إذا كان السؤال الذي تبحث عن إجابته هو: مالذي يجعل الفرد إرهابيا؟
فالإجابة التي تطرحها ليست صحيحة أبدا.

لنعد صياغة السؤال مرة أخرى: ما الذي يجعل الفرد يقع في أسر أيديولوجيا شمولية؟

هذا السؤال ينطلق من مسلمة أساسية: ان الفرد يختار أيديولوجيته، وهذا الامر - أي الاختيار- لم يكن موجودا قبل تأسيس الدول الحديثة، إذ أن الممالك السابقة لا يحمل فيها الفرد أي خصوصية واستقلالية إنما هو كائن عضوي في قبيلة أو عشيرة، ينتمي لأيديولوجيتها الموروثة، دون سعي للاختيار المستقل، لأن الواقع لا يتعامل معه كفرد بل كعضو في مجموعة (ابن قبيلة، تابع لطائفة..إلخ).

لما أن جاءت الدولة الحديثة، عملت بنظامها الرأسمالي على تفتيت هذه المجموعات العضوية التي تحيط بالفرد، فالفرد هذه الأيام "يولد في مكان ويموت في مكان" كما يقول عزمي بشارة. وذلك من أجل كزب الرزق، الذي لم يعد حرث أرض أو رعي أغنام. بعد هذا التفتيت أصبح الفرد عاريا لوحده امام الدولة، وهذه المواجهة المباشرة خطرة جدا إذ أن الدولة أعبارة عن مجموعة من السلطات، بسهولة يمكن تحويلها من سلطات تنظيمية إلى سلطات قمعية.

وعندما تتحول إلى سلطات قمعية، ولا وجود لما يحمي الفرد من هذه السلطات، لا المجموعات العضوية القديمة، فالقبيلة تهمشت والطائفة تكسرت، ولا مجموعات حديثة هي مؤسسات المجتمع المدني، فإن الفرد هنا سيتبنى إزاء "شمولية الدولة القمعية" أيديولوجيا شموليا تعوضه عن افتقاره للحاجز الذي يفصله عن الدولة.. وأزمة الهوية هذه هي التي تودي بالفرد في إسار أيديولوجيا شمولية. هذه الايديولوجيا بطبعها تعبوية، تتطلب من الفرد الإخلاص الانضباط، تقمع فيه أي دوافع للاستقلال أو التساؤل، لا خلاف هنا بين التكفيريين والتبليغيين أو حتى القوميين والشيوعيين.

كيف نحمي الفرد من هذه الايديولوجيات التي لم تنتج لنا سوى الدمار منذ هتلر حتى بن لادن، الجواب بإيجاد طرق تمنع تحول سلطات الدولة من سلطات تنظيمية إلى سلطات قمعية، وذلك عبر طريقين: الأول، فصل المجتمع عن الدولة، وذلك بانشاء مجتمع قادر على التكفل بشؤونه دون تدخل من الدولة، وهو ما نسميه المجتمع المدني .الثاني، الديمقراطية، التي ليست افضل أنواع الحكم، ولكنها أقلها سوءا كما قالها ذات يوم تشرشل، فالديمقراطية ، بصيغتها الليبرالية الاخيرة، تكفل للمواطن حقوقه السياسية والاقتصادية.. وهي تسعى لكفل حقوقه الاجتماعية وحقوق الجماعات التي ينتمي اليها الافراد، كما أنها تمنحه الحرية المسؤولة في إطارها.


مضمون الايديولوجيا الشمولية نفسه ليس سببا في الوقوع بها، لكن توجه الفرد إليها ينطلق ابتداء من الدفع الذي تدفعه به الدولة القمعية.


شكرا لك