيب في مضمونها الأساسي على أسئلة الإنسانية حول خلق الكون والمسائل الأخلاقية والفلسفية الكبرى. للفلاسفة الإغريق آراؤهم، ولغيرهم من الفلاسفة آراؤهم، وللأديان المختلفة آراؤها، وللديانة اليهودية رأيها منطلقة من رسالة ووحي إلهي بسيط في مضمونه: الله خلق الكون والإنسان ليحيا سعيداً برفقة الإله المحب. فمن أين الشر إذا كان الله "قد رأى أن كل شيء حسن"؟! ولماذا الموت؟! وماذا بعد الموت؟! ولماذا الرجل والمرأة وكيف هي طبيعة العلاقة بينهما؟! وهلم دواليك.

والكتاب المقدس يحوي الوعد بالمخلص. ولكن يجب أن نميز شيئا في هذا الإطار. معظم الأنبياء الأوائل لم يكونوا يتحدثون عن مخلص مستقبلي. فمثلاً كثير من النبوءات كانت تدور حول داؤود الملك، ومن ثم حول ابنه سليمان. لكن الروح القدس الذي يلهم الكاتب، كان له قصد زرعه في الكتاب المقدس، وهذا القصد مستقبلي يشير إلى المسيح. الكاتب الملهم في حينه، سواء في القرن التاسع أو الخامس قبل الميلاد، لم يخطر على باله هذا القصد، ولكن فيما بعد، وخاصة في القرون الأخيرة قبل المسيح، نما الوعي لدى الشعب اليهودي إلى أن هذه النبوءات الماضية التي تحققت في داؤود أو غيره، لها صدى مستقبلي مسيحاني، وعندها تنامى التطلع والشوق لدى الشعب اليهودي إلى المخلص الذي على مثال موسى أو على رتبة ملكيصادق أو الملك الجديد الذي مثل داؤود. هذا هو عمل الروح القدس في الكتاب المقدس لا عمل البشر. فداؤود وسليمان لم يكونا ملكين بحسب مرضاة الله. كلنا عالم بخطيئة داؤود الفظيعة وبإهمال سليمان الذي سمح لعبادة الأوثان بالتغلغل من جديد إلى المملكة قبيل وفاته. إذن فالحديث يدور عن ملك مستقبلي، لكنني لا أعتقد أن أحدا في ذلك الحين وعى ذلك إلا متأخراً جداً، قبيل مجيء المسيح بقرون قليلة.

تحياتي القلبية